سورة التكوير

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى : { إذا الشمسُ كُوِّرَتْ } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : يعني ذهب نورها وأظلمت ، قاله ابن عباس .

الثاني : غُوِّرَت ، وهو بالفارسية كوبكرد ، قاله ابن جبير .

الثالث : اضمحلت ، قاله مجاهد .

الرابع : نكست ، قاله أبو صالح .

الخامس : جمعت فألقيت ، ومنه كارة الثياب لجمعها ، وهو قول الربيع بن خيثم .

٢

{ وإذا النجوم انْكَدَرَتْ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : تناثرت ، قاله الربيع بن خيثم .

الثاني : تغيرت فلم يبق لها ضوء ، قاله ابن عباس .

الثالث : تساقطت ، قاله قتادة ، ومنه قول العجاج :

أبصَرَ خرْبان فضاء فانكَدَرْ

تَقضِّيَ البازي إذا البازي كَسَر

رابعاً : أن يكون انكدارها طمس آثارها ، وسميت النجوم نجوماً لظهورها في السماء بضوئها .

٣

{ وإذا الجبالُ سُيِّرتْ } يعني ذهبت عن أماكنها ، قال مقاتل : فسويت بالأرض كما خلقت أول مرة وليس عليها جبل ولا فيها واد .

٤

{ وإذا العِشارُ عُطِّلتْ } والعشار : جمع عشراء وهي الناقة إذا صار لحملها عشرة أشهر ، وهي أنفس أموالهم عندهم ، قال الأعشى :

هو الواهبُ المائةَ المصْطفا

ةَ إمّا مخاضاً وإمّا عِشاراً

فتعطل العشار لاشتغالهم بأنفسهم من شدة خوفهم .

وفي { عطلت } تأويلان :

أحدهما : أُهملت ، قاله الربيع .

الثاني : لم تحلب ولم تدر ، قاله يحيى بن سلام .

وقال بعضهم : العشار : السحاب تعطل فلا تمطر .

ويحتمل وجهاً ثالثاً : أنها الأرض التي يعشر زرعها فتصير للواحد عُشراً ، تعطل فلا تزرع .

٥

{ وإذا الوُحوشُ حُشِرتْ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : جمعت ، قاله الربيع .

الثاني : اختلطت ، قاله أبي بن كعب فصارت بين الناس .

الثالث : حشرت إلى القيامة للقضاء فيقتص للجمّاء من القرناء ، قاله السدي .

الرابع : أن حشرها بموتها ، قاله ابن عباس .

٦

{ وإذا البحارُ سُجِّرتْ } فيه ثمانية تأويلات :

أحدها : فاضت ، قاله الربيع .

الثاني : يبست ، قاله الحسن .

الثالث : ملئت ، أرسل عذبها على مالحها ، ومالحها على عذبها حتى امتلأت ، قاله أبو الحجاج .

الرابع : فجرت فصارت بحراً واحداً ، قاله الضحاك .

الخامس : سيرت كما سيرت الجبال ، قاله السدي .

السادس : هو حمرة مائها حتى تصير كالدم ، مأخوذ من قولهم عين سجراء أي حمراء .

السابع : يعني أوقدت فانقلبت ناراً ، قاله عليّ رضي اللّه عنه وابن عباس وأُبي بن كعب .

الثامن : معناه أنه جعل ماؤها شراباً يعذب به أهل النار ، حكاه ابن عيسى .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف { سجرت } إخباراً عن حالها مرة واحدة ، وقرأ الباقون بالتشديد إخباراً عن حالها في تكرار ذلك منها مرة بعد أخرى .

٧

{ وإذا النفوسُ زُوِّجَتْ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : يعني عُمل بهن عملٌ مثل عملها ، فيحشر العامل بالخير مع العامل بالخير إلى الجنة ، ويحشر العامل بالشر مع العامل بالشر إلى النار ، قاله عطية العوفي : حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة .

الثاني : يزوج كل رجل نظيره من النساء فإن من أهل الجنة زوّج بامرأة من

اهل الجنة ، وإن كان من أهل النار زوّج بامرأة من أهل النار ، قاله عمر بن الخطاب ، ثم قرأ : { احْشُروا الذين ظلموا وأزواجهم }

الثالث : معناه ردّت الأرواح إلى الأجساد ، فزوجت بها أي صارت لها زوجاً ، قاله عكرمة والشعبي .

الرابع : أنه قرن كل غاو بمن أغواه من شيطان أو إنسان ، حكاه ابن عيسى .

ويحتمل خامساً : زوجت بأن أضيف إلى كل نفس جزاء عملها ، فصار لاختصاصها به كالتزويج .

٨

{ وإذا الموءوجة سُئِلَتْ } والموءودة المقتولة ، كان الرجل في الجاهلية إذا ولدت امرأته بنتاً دفنها حية ، إما خوفاً من السبي والاسترقاق ، وإما خشية الفقر والإملاق ، وكان ذوو الشرف منهم يمتنعون من هذا ويمنعون منه حتى افتخر الفرزدق فقال :

ومِنّا الذي مَنَعَ الوائداتِ

فأحْيا والوئيدَ فلم تُوأَدِ

وسميت موءودة للثقل الذي عليها من التراب ، ومنه

قوله تعالى : { ولا يئوده حفظهما } أي لا يثقله ، وقال متمم بن نويرة :

وموءودةٍ مقبورة في مفازةٍ

بآمتها موسودة لم تُمهّدِ

فقال توبيخاً لقاتلها وزجراً لمن قتل مثلها { وإذا الموءودة سئلت } واختلف هل هي السائلة أو المسئولة ، على قولين :

أحدهما : وهو قول الأكثرين أنها هي المسئولة :

٩

{ بأيِّ ذَنْبِ قُتِلَتْ } فتقول : لا ذنب لي ، فيكون ذلك أبلغ في توبيخ قاتلها وزجره .

الثاني : أنها هي السائلة لقاتلها لم قتلت ، فلا يكون له عذر ، قاله ابن عباس وكان يقرأ : وإذا الموءودة سألت .

قال قتادة : يقتل أحدهما بنته ويغذو كلبه ، فأبى اللّه سبحانه ذلك عليهم .

١٠

{ وإذا الصُّحُف نُشِرَتْ } يعني صحف الأعمال إذا كتب الملائكة فيها ما فعل أهلها من خير وشر ، تطوى بالموت وتنشر في القيامة ، فيقف كل إنسان على صحيفته فيعلم ما فيها قيقول : { { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحْصاها } .

وقرأ حمزة والكسائي بتشديد نشّرت على تكرار النشر ، وقرأ الباقون بالتخفيف على نشرها مرة واحدة ، فإن حمل على المرة الواحدة فلقيام الحجة بها ، وإن حمل على التكرار ففيه وجهان :

أحدهما : للمبالغة في تقريع العاصي وتبشير المطيع .

الثاني : لتكرير ذلك من الإنسان والملائكة الشهداء عليه .

١١

{ وإذا السماءُ كُشِطَتْ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها يعني ذهبت ، قاله الضحاك .

الثاني : كسفت ، قاله السدي .

الثالث : طويت ، قاله يحيى بن سلام ، كما قال تعالى : { يوم نطوي السماء } الآية .

١٢

{ وإذا الجحيمُ سُعِّرَتْ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أحميت ، قاله السدي .

الثاني : أُوقدت ، قاله معمر عن قتادة .

الثالث : سعّرها غضب اللّه وخطايا بني آدم ، قاله سعيد عن قتادة .

١٣

{ وإذا الجنّةُ أُزْلِفَتْ } أي قرّبت ، قال الربيع : إلى هاتين الآيتين ما جرى الحديث فريق في الجنة وفريق في السعير .

١٤

{ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرتْ } يعني ما عملت من خير وشر . وهذا جواب { إذا الشمس كورت } وما بعدها ، قال عمر بن الخطاب : لهذا جرى الحديث ، وقال الحسن : { إذا الشمس كورت } قسم وقع على قوله { علمت نفسٌ ما أَحضَرَتْ } .

١٥

فلا أقسم بالخنس

{ فلا أُقسِمُ بالخُنّسِ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت ، قاله الحسن وقتادة .

الثاني : خمسة الأنجم وهي : زحل وعطارد والمشتري والمريخ والزهرة ، قاله عليّ .

وفي تخصيصها بالذكر وجهان :

أحدهما : لأنها لا تستقبل الشمس ، قاله بكر بن عبد اللّه المزني .

الثاني : لأنها تقطع المجرة ، قاله ابن عباس .

الثالث : أن الخنس بقر الوحش ، قاله ابن مسعود .

الرابع : أنها الظباء ، قاله ابن جبير .

ويحتمل تأويلاً خامساً : أنها الملائكة لأنها تخنس فلا تُرى ، وهذا قَسَمٌ مبتدأ ، و { لا } التي في قوله { فلا أقسم بالخنس } فيها الأوجه الثلاثة التي في { لا أقسم بيوم القيامة } .

١٦

{ الجوار الكُنّسِ } فيها التأويلات الخمسة :

أحدها : النجوم ، قاله الحسن ، سميت بالجواري الكنس لأنها تجري في مسيرها .

الثاني : أنها النجوم الخمسة ، وهو قول عليّ .

والكنّس ، الغيّب ، مأخوذ من الكناس وهو كناس الوحش التي تختفي فيه ، قال أوس بن حجر :

ألم تر أن اللّه أنزل مُزْنَهُ

وعُفْرُ الظباءِ في الكِناس تَقَمّعُ

الثالث : أنها بقر الوحش لاختفائها في كناسها ، قاله ابن مسعود .

الرابع : الظباء ، قاله ابن جبير .

الخامس : هي الملائكة .

١٧

{ والليلِ إذا عَسْعَسَ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أظلم ، قاله ابن مسعود ومجاهد ، قال الشاعر :

حتى إذ ما لَيْلُهُنَّ عَسْعَسا

رَكِبْنَ مِن حَدِّ الظّلامِ حِنْدساً

الثاني : إذا ولى ، قاله ابن عباس وابن زيد ، قال الشاعر :

حتى إذا الصبح لها تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا

الثالث : إذا أقبل ، قاله ابن جبير وقتادة ، وأصله العس وهو الامتلاء ، ومنه قيل للقدح الكبير عس لامتلائه بما فيه ، فانطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه ، وانطلق على ظلامه لاستكمال امتلائه ،

١٨

{ والصبحِ إذا تَنَفّسَ } فيه تأويلان :

أحدهما : طلوع الفجر ، قاله عليّ وقتادة .

الثاني : طلوع الشمس ، قاله الضحاك .

وفي { تنفّسَ } وجهان :

أحدهما : بان إقباله .

الثاني : زاد ضوؤه .

ويحتمل وجهاً ثالثاً : أن يكون تنفس بمعنى طال ، مأخوذ من قولهم قد تنفس النهار إذا طال .

١٩

{ إنه لَقَوْلُ رسولٍ كريمٍ } وهو جواب القسم ، يعني القرآن .

وفي الرسول الكريم قولان :

أحدهما : جبريل ، قاله الحسن وقتادة والضحاك .

الثاني : النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، قاله ابن عيسى ، فإن كان المراد به جبريل فمعناه قول رسول للّه كريم عن رب العاليمن لأن أصل القول الذي هو القرآن ليس من الرسول ، إنما الرسول فيه مبلغ على الوجه الأول ، ومبلغ إليه على الوجه الثاني .

٢١

{ مُطاعٍ ثَمَّ أمينٍ } هو جبريل في أصح القولين ، يعني مطاعاً فيمن نزل عليه من الأنبياء ، أميناً فيما نزل به من الكتب .

٢٢

{ وما صاحبكم بمجنونٍ } يعني النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) .

٢٣

{ ولقد رآه بالأفق المبين } وفي الذي رآه قولان : أحدهما : أنه رأى ربه بالأفق المبين ، وهو معنى قول ابن مسعود .

الثاني : رأى جبريل بالأفق المبين على صورته التي هو عليها ، وفيها قولان :

أحدهما : أنه رآه ببصره ، قاله ابن عباس وعائشة .

الثاني : بقلبه ، ولم يره ببصره ، قاله أبو ذر .

وفي { الأفق } قولان :

أحدهما : أنه مطلع الشمس .

الثاني : أقطار السماء ونواحيها ، قال الشاعر :

أخَذْنا بآفاقِ السماءِ عليكمُ

لنا قَمَراها والنُّجومُ الطّوالعُ

فعلى هذا فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه رآه في أفق السماء الشرقي ، قاله سفيان .

والثاني : في أفق السماء الغربي ، حكاه ابن شجرة .

الثالث : أنه رآه نحو أجياد ، وهو مشرق مكة ، قاله مجاهد ،

٢٤

{ وما هو على الغَيْبِ بضنين } قرأ بالظاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وفيه وجهان :

أحدهما : وما محمد على القرآن بمتهم أن يأتي بما لم ينزل عليه ، قاله ابن عباس .

الثاني : بضعيف عن تأديته ، قاله الفراء .

وقرأ الباقون بالضاد ، وفيه وجهان :

أحدهما : وما هو ببخيل أن يعلِّم كما تعلّم .

الثاني : وما هو بمتهم أن يؤدي ما لم يؤمر به .

٢٦

{ فأيْنَ تَذْهَبون } فيه وجهان :

أحدهما : فإلى أين تعدلون عن كتاب اللّه تعالى وطاعته ، قاله قتادة .

الثاني : فأي طريق أهدى لكم وأرشد من كتاب اللّه ، حكاه ابن عيسى .

ويحتمل ثالثاً : فأين تذهبون عن عذابه وعقابه .

٢٧

إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧)

٢٨

لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨)

٢٩

{ وما تشاؤون إلا أن يشاءَ اللّه ربُّ العالَمين } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : وما تشاؤون الاستقامة على الحق إلا أن يشاء اللّه لكم .

الثاني : وما تشاؤون الهداية إلا أن يشاء اللّه بتوفيقه : وقيل إن سبب نزول هذه الآية أنه لما نزل

قوله تعالى :

{ لمن شاء منكم أن يستقيم } قال أبو جهل : ذلك إلينا إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل اللّه تعالى : { وما تشاءون إلا أن يشاء اللّه ربّ العالمين } .

﴿ ٠