سورة الإنسان

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

هل أتى على . . . . .

قال ابن عباس ومقاتل والكلبي ويحيى بن سلام : هي مكية ، وقال آخرون فيها مكي من

قوله تعالى : { إنا نحن نزّلنا عليك القرآنَ تنزيلاً } إلى آخرها وما تقدم مدني .

قوله تعالى : { هلْ أتَى على الإنسان حينٌ من الدهْرِ لم يكُنْ شيئاً مذكوراً } في قوله { هل } وجهان :

أحدهما : أنها في هذا الموضع بمعنى قد ، وتقدير الكلام : { قد أتى على الإنسان } الآية ، على معنى الخبر ، قاله الفراء وأبو عبيدة .

الثاني : أنه بمعنى { أتى على الإنسان } الآية ، على وجه الاستفهام ، حكاه ابن عيسى .

وفي هذا { الإنسان } قولان :

أحدهما : أنه آدم ، قاله قتادة والسدي وعكرمة ، وقيل إنه خلقه بعد خلق السموات والأرض ، وما بينهما في آخر اليوم السادس وهو آخر يوم الجمعة .

الثاني : أنه كل إنسان ، قاله ابن عباس وابن جريج .

وفي قوله تعالى : { حينٌ من الدهر } ثلاثة أقاويل :

أحدهأ : أنه أربعون سنة مرت قبل أن ينفخ فيه الروح ، وهو ملقى بين مكة والطائف ، قاله ابن عباس في رواية أبي صالح عنه .

الثاني : أنه خلق من طين فأقام أربعين سنة ، ثم من حمأ مسنون أربعين سنة ، ثم من صلصال أربعين سنة ، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ، ثم نفخ فيه الروح ، وهذا قول ابن عباس في رواية الضحاك .

الثالث : أن الحين المذكور ها هنا وقت غير مقدر وزمان غير محدود ، قاله ابن عباس أيضاً .

وفي قوله { لم يكن شيئاً مذكوراً } وجهان :

أحدهما : لم يكن شيئاً مذكوراً في الخلق ، وإن كان عند اللّه شيئاً مذكوراً ، قاله يحيى بن سلام .

الثاني : أي كان جسداً مصوّراً تراباً وطيناً ، لا يذكر ولا يعرف ، ولا يدري ما اسمه ، ولا ما يراد به ، ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً ، قاله الفراء ، وقطرب وثعلب .

وقال مقاتل : في الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره : هل أتى حين من الدهر لم يكن الإنسان شيئاً مذكوراً ، لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله ولم يخلق بعده حيواناً .

٢

{ إنّا خلقْنا الإنسانَ من نُطْفَةٍ أمْشاجٍ } يعني بالإنسان في هذا الموضع كل إنسان من بني آدم في قول جميع المفسرين .

وفي النطفة قولان :

أحدهما : ماء الرجل وماء المرأة إذا اختلطا فهما نطفة ، قاله السدي .

الثاني : أن النطفة ماء الرجل ، فإذا اختلط في الرحم وماء المرأة صارا أمشاجاً .

وفي الأمشاج أربعة أقاويل :

أحدها : أنه الأخلاط ، وهو أن يختلط ماء الرجل بماء المرأة ، قاله الحسن وعكرمة ، ومنه قول رؤبة بن العجاج :

يطرحن كل مُعْجَل نشاجِ

لم يُكْسَ جلداً في دم أمشاج .

الثاني : أن الأمشاج الألوان ، قاله ابن عباس ، وقال مجاهد :

نطفة الرجل بيضاء وحمراء ، ونطفة المرأة خضراء وصفراء .

روى سعيد عن قتادة عن أنس قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر فأيهما سبق أو علا فمنه يكون الشبه } .

الثالث : أن الأمشاج : الأطوار ، وهو أن الخلق يكون طوراً نطفة ، وطوراً علقة ، وطوراً مضغة ، ثم طوراً عظماً ، ثم يكسى العظم لحماً ، قاله قتادة .

الرابع : أن الأمشاج العروق التي تكون في النطفة ، قاله ابن مسعود .

وفي قوله { نَبْتَلِيه } وجهان :

أحدهما : نختبره .

الثاني : نكلفه بالعمل .

فإن كان معناه الاختبار ففيما يختبر به وجهان :

أحدهما : نختبره بالخير والشر ، قاله الكلبي .

الثاني : نختبر شكره في السراء ، وصبره في الضراء ، قاله الحسن .

ومن جعل معناه التكليف ففيما كلفه وجهان :

أحدهما : العمل بعد الخلق ، قاله مقاتل .

الثاني : الدين ، ليكون مأموراً بالطاعة ، ومنهياً عن المعاصي .

{ فَجَعَلْناه سميعاً بصيراً } ويحتمل وجهين :

أحدهما : أي يسمع بالأذنين ويبصر بالعينين أمتناناً بالنعمة عليه .

الثاني : ذا عقل وتمييز ليكون أعظم في الامتنان حيث يميزه من جميع الحيوان .

وقال الفراء ومقاتل : في الآية تقديم وتأخير أي فجعلناه سميعاً بصيراً أن نبتليه ، فعلى هذا التقديم في الكلام اختلفوا في ابتلائه على قولين :

أحدهما : ما قدمناه من جعله اختباراً أو تكليفاً .

الثاني : لنبتليه بالسمع والبصر ، قاله ابن قتيبة .

٣

{ إنّا هَدَيْناه السّبيلَ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : سبيل الخير والشر ، قاله عطية .

الثاني : الهدى من الضلالة ، قاله عكرمة .

الثالث : سبيل الشقاء والسعادة ، قاله مجاهد .

الرابع : خروجه من الرحم ، قاله أبو صالح والضحاك والسدي .

ويحتمل خامساً : سبيل منافِعِه ومضارِّه التي يهتدي إليها بطبعه ، وقيل : كمال عقله .

{ إمّا شاكراً وإمّا كَفوراً } فيه وجهان :

أحدهما : إما مؤمناً وإما كافراً ، قاله يحيى بن سلام .

الثاني : إما شكوراً للنعمة وإما كفوراً بها ، قاله قتادة .

وجمع بين الشاكر والكفور ولم يجمع بين الشكور والكفور - مع إجتماعهما في معنى المبالغة - نفياً للمبالغة في الشكر وإثباتاً لها في الكفر ، لأن شكر اللّه تعالى لا يُؤدَّى فانتفت عنه المبالغة ، ولم تنتف عن الكفر المبالغة ، فقل شكره لكثرة النعم عليه ، وكثر كفره وإن قل مع الإحسان إليه .

٤

إنا أعتدنا للكافرين . . . . .

{ إن الإبرار يَشْربونَ } في الأبرار قولان :

أحدهما : أنهم الصادقون ، قاله الكلبي .

الثاني : المطيعون ، قاله مقاتل .

وفيما سُمّوا أبراراً ثلاثة أقاويل :

أحدها : سمّوا بذلك لأنهم برّوا الآباء والأبناء ، قاله ابن عمر .

الثاني : لأنهم كفوا الأذى ، قاله الحسن .

الثالث : لأنهم يؤدون حق اللّه ويوفون بالنذر ، قاله قتادة .

٥

وقوله { مِن كأسٍ } يعني الخمر ، قال الضحاك : كل كأس في القرآن فإنما عنى به الخمر .

وفي وقوله { كان مِزاجها كافوراً } قولان :

أحدهما : أن كافوراً عين في الجنة اسمها كافور ، قاله الكلبي .

الثاني : أنه الكافور من الطيب فعلى هذا في المقصود منه في مزاج الكأس به ثلاثة أقاويل :

أحدها : برده ، قال الحسن : ببرد الكافور وطعم الزنجبيل .

الثاني : بريحه ، قاله قتادة : مزج بالكافور وختم بالمسك .

الثالث : طعمه ، قال السدي : كأن طعمه طعم الكافور .

٦

{ عَينْاً يَشْرَبُ بها عبادُ اللّه } يعني أولياء اللّه ، لأن الكافر لا يشرب منها شيئاً وإن كان من عباد اللّه ، وفيه وجهان :

أحدهما : ينتفع بها عباد اللّه ، قاله الفراء .

الثاني : يشربها عباد اللّه .

قال مقاتل : هي التسنيم ، وهي أشرف شراب لاجنة ، يشرب بها المقربون صِرفاً ، وتمزج لسائر أهل الجنة بالخمر واللبن والعسل .

{ يُفَجِّرونَها تفْجيراً } فيه وجهان :

أحدهما : يقودونها إلى حيث شاءوا من الجنة ، قاله مجاهد .

الثاني : يمزجونها بما شاءوا ، قاله مقاتل .

ويحتمل وجهاً ثالثاً : أن يستخرجوه من حيث شاءوا من الجنة .

وفي قوله { تفجيراً } وجهان :

أحدهما : أنه مصدر قصد به التكثير .

الثاني : أنهم يفجرونه من تلك العيون عيوناً لتكون أمتع وأوسع .

٧

{ يُوفُونَ بالنّذْرِ } فيه أربعة أوجه :

أحدها : يوفون بما افترض اللّه عليهم من عبادته ، قاله قتادة .

الثاني : يوفون بما عقدوه على أنفسهم من حق اللّه ، قاله مجاهد .

الثالث : يوفون بالعهد لمن عاهدوه ، قاله الكلبي .

الرابع : يوفون بالإيمان إذا حلفوا بها ، قاله مقاتل .

ويحتمل خامساً : أنهم يوفون بما أُنذِروا به من وعيده .

{ ويَخافون يوْماً كان شَرُّه مُسْتَطيراً } قال الكلبي عذاب يوم كان شره مستطيراً ، وفيه وجهان :

أحدهما : فاشياً ، قاله ابن عباس والأخفش .

الثاني : ممتداً ، قاله الفراء ، ومنه قول الأعشى :

فبانتْ وقد أَوْرَثَتْ في الفؤادِ

صَدْعاً على نأيها مُستطيرا

أي ممتداً .

ويحتمل وجهاً ثالثاً يعني سريعاً .

٨

{ ويُطْعمونَ الطعامَ على حُبِّهِ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : على حب الطعام ، قاله مقاتل .

الثاني : على شهوته ، قاله الكلبي .

الثالث : على قلته ، قاله قطرب .

{ مسكيناً ويتيماً وأسيراً } في الأسير ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه المسجون المسلم ، قاله مجاهد .

الثاني : أنه العبد ، قاله عكرمة .

الثالث : أسير المشركين ، قاله الحسن وسعيد بن جبير .

قال سعيد بن جبير : ثم نسخ أسير المشركين بالسيف ، وقال غيره بل هو ثابت الحكم في الأسير بإطعامه ، إلا أن يرى الإمام قتله .

ويحتمل وجهاً رابعاً : أن يريد بالأسير الناقص العقل ، لأنه في أسر خبله وجنونه ، وإن أسر المشركين انتقام يقف على رأي الإمام وهذا بر وإحسان .

٩

{ إنّما نُطْعِمُكم لوجْهِ اللّه } قال مجاهد : إنهم لم يقولوا ذلك ، لكن علمه اللّه منهم فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب .

{ لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكوراً } جزاء بالفعال ، وشكوراً بالمقال وقيل إن هذه الآية نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر ، وهم سبعة من المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعيد وأبو عبيدة .

١٠

{ إنّا نخافُ من ربِّنا يوماً عَبوساً قمْطريراً } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن العبوس الذي يعبس الوجوه من شره ، والقمطرير الشديد ، قاله ابن زيد .

الثاني : أن العبوس الضيق ، والقمطرير الطويل ، قاله ابن عباس ، قال الشاعر :

شديداً عبوساً قمطريراً تخالهُ

تزول الضحى فيه قرون المناكب .

الثالث : أن العُبوس بالشفتين ، والقمطرير بالجبهة والحاجبين ، فجعلها من صفات الوجه المتغير من شدائد ذلك اليوم ، قاله مجاهد ، وأنشد ابن الأعرابي :

يَغْدو على الصّيْدِ يَعودُ مُنكَسِرْ

ويَقْمَطُّر ساعةً ويكْفَهِرّ .

١١

{ فَوَقاهمُ اللّه شَرَّ ذلك اليومِ ولَقّاهُمْ نَضْرةً وسُروراً } قال الحسن النضرة من الوجوه ، والسرور في القلوب .

وفي النضرة ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها البياض والنقاء ، قاله الضحاك .

الثاني : أنها الحسن والبهاء ، قاله ابن جبير .

الثالث : أنها أثر النعمة ، قاله ابن زيد .

١٢

{ وجَزاهم بما صَبروا } يحتمل وجهين :

أحدهما : بما صبروا على طاعة اللّه .

الثاني : بما صبروا على الوفاء بالنذر .

{ جَنَّةً وحريراً } فيه وجهان :

أحدهما : جنة يسكنونها ، وحريراً يلبسونه .

الثاني : أن الجنة المأوى ، والحرير أبد العيش في الجنة ، ومنه لبس الحرير ليلبسون من لذة العيش .

واختلف فيمن نزلت هذه الآية على قولين :

أحدهما : ما حكاه الضحاك عن جابر أنها نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفاه .

الثاني : ما حكاه عمرو عن الحسن أنها نزلت في علي وفاطمة . . . رضي اللّه عنهما - وذلك أن علياً وفاطمة نذرا صوماً فقضياه ، وخبزت فاطمة ثلاثة أقراص من شعير ليفطر علّي على أحدها وتفطر هي على الآخر ، ويأكل الحسن والحسين الثالث ، فسألها مسكين فتصدقت عليه بأحدها ، ثم سألها يتيم فتصدقت عيله بالآخر ، ثم سألها أسير فتصدقت عليه بالثالث ، وباتوا طاوين .

١٣

{ مُتّكِئينَ فيها على الأرائِك } وفيها مع ما قدّمناه من تفسيرها قولان :

أحدهما : أنها الأسرّة ، قاله ابن عباس .

الثاني : أنها كل ما يتكأ عليه ، قاله الزجاج .

{ لا يَرَوْنَ فيها شمْساً ولا زَمْهَريراً } أما المراد بالشمس ففيه وجهان :

أحدهما : أنهم في ضياء مستديم لا يحتاجون فيه إلى ضياء ، فيكون عدم الشمس مبالغة في وصف الضياء .

الثاني : أنهم لا يرون فيها شمساً فيتأذون بحرها ، فيكون عدمها نفياً لأذاها .

وفي الزمهرير ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه البرد الشديد ، قال عكرمة لأنهم لا يرون في الجنة حراً ولا برداً .

الثاني : أنه لون في العذاب ، قاله ابن مسعود .

الثالث : أنه من هذا الموضع القمر ، قاله ثعلب وأنشد :

وليلةٍ ظلامُها قد اعتكَرْ

قطْعتها والزمهريرُ ما ظَهَرْ

وروي ما زهر ، ومعناه أنهم في ضياء مستديم لا ليل فيه ولا نهار ، لأن ضوء النهار بالشمس ، وضوء الليل بالقمر .

١٤

{ . . . وذُلِّلّتْ قُطوفُها تذْليلاً } فيه وجهان :

أحدهما : أنه لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد ، قاله قتادة .

الثاني : أنه إذا قام ارتفعت ، وإذا قعد نزلت ، قاله مجاهد .

ويحتمل ثالثاً : أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها وتخلص من نواها .

١٥

{ . . . وأَكْوابٍ كانت قَواريرَا قواريرَا من فِضّةٍ } أما الأكواب فقد ذكرنا ما هي من جملة الأواني .

وفي قوله تعالى : { قوارير من فضة } وجهان :

أحدهما : أنها من فضة من صفاء القوارير ، قاله الشعبي .

الثاني : أنها من قوارير في بياض الفضة ، قاله أبو صالح .

وقال ابن عباس : قوارير كل أرض من تربتها ، وأرض الجنة الفضة فلذلك كانت قواريرها فضة .

١٦

{ قَدَّرُوها تقْديراً } فيه خمسة أقاويل :

أحدها : أنهم قدروها في أنفسهم فجاءت على ما قدروها ، قاله الحسن .

الثاني : على قدر ملء الكف ، قاله الضحاك .

الثالث : على مقدار لا تزيد فتفيض ، ولا تنقص فتغيض ، قاله مجاهد .

الرابع : على قدر ريهم وكفايتهم ، لأنه ألذ وأشهى ، قاله الكلبي .

الخامس : قدرت لهم وقدروا لها سواء ، قاله الشعبي .

١٧

{ ويُسْقَونَ فيها كأساً كان مِزاجُها زَنْجبيلاً } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : تمزج بالزنجبيل ، وهو مما تستطيبه العرب لأنه يحذو اللسان ويهضم المأكول ، قاله السدي وابن أبي نجيح .

الثاني : أن الزنجبيل اسم للعين التي فيها مزاج شراب الأبرار ، قاله مجاهد .

الثالث : أن الزنجبيل طعم من طعوم الخمر يعقب الشرب منه لذة ، حكاه ابن شجرة ، ومنه قول الشاعر :

وكأن طعْمَ الزنجبيلِ به

اذْ ذُقْتُه وسُلافَةَ الخمْرِ

١٨

{ عْيناً فيها تُسَمّى سَلْسَبيلاً } فيه ستة أقاويل :

أحدها : أنه اسم لها ، قاله عكرمة .

الثاني : معناه سلْ سبيلاً إليها ، قاله علّي رضي اللّه عنه .

الثالث : يعني سلسلة السبيل ، قاله مجاهد .

الرابع : سلسلة يصرفونها حيث شاءوا ، قاله قتادة .

الخامس : أنها تنسلّ في حلوقهم انسلالاً ، قاله ابن عباس .

السادس : أنها الحديدة الجري ، قاله مجاهد أيضاً ، ومنه قول حسان بن ثابت :

يَسْقُون من وَرَدَ البريصَ عليهم

كأساً تُصَفِّقُ بالرحيق السِّلْسَل

وقال مقاتل : إنما سميت السلسبيل لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم وطرقهم .

١٩

{ ويَطوفُ عليهم وِلْدانٌ مُخَلّدونَ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : مخلدون لا يموتون ، قاله قتادة .

الثاني : صغار لا يكبرون وشبابٌ لا يهرمون ، قاله الضحاك والحسن .

الثالث : أي مُسَوَّرون ، قاله ابن عباس ، قال الشاعر :

ومُخَلّداتٍ باللُّجَيْنِ كأنما

أعْجازُهنّ أقاوزُ الكُثْبانِ .

{ إذا رَأَيْتَهم حَسِبْتَهم لُؤْلُؤاً مَنْثوراً } فيه قولان :

أحدها : أنهم مشبهون باللؤلؤ المنثور لكثرتهم ، قاله قتادة . الثاني : لصفاء ألوانهم وحسن منظرهم وهو معنى قول سفيان .

٢٠

{ وإذا رأَيْتَ ثمَّ } يعني الجنة .

{ رأَيْتَ نَعيماً } فيه وجهان :

أحدهما : يريد كثرة النعمة .

الثاني : كثرة النعيم .

{ ومُلْكاً كبيراً } فيه وجهان :

أحدهما : لسعته وكثرته .

الثاني : لاستئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام .

ويحتمل ثالثاً : أنهم لا يريدون شيئاً إلا قدروا عليه .

٢١

{ وسقاهم ربُّهم شَراباً طَهوراً } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه وصفه بذلك لأنهم لا يبولون منه ولا يُحْدِثون عنه ، قاله عطية ، قال إبراهيم التميمي : هو عَرَق يفيض من أعضائهم مثل ريح المسك .

الثاني : لأن خمر الجنة طاهرة ، وخمر الدنيا نجسة ، فلذلك وصفه اللّه تعالى بالطهور ، قاله ابن شجرة .

الثالث : أن أنهار الجنة ليس فيها نجس كما يكون في أنهار الدنيا وأرضها حكاه ابن عيسى .

٢٢

إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢)

٢٣

إنا نحن نزلنا . . . . .

{ ولا تُطِعْ منهم آثِماً أو كَفوراً } قيل إنه عنى أبا جهل ، يريد بالآثم المرتكب للمعاصي ، وبالكفور الجاحد للنعم .

٢٥

{ واذكُر اسمَ رَبِّك بُكرَةً وأصيلاً } يعني في أول النهار وآخره ، ففي أوله صلاة الصبح ، وفي آخره صلاة الظهر والعصر .

٢٦

{ ومِنَ الليلِ فاسْجدْ له } يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة .

{ وسَبِّحْهُ ليلاً طويلاً } يعني التطوع من الليل .

قال ابن عباس وسفيان : كل تسبيح في القرآن هو صلاة .

٢٧

{ إنّ هؤلاءِ يُحِبّونَ العاجلةَ } يحتمل في المراد بهم قولين :

أحدهما : أنه أراد بهم اليهود وما كتموه من صفة لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) وصحة نبوّته . الثاني : أنه أراد المنافقين لاستبطانهم الكفر .

ويحتمل قوله { يحبون العاجلة } وجهين :

أحدهما : أخذ الرشا على ما كتموه إذا قيل إنهم اليهود .

الثاني : طلب الدنيا إذا قيل إنهم المنافقون .

{ ويَذَرُونَ وراءَهم يوماً ثقيلاً } يحتمل وجهين :

أحدهما : ما يحل بهم من القتل والجلاء إذا قيل إنهم اليهود .

الثاني : يوم القيامة إذا قيل إنهم المنافقون .

فعلى هذا يحتمل قوله { ثقيلاً } وجهين :

أحدهما : شدائده وأحواله .

الثاني : للقِصاص من عباده .

٢٨

{ نحن خَلقْناهم وشَدَدْنا أَسْرَهم } في أسرهم ثلاثة أوجه :

أحدها : يعني مفاصلهم ، قاله أبو هريرة .

الثاني : خلقهم ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة قال لبيد :

ساهم الوجه شديد أسْرُه

مشرف الحارك محبوك الكفل .

الثالث : أنه القوة ، قاله ابن زيد ، قال ابن أحمر في وصف فرس :

يمشي لأوظفةٍ شدادٍ أسْرُها

صُمِّ السنابِك لاتقى بالجَدْجَدِ .

ويحتمل هذا القول منه تعالى وجهين :

أحدهما : امتناناً عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية .

الثاني : تخويفاً لهمن بسلب النعم .

{ وإذا شئنا بدّلْنا أمثالَهم تبديلاً } يحتمل وجهين :

أحدهما : أمثال من كفر بالنعم وشكرها .

الثاني : من كفر بالرسل بمن يؤمن بها .

٢٩

{ إنّ هذه تَذْكِرةٌ } يحتمل بالمراد ب { هذه } وجهين :

أحدهما : هذه السورة .

الثاني : هذه الخلقة التي خلق الإنسان عليها .

ويحتمل قوله { تذكرة } وجهين :

أحدهما : إذكار ما غفلت عنه عقولهم .

الثاني : موعظة بما تؤول إليه أمورهم .

{ فَمَنْ شاءَ اتَخَذَ إلى ربِّه سَبيلاً } يحتمل وجهين :

أحدهما : طريقاً إلى خلاصه .

الثاني : وسيلة إلى جنته .

٣٠

وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠)

٣١

يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٣١)

﴿ ٠