سورة النازعاتبسم اللّه الرحمن الرحيم ١والنازعات غرقا قوله تعالى { والنَّأزِعاتِ غَرْقاً } فيه ستة أقاويل : أحدها : هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم ، قاله ابن مسعود ومسروق . الثاني : هو الموت ينزع النفوس ، قاله مجاهد . الثالث : هي النفوس حين تنزع ، قاله السدي . الرابع : هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق ، ومن المشرق إلى المغرب ، قاله الحسن وقتادة . والخامس : هي القسيّ تنزع بالسهم ، قاله عطاء . السادس : هي الوحش تنزع من الكلأ وتنفر ، حكاه يحيى بن سلام ، ومعنى { غرقاً } أي إبعاداً في النزع . ٢{ والناشِطات نَشْطاً } فيه ستة تأويلات : أحدها : هي الملائكة تنشط أرواح المؤمنين بسرعة كنشط العقال ، قاله ابن عباس . الثاني : النجوم التي تنشط من مطالعها إلى مغاربها ، قاله قتادة . الثالث : هو الموت ينشط نفس الإنسان ، قاله مجاهد . الرابع : هي النفس حيث نشطت بالموت ، قاله السدي . الخامس : هي الأوهاق ، قاله عطاء . السادس : هي الوحش تنشط من بلد إلى بلد ، كما أن الهموم تنشط الإنسان من بلد إلى بلد ، قاله أبو عبيدة ، وانشد قول همام بن قحافة : أمْسَتْ همومي تنشط المناشِطا الشامَ بي طَوْراً وطَوْراً واسطاً . ٣{ والسّابحاتِ سَبْحاً } فيه خمسة أوجه : أحدها : هي الملائكة سبحوا إلى طاعة اللّه من بني آدم ، قاله ابن مسعود والحسن . الثاني : هي النجوم تسبح في فلكها ، قاله قتادة . الثالث : هو الموت يسبح في نفس ابن آدم ، قاله مجاهد . الرابع : هي السفن تسبح في الماء ، قاله عطاء . الخامس : هي الخيل ، حكاه ابن شجرة ، كما قال عنترة : والخيلُ تعْلم حين تس بَحُ في حياضِ المْوتِ سَبْحاً ويحتمل سادساً : أن تكون السابحات الخوض في أهوال القيامة . ٤{ فالسّابقاتِ سَبْقاً } فيه خمسة تأويلات : أحدها هي الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء ، قاله عليّ رضي اللّه عنه ومسروق . وقال الحسن : سبقت إلى الايمان . الثاني : هي النجوم يسبق بعضها بعضاً ، قاله قتادة . الثالث : هوالموت يسبق إلى النفس ، قاله مجاهد . الرابع : هي النفس تسبق بالخروج عند الموت ، قاله الربيع . الخامس : هي الخيل ، قاله عطاء . ويحتمل سادساً : أن تكون السابقات ما سبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة أو نار . ٥{ فالمُدَبِّرات أمْراً } فيهم قولان : أحدهما : هي الملائكة ، قاله الجمهور ، فعلى هذا في تدبيرها بالأمر وجهان : أحدهما : تدبير ما أمرت به وأرسلت فيه . الثاني : تدبير ما وكلت فيه من الرياح والأمطار . الثاني : هي الكواكب السبعة ، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل ؛ وعلى هذا في تدبيرها للأمر وجهان . أحدهما : تدبير طلوعها وأفولها . الثاني : تدبير ما قضاه اللّه فيها من تقلب الأحوال . ومن أول السورة إلى هذا الموضع قسم أقسم اللّه به ، وفيه وجهان : أحدهما : أن ذكرها بخالقها . الثاني : أنه أقسم بها وإن كانت مخلوقة لا يجوز لمخلوق أن يقسم بها ، لأن للّه تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه . وجواب ما عقد له القسم ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه مضمر محذوف وتقديره لو أظْهر : لتُبْعَثُن ثم لُتحاسبُن ، فاستغنى بفحوى الكلام وفهم السامع عن إظهاره ، قاله الفراء . الثاني : أنه مظهر ، وهو قوله تعالى : { إن في ذلك لعبرةً لمن يخشى } قاله مقاتل . الثالث : هو قوله تعالى : { يومَ ترْجفُ الراجفةُ تَتْبعُها الرادِفةُ } وفيهما ثلاثة أقاويل : أحدها : أن الراجفة القيامة ، والرادفة البعث ، قاله ابن عباس . الثاني : أن الراجفة النفخة الأولى تميت الأحياء ، والرادفة : النفخة الثانية تحيي الموتى ، قاله الحسن وقتادة . وقال قتادة : ذكر أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قال : { بينهما أربعون ، ما زادهم على ذلك ولا سألوه ، وكانوا يرون أنها أربعون سنة } . وقال عكرمة : الأولى من الدنيا ، والثانية من الآخرة . الثالث : أن الراجفة الزلزلة التي ترجف الأرض والجبال والرادفة إذا دكّتا دكة واحدة ، قاله مجاهد . ويحتمل رابعاً : أن الراجفة أشراط الساعة ، والرادفة : قيامها . ٨{ قلوبٌ يومئذٍ واجِفَةٌ } فيه وجهان : أحدهما : خائفة ، قاله ابن عباس . الثاني : طائرة عن أماكنها ، قاله الضحاك . ٩{ أَبْصارُها خاشِعَة } فيه وجهان : أحدهما : ذليلة ، قاله قتادة . الثاني : خاضعة ، قاله الضحاك . ١٠{ يقولون أئنا لَمْردودُونَ في الحافِرةِ } فيه أربعة تأويلات : أحدها : أن الحافرة الحياة بعد الموت ، قاله ابن عباس والسدي وعطية . الثاني : أنها الأرض المحفورة ، قاله ابن عيسى . الثالث : أنها النار ، قاله ابن زيد . الرابع : أنها الرجوع إلى الحالة الأولى تَكذيباً بالبعث ، من قولهم رجع فلان على قومه إذا رجع من حيث جاء ، قاله قتادة ، قال الشاعر : أحافرة على صَلَعٍ وشيْبٍ معاذَ اللّه من جَهْلٍ وطَيْشِ ١١{ أَئِذا كْنَا عِظاماً نَخِرةً } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : بالية ، قاله السدي . الثاني : عفنة ، قاله ابن شجرة . الثالث : خالية مجوفة تدخلها الرياح فتنخر ، أي تصوّت ، قاله عطاء والكلبي . ومن قرأ { ناخرة } فإن الناخرة البالية ، والنخرة التي تنخر الريح فيها . ١٢{ تلك إذاً كَرّةٌ خاسِرةٌ } فيه تأويلان : أحدهما : باطلة لا يجيء منها شيء ، كالخسران ، وليست كاسبة ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : معناه لئن رجعنا أحياء بعد الموت لنخسرنّ بالنار ، قاله قتادة ومحمد بن كعب . ويحتمل ثالثاً : إذا كنا ننتقل من نعيم الدنيا إلى عذاب الآخرة فهي كرة خاسرة . ١٣{ فإنّما هي زجْرةٌ واحدةٌ } فيه تأويلان : أحدهما : نفخة واحدة يحيا بها الجميع فإذا هم قيام ينظرون ، قاله الربيع بن أنس . الثاني : الزجرة الغضب ، وهو غضب واحد ، قاله الحسن . ويحتمل ثالثاً : أنه لأمر حتم لا رجعة فيه ولا مثنوية . ١٤{ فَإذَا هم بالسّاهرةِ } فيه أربعة تأويلات : أحدها : وجه الأرض ، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد ، والعرب تسمي وجه الأرض ساهرة لأن فيها نوم الحيوان وسهره ، قال أمية بن أبي الصلت : وفيها لحْمُ ساهرةٍ وبَحرٌ وما فاهوا به لهمُ مُقيم وقال آخر يوم ذي قار لفرسه : أَقْدِمْ مَحاجِ إنها الأساوِره ولا يهولنّك رِجْلٌ بادِرهْ فإنما قَصْرُكَ تُرْبُ السّاهرهْ ثم تعودُ ، بَعْدها في الحافرهْ من بَعْد ما صِرْتَ عظاماً ناخِرهْ الثاني : أنه اسم مكان من الأرض بعينه بالشام ، وهو الصقع الذي بين جبل أريحا وجبل حسّان ، يمده اللّه تعالى كيف يشاء ، قاله عثمان بن أبي العاتكة . الثالث : أنها جبل بيت المقدس ، قاله وهب بن منبه . الرابع : أنه جهنم ، قاله قتادة . ويحتمل خامساً : أنها عرضة القيام لأنها أول مواقف الجزاء ، وهم في سهر لا نوم فيه . ١٥{ هلْ أتاكَ حديثُ موسى إذ ناداه ربه بالوادِ المقدَّسِ طُوَىً } فيه قولان : أحدهما : وهو قول مبشر بن عبيد هو واد بأيلة . الثاني : وهو قول الحسن ، هو واد بفلسطين . وفي { المقدَّس } تأويلان : أحدهما : المبارك ، قاله ابن عباس . الثاني : المطهر ، قاله الحسن : قدّس مرتين . وفي { طُوَىً } أربعة أقاويل : أحدها : أنه أسم الوادي المقدس ، قاله مجاهد وقتادة وعكرمة . الثاني : لأنه مر بالوادي فطواه ، قاله ابن عباس . الثالث : لأنه طوي بالبركة ، قاله الحسن . الرابع : يعني طأ الوادي بقدمك ، قاله عكرمة ومجاهد . ويحتمل خامساً ؛ أنه ما تضاعف تقديسه حتى تطهّر من دنس المعاصي ، مأخوذ من طيّ الكتاب إذا ضوعف . ١٨{ فَقُلْ هل لك إلى أن تَزَكّى } فيه قولان : أحدهما : إلى أن تُسْلِم ، قال قتادة . الثاني : إلى أن تعمل خيراً ، قاله الكلبي . ٢٠{ فأَراهُ الآيةَ الكُبْرَى } فيها قولان : أحدهما : أنها عصاه ويده ، قاله الحسن وقتادة . الثاني : أنها الجنة والنار ، قاله السدي . ويحتمل ثالثاً : أنه كلامه من الشجرة . ٢٠قوله { فَحَشَرَ فنادَى } فيه وجهان : أحدهما : حشر السحرة للمعارضة ، ونادى جنده للمحاربة . الثاني : حشر الناس للحضور ونادى أي خطب فيهم . ٢٥{ فأخَذَهُ اللّه نَكَالَ الآخرة والأُولى } فيها أربعة أقاويل : أحدها : عقوبة الدنيا والآخرة ، قال قتادة : عذبه اللّه في الدنيا بالغرق وفي الآخرة بالنار . الثاني : عذاب أول عُمرِه وآخره ، قاله مجاهد . الثالث : الأولى قوله : { ما علمت لكم مِن إلهٍ غيري } والآخرة قوله { أنا ربكم الأعلى } ، قاله عكرمة ، قال ابن عباس : وكان بينهما أربعون سنة ، وقال مجاهد : ثلاثون سنة ، قال السدي : وهي الآخرة ثلاثون سنة . الرابع : عذاب الأولى الإمهال ، والآخرة في النار ، من قوله تعالى : { النار يعرضون عليها } الآية ، قاله الربيع . ٢٧أأنتم أشد خلقا . . . . . { وأَغْطَشَ لَيْلَها وأَخْرَجَ ضُحاها } معناه أظلم ليلها ، وشاهد الغطش أنه الظلمة قول الأعشى : عَقَرْتُ لهم مَوْهِنا ناقتي وغامِرُهُمْ مُدْلَهِمٌّ غَطِشْ يعني يغمرهم ليلهم لأنه غمرهم بسواده . ٢٩وفي قوله : { وأخرج ضُحاها } وجهان : أحدهما : أضاء نهارها وأضاف الليل والضحى إلى السماء لأن منهما الظلمة والضياء . الثاني : قال ابن عباس أن أخرج ضحاها : الشمس . ٣٠{ والأرضَ بَعْد ذلك دَحاها } في قوله { بَعْد } وجهان : أحدهما : مع وتقدير الكلام : والأرض مع ذلك دحاها ، لأنها مخلوقة قبل السماء ، قاله ابن عباس ومجاهد . الثاني : أن { بعد } مستعملة على حقيقتها لأنه خلق الأرض قبل السماء ثم دحاها بعد السماء ، قاله ابن عمر وعكرمة . وفي { دحاها } ثلاثة أوجه : أحدها : بسطها ، قاله ابن عباس ، قال أمية بن أبي الصلت : وَبَثَّ الخلْق فيها إذْ دَحاها فَهُمْ قُطّانُها حتى التنادي قال عطاء : من مكة دحيت الأرض ، وقال عبد اللّه بن عمر : من موضع الكعبة دحيت . الثاني : حرثها وشقها ، قاله ابن زيد . الثالث : سوّاها ، ومنه قول زيد بن عمرو : وأسْلَمْتُ وجهي لمن أسْلَمتْ له الأرضُ تحمل صَخْراً ثِقالا دحاها فلما اسْتَوتْ شدّها بأيْدٍ وأرْسَى عليها الجبالا ٣٤{ فإذا جاءت الطامّةُ الكُبْرى } فيه أربعة أقاويل : أحدها : أنها النفخة الآخرة ، قاله الحسن . الثاني : أنها الساعة طمت كل داهية ، والساعة أدهى وأمّر ، قاله الربيع . الثالث : أنه اسم من أسماء القيامة يسمى الطامة ، قاله ابن عباس . الرابع : أنها الطامة الكبرى إذا سيق أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، قاله القاسم بن الوليد ، وهو معنى قول مجاهد . وفي معنى { الطامّة } في اللغة ثلاثة وجوه : أحدها : الغاشية . الثاني : الغامرة . الثالث : الهائلة ، ذكره ابن عيسى ، لأنها تطم على كل شيء أي تغطيه . ٤٠{ وأمّا مَنْ خاف مَقام رَبِّهِ ونَهَى النفْسَ عن الهَوى } فيه وجهان : أحدهما : هو خوفه في الدنيا من اللّه عند مواقعة الذنب فيقلع ، قاله مجاهد . الثاني : هو خوفه في الآخرة من وقوفة بين يدي اللّه للحساب ، قاله الربيع بن أنس ، ويكون معنى : خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، قال الكلبي : وزجر النفس عن المعاصي والمحارم . ٤١{ فإنّ الجنّةَ هي المأوَى } أي المنزل ، وذكر أنها نزلت في مصعب بن عمير . ٤٢{ يسألونَكَ عن الساعةِ أيّانَ مُرْساها } قال ابن عباس : متى زمانها ، قاله الربيع { فيمَ أنْتَ مِن ذِكْراها } فيه وجهان : أحدهما : فيم يسألك المشركون يا محمد عنها ولست ممن يعلمها ، وهو معنى قول ابن عباس . الثاني : فيم تسأل يا محمد عنها وليس لك السؤال ، وهذا معنى قول عروة بن الزبير . ٤٤{ إلى ربِّك مُنْتَهاها } يعني منتهى علم الساعة : فكف النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) عن السؤال وقال : يا أهل مكة إن اللّه احتجب بخمس لم يُطْلع عيهن مَلَكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً فمن ادعى علمهن فقد كفر : { إن اللّه عنده علم الساعة . . . } إلى آخر السورة . ٤٥{ إنّما أنْتَ } يعني محمداً ( صلى اللّه عليه وسلم ) . { مَنْذِرُ مَنْ يَخْشَاها } يعني القيامة . ٤٦{ كأنّهم يومَ يَرَوْنَها } يعني الكفار يوم يرون الآخرة . { لَمْ يَلْبَثُوا } في الدنيا . { إلاَّ عَشيّةً } وهي ما بعد الزوال . { أو ضُحاها } وهو ما قبل الزوال ، لأن الدنيا تصاغرت عندهم وقلّت في أعينهم ، كما قال تعالى : { ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعةً من نهارٍ } . |
﴿ ٠ ﴾