سورة المعارج

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى : { سأَل سائلٌ } قرأه الجمهور بهذين الحرفين في سأل سائل ، وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : معناه استخبر مستخبر عن العذاب متى يقع ، على التكذيب .

الثاني : دعا داع أن يقع البلاء بهم على وجه الاستهزاء ، قاله مجاهد .

الثالث : طلب طالب .

{ بعذابٍ واقعٍ } وفي هذا الطالب ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنهالنضر بن الحارث ، وكان صاحب لواء المشركين يوم بدر ، وقد سأل ذلك في قوله { اللّهم إن كان هذا هو الحقَ من عندك فأمطِرْ علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } " [ الأنفال : ٣٢ ] قاله ابن عباس ومجاهد .

الثاني : أنه أبو جهل : وهو القائل لذلك ، قاله ربيع بن أبي حمزة .

الثالث : أنه قول جماعة من قريش .

وفي هذا العذاب قولان :

أحدهما : أنه العذاب في الآخرة ، قاله مجاهد .

الثاني : أنها نزلت بمكة وعذابه يوم بدر بالقتل والأسر ، قاله السدي .

وقرأ نافع وزيد بن أسلم وابنه { سأل سايل } غير مهموز ، وسايل واد في جهنم ، وسمي بذلك لأنه يسيل بالعذاب .

٣

{ مِن اللّه ذي المعارج } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : ذي الدرجات ، قاله ابن عباس .

الثاني : ذي الفواضل والنعم ، قاله قتادة .

الثالث : ذي العظمة والعلاء .

الرابع : ذي الملائكة ، لأنهم كانوا يعرجون إليه ، قاله قتيبة .

الخامس : أنها معارج السماء ، قاله مجاهد .

٤

{ تَعْرُجُ الملائكةُ والروحُ إليه } أي تصعد ، وفي الروح ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه روح الميت حين يقبض ، قاله قَبيصة بن ذؤيب ، يرفعه .

الثاني : أنه جبريل ، كما قال تعالى : { نزل به الروح الأمين } .

الثالث : أنه خلق من خلق اللّه كهيئة الناس وليس بالناس ، قاله أبو صالح .

{ في يوم كان مِقدارُه خمسينَ ألْفَ سنةٍ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه يوم القيامة ، قاله محمد بن كعب والحسن .

الثاني : أنها مدة الدنيا ، مقدار خمسين ألف سنة ، لا يدري أحد كم مضى وكم بقي إلا اللّه ، قاله عكرمة .

الثالث : أنه مقدار مدة الحساب في عرف الخلق أنه لو تولى بعضهم محاسبة بعض لكان مدة حسابهم خمسين ألف سنة ، إلا أن اللّه تعالى يتولاه في أسرع مدة .

وروى معاذ عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) أنه قال : { يحاسبهم اللّه بمقدار ما بين الصلاتين ولذلك سمى نفسه سريع الحساب ، وأسرع الحاسبين } .

٥

{ فاصْبِرْ صَبْراً جَميلاً } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : أنه الصبر الذي ليس فيه جزع ، قاله مجاهد .

الثاني : أنه الصبر الذي لا بث فيه ولا شكوى .

الثالث : أنه الانتظار من غير استعجال ، قاله ابن بحر .

الرابع : أنه المجاملة في الظاهر ، قاله الحسن .

وفيما أُمر بالصبر عليه قولان :

أحدهما : أُمر بالصبر على ما قذفه المشركون من أنه مجنون وأنه ساحر وأنه شاعر ، قاله الحسن .

الثاني : أنه أُمر بالصبر على كفرهم ، وذلك قبل أن يفرض جهادهم ، قاله ابن زيد .

٦

{ إنهم يَرَوْنه بعيداً } فيه قولان :

أحدهما : أنه البعث في القيامة .

الثاني : عذاب النار .

وفي المراد بالبعيد وجهان :

أحدهما : مستحيل غير كائن .

الثاني : استبعاد منهم للآخرة .

٧

{ ونراه قريباً } أي كائناً ، لأن ما هو كائن قريب .

٨

{ يومَ تكونُ السّماءُ كالمُهْلِ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : كدرديّ الزيت ، قاله ابن عباس .

الثاني : كمذاب الرصاص والنحاس والفضلة ، قاله ابن مسعود .

الثالث : كقيح من دم ، قاله مجاهد .

٩

{ وتكونُ الجبالُ كالعِهْنِ } يعني كالصوف المصبوغ ، والمعنى أنها تلين بعد الشدة ، وتتفرق بعد الاجتماع .

١٠

{ يُبْصّرُونَهم } فيه أربعة أوجه :

أحدها : أنه يبصر بعضهم بعضاً فيتعارفون ، قاله قتادة .

الثاني : أن المؤمنين يبصرون الكافرين ، قاله مجاهد .

الثالث : أن الكافرين يبصرون الذين أضلوهم في النار ، قاله ابن زيد .

الرابع : أنه يبصر المظلوم ظالمه ، والمقتول قاتله .

١١

{ يَوَدّ المجْرِمُ } فيه وجهان :

أحدهما : يحب .

الثاني : يتمنى ، والمجرم هو الكافر .

{ لو يَفْتَدِي مِن عَذابِ يومِئذ } يعني يفتدي من عذاب جهنم بأعز من كان عليه في الدنيا من أقاربه ، فلا يقدر .

ثم ذكرهم فقال : { ببنيه } .

١٢

{ وصاحبته } يعني زوجته : { وأخيه } .

١٣

{ وفصيلته } فيه وجهان :

أحدهما : عشيرته التي تنصره ، قاله ابن زيد .

الثاني : أنها أمه التي تربيه ، قاله مالك ، وقال أبو عبيدة : الفصيلة دون القبيلة .

١٤

{ التي تؤويه } فيه وجهان :

أحدهما : التي يأوي إليها في نسبه ، قاله الضحاك .

الثاني : يأوي إليها في خوفه .

١٥

{ كلا إنها لَظَى } فيه وجهان :

أحدهما : أنها اسم من أسماء جهنم ، سميت بذلك لأنها التي تتلظى ، وهو اشتداد حرها .

الثاني : أنه اسم الدرك الثامن في جهنم ، قاله الضحاك .

١٦

{ نَزّاعة للشّوَى } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : أنها أطراف اليدين والرجلين ، قاله أبو صالح ، قال الشاعر :

إذا نَظَرْتَ عَرَفْت الفخر منها

وعَيْنيها ولم تعْرِفْ شَواها .

الثاني : قال الضحاك : هي جهنم تفري اللحم والجلد عن العظم ، وقال مجاهد : جلدة الرأس ومنه قول الأعشى :

قالت قُتَيْلَةُ ما لَه

قد جُلِّلَتْ شيْباً شَواتهُ .

الثالث : أنه العصب والعقب ، قاله ابن جبير .

الرابع : أنه مكارم وجهه ، قاله الحسن .

الخامس : أنه اللحم والجلد الذي على العظم ، لأن النار تشويه ، قاله الضحاك .

١٧

{ تَدْعو مَنْ أَدْبَرَ وتَوَلّى } وفي دعائها ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها تدعوهم بأسمائهم فتقول للكافر : يا كافر إليّ ، وللمنافق : يا منافق إليّ ، قاله الفراء .

الثاني : أن مصير من أدبر وتولى إليها ، فكأنها الداعية لهم ، ومثله قول الشاعر :

ولقد هَبَطْنا الوادِيَيْن فوادياً

يَدْعو الأنيسَ به العَضيضُ الأبكمُ .

العضيض الأبكم : الذباب ، وهو لا يدعو وإنما طنينه ينبه عليه ، فدعا إليه .

الثالث : الداعي خزنة جهنم أضيف دعاؤهم إليها ، لأنهم يدعون إليها .

وفي ما { أدبر وتولى } عنه أربعة أوجه :

أحدها : أدبر عن الطاعة وتولى عن الحق ، قاله مجاهد .

الثاني : أدبر عن الإيمان وتولى إلى الكفر ، قاله مقاتل .

الثالث : أدبر عن أمر اللّه وتولى عن كتاب اللّه ، قاله قتادة .

الرابع : أدبر عن القبول وتولى عن العمل .

١٨

{ وجَمَع فأوْعَى } يعني الذي أدبر وتولى جمع المال فأوعى ، بأن جعله في وعاء حفظاً له ومنعاً لحق اللّه منه ، قال قتادة : فكان جموعاً منوعاً .

١٩

{ إنّ الإنسانَ خُلِقَ هَلُوعاً } قال الضحاك والكلبي : يعني الكافر . وفي الهلوع ستة أوجه :

أحدها : أنه البخيل ، قاله الحسن .

الثاني : الحريص ، قاله عكرمة .

الثالث : الضجور ، قاله قتادة .

الرابع : الضعيف ، رواه أبو الغياث .

الخامس : أنه الشديد الجزع ، قاله مجاهد .

٢٠

السادس : أنه الذي قاله اللّه تعالى فيه : { إذا مسّه الشرُّ . . . } الآية ، قاله ابن ابن عباس .

وفيه وجهان :

أحدهما : إذا مسه الخير لم يشكر ، وإذا مسه الشر لم يصبر ، وهو معنى قول عطية .

الثاني : إذا استغنى منع حق اللّه وشح ، وإذا افتقر سأل وألح ، وهو معنى قول يحيى بن سلام .

٢٣

{ الذين هُمْ على صَلاتِهم دائمونَ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : يحافظون على مواقيت الفرض منها ، قاله ابن مسعود .

الثاني : يكثرون فعل التطوع منها ، قاله ابن جريج .

الثالث : لا يلتفتون فيها ، قاله عقبة بن عامر .

٢٤

{ والذين هم لأماناتِهم وعَهْدِهم راعُونَ } فيه وجهان :

أحدهما : أن الأمانة ما ائتمنه الناس عليه أن يؤديه إليهم ، والعهد : ما عاهد الناس عليه أن يَفيَ لهم به ، قاله يحيى بن سلام .

الثاني : أن الأمانة الزكاة أن يؤديها ، والعهد : الجنابة أن يغتسل منها وهو معنى قول الكلبي .

ويحتمل ثالثاً : أن الأمانة ما نهي عنه من المحظورات ، والعهد ما أمر به من المفروضات .

٢٥

لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)

٢٦

وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦)

٢٧

وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧)

٢٨

إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)

٢٩

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٢٩)

٣٠

إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠)

٣١

فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٣١)

٣٢

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٣٢)

٣٣

{ والذين هُم بشهاداتِهم قائمونَ } فيه وجهان :

أحدهما : أنها شهادتهم على أنبيائهم بالبلاغ ، وعلى أممهم بالقبول أو الامتناع .

الثاني : أنها الشهادات في حفظ الحقوق بالدخول فيها عند التحمل ، والقيام بها عند الأداء .

ويحتمل ثالثاً : أنهم إذا شاهدوا أمراً أقاموا الحق للّه تعالى فيه ، من معروف يفعلونه ويأمرون به ، ومنكر يجتنبونه وينهون عنه .

٣٤

وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٣٤)

٣٥

أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)

٣٦

فمال الذين كفروا . . . . .

{ فما للذين كَفَروا قِبلَكَ مُهْطِعينَ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : مسرعين ، قاله الأخفش ، قال الشاعر :

بمكةَ دارُهم ولقد أراهم

بمكةَ مُهطِعين إلى السماع

الثاني : معرضين ، قاله عطية العوفي .

الثالث : ناظرين إليك تعجباً ، قاله الكلبي .

٣٧

{ عن اليمين وعن الشِّمال عِزِينَ } فيه خمسة أوجه :

أحدها : متفرقين ، قاله الحسن ، قال الراعي :

أخليفةَ الرحمنِ إن عشيرتي

أمسى سَراتُهُمُ إليك عِزينا .

الثاني : محتبين ، قال مجاهد .

الثالث : أنهم الرفقاء والخلطاء ، قاله الضحاك .

الرابع : أنهم الجماعة القليلة ، قاله ابن أسلم .

الخامس : أن يكونوا حِلقاً وفرقاً .

روى أبو هريرة أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) خرج على أصحابه وهم حِلَق فقال : { ما لي أراكم عزين } قال الشاعر :

ترانا عنده والليل داج

على أبوابه حِلقاً عِزينا .

{ يوم يَخْرجون من الأجداثِ سِراعاً } يعني من القبور .

{ كأنهم إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } في { نصب } قراءتان : إحداهما بتسكين الصاد ، والأخرى بضمها .

وفي اختلافهما وجهان :

أحدهما : معناهما واحد ، قاله المفضل وطائفة ، فعلى هذا في تأويله أربعة أوجه :

أحدها : معناه إلى علم يستبقون ، قاله قتادة .

الثاني : إلى غايات يستبقون ، قاله أبو العالية .

الثالث : إلى أصنامهم يسرعون ، قاله ابن زيد ، وقيل إنها حجارة طوال كانوا يعبدونها .

الرابع : إلى صخرة بيت المقدس يسرعون .

والوجه الثاني من الأصل أن معنى القراءتين مختلف ، فعلى هذا في اختلافهما وجهان :

أحدهما : أن النُّصْب بالتسكين الغاية التي تنصب إليها بصرك ، والنُّصُب بالضم واحد الأنصاب ، وهي الأصنام ، قاله أبو عبيدة ومعنى { يوفضون } يسرعون ، والإيفاض الإسراع ، ومنه قول رؤبة :

يمشين بنا الجد على الإيفاض

بقطع أجواز الفلا انفضاض .

٣٨

أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨)

٣٩

كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩)

٤٠

فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (٤٠)

٤١

عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)

٤٢

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢)

٤٣

يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ اْلأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣)

٤٤

خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)

﴿ ٠