سورة عبسمكية في قول الجميع بسم اللّه الرحمن الرحيم ١عبس وتولى قوله تعالى { عَبَسَ وتَوَلّى ٢أنْ جاءَه الأَعْمَى } روى سعيد عن قتادة أن ابن أم مكتوم ، وهو عبد اللّه بن زائدة من بني فهر ، وكان ضريراً ، أتى رسول اللّه رسول اللّه صلى اللّه عليه سلم يستقرئه وهو يناجي بعض عظماء قريش - وقد طمع في إسلامهم - قال قتادة : هو أمية بن خلف ، وقال مجاهد : هما عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، فأعرض النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) عن الأعمى وعبس في وجهه ، فعاتبه اللّه تعالى في إعراضه وتوليه فقال { عبس وتولّى } أي قطّب واعرض { أن جاءه الأعمى } يعني ابن أم مكتوم . ٣{ وما يُدريك لعلّه يَزَّكى } فيه أربعة أوجه : أحدها : يؤمن ، قاله عطاء . الثاني : يتعبد بالأعمال الصالحة ، قاله ابن عيسى . الثالث : يحفظ ما يتلوه عليه من القرآن ، قاله الضحاك . الرابع : يتفقه في الدين ، قاله ابن شجرة . ٤{ أوْ يَذَّكّرُ فَتَنفَعَهُ الذّكْرَى } قال السدّي : لعله يزّكّى ويّذكرُ ، والألف صلة ، وفي الذكرى وجهان : أحدها : الفقه . الثاني : العظة . قال ابن عباس : فكان النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) إذا نظر إليه مقبلاً بسط له رداءه حتى يجلس عليه إكراماً له . قال قتادة : واستخلفه على صلاة الناس بالمدينة في غزاتين من غزواته ، كل ذلك لما نزل فيه . ٥أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) ٦فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) ٧وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) ٨وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) ٩وَهُوَ يَخْشَى (٩) ١٠فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) ١١{ كلاّ إنّها تَذْكِرةٌ } فيه وجهان : أحدهما : أن هذه السورة تذكرة ، قاله الفراء والكلبي . الثاني : أن القرآن تذكرة ، قاله مقاتل . ١٢{ فَمَن شَاءَ ذكَرَهُ } فيه وجهان : أحدهما : فمن شاء اللّه ألهمه الذكر ، قاله مقاتل . الثاني : فمن شاء أن يتذكر بالقرآن أذكره اللّه ، وهو معنى قول الكلبي . ١٣{ في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : مكرمة عند اللّه ، قاله السدي . الثاني : مكرمة في الدين لما فيها من الحكم والعلم ، قاله الطبري . الثالث : لأنه نزل بها كرام الحفظة . ويحتمل قولاً رابعاً : أنها نزلت من كريم ، لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه . ١٤{ مرفوعةٍ } فيه قولان : أحدهما : مرفوعة في السماء ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : مرفوعة القدر والذكر ، قاله الطبري . ويحتمل قولاً ثالثاً : مرفوعة عن الشُبه والتناقض . { مُطَهّرةٍ } فيه أربعة أقاويل : أحدهأ : من الدنس ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : من الشرك ، قاله السدي . الثالث : أنه لا يمسها إلا المطهرون ، قاله ابن زيد . الرابع : مطهرة من أن تنزل على المشركين ، قاله الحسن . ويحتمل خامساً : لأنها نزلت من طاهر مع طاهر على طاهر . ١٥{ بأيْدِى سَفَرَةٍ } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أن السفرة الكتبة ، قاله ابن عباس ، قال المفضل : هو مأخوذ من سفر يسفر سفراً ، إذا كتب ، قال الزجاج : إنما قيل للكتاب سِفْر وللكاتب سافر من تبيين الشيء وإيضاحه ، كما يقال أسفر الصبح إذا وضح ضياؤه وظهر ، وسفرت المرأة إذا كشفت نقابها . الثاني : أنهم القّراء ، قال قتادة لأنهم يقرؤون الأسفار . الثالث : هم الملائكة ، لأنهم السفرة بين يدي اللّه ورسله بالرحمة ، قال زيد ، كما يقال سَفَر بين القوم إذا بلغ صلاحاً ، وأنشد الفراء : وما أدَعُ السِّفارةَ بين قوْمي وما أَمْشي بغِشٍ إنْ مَشَيْتُ ١٦{ كِرام بَرَرةٍ } في الكرام ثلاثة أقاويل : أحدها : كرام على ربهم ، قاله الكلبي . الثاني : كرام عن المعاصي فهم يرفعون أنفسهم عنها ، قاله الحسن . الثالث : يتكرمون على من باشر زوجته بالستر عليه دفاعاً عنه وصيانة له ، وهو معنى قول الضحاك . ويحتمل رابعاً : أنهم يؤثرون منافع غيرهم على منافع أنفسهم . وفي { بررة } ثلاثة أوجه : أحدها : مطيعين ، قاله السدي . الثاني : صادقين واصلين ، قاله الطبري . الثالث : متقين مطهرين ، قاله ابن شجرة . ويحتمل قولاً رابعاً : أن البررة مَن تعدى خيرهم إلى غيرهم ، والخيرة من كان خيرهم مقصوراً عليهم . ١٧{ قُتِلَ الإنسانُ ما أكْفَرَه } في { قتل } وجهان : أحدهما : عُذِّب . الثاني : لعن . وفي { الإنسان } ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه إشارة إلى كل كافر ، قاله مجاهد . الثاني : أنه أمية بن خلف ، قاله الضحاك . الثالث : أنه عتبة بن أبي لهب حين قال : إني كفرت برب النجم إذا هوى ، فقال النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { اللّهم سلّطْ عليه كلبك } فأخذه الأسد في طريق الشام ، قاله ابن جريج والكلبي . وفي { ما أكْفَرَه } ثلاثة أوجه : أحدها : أن { ما } تعجب ، وعادة العرب إذا تعجبوا من شيء قالوا قاتله اللّه ما أحسنه ، وأخزاه اللّه ما أظلمه ، والمعنى : أعجبوا من كفر الإنسان لجميع ما ذكرنا بعد هذا . الثاني : أي شيء أكفره ، على وجه الاستفهام ، قاله السدي ويحيى بن سلام . الثالث : ما ألعنه ، قاله قتادة . ١٨مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) ١٩مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ٢٠{ ثم السبيلَ يَسّرَهُ } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : خروجه من بطن أمه ، قاله عكرمة والضحاك . الثاني : سبيل السعادة والشقاوة ، قاله مجاهد . الثالث : سبيل الهدى والضلالة ، قاله الحسن . ويحتمل رابعاً : سبيل منافعه ومضاره . ٢١{ ثُمَّ أَماتَهُ فأَقْبَرَهُ } فيه قولان : أحدهما : جعله ذا قبر يدفن فيه ، قاله الطبري ، قال الأعشى : لو أسْنَدَتْ مَيْتاً إلى نَحْرِها عاشَ ولم يُنْقلْ إلى قابر الثاني : جعل من يقبره ويواريه ، قاله يحيى بن سلام . ٢٢{ ثُمَّ إذا شاءَ أَنشَرَهُ } يعني أحياه ، قال الأعشى : حتى يقولَ الناسُ مما رأوْا يا عجباً للميّت الناشِرِ ٢٣{ كلاّ لّما يَقْضِ ما أَمَرَهُ } فيه قولان : أحدهما : أنه الكافر لم يفعل ما أمر به من الطاعة والإيمان ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : أنه على العموم في المسلم والكافر ، قال مجاهد : لا يقضي أحد أبداً ما افترض عليه ، وكلاّ ها هنا لتكرير النفي وهي موضوعة للرد . ويحتمل وجه حمله على العموم أن الكافر لا يقضيه عمراً ، والمؤمن لا يقضيه شهراً . ٢٤{ فَلْيَنظُرِ الإنسانُ إلى طَعامِه } فيه وجهان : أحدهما : إلى طعامه الذي يأكله وتحيا نفسه به ، من أي شيء كان ، قاله يحيى . الثاني : ما يخرج منه أي شيء كان ؟ ثم كيف صار بعد حفظ الحياة وموت الجسد . قال الحسن : إن ملكاً يثني رقبة ابن آدم إذا جلس على الخلاء لينظر ما يخرج منه . ويحتمل إغراؤه بالنظر إلى وجهين : أحدهما : ليعلم أنه محل الأقذار فلا يطغى . الثاني : ليستدل على استحالة الأجسام فلا ينسى . ٢٥{ أنّا صَبَبْنا الماءَ صبّاً } يعني المطر . ٢٦{ ثم شَقَقْنا الأرضَ شقّاً } يعني بالنبات . ٢٧{ فَأَنْبَتْنَا فيها حَبّاً ٢٨وَعِنَباً وَقَضْباً } والقضب : القت والعلق سمي بذلك لقضبه بعد ظهوره . ٢٩{ وزَيْتوناً ونخْلاً ٣٠وحدائقَ غُلْباً } فيه قولان : أحدهما : نخلاً كراماً ، قاله الحسن . الثاني : الشجر الطوال الغلاظ ، قال الكلبي : الْغلب الغِلاط ، قال الفرزدق : عَوَى فأَثارَ أغْلَبَ ضَيْغَميّاً فَوَيْلَ ابنِ المراغةِ ما استثار وفي { الحدائق } ثلاثة أقاويل : أحدها : أنها ما التف واجتمع ، قاله ابن عباس . الثاني : أنه نبت الشجر كله . الثالث : أنه ما أحيط عليه من النخل والشجر ، وما لم يحط عليه فليس بحديقة حكاه أبو صالح . ويحتمل قولاً رابعاً : أن الحدائق ما تكامل شجرها واختلف ثمرها حتى عم خيرها . ويحتمل الغُلْب أن يكون ما غلبت عليه ولم تغلب فكان هيناً . ٣١{ وفاكهةً وأبّاً } فيه خمسة أقاويل : أحدها : أن الأبّ ما ترعاه البهائم ، قاله ابن عباس : وما يأكله الآدميون الحصيدة ، قال الشاعر في مدح النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : له دعوة ميمونة ريحها الصبا بها يُنْبِتُ اللّه الحصيدة والأَبّا الثاني : أنه كل شيء ينبت على وجه الأرض ، قاله الضحاك . الثالث : أنه كل نبات سوى الفاكهة ، وهذا ظاهر قول الكلبي . الرابع : أنه الثمار الرطبة ، قاله ابن أبي طلحة . الخامس : أنه التبن خاصة ، وهو يحكي عن ابن عباس أيضاً ، قال الشاعر : فما لَهم مَرْتعٌ للسّوا م والأبُّ عندهم يُقْدَرُ ووجدت لبعض المتأخرين سادساً : أن رطب الثمار هو الفاكهة ، ويابسها الأبّ . ويحتمل سابعاً : أن الأبّ ما أخلف مثل أصله كالحبوب ، والفاكهة ما لم يخلف مثل أصله من الشجر . روي أن عمر بن الخطاب قرأ { عبس وتولّى } فلما بلغ إلى قوله تعالى : { وفاكهة وأبّا } قال : قد عرفنا الفاكهة ، فما الأبّ ؟ ثم قال : لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا هو التكلف وألقى العصا من يده . وهذا مثل ضربه اللّه تعالى لبعث الموتى من قبورهم فهم كنبات الزرع بعد دثوره ، وتضمن امتناناً عليهم بما أنعم . ٣٢مَتَاعًا لَكُمْ وَ ِلاَنْعَامِكُمْ (٣٢) ٣٣فإذا جاءت الصاخة { فإذا جاءَتِ الصّاخّةُ } فيها قولان : أحدهما : أنها النفخة الثانية التي يصيخ الخلق لاستماعها ، قاله الحسن ، ومنه قول الشاعر : يُصِيخُ للنْبأَة أَسْماعه إصاخَةَ الناشدِ للمُنْشِد الثاني : أنه اسم من أسماء القيامة ، لإصاخة الخلق إليها من الفزع ، قاله ابن عباس . ٣٤{ يوم يَفِرُّ المرءُ مِن أخيه ٣٥وأُمِّه وابيه ٣٦وصاحِبتِه وبنيه } وفي فراره منهم ثلاثة أوجه : أحدها : حذراً من مطالبتهم إياه للتبعات التي بينه وبينهم . الثاني : حتى لا يروا عذابه . الثالث : لاشتغاله بنفسه ، كما قال تعالى بعده : ٣٧{ لكل امرىء منهم يومئذ شأنٌ يُغْنِيهِ } أي يشغله عن غيره . ٣٨{ وجوهٌ يومئذٍ مُسفِرةٌ } فيه وجهان : أحدهما : مشرقة . الثاني : فرحة ، حكاه السدي . ٣٩{ ضَاحكةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ } يحتمل وجهين : أحدهما : ضاحكة من مسرة القلب . الثاني : ضاحكة من الكفار شماتة وغيظاً ، مستبشرة بأنفسها مسرة وفرحاً . ٤٠{ ووجوهٌ يومَئذٍ عليها غبرَةٌ } يحتمل وجهين : أحدهما : أنه غبار جعل شيناً لهم ليتميزوا به فيعرفوا . الثاني : أنه كناية عن كمد وجوههم بالحزن حتى صارت كالغبرة . ٤١{ ترْهقُها قَتَرةٌ } فيه خمسة أقاويل : أحدها : تغشاها ذلة وشدة ، قاله ابن عباس . الثاني : خزي ، قال مجاهد . الثالث : سواد ، قاله عطاء . الرابع : غبار ، قاله السدي ، وقال ابن زيد : القترة ما ارتفعت إلى السماء والغبرة : ما انحطت إلى الأرض . الخامس : كسوف الوجه ، قاله الكلبي ومقاتل . ٤٢{ أولئك هم الكَفَرَةُ الفَجرَةُ } يحتمل جمعه بينهما وجهين : أحدهما : أنهم الكفرة في حقوق اللّه ، الفجرة في حقوق العباد . الثاني : لأنهم الكفرة في أديانهم ، الفجرة في أفعالهم . |
﴿ ٠ ﴾