سورة الجنبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى { قل أُوحِيَ إليَّ أنّه إسْتَمَعَ نَفَرٌ مِن الجنَّ } اختلف أهل التفسير في سبب حضور النفر من الجن إلى رسوله اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) لسماع القرآن على قولين : أحدهما : أن اللّه تعالى صرفهم إليه بقوله : { وإذا صَرَفْنا إليك نفراً من الجن } " [ الأحقاف : ٢٩ ] ، قاله ابن مسعود والضحاك وطائفة . الثاني : أنه كان للجن مقاعد في السماء الدنيا يستمعون منها ما يحدث فيها من أمور الدنيا ، فلما بعث اللّه رسوله محمداً ( صلى اللّه عليه وسلم ) حرست السماء الدنيا من الجن ورجموا بالشهب ، قال السدي : ولم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو أثر له ظاهر ، قال : فلما رأى أهل الطائف اختلاف الشهب في السماء قالوا : هلك أهل السماء فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويسيبون مواشيهم ، فقال لهم عبد يا ليل بن عمرو : ويحكم أمسكوا عن أموالكم وانظروا إلى معالم النجوم ، فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها لم يهلك أهل السماء ، وإنما هذا من أجل ابن أبي كبشة يعني محمداً فلما رأوها مستقرة كفّواً . وفزعت الجن والشياطين ، ففي رواية السدي أنهم أتوا إبليس فأخبروه بما كان من أمرهم ، فقال : ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوها فشمها فقال : صاحبكم بمكة فبعث نفراً من الجن . . وفي رواية ابن عباس : أنهم رجعوا إلى قومهم فقالوا : ما حال بيننا وبين السماء إلا أمر حدث في الأرض ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، ففعلوا حتى أتوا تهامة ، فوجدوا محمداً ( صلى اللّه عليه وسلم ) يقرأ . ثم اختلفوا لاختلافهم في السبب ، هل شاهد رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) الجن أم لا ؟ فمن قال إنهم صرفوا إليه قال إنه رآهم وقرأ عليهم ودعاهم ، روى ابن مسعود أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قال { قد أمرت أن أتلو القرآن على الجن فمن يذهب معي ؟ فسكتوا ، ثم الثانية فسكتوا ، ثم الثالثة ، فقال ابن مسعود أنا أذهب معك ، فانطلق حتى جاء الحجون عند شعب أبي دُب ، فخط عليَّ خطاً ثم قال : لا تجاوزه ، ثم مضى إلى الحجون فانحدروا عليه أمثال الحجل حتى غشوة فلم أره } قال عكرمة : وكانوا اثني عشر ألفاً من جزيرة الموصل . ومن قال إنهم صرفوا في مشارق الأرض ومغاربها لاستعلام ما حدث فيها ، قال إن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) لم يرها . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما قرأ رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) علىالجن ولا رآهم ، وإنما انطلق في نفر من أصحابه إلى سوق عكاظ ، فأتوه وهو بنخلة عامداً ، إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن قالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء . قال عكرمة : السورة التي كان يقرؤها { اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } واختلف قائلوا هذا القول في عددهم ، فروى عاصم عن زر بن حبيش أنهم كانوا تسعة ، أحدهم زوبعة ، أتوه في بطن نخلة . وروى ابن جريج عن مجاهد : أنهم كانوا سبعة ، ثلاثة من أهل حران ، وأربعة من أهل نصيبين ، وكانت أسماؤهم : حسى ومسى وماصر وشاصر والأرد وأتيان والأحقم . وحكى جويبر عن الضحاك أنهم كانوا تسعة من أهل نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق ، وهم سليط وشاصر وماصر وحسا ومنشا ولحقم والأرقم والأرد وأتيان ، وهم الذين قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً ، وكانوا قد أدركوا رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ببطن نخلة في صلاة الصبح فصلّوا معه : { فلما قضى ولّوْا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمِنوا به } . وقيل إن الجن تعرف الإنس كلها فلذلك توسوس إلى كلامهم . واختلف في أصل الجن ، فروى إسماعيل عن الحسن البصري أن الجن ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون وهم شركاء في الثواب والعقاب فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمناً فهو ولي اللّه ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافراً فهو شيطان . وروى الضحاك عن ابن عباس : أن الجن هم ولد الجان وليسوا شياطين وهم يموتون ، ومنهم المؤمن والكافر ، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس . أصلهم ، فمن زعم أنهم من الجان لا من ذرية إبليس قال يدخلون الجنة بإيمانهم ، ومن قال هم من ذرية إبليس فلهم فيها قولان : أحدهما : يدخلونها وهو قول الحسن . الثاني : وهو رواية مجاهد ، لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار . وفي قوله تعالى : { إنا سَمِعْنا قُرآنا عَجَباً } ثلاثة أوجه : أحدها : عجباً في فصاحة كلامه . الثاني : عجباً في بلاغة مواعظة . الثالث : عجباً في عظم بركته . |
﴿ ١ ﴾