سورة الحاقةبسم اللّه الرحمن الرحيم ١الحاقة قوله تعالى { الحاقّةُ ٢ما الحاقّةُ } فيه قولان : أحدهما : أنه ما حقّ من الوعد والوعيد بحلوله ، وهو معنى قول ابن بحر . الثاني : أنه القيامة التي يستحق فيها الوعد والوعيد ، قاله الجمهور وفي تسميتها بالحاقة ثلاثة أقاويل : أحدها : ما ذكرنا من استحقاق الوعد والوعيد بالجزاء على الطاعات والمعاصي ، وهو معنى قول قتادة ويحيى بن سلام . الثاني : لأن فيها حقائق الأمور ، قاله الكلبي . الثالث : لأن حقاً على المؤمن أن يخافها . وقوله { ما الحاقة } تفخيماً لأمرها وتعظيماً لشأنها . ٣{ وما أدْراكَ ما الحاقّة } قال يحيى بن سلام : بلغني أن كل شىء في القرآن فيه { وما أدراك } فقد أدراه إياه وعلّمه إياه ، وكل شيء قال فيه { وما يدريك } فهو ما لم يعلمه إياه . وفيه وجهان : أحدهما : وما أدراك ما هذا الاسم ، لأنه لم يكن في كلامه ولا كلام قومه ، قاله الأصم . الثاني : وما أدراك ما يكون في الحاقة . ٤{ كذّبَتْ ثمودُ وعادٌ بالقارعةِ } أما ثمود فقوم صالح كانت منازلهم في الحجر فيما بين الشام والحجاز ، قاله محمد بن إسحاق : وهو وادي القرى ، وكانوا عرباً . وأما عاد فقوم هود ، وكانت منازلهم بالأحقاف ، والأحقاف الرمل بين عُمان إلى حضرموت واليمن كله ، وكانوا عرباً ذوي خَلق وبَسطة ، ذكره محمد بن إسحاق . وأما { القارعة } ففيها قولان : أحدهما : أنها قرعت بصوت كالصيحة ، وبضرب كالعذاب ، ويجوز أن يكون في الدنيا ، ويجوز أن يكون في الآخرة . الثاني : أن القارعة هي القيامة كالحاقة ، وهما اسمان لما كذبت بها ثمود وعاد . وفي تسميتها بالقارعة قولان : أحدهما : لأنها تقرع بهولها وشدائدها . الثاني : أنها مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين ، قاله المبرد . ٥{ فأمّا ثمودُ فأهلِكوا بالطاغية } فيها خمسة أقاويل : أحدها : بالصيحة ، قاله قتادة . الثاني : بالصاعقة ، قاله الكلبي . الثالث : بالذنوب ، قاله مجاهد . الرابع : بطغيانهم ، قاله الحسن . الخامس : أن الطاغية عاقر الناقة ، قاله ابن زيد . ٦{ وأمّا عادٌ فأهْلِكوا بريحٍ صَرْصَرٍ عاتيةٍ } روى مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { نُصِرْتُ بالصَّبا وأُهلِكتْ عاد بالدَّبور } . فأما صرصر ففيها قولان : أحدهما : أنها الريح الباردة ، قاله الضحاك والحسن ، مأخوذ من الصر وهو البرد . الثاني : أنها الشديدة الصوت ، قاله مجاهد . وأما العاتية ففيها ثلاثة أوجه : أحدها : القاهرة ، قاله ابن زيد . الثاني : المجاوزة لحدها . الثالث : التي لا تبقى ولا ترقب . وفي تسميتها عاتية وجهان : أحدهما : لأنها عتت على القوم بلا رحمة ولا رأفة ، قاله ابن عباس . الثاني : لأنها عتت على خزانها بإذن اللّه . ٧{ سَخّرها عليهم سَبْعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام حُسوماً } اختلف في أولها على ثلاثة أقاويل : أحدها : أنّ أولها غداة يوم الأحد ، قاله السدي . الثاني : غداة يوم الأربعاء ، قاله يحيى بن سلام . الثالث : غداة يوم الجمعة ، قاله الربيع بن أنس . وفي قوله { حُسُوماً } أربعة تأويلات : أحدها : متتابعات ، قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والفراء ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت : وكم يحيى بها من فرط عام وهذا الدهر مقتبل حسوم . الثاني : مشائيم ، قاله عكرمة والربيع . الثالث : أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها ، لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم ، وانقطعت مع غروب الشمس من آخر يوم ، قاله الضحاك . الرابع : لأنها حسمتهم ولم تبق منهم أحداً ، قاله ابن زيد ، وفي ذلك يقول الشاعر : ومن مؤمن قوم هود فأرسل ريحاً دَبوراً عقيماً توالتْ عليهم فكانت حُسوماً { فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : البالية ، قاله أبو الطفيل . الثاني : الخالية الأجواف ، قاله ابن كامل . الثالث : ساقطة الأبدان ، خاوية الأصول ، قاله السدي . وفي تشبيههم بالنخل الخاوية ثلاثة أوجه : أحدها : أن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : أن الريح كانت تدخل في أجوافهم من الخيشوم ، وتخرج من أدبارهم ، فصاروا كالنخل الخاوية ، حكاه ابن شجرة . الثالث : لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم ، فصاروا بقطعها كالنخل الخاوية . ٩{ وجاءَ فرعونُ ومَن قَبْلَهُ } فيه وجهان : أحدهما : ومن معه من قومه وهو تأويل من قرأ { ومن قِبلَهُ } بكسر القاف وفتح الباء . والثاني : ومن تقدمه ، وهو تأويل من قرأ { ومن قَبْلَهُ } بفتح القاف وتسكين الباء . { والمؤتفِكاتُ بالخاطئة } في المؤتفكات قولان : أحدهما : أنها المقلوبات بالخسف . الثاني : أنها الأفكات وهي الاسم من الآفكة ، أي الكاذبة . والخاطئة : هي ذات الذنوب والخطايا ، وفيهم قولان : أحدهما : أنهم قوم لوط . الثاني : قارون وقومه ، لأن اللّه خسف بهم . ١٠{ فعصَوْا رسولَ ربِّهم } فيه وجهان : أحدهما : فعصوا رسول اللّه إليهم بالتكذيب . الثاني : فعصوا رسالة اللّه إليهم بالمخالفة ، وقد يعبر عن الرسالة بالرسول ، قال الشاعر : لقد كذَبَ الواشون ما بُحْت عندهم بسرٍّ ولا أرسلتهم برسول . { فَأَخَذَهُمْ أَخذةً رابيةً } فيه خمسة أوجه : أحدها : شديدة ، قاله مجاهد . الثاني : مُهلكة ، قاله السدي . الثالث : تربوبهم في عذاب اللّه أبداً ، قاله أبو عمران الجوني . الرابع : مرتفعة ، قاله الضحاك . الخامس : رابية للشر ، قاله ابن زيد . ١١{ إنا لما طَغَى الماءُ حَمَلْناكم في الجاريةِ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : ظَهَر ، رواه ابن أبي نجيح . الثاني : زادَ وكثر ، قاله عطاء . الثالث : أنه طغى على خزانه من الملائكة ، غضباً لربه فلم يقدروا على حبسه ، قاله عليّ رضي اللّه عنه . قال قتادة : زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً . وروي عن ابن عباس أنه قال : ما أرسل من ريح قط إلا بمكيال . وما أنزل اللّه من قطرة قط إلا بمثقال ، إلا يوم نوح وعاد ، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه فلم يكن لهم عيله سبيل ، ثم قرأ : { إنا لما طغى الماء } الآية . وإن الريح طغت على خزانها يوم عاد فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ . { بريح صرصر عاتية سخرها عليهم } الآية . { حملناكم في الجارية } يعني سفينة نوح ، سميت بذلك لأنها جارية على الماء . وفي قوله حملناكم وجهان : أحدهما : حملنا آباءكم الذين أنتم من ذريتهم . الثاني : أنهم في ظهور آبائهم المحمولين ، فصاروا معهم ، وقد قال العباس بن عبد المطلب ما يدل على هذا الوجه وهو قوله في مدح النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : من قبلها طِبتَ في الظلال وفي مُستودع حيث يُخْصَفُ الورقُ . ثم هبطتَ البلادَ لا بشرٌ أنت ولا مُضْغةٌ ولا عَلَقُ . بل نطفةٌ تركب السَّفينَ وقد ألجَمَ نَسراً وأهلَه الغرقُ . ١٢{ لنجْعلهَا لكم تذكِرةً } يعني سفينة نوح جعلها اللّه لكم تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم في قول قتادة ، وقال ابن جريج : كانت ألواحها على الجودي . { وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيةٌ } فيه أربعة أوجه : أحدها : سامعة ، قاله ابن عباس . الثاني : مؤمنة ، قاله ابن جريج . الثالث : حافظة ، وهذا قول ابن عباس أيضاً . قال الزجاج : يقال وعيت لما حفظته في نفسك ، وأوعيت لما حفظته في غيرك . وروى مكحول أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قال عند نزول هذه الآية : { سألت ربي أن يجلعها أُذُنَ عليٍّ } قال مكحول : فكان عليٌّ رضي اللّه عنه يقول : ما سمعت من رسول اللّه شيئاً قط نسيته إلا وحفظته . الرابع : [ أنالأذن الواعية ] أُذن عقلت عن اللّه وانتفعت بما سمعت من كتاب اللّه ، قاله قتادة . ١٣فإذا نفخ في . . . . . ١٥{ فيومئذٍ وقَعَتِ الواقعةُ } فيها ثلاثة أقاويل : أحدها : القيامة . الثاني : الصيحة . الثالث : أنها الساعة التي يفنى فيها الخلق . ١٦{ وانْشَقّت السماءُ فهِي يومئذٍ واهيةٌ } في انشقاقها وجهان : أحدهما : أنها فتحت أبوابها ، قاله ابن جريج . الثاني : أنها تنشق من المجرة ، قاله عليّ رضي اللّه عنه . وفي قوله { واهية } وجهان : أحدهما : متخرقة ، قاله ابن شجرة ، مأخوذ من قولهم وَهَى السقاءُ إذا انخرق ، ومن أمثالهم : خَلِّ سبيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤه ومَن هُريق بالفلاةِ ماؤهُ أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه . الثاني : ضعيفه ، قاله يحيى بن سلام . ١٧{ والملَكُ على أَرجائها } فيه وجهان : أحدهما : على أرجاء السماء ، ولعله قول مجاهد وقتادة . الثاني : على أرجاء الدنيا ، قاله سعيد بن جبير . وفي { أرجائها } أربعة أوجه : أحدها : على جوانبها ، قاله سعيد بن جبير . الثاني : على نواحيها ، قاله الضحاك . الثالث : أبوابها ، قاله الحسن . الرابع : ما استدق منها ، قاله الربيع بن أنس . ووقوف الملائكة على أرجائها لما يؤمرون به فيهم من جنة أو نار . { ويَحْمِلُ عَرْشَ ربِّك فوقهم يَومئذٍ ثمانيةُ } يعني أن العرش فوق الثمانية وفيهم ثلاثة أقاويل : أحدها : ثمانية أملاك من الملائكة ، قاله العباس بن عبد المطلب . الثاني : ثمانية صفوف من الملائكة ، قاله ابن جبير . الثالث : ثمانية أجزاء من تسعة ، وهم الكروبيون ، قاله ابن عباس ، وروى أبو هريرة قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { يحمله اليوم أربعة ، وهم يوم القيامة ثمانية } . وفي قوله { فوقهم } ثلاثة أقاويل : أحدها : أنهم يحملون العرش فوق رؤوسهم . الثاني : أن حملة العرش فوق الملائكة الذين على أرجائها . الثالث : أنهم فوق أهل القيامة . ١٨{ يومئذٍ تُعْرَضونَ } يعني يوم القيامة ، روى الحسن عن أبي موسى قال : قال النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، أما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف من الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله } { لا تَخْفَى منكم خافيةٌ } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : لا يخفى المؤمن من الكافر ، ولا البر من الفاجر ، قاله عبد اللّه بن عمرو بن العاص . الثاني : لا تستتر منكم عورة ، كما قال النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { يحشر الناس حفاة عراة } الثالث : أن خافية بمعنى خفيّة كانوا يخفونها من أعمالهم حكاه ابن شجرة . ١٩{ فأمّا مَنْ أُوتي كتابَه بيمينه } لأن إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة . { فيقول هاؤم اقْرَؤوا كِتابيهْ } ثقة بسلامته وسروراً بنجاته ، لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرج ، والشمال من دلائل الغم ، قال الشاعر : أبيني أفي يُمْنَى يديكِ جَعَلْتِني فأفرح أم صيرتني من شِمالِك وفي قوله { هاؤمُ } ثلاثة أوجه : أحدها : بمعنى هاكم اقرؤوا كتابيه فأبدلت الهمزة من الكاف ، قاله ابن قتيبة . الثاني : أنه بمعنى هلموا اقرؤوا كتابيه ، قال الكسائي : العرب تقول للواحد هاءَ وللاثنين هاؤما وللثلاثة هاؤم . الثالث : أنها كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح روي أن أعرابياً نادى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بصوت عالٍ فأجابه هاؤم بطول صوته . والهاء من { كتابيه } ونظائرها موضوعة للمبالغة ، وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد . ٢٠{ إني ظننتُ أني مُلاقٍ حِسابِيَهْ } فيه وجهان : أحدهما : أي علمت ، قال الضحاك : كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين ، ومن الكافر فهو شك ، وقال مجاهد : ظن الآخرة يقين ، وظن الدنيا شك . الثاني : ما قاله الحسن في هذه الآية ، أن المؤمن أحْسن بربه الظن ، فأحسن العمل ، وأن المنافق أساء بربه الظن فأساء العمل . وفي الحساب ها هنا وجهان : أحدهما : في البعث . الثاني : في الجزاء . ٢١{ فهو في عِيشَةٍ راضيةٍ } بمعنى مَرْضيّة ، قال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري يرفعانه : إنهم يعيشون فلا يموتون أبداً ، ويصحّون فلا يمرضون أبداً ، ويتنعمون فلا يرون بؤساً أبداً ، ويشبّون فلا يهرمون أبداً . ٢٢{ في جنة عالية } يحتمل وجهين : أحدهما : رفيعة المكان . الثاني : عظيمة في النفوس . ٢٣{ قطوفها دانيةٌ } يحتمل وجهين : أحدهما : دانية من الأيدي يتناولها القائم والقاعد . الثاني : دانية الإدراك لا يتأخر حملها ولا نضجها . ٢٤كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي اْلأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (٢٤) ٢٥{ وأمّا من أُوتي كتابه بشماله } يحتمل وجهين : أحدهما : أنه كان يقول ذلك راجياً . الثاني : أنه كان مستوراً فافتضح ، ومن عادة العرب أن تفرق بين القبول والرد وبين الكرامة والهوان ، باليمين والشمال ، فتجعل اليمين بشيراً بالقبول والكرامة ، وتجعل الشمال نذيراً بالرد والهوان . ٢٦{ ولم أَدْرِ ما حِسابِيَهْ } يحتمل وجهين : أحدهما : لما شاهد من كثرة سيئاته وكان يظنها قليلة ، لأنه أحصاه اللّه ونسوه . الثاني : لما رأى فيه من عظيم عذابه وأليم عقابه . ٢٧{ يَا لَيْتَها كانت القاضيةَ } فيه وجهان : أحدهما : يعني موتاً لا حياة فيه بعدها ، قاله الضحاك . الثاني : أنه تمنى أن يموت في الحال ، ولم يكن في الدنيا أكره إليه من الموت ، قاله قتادة . ٢٨{ ما أغْنَى عَنيِّ مالِيَهْ } يحتمل وجهين : أحدهما : أن كثرة ماله في الدنيا لم يمنع عنه في الآخرة . الثاني : لأن رغبته في زينة الدنيا وكثرة المال هو الذي ألهاه عن الآخرة . ٢٩{ هَلَكَ عني سُلْطانِيَهْ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : معناه ضللت عن حُجّتي ، قاله مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك . الثاني : سلطانه الذي تسلط به على بدنه حتى أقدم به على معصيته ، وهذا معنى قول قتادة . الثالث : أنه كان في الدنيا مطاعاً في أتباعه ، عزيزاً في امتناعه ، وهذا معنى قول الربيع بن أنس . وحكي أن هذا في أبي جهل بن هشام ، وذكر الضحاك أنها نزلت في الأسود ابن عبد الأسد . ٣٠خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ٣١ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ٣٢ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢) ٣٣إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) ٣٤وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) ٣٥{ فليس له اليومَ ها هنا حَميمٌ } الحميم : القريب ، ومعناه ليس له قريب ينفعه ويدفع عنه كما كان يفعل معه في الدنيا . ٣٦{ ولا طعامٌ إلا مِنْ غِسْلين } فيه أربعة أقاويل : أحدها : أنه غسالة أطرافهم ، قاله يحيى بن سلام ، قال الأخفش : هو فعلين من الغسل . الثاني : أنه صديد أهل النار ، قاله ابن عباس . الثالث : أنه شجرة في النار هي أخبث طعامهم ، قاله الربيع بن أنس . الرابع : أنه الحار الذي قد اشتد نضجه ، بلغة أزد شنوءة . ٣٧لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ (٣٧) ٣٨{ فلا أُقْسِمُ بما تُبصِرون } قال مقاتل : سبب ذلك أن الوليد بن المغيرة قال : إن محمداً ساحر ، وقال أبو جهل : إنه شاعر ، وقال عقبة بن معيط : إنه كاهن فقال اللّه تعالى قسماً على كذبهم { فلا أُقْسِم } أي أقسم ، و { لا } صلة زائدة . ٣٩{ وَما لا تُبْصِرونَ } فيه وجهان : أحدهما : بما تبصرون من الخلق وما لا تبصرون من الخلق ، قاله مقاتل . الثاني : أنه رد لكلام سبق أي ليس الأمر كما يقوله المشركون . ويحتمل ثالثاً : بما تعلمون وما لا تعلمون ، مبالغة في عموم القسم . ٤٠{ إنه لَقْولُ رسولٍ كريمٍ } فيه قولان : أحدهما : جبريل ، قاله الكلبي ومقاتل . الثاني : رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، قال ابن قتيبة : وليس القرآن من قول الرسول ، إنما هو من قول اللّه وإبلاغ الرسول ، فاكتفى بفحوى الكلام عن ذكره . ٤١وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) ٤٢وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) ٤٣تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣) ٤٤{ ولو تَقوَّل علينا بَعْضَ الأقاويل } أي تكلّف علينا بعض الأكاذيب ، حكاه عن كفار قريش أنهم قالوا ذلك في النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) . ٤٥{ لأخْذنا منه باليمين } فيه خمسة تأويلات : أحدها : لأخذنا منه قوّته كلها ، قاله الربيع . الثاني : لأخذنا منه بالحق ، قاله السدي والحكم ، ومنه قول الشاعر : إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لمجدٍ تَلَقّاها عَرابةُ باليَمينِ أي بالاستحقاق . الثالث : لأخذنا منه بالقدرة ، قاله مجاهد . الرابع : لقطعنا يده اليمنى ، قاله الحسن . الخامس : معناه لأخذنا بيمينه إذلالاً له واستخفافاً به ، كما يقال لما يراد به الهوان ، خذوا بيده ، حكاه أبو جعفر الطبري . ٤٦{ ثم لَقَطَعْنا مِنه الوَتينَ } فيه أربعة أقاويل : أحدها : أنه نياط القلب ويسمى حبل القلب ، وهو الذي القلب معلق به ، قاله ابن عباس . الثاني : أنه القلب ومراقّه وما يليه ، قاله محمد بن كعب . الثالث : أنه الحبل الذي في الظهر ، قاله مجاهد . الرابع : أنه عرق بين العلباء والحلقوم ، قاله الكلبي . وفي الإشارة إلى قطع ذلك وجهان : أحدهما : إرادة لقتله وتلفه ، كما قال الشاعر : إذا بَلَّغْتِني وَحَمَلْتِ رحْلي عرابة فاشربي بدَمِ الوَتينِ الثاني : ما قاله عكرمة أن الوَتين إذا قطع لا إن جاع عَرَق ، ولا إن شبع عَرَقَ . ٤٨{ وإنه لتَذْكرةٌ للمُتّقِينَ } يعني القرآن ، وفي التذكرة أربعة أوجه : أحدها : رحمة . الثاني : ثَبات . الثالث : موعظة . الرابع : نجاة . ٤٩{ وإنّا لَنَعْلَمُ أنَّ منكم مُكذِّبينَ } قال الربيع : يعني بالقرآن . { وإنّه } يعني القرآن . ٥٠{ لَحسْرةٌ على الكافرين } يعني ندامة يوم القيامة . ويحتمل وجهاً ثانياً : أن يزيد حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحدّيهم أن يأتوا بمثله . ٥١{ وإنّه لَحقُّ اليقينِ } فيه وجهان : أحدهما : أي حقاً ويقيناً ليكونن الكفر حسرة على الكافرين يوم القيامة ، قاله الكلبي . الثاني : يعني القرآن عند جميع الخلق أنه حق ، قال قتادة : إلا أن المؤمن أيقن به في الدنيا فنفعه ، والكافر أيقن به في الآخرة فلم ينفعه . ٥٢{ فَسَبِّحْ باسْمِ ربِّكَ العظيم } فيه وجهان : أحدهما : فصلِّ لربك ، قاله ابن عباس . الثاني : فنزهه بلسانك عن كل قبيح . |
﴿ ٠ ﴾