سورة الإنسانبسم اللّه الرحمن الرحيم ١هل أتى على . . . . . قال ابن عباس ومقاتل والكلبي ويحيى بن سلام : هي مكية ، وقال آخرون فيها مكي من قوله تعالى : { إنا نحن نزّلنا عليك القرآنَ تنزيلاً } إلى آخرها وما تقدم مدني . قوله تعالى : { هلْ أتَى على الإنسان حينٌ من الدهْرِ لم يكُنْ شيئاً مذكوراً } في قوله { هل } وجهان : أحدهما : أنها في هذا الموضع بمعنى قد ، وتقدير الكلام : { قد أتى على الإنسان } الآية ، على معنى الخبر ، قاله الفراء وأبو عبيدة . الثاني : أنه بمعنى { أتى على الإنسان } الآية ، على وجه الاستفهام ، حكاه ابن عيسى . وفي هذا { الإنسان } قولان : أحدهما : أنه آدم ، قاله قتادة والسدي وعكرمة ، وقيل إنه خلقه بعد خلق السموات والأرض ، وما بينهما في آخر اليوم السادس وهو آخر يوم الجمعة . الثاني : أنه كل إنسان ، قاله ابن عباس وابن جريج . وفي قوله تعالى : { حينٌ من الدهر } ثلاثة أقاويل : أحدهأ : أنه أربعون سنة مرت قبل أن ينفخ فيه الروح ، وهو ملقى بين مكة والطائف ، قاله ابن عباس في رواية أبي صالح عنه . الثاني : أنه خلق من طين فأقام أربعين سنة ، ثم من حمأ مسنون أربعين سنة ، ثم من صلصال أربعين سنة ، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ، ثم نفخ فيه الروح ، وهذا قول ابن عباس في رواية الضحاك . الثالث : أن الحين المذكور ها هنا وقت غير مقدر وزمان غير محدود ، قاله ابن عباس أيضاً . وفي قوله { لم يكن شيئاً مذكوراً } وجهان : أحدهما : لم يكن شيئاً مذكوراً في الخلق ، وإن كان عند اللّه شيئاً مذكوراً ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : أي كان جسداً مصوّراً تراباً وطيناً ، لا يذكر ولا يعرف ، ولا يدري ما اسمه ، ولا ما يراد به ، ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً ، قاله الفراء ، وقطرب وثعلب . وقال مقاتل : في الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره : هل أتى حين من الدهر لم يكن الإنسان شيئاً مذكوراً ، لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله ولم يخلق بعده حيواناً . ٢{ إنّا خلقْنا الإنسانَ من نُطْفَةٍ أمْشاجٍ } يعني بالإنسان في هذا الموضع كل إنسان من بني آدم في قول جميع المفسرين . وفي النطفة قولان : أحدهما : ماء الرجل وماء المرأة إذا اختلطا فهما نطفة ، قاله السدي . الثاني : أن النطفة ماء الرجل ، فإذا اختلط في الرحم وماء المرأة صارا أمشاجاً . وفي الأمشاج أربعة أقاويل : أحدها : أنه الأخلاط ، وهو أن يختلط ماء الرجل بماء المرأة ، قاله الحسن وعكرمة ، ومنه قول رؤبة بن العجاج : يطرحن كل مُعْجَل نشاجِ لم يُكْسَ جلداً في دم أمشاج . الثاني : أن الأمشاج الألوان ، قاله ابن عباس ، وقال مجاهد : نطفة الرجل بيضاء وحمراء ، ونطفة المرأة خضراء وصفراء . روى سعيد عن قتادة عن أنس قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر فأيهما سبق أو علا فمنه يكون الشبه } . الثالث : أن الأمشاج : الأطوار ، وهو أن الخلق يكون طوراً نطفة ، وطوراً علقة ، وطوراً مضغة ، ثم طوراً عظماً ، ثم يكسى العظم لحماً ، قاله قتادة . الرابع : أن الأمشاج العروق التي تكون في النطفة ، قاله ابن مسعود . وفي قوله { نَبْتَلِيه } وجهان : أحدهما : نختبره . الثاني : نكلفه بالعمل . فإن كان معناه الاختبار ففيما يختبر به وجهان : أحدهما : نختبره بالخير والشر ، قاله الكلبي . الثاني : نختبر شكره في السراء ، وصبره في الضراء ، قاله الحسن . ومن جعل معناه التكليف ففيما كلفه وجهان : أحدهما : العمل بعد الخلق ، قاله مقاتل . الثاني : الدين ، ليكون مأموراً بالطاعة ، ومنهياً عن المعاصي . { فَجَعَلْناه سميعاً بصيراً } ويحتمل وجهين : أحدهما : أي يسمع بالأذنين ويبصر بالعينين أمتناناً بالنعمة عليه . الثاني : ذا عقل وتمييز ليكون أعظم في الامتنان حيث يميزه من جميع الحيوان . وقال الفراء ومقاتل : في الآية تقديم وتأخير أي فجعلناه سميعاً بصيراً أن نبتليه ، فعلى هذا التقديم في الكلام اختلفوا في ابتلائه على قولين : أحدهما : ما قدمناه من جعله اختباراً أو تكليفاً . الثاني : لنبتليه بالسمع والبصر ، قاله ابن قتيبة . ٣{ إنّا هَدَيْناه السّبيلَ } فيه أربعة تأويلات : أحدها : سبيل الخير والشر ، قاله عطية . الثاني : الهدى من الضلالة ، قاله عكرمة . الثالث : سبيل الشقاء والسعادة ، قاله مجاهد . الرابع : خروجه من الرحم ، قاله أبو صالح والضحاك والسدي . ويحتمل خامساً : سبيل منافِعِه ومضارِّه التي يهتدي إليها بطبعه ، وقيل : كمال عقله . { إمّا شاكراً وإمّا كَفوراً } فيه وجهان : أحدهما : إما مؤمناً وإما كافراً ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : إما شكوراً للنعمة وإما كفوراً بها ، قاله قتادة . وجمع بين الشاكر والكفور ولم يجمع بين الشكور والكفور - مع إجتماعهما في معنى المبالغة - نفياً للمبالغة في الشكر وإثباتاً لها في الكفر ، لأن شكر اللّه تعالى لا يُؤدَّى فانتفت عنه المبالغة ، ولم تنتف عن الكفر المبالغة ، فقل شكره لكثرة النعم عليه ، وكثر كفره وإن قل مع الإحسان إليه . ٤إنا أعتدنا للكافرين . . . . . { إن الإبرار يَشْربونَ } في الأبرار قولان : أحدهما : أنهم الصادقون ، قاله الكلبي . الثاني : المطيعون ، قاله مقاتل . وفيما سُمّوا أبراراً ثلاثة أقاويل : أحدها : سمّوا بذلك لأنهم برّوا الآباء والأبناء ، قاله ابن عمر . الثاني : لأنهم كفوا الأذى ، قاله الحسن . الثالث : لأنهم يؤدون حق اللّه ويوفون بالنذر ، قاله قتادة . ٥وقوله { مِن كأسٍ } يعني الخمر ، قال الضحاك : كل كأس في القرآن فإنما عنى به الخمر . وفي وقوله { كان مِزاجها كافوراً } قولان : أحدهما : أن كافوراً عين في الجنة اسمها كافور ، قاله الكلبي . الثاني : أنه الكافور من الطيب فعلى هذا في المقصود منه في مزاج الكأس به ثلاثة أقاويل : أحدها : برده ، قال الحسن : ببرد الكافور وطعم الزنجبيل . الثاني : بريحه ، قاله قتادة : مزج بالكافور وختم بالمسك . الثالث : طعمه ، قال السدي : كأن طعمه طعم الكافور . ٦{ عَينْاً يَشْرَبُ بها عبادُ اللّه } يعني أولياء اللّه ، لأن الكافر لا يشرب منها شيئاً وإن كان من عباد اللّه ، وفيه وجهان : أحدهما : ينتفع بها عباد اللّه ، قاله الفراء . الثاني : يشربها عباد اللّه . قال مقاتل : هي التسنيم ، وهي أشرف شراب لاجنة ، يشرب بها المقربون صِرفاً ، وتمزج لسائر أهل الجنة بالخمر واللبن والعسل . { يُفَجِّرونَها تفْجيراً } فيه وجهان : أحدهما : يقودونها إلى حيث شاءوا من الجنة ، قاله مجاهد . الثاني : يمزجونها بما شاءوا ، قاله مقاتل . ويحتمل وجهاً ثالثاً : أن يستخرجوه من حيث شاءوا من الجنة . وفي قوله { تفجيراً } وجهان : أحدهما : أنه مصدر قصد به التكثير . الثاني : أنهم يفجرونه من تلك العيون عيوناً لتكون أمتع وأوسع . ٧{ يُوفُونَ بالنّذْرِ } فيه أربعة أوجه : أحدها : يوفون بما افترض اللّه عليهم من عبادته ، قاله قتادة . الثاني : يوفون بما عقدوه على أنفسهم من حق اللّه ، قاله مجاهد . الثالث : يوفون بالعهد لمن عاهدوه ، قاله الكلبي . الرابع : يوفون بالإيمان إذا حلفوا بها ، قاله مقاتل . ويحتمل خامساً : أنهم يوفون بما أُنذِروا به من وعيده . { ويَخافون يوْماً كان شَرُّه مُسْتَطيراً } قال الكلبي عذاب يوم كان شره مستطيراً ، وفيه وجهان : أحدهما : فاشياً ، قاله ابن عباس والأخفش . الثاني : ممتداً ، قاله الفراء ، ومنه قول الأعشى : فبانتْ وقد أَوْرَثَتْ في الفؤادِ صَدْعاً على نأيها مُستطيرا أي ممتداً . ويحتمل وجهاً ثالثاً يعني سريعاً . ٨{ ويُطْعمونَ الطعامَ على حُبِّهِ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : على حب الطعام ، قاله مقاتل . الثاني : على شهوته ، قاله الكلبي . الثالث : على قلته ، قاله قطرب . { مسكيناً ويتيماً وأسيراً } في الأسير ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه المسجون المسلم ، قاله مجاهد . الثاني : أنه العبد ، قاله عكرمة . الثالث : أسير المشركين ، قاله الحسن وسعيد بن جبير . قال سعيد بن جبير : ثم نسخ أسير المشركين بالسيف ، وقال غيره بل هو ثابت الحكم في الأسير بإطعامه ، إلا أن يرى الإمام قتله . ويحتمل وجهاً رابعاً : أن يريد بالأسير الناقص العقل ، لأنه في أسر خبله وجنونه ، وإن أسر المشركين انتقام يقف على رأي الإمام وهذا بر وإحسان . ٩{ إنّما نُطْعِمُكم لوجْهِ اللّه } قال مجاهد : إنهم لم يقولوا ذلك ، لكن علمه اللّه منهم فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب . { لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكوراً } جزاء بالفعال ، وشكوراً بالمقال وقيل إن هذه الآية نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر ، وهم سبعة من المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعيد وأبو عبيدة . ١٠{ إنّا نخافُ من ربِّنا يوماً عَبوساً قمْطريراً } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن العبوس الذي يعبس الوجوه من شره ، والقمطرير الشديد ، قاله ابن زيد . الثاني : أن العبوس الضيق ، والقمطرير الطويل ، قاله ابن عباس ، قال الشاعر : شديداً عبوساً قمطريراً تخالهُ تزول الضحى فيه قرون المناكب . الثالث : أن العُبوس بالشفتين ، والقمطرير بالجبهة والحاجبين ، فجعلها من صفات الوجه المتغير من شدائد ذلك اليوم ، قاله مجاهد ، وأنشد ابن الأعرابي : يَغْدو على الصّيْدِ يَعودُ مُنكَسِرْ ويَقْمَطُّر ساعةً ويكْفَهِرّ . ١١{ فَوَقاهمُ اللّه شَرَّ ذلك اليومِ ولَقّاهُمْ نَضْرةً وسُروراً } قال الحسن النضرة من الوجوه ، والسرور في القلوب . وفي النضرة ثلاثة أوجه : أحدها : أنها البياض والنقاء ، قاله الضحاك . الثاني : أنها الحسن والبهاء ، قاله ابن جبير . الثالث : أنها أثر النعمة ، قاله ابن زيد . ١٢{ وجَزاهم بما صَبروا } يحتمل وجهين : أحدهما : بما صبروا على طاعة اللّه . الثاني : بما صبروا على الوفاء بالنذر . { جَنَّةً وحريراً } فيه وجهان : أحدهما : جنة يسكنونها ، وحريراً يلبسونه . الثاني : أن الجنة المأوى ، والحرير أبد العيش في الجنة ، ومنه لبس الحرير ليلبسون من لذة العيش . واختلف فيمن نزلت هذه الآية على قولين : أحدهما : ما حكاه الضحاك عن جابر أنها نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفاه . الثاني : ما حكاه عمرو عن الحسن أنها نزلت في علي وفاطمة . . . رضي اللّه عنهما - وذلك أن علياً وفاطمة نذرا صوماً فقضياه ، وخبزت فاطمة ثلاثة أقراص من شعير ليفطر علّي على أحدها وتفطر هي على الآخر ، ويأكل الحسن والحسين الثالث ، فسألها مسكين فتصدقت عليه بأحدها ، ثم سألها يتيم فتصدقت عيله بالآخر ، ثم سألها أسير فتصدقت عليه بالثالث ، وباتوا طاوين . ١٣{ مُتّكِئينَ فيها على الأرائِك } وفيها مع ما قدّمناه من تفسيرها قولان : أحدهما : أنها الأسرّة ، قاله ابن عباس . الثاني : أنها كل ما يتكأ عليه ، قاله الزجاج . { لا يَرَوْنَ فيها شمْساً ولا زَمْهَريراً } أما المراد بالشمس ففيه وجهان : أحدهما : أنهم في ضياء مستديم لا يحتاجون فيه إلى ضياء ، فيكون عدم الشمس مبالغة في وصف الضياء . الثاني : أنهم لا يرون فيها شمساً فيتأذون بحرها ، فيكون عدمها نفياً لأذاها . وفي الزمهرير ثلاثة أوجه : أحدها : أنه البرد الشديد ، قال عكرمة لأنهم لا يرون في الجنة حراً ولا برداً . الثاني : أنه لون في العذاب ، قاله ابن مسعود . الثالث : أنه من هذا الموضع القمر ، قاله ثعلب وأنشد : وليلةٍ ظلامُها قد اعتكَرْ قطْعتها والزمهريرُ ما ظَهَرْ وروي ما زهر ، ومعناه أنهم في ضياء مستديم لا ليل فيه ولا نهار ، لأن ضوء النهار بالشمس ، وضوء الليل بالقمر . ١٤{ . . . وذُلِّلّتْ قُطوفُها تذْليلاً } فيه وجهان : أحدهما : أنه لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد ، قاله قتادة . الثاني : أنه إذا قام ارتفعت ، وإذا قعد نزلت ، قاله مجاهد . ويحتمل ثالثاً : أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها وتخلص من نواها . ١٥{ . . . وأَكْوابٍ كانت قَواريرَا قواريرَا من فِضّةٍ } أما الأكواب فقد ذكرنا ما هي من جملة الأواني . وفي قوله تعالى : { قوارير من فضة } وجهان : أحدهما : أنها من فضة من صفاء القوارير ، قاله الشعبي . الثاني : أنها من قوارير في بياض الفضة ، قاله أبو صالح . وقال ابن عباس : قوارير كل أرض من تربتها ، وأرض الجنة الفضة فلذلك كانت قواريرها فضة . ١٦{ قَدَّرُوها تقْديراً } فيه خمسة أقاويل : أحدها : أنهم قدروها في أنفسهم فجاءت على ما قدروها ، قاله الحسن . الثاني : على قدر ملء الكف ، قاله الضحاك . الثالث : على مقدار لا تزيد فتفيض ، ولا تنقص فتغيض ، قاله مجاهد . الرابع : على قدر ريهم وكفايتهم ، لأنه ألذ وأشهى ، قاله الكلبي . الخامس : قدرت لهم وقدروا لها سواء ، قاله الشعبي . ١٧{ ويُسْقَونَ فيها كأساً كان مِزاجُها زَنْجبيلاً } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : تمزج بالزنجبيل ، وهو مما تستطيبه العرب لأنه يحذو اللسان ويهضم المأكول ، قاله السدي وابن أبي نجيح . الثاني : أن الزنجبيل اسم للعين التي فيها مزاج شراب الأبرار ، قاله مجاهد . الثالث : أن الزنجبيل طعم من طعوم الخمر يعقب الشرب منه لذة ، حكاه ابن شجرة ، ومنه قول الشاعر : وكأن طعْمَ الزنجبيلِ به اذْ ذُقْتُه وسُلافَةَ الخمْرِ ١٨{ عْيناً فيها تُسَمّى سَلْسَبيلاً } فيه ستة أقاويل : أحدها : أنه اسم لها ، قاله عكرمة . الثاني : معناه سلْ سبيلاً إليها ، قاله علّي رضي اللّه عنه . الثالث : يعني سلسلة السبيل ، قاله مجاهد . الرابع : سلسلة يصرفونها حيث شاءوا ، قاله قتادة . الخامس : أنها تنسلّ في حلوقهم انسلالاً ، قاله ابن عباس . السادس : أنها الحديدة الجري ، قاله مجاهد أيضاً ، ومنه قول حسان بن ثابت : يَسْقُون من وَرَدَ البريصَ عليهم كأساً تُصَفِّقُ بالرحيق السِّلْسَل وقال مقاتل : إنما سميت السلسبيل لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم وطرقهم . ١٩{ ويَطوفُ عليهم وِلْدانٌ مُخَلّدونَ } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : مخلدون لا يموتون ، قاله قتادة . الثاني : صغار لا يكبرون وشبابٌ لا يهرمون ، قاله الضحاك والحسن . الثالث : أي مُسَوَّرون ، قاله ابن عباس ، قال الشاعر : ومُخَلّداتٍ باللُّجَيْنِ كأنما أعْجازُهنّ أقاوزُ الكُثْبانِ . { إذا رَأَيْتَهم حَسِبْتَهم لُؤْلُؤاً مَنْثوراً } فيه قولان : أحدها : أنهم مشبهون باللؤلؤ المنثور لكثرتهم ، قاله قتادة . الثاني : لصفاء ألوانهم وحسن منظرهم وهو معنى قول سفيان . ٢٠{ وإذا رأَيْتَ ثمَّ } يعني الجنة . { رأَيْتَ نَعيماً } فيه وجهان : أحدهما : يريد كثرة النعمة . الثاني : كثرة النعيم . { ومُلْكاً كبيراً } فيه وجهان : أحدهما : لسعته وكثرته . الثاني : لاستئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام . ويحتمل ثالثاً : أنهم لا يريدون شيئاً إلا قدروا عليه . ٢١{ وسقاهم ربُّهم شَراباً طَهوراً } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه وصفه بذلك لأنهم لا يبولون منه ولا يُحْدِثون عنه ، قاله عطية ، قال إبراهيم التميمي : هو عَرَق يفيض من أعضائهم مثل ريح المسك . الثاني : لأن خمر الجنة طاهرة ، وخمر الدنيا نجسة ، فلذلك وصفه اللّه تعالى بالطهور ، قاله ابن شجرة . الثالث : أن أنهار الجنة ليس فيها نجس كما يكون في أنهار الدنيا وأرضها حكاه ابن عيسى . ٢٢إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢) ٢٣إنا نحن نزلنا . . . . . { ولا تُطِعْ منهم آثِماً أو كَفوراً } قيل إنه عنى أبا جهل ، يريد بالآثم المرتكب للمعاصي ، وبالكفور الجاحد للنعم . ٢٥{ واذكُر اسمَ رَبِّك بُكرَةً وأصيلاً } يعني في أول النهار وآخره ، ففي أوله صلاة الصبح ، وفي آخره صلاة الظهر والعصر . ٢٦{ ومِنَ الليلِ فاسْجدْ له } يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة . { وسَبِّحْهُ ليلاً طويلاً } يعني التطوع من الليل . قال ابن عباس وسفيان : كل تسبيح في القرآن هو صلاة . ٢٧{ إنّ هؤلاءِ يُحِبّونَ العاجلةَ } يحتمل في المراد بهم قولين : أحدهما : أنه أراد بهم اليهود وما كتموه من صفة لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) وصحة نبوّته . الثاني : أنه أراد المنافقين لاستبطانهم الكفر . ويحتمل قوله { يحبون العاجلة } وجهين : أحدهما : أخذ الرشا على ما كتموه إذا قيل إنهم اليهود . الثاني : طلب الدنيا إذا قيل إنهم المنافقون . { ويَذَرُونَ وراءَهم يوماً ثقيلاً } يحتمل وجهين : أحدهما : ما يحل بهم من القتل والجلاء إذا قيل إنهم اليهود . الثاني : يوم القيامة إذا قيل إنهم المنافقون . فعلى هذا يحتمل قوله { ثقيلاً } وجهين : أحدهما : شدائده وأحواله . الثاني : للقِصاص من عباده . ٢٨{ نحن خَلقْناهم وشَدَدْنا أَسْرَهم } في أسرهم ثلاثة أوجه : أحدها : يعني مفاصلهم ، قاله أبو هريرة . الثاني : خلقهم ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة قال لبيد : ساهم الوجه شديد أسْرُه مشرف الحارك محبوك الكفل . الثالث : أنه القوة ، قاله ابن زيد ، قال ابن أحمر في وصف فرس : يمشي لأوظفةٍ شدادٍ أسْرُها صُمِّ السنابِك لاتقى بالجَدْجَدِ . ويحتمل هذا القول منه تعالى وجهين : أحدهما : امتناناً عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية . الثاني : تخويفاً لهمن بسلب النعم . { وإذا شئنا بدّلْنا أمثالَهم تبديلاً } يحتمل وجهين : أحدهما : أمثال من كفر بالنعم وشكرها . الثاني : من كفر بالرسل بمن يؤمن بها . ٢٩{ إنّ هذه تَذْكِرةٌ } يحتمل بالمراد ب { هذه } وجهين : أحدهما : هذه السورة . الثاني : هذه الخلقة التي خلق الإنسان عليها . ويحتمل قوله { تذكرة } وجهين : أحدهما : إذكار ما غفلت عنه عقولهم . الثاني : موعظة بما تؤول إليه أمورهم . { فَمَنْ شاءَ اتَخَذَ إلى ربِّه سَبيلاً } يحتمل وجهين : أحدهما : طريقاً إلى خلاصه . الثاني : وسيلة إلى جنته . ٣٠وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠) ٣١يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٣١) |
﴿ ٠ ﴾