سورة النبأ

١

عم يتساءلون

قوله تعالى { عَمَّ يتساءَلونَ عن النبإ العَظيمِ } يعني عن أي شيء يتساءل المشركون ؟ لأن قريشاً حيث بُعث رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) جعلت تجادل وتَختصم في الذي دعا إليه .

٢

وفي { النبأ العظيم } أربعة أقاويل :

أحدها : القرآن ، قاله مجاهد .

الثاني : يوم القيامة ، قاله ابن زيد .

الثالث : البعث بعد الموت ، قاله قتادة .

الرابع : عن أمر النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) .

٣

{ الذي هُمْ فيه مُختَلِفَونَ } هو البعث ، فأما الموت فلم يختلفوا فيه ، وفيه قولان :

أحدهما : أنه اختلف فيه المشركون من بين مصدق منهم ومكذب ، قاله قتادة .

الثاني : اختلف فيه المسلمون والمشركون ، فصدّق به المسلمون وكذّب به المشركون ، قاله يحيى بن سلام .

{ كَلاَّ سيعْلَمون ثم كلا سيعلمون } فيه قولان :

أحدهما : أنه وعيد بعد وعيد للكفار ، قاله الحسن ، فالأول : كلا سيعلمون ما ينالهم من العذاب في القيامة ، والثاني : كلا سيعلمون ما ينالهم من العذاب في جهنم .

القول الثاني : أن الأول للكفار فيما ينالهم من العذاب في النار ، والثاني للمؤمنين فيما ينالهم من الثواب في الجنة ، قاله الضحاك .

٩

{ وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتاً } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : نعاساً ، قاله السدي .

الثاني : سكناً ، قاله قتادة .

الثالث : راحة ودعة ، ولذلك سمي يوم السبت سبتاً لأنه يوم راحة ودعة ، قال أبو جعفر الطبري : يقال سبت الرجل إذا استراح .

الرابع : سُباتا أي قطعاً لأعمالهم ، لأن أصل السبات القطع ومنه قولهم سبت الرجل شعره إذا قطعه ، قال الأنباري : وسمي يوم السبت لانقطاع الأعمال فيه .

ويحتمل خامساً : أن السبات ما قرت فيه الحواس حتى لم تدرك بها الحس .

١٠

{ وجَعَلْنا اللّيلَ لِباساً } فيه وجهان :

أحدهما : سكناً ، قاله سعيد بن جبير والسدي .

الثاني : غطاء ، لأنه يغطي سواده كما يغطى الثوب لابسه ، قاله أبو جعفر الطبري .

١١

{ وجَعَلنا النهارَ مَعاشاً } يعني وقت اكتساب ، وهو معاش لأنه يعاش فيه .

ويحتمل ثانياً : أنه زمان العيش واللذة .

١٣

{ وجَعَلْنا سِراجاً وَهّاجاً } يعني بالسراج الشمس ، وفي الوهّاج أربعة أقاويل :

أحدها : المنير ، قاله ابن عباس .

الثاني : المتلألىء ، قاله مجاهد .

الثالث : أنه من وهج الحر ، قاله الحسن .

الرابع : أنه الوقّاد ، الذي يجمع بين الضياء والجمال .

١٤

{ وأَنْزَلْنا من المُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : ان المعصرات الرياح ، قاله ابن عباس وعكرمة ، قال زيد بن أسلم هي الجنوب .

الثاني : أنها السحاب ، قاله سفيان والربيع .

الثالث : أن المعصرات السماء ، قاله الحسن وقتادة .

وفي الثجاج قولان :

أحدهما : الكثير قاله ابن زيد .

الثاني : المنصبّ ، قاله ابن عباس ، وقال عبيد بن الأبرص :

فثجّ أعلاه ثم ارتج أسفلُه

وضاق ذَرْعاً بحمل الماء مُنْصاحِ

١٥

{ لنُخرج به حبّاً ونَباتاً } فيه قولان :

أحدهما : ان الحب ما كان في كمام الزرع الذي يحصد ، والنبات : الكلأ الذي يرعى ، وهذا معنى قول الضحاك .

الثاني : أن الحب اللؤلؤ ، والنبات : العشب ، قال عكرمة : ما أنزل اللّه من السماء قطرة إلا أنبتت في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة .

ويحتمل ثالثاً : أن الحب ما بذره الآدميّون ، والنبات ما لم يبذروه .

١٦

{ وجنّاتٍ أَلْفافاً } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها الزرع المجتمع بعضه إلى جنب بعض ، قاله عكرمة .

الثاني : أنه الشجرالملتف بالثمر ، قاله السدي .

الثالث : أنها ذات الألوان ، قاله الكلبي .

ويحتمل رابعاً : أنها التي يلف الزرع أرضها والشجر أعاليها ، فيجتمع فيها الزرع والشجر ملتفات .

١٧

{ إنّ يومَ الفصلِ } يعني يوم القيامة ، سمي بذلك لأنه يفصل فيه الحكم بين الأولين والآخرين والمثابين والمعاقبين .

{ كانَ مِيقاتاً } فيه وجهان :

أحدهما : ميعاداً للإجتماع .

والثاني : وقتاً للثواب والعقاب .

٢٠

{ وسُيِّرتِ الجبالُ فكانتْ سَراباً } فيه وجهان :

أحدهما : سُيّرت أي أزيلت عن مواضعها .

الثاني : نسفت من أصولها .

{ فكانت سراباً } فيه وجهان :

أحدهما : فكانت هباءً .

الثاني : كالسراب لا يحصل منه شيء كالذي يرى السراب يظنه ماء وليس بماء .

٢١

{ إنّ جهنّمَ كانت مِرْصاداً } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : يعني أنها راصدة فجازتهم بأعمالهم ، قاله أبو سنان .

الثاني : أن على النار رصداً ، لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليه ، فمن جاء بجواز جاز ، ومن لم يجىء بجواز لم يجز ، قاله الحسن .

الثالث : أن المرصاد وعيد أوعد اللّه به الكفار ، قاله قتادة .

٢٢

{ للطّاغينَ مَآباً } فيه قولان :

أحدهما : مرجعاً ومنقلباً ، قاله السدي .

الثاني : مأولى ومنزلاً ، قاله قتادة .

والمراد بالطاغين من طغى في دينه بالكفر أو في دنياه بالظلم .

٢٣

{ لابِثينَ فيها أَحْقاباً } يعني كلما مضى حقب جاء حقب وكذلك إلى الأبد واختلفوا في مدة الحقب على سبعة أقاويل :

أحدها : ثمانون سنة ، قاله أبو هريرة .

الثاني : أربعون سنة ، قاله ابن عمر .

الثالث : سبعون سنة ، قاله السدي .

الرابع : أنه ألف شهر ، رواه أبو أمامة مرفوعاً .

الخامس : ثلاثمائة سنة ، قاله بشير بن كعب .

السادس : سبعون ألف سنة ، قاله الحسن .

السابع : أنه دهر طويل غير محدود ، قاله قطرب .

وفي تعليق لبثهم بالأحقاب قولان :

أحدهما : أنه على وجه التكثير ، كلما مضت أحقاب جاءَت بعدها أحقاب ، وليس ذلك بحد لخلودهم في النار .

الثاني : أن ذلك حد لعذابهم بالحميم والغسّاق ، فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب .

٢٤

{ لا يَذُوقونَ فيها بَرداً ولا شَراباً } في البرد ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه برد الماء ، وبرد الهواء ، وهو قول كثير من المفسرين .

الثاني : أنه الراحة ، قاله قتادة .

الثالث : أنه النوم ، قاله مجاهد والسدي وأبو عبيدة .

وأنشد قول الكندي :

بَرَدَتْ مَراشِفُها علىَّ فَصَدَّني

عنها وعن تَقْبيلِها البَرْدُ

يعني النوم .

والشراب ها هنا : العذاب .

ويحتمل أن يريد بالشراب الري ، لأن الشراب يروي وهم فيها عطاش أبداً .

٢٥

{ إلاّ حَميماً وغَسّاقاً } أما الحميم ففيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه الحارّ الذي يحرق ، قاله ابن عباس .

الثاني : دموع أعينهم في النار تجتمع في حياض في النار فيُسقونْه ، قاله ابن زيد .

الثالث : أنه نوع من الشراب لأهل النار ، قاله السدي . وأما الغسّاق ففيه أربعة أقاويل :

أحدهاك أنه القيح الغليظ ، قاله ابن عمر . الثاني : أنه الزمهرير البارد الذي يحرق من برده ، قاله ابن عباس .

الثالث : أنه صديد أهل النار ، قاله قتادة .

الرابع : أنه المنتن باللغة الطحاوية ، قاله ابن زيد .

٢٦

{ جزاءً وِفاقاً } وهو جمع وفق ، قال أهل التأويل : وافق سوءُ الجزاء سوءَ العمل .

٢٧

{ إنهم كانوا لا يَرْجُونَ حِساباً } فيه وجهان :

أحدهما : لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً ، قاله ابن عباس .

الثاني : لا يخافون وعيد اللّه بحسابهم ومجازاتهم ، وهذا معنى قول قتادة .

٢٨

{ وكذّبوا بآياتِنا كِذّاباً } يعني بآيات القرآن ، وفي { كِذّاباً } وجهان :

أحدهما : أنه الكذب الكثير .

الثاني : تكذيب بعضهم لبعض ، ومنه قول الشاعر :

فَصَدَقْتُها وَكَذَبْتُها

والمرءُ يَنْفعُهُ كِذابُهْ

وهي لغة يمانية .

٣١

إن للمتقين مفازا

{ إنّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } فيه وجهان :

أحدهما : نجاة من شرها ، قاله ابن عباس .

الثاني : فازوا بأن نجوا من النار بالجنة ، ومن العذاب بالرحمة ، قاله قتادة ، وتحقيق هذا التأويل أنه الخلاص من الهلاك ، ولذلك قيل للفلاة إذا قل ماؤها مفازة تفاؤلاً بالخلاص منها .

٣٣

{ وكَواعِبَ أَتْراباً } في الكواعب قولان :

أحدهما : النواهد ، قاله ابن عباس .

الثاني : العذارى ، قاله الضحاك ، ومنه قول قيس بن عاصم :

وكم مِن حَصانٍ قد حَويْنا كريمةٍ

ومِن كاعبٍ لم تَدْرِ ما البؤسُ مُعْصر

وفي الاتراب أربعة أقاويل :

أحدها : الأقران ، قاله ابن عباس .

الثاني : الأمثال ، قاله مجاهد .

الثالث : المتصافيات ، قاله عكرمة .

الرابع : المتآخيات ، قاله السدي .

٣٤

{ وكأساً دِهاقاً } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : مملوءة ، قاله ابن عباس ، ومنه قول الشاعر :

أتانا عامرٌ يَبْغي قِرانا

فأَتْرَعنا له كأساً دِهاقاً

الثاني : متتابعة يتبع بعضها بعضاً ، قاله عكرمة .

الثالث : صافية ، رواه عمر بن عطاء ، قال الشاعر :

لأنْتِ آلى الفؤادِ أَحَبُّ قُرْباً

مِن الصّادي إلى كأسٍ دِهَاقِ .

٣٥

{ لا يَسْمعونَ فيها لَغْواً ولا كِذّاباً } في اللغو ها هنا أربعة أقاويل :

أحدها الباطل ، قاله ابن عباس .

الثاني : الحلف عند شربها ، قاله السدي .

الثالث : الشتم ، قاله مجاهد .

الرابع : المعصية ، قاله الحسن .

وفي { كِذّاباً } ثلاثة أقاويل :

أحدهاك لا يكذب بعضهم بعضاً ، قاله سعيد بن جبير .

الثاني : أنه الخصومة ، قاله الحسن .

الثالث : أنه المأثم ، قاله قتادة .

وفي قوله { لا يَسْمَعونَ فيها } وجهان :

أحدهما : في الجنة ، قاله مجاهد .

الثاني : في شرب الخمر ، قاله يحيى بن سلام .

٣٦

{ جزاءً من ربكَ عَطاءً حِساباً } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : كافياً ، قاله الكلبي .

الثاني : كثيراً ، قاله قتادة .

الثالث : حساباً لما عملوا ، فالحساب بمعنى العد .

٣٧

رب السماوات والأرض . . . . .

٣٨

{ يومَ يقومُ والرُّوحُ الملائكةُ صَفّاً } في الروح ها هنا ثمانية أقاويل :

أحدها : الروح خلق من خلق اللّه كهيئة الناس وليسوا أناساً ، وهم جند للّه سبحانه ، قاله أبو صالح .

الثاني : أنهم أشرف الملائكة ، قاله مقاتل بن حيان .

الثالث : أنهم حفظة على الملائكة ، قاله ابن أبي نجيح .

الثالث : أنهم حفظة على الملائكة خلقاً ، قاله ابن عباس .

الرابع : أنه ملك من أعظم الملائكة خلقاً ، قاله ابن عباس .

الخامس : هو جبريل عليه السلام ، قاله سعيد بن جبير .

السادس : أنهم بنو آدم ، قاله قتادة .

السابع : أنهم بنو آدم ، قاله قتادة .

الثامن : أنه القرآن ، قاله زيد بن أسلم .

{ لا يتكلمونَ إلا مَنْ أَذِنَ له الرحمنُ } فيه قولان :

أحدهما : لا يشفعون إلا من أذن له الرحمن في الشفاعة ، قاله الحسن .

الثاني : لا يتكلمون في شيء إلا من أذن له الرحمن شهادة أن لا إله إلا اللّه ، قاله ابن عباس .

{ وقالَ صَواباً } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : يعني حقاً ، قاله الضحاك .

الثاني : قول لا إله إلا اللّه ، قاله أبو صالح .

الثالث : أن الروح يقول يوم القيامة : لا تُدخل الجنة إلا بالرحمة ، ولا النار إلا بالعمل ، فهو معنى قوله { وقال صواباً } قاله الحسن .

ويحتمل رابعاً : أنه سؤال الطالب وجواب المطلوب ، لأن كلام الخلق في القيامة مقصور على السؤال والجواب .

٣٩

{ ذلك اليومُ الحقُّ } يعني يوم القيامة ، وفي تسميته الحق وجهان :

أحدهما : لأن مجئيه حق وقد كانوا على شك .

الثاني : أنّ اللّه تعالى يحكم فيه بالحق بالثواب والعقاب .

{ فمن شاءَ اتّخَذ إلى ربِّه مآباً } فيه وجهان :

أحدهما : سبيلاً ، قاله قتادة .

الثاني : مرجعاً ، قاله ابن عيسى .

ويحتمل ثالثاً : اتخذ ثواباً لاستحقاقه بالعمل لأن المرجع يستحق على المؤمن والكافر .

٤٠

{ إنّا أنذْرْناكم عَذاباَ قريباً } فيه وجهان :

أحدهما : عقوبة الدنيا ، لأنه أقرب العذابين ، قاله قتادة ، وقاله مقاتل : هو قتل قريش ببدر .

الثاني : عذاب يوم القيامة ، لأنه آت وكل آت قريب ، وهو معنى قول الكلبي .

{ يومَ ينظُرُ المْرءُ ما قدَّمَتْ يَداهُ } يعني يوم ينظر المرء ما قدّم من عمل خير ، قال الحسن : قدَّم فقَدِم على ما قَدَّم . ويحتمل أن يكون عامّاً في نظر المؤمن إلى ما قدّم من خير ، ونظر الكافر إلى ما قدّم من شر .

{ ويقولُ الكافرُ يا لَيْتني كنتُ تُراباً } قال مجاهد يبعث الحيوان فيقاد للمنقورة من الناقرة ، وللمركوضة من الراكضة ، وللمنطوحة من الناطحة ، ثم يقول الرب تعالى : كونوا تراباً بلا جنة ولا نار ، فيقول الكافر حينئذ : يا ليتني كنت تراباً وفي قوله ذلك وجهان :

أحدهما : يا ليتني صرت اليوم مثلها تراباً بلا جنة ولا نار ، قاله مجاهد . الثاني : يا ليتني كنت مثل هذا الحيوان في الدنيا وأكون اليوم تراباً ، قاله أبو هريرة : وهذه من الأماني الكاذبة كما قال الشاعر :

ألا يا ليتني والمْرءُ مَيْتُ

وما يُغْني من الحدثانِ لَيْت .

قال مقاتل : نزل

قوله تعالى : { يوم ينظر المرء ما قدّمت يداهُ } في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، ونزل

قوله تعالى : { ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً } في أخيه الأسود بن عبد الأسد .

﴿ ٠