سورة الانشقاقمكية في قول الجميع بسم اللّه الرحمن الرحيم ١إذا السماء انشقت قوله عز وجل : { إذا السماءُ انشَقّتْ } وهذا من أشراط الساعة ، قال عليّ رضي اللّه عنه : تنشق السماء من المجرة ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه محذوف الجواب وتقديره : إذا السماء انشقت رأى الإنسان ما قدّم من خير وشر . الثاني : أن جوابه { كادح إلى ربك كدحاً } . الثالث : معناه أذكر إذا السماء انشقت . ٢{ وأَذِنَتْ لِرّبها وحُقّتْ } معنى أذنت لربها أي سمعت لربها ، ومنه قول النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) ما أذن اللّه لشيء كإذانه لنبي يتغنى بالقرآن أي ما استمع اللّه لشيء ، وقال الشاعر : صُمٌّ إذا سَمِعوا خيْراً ذُكِرتُ به وإنْ ذُكِرْتُ بسُوءٍ عندهم أَذِنوا أي سمعوا . { وحُقّتْ } فيه وجهان : أحدهما : أطاعت ، قاله الضحاك . الثاني : معناه حق لها أن تفعل ذلك ، قاله قتادة ، ومنه قول كثيّر : فإن تكُنْ العُتْبى فأهْلاً ومرحبا وحُقّتْ لها العُتبى لديْنَا وَقَلَّت . ويحتمل وجهاً ثالثاً : أنها جمعت ، مأخوذ من اجتماع الحق على نافيه وحكى ابن الانباري أن { أذنت لربها وحقت } جواب القسم ، والواو زائدة . ٣{ وإذا الأرضُ مُدَّتْ } فيها قولان : أحدهما : أن البيت كان قبل الأرض بألفي عام ، فمدت الأرض من تحته ، قاله ابن عمر . الثاني : أنها أرض القيامة ، قاله مجاهد ، وهو أشبه بسياق الكلام . وفي { مُدَّتْ } وجهان : أحدهما : سويت ، فدكّت الجبال ويبست البحار ، قاله السدي . الثاني : بسطت ، قاله الضحاك ، وروى عليّ بن الحسين أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قال : { إذا كان يوم القيامة مد اللّه الأرض مدّ الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدمه } . ٤{ وأَلقْتْ ما فيها وتَخلّتْ } فيه وجهان : أحدهما : ألقت ما في بطنها من الموتى ، وتخلت عمن على ظهرها من الأحياء ، قاله ابن جبير . الثاني : ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها وتخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها ، وهو معنى قول قتادة . ويحتمل ثالثاً : هو أعم ، أنها ألقت ما استوعدت ، وتخلت مما استحفظت لأن اللّه استودعها عباده أحياء وأمواتاً ، واستحفظها بلاده مزارع وأقواتاً . ٦{ يا أيها الإنسانُ إنك كادحٌ إلى ربك كدْحاً فملاقيه } فيه قولان : أحدهما : إنك ساعٍ إلى ربك سعياً حتى تلاقي ربك ، قاله يحيى بن سلام ، ومنه قول الشاعر : ومَضَتْ بشاشةُ كلِّ عَيْشٍ صالحٍ وَبقيتُ أكْدَحُ للحياةِ وأَنْصَبُ أي أعمل للحياة . ويحتمل قولاً ثالثاً : أن الكادح هو الذي يكدح نفسه في الطلب إن تيسّر أو تعسّر . ٧{ فأمّا مَنْ أَوتي كِتابَه بيمينه } روي أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قال : { يعرض الناس ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وفي الثالثة تطير الكتب من الأيدي ، فبين آخذٍ كتابه بيمينه ، وبين آخذٍ كتابه بشماله } . { فسوف يُحاسَبُ حِساباً يَسيراً } وفي الحساب ثلاثة أقاويل : أحدها : يجازى على الحسنات ويتجاوز له عن السيئات ، قاله الحسن . الثاني : ما رواه صفوان بن سليم عن عائشة قالت : سئل رسول اللّه عن الذي يحاسب حساباً يسيراً ، فقال : { يعرف عمله ثم يتجاوز عنه ، ولكن من نوقش الحساب فذلك هو الهالك . } الثالث : أنه العرض ، روى ابن أبي مليكة عن عائشة رضي اللّه عنها : أنها سألت رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) عن قوله : { فسوف يحاسب حساباً يسيراً } فقال : { ذلك العرض يا عائشة ، من نوقش في الحساب يهلك } . { وَيَنقَلِبُ إلى أهْلِه مَسْروراً } قال قتادة : إلى أهله الذين قد أعدهم اللّه له في الجنة . ويحتمل وجهاً ثانياً : أن يريد أهله الذين كانوا له في الدنيا ليخبرهم بخلاصه وسلامته . ٨فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨) ٩وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (٩) ١٠وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (١٠) ١١فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١) ١٢وَيَصْلَى سَعِيرًا (١٢) ١٣إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (١٣) ١٤{ إنَّه ظَنَّ أن لن يَحُورَ } أي لن يرجع حياً مبعوثاً فيحاسب ثم يثاب أو يعاقب ، يقال : حار يحور ، إذا رجع ، ومنه الحديث : { أعوذ باللّه من الحْور بعد الكْور ، } يعني من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة ، وروي : { بعد الكوْن } ، ومعناه انتشار الأمر بعد تمامه . وسئل معمر عن الحور بعد الكْون فقال : الرجل يكون صالحاً ثم يتحول امرء سوء . وقال ابن الأعرابي : الكُنْنّي : هو الذي يقول : كنت شاباً وكنت شجاعاً ، والكاني : هو الذي يقول : كان لي مال وكنت أهب وكان لي خيل وكنت أركب ، وأصل الحور الرجوع ، قال لبيد : وما المرءُ إلا كالشهاب وضوئه يَحُورُ رماداً بَعْد إذ هو ساطعُ . وقال عكرمة وداود بن أبي هند : يحور كلمة بالحبشية ، ومعناها يرجع وقيل للقصار حواري لأن الثياب ترجع بعمله إلى البياض . { بلى إنّ ربّه كان به بَصيراً } يحتمل وجهين : أحدهما : مشاهداً لما كان عليه . الثاني : خبيراً بما يصير إليه . ١٦فلا أقسم بالشفق { فلا أُقْسِمُ بالشّفَقِ } فيه أربعة أقاويل : أحدها : أنه شفق الليل وهو الحمرة ، قاله ابن عباس . الثاني : أنه بقية ضوء الشمس ، قاله مجاهد . الثالث : أنه ما بقي من النهار ، قاله عكرمة . الرابع : أنه النهار ، رواه ابن أبي نجيح . ١٧{ واللّيلِ وما وَسقَ } فيه أربعة تأويلات : أحدها : وماجمع ، قاله مجاهد ، قال الراجز : إن لنا قلائصاً حقائقا مستوسقات أو يجدن سائقا الثاني : وما جَنّ وستر ، قاله ابن عباس . الثالث : وما ساق ، لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مأواه ، قاله عكرمة . الرابع : وما عمل فيه ، قاله ابن جبير ، وقال الشاعر : ويوماً ترانا صالحين وتارةً تقوم بنا كالواسق المتَلَبّبِ أي كالعامل . ١٨{ والقَمَرِ إذا اتّسَق } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : إذا استوى ، قاله ابن عباس ، وقولهم اتسق الأمر إذا انتظم واستوى . قال الضحاك : ليلة أربع عشرة هي ليلة السواء . الثاني : والقمر إذا استدار ، قاله عكرمة . الثالث : إذا اجتمع ، قاله مجاهد ، ومعانيها متقاربة . ويحتمل رابعاً : إذا طلع مضيئاً . ١٩{ لَتَرْكَبُنَّ طُبقاً عَنِ طَبَقٍ } فيه سبعة تأويلات : أحدها : سماء بعد سماء ، قاله ابن مسعود والشعبي . الثاني : حالاً بعد حال ، فطيماً بعد رضيع وشيخاً بعد شاب ، قاله عكرمة ، ومنه قول الشاعر : كذلك المرءُ إن يُنْسَأ له أجَلٌ يَرْكبْ على طَبَقٍ مِن بَعْده طَبَقٌ الثالث : أمراً بعد أمر ، رخاء بعد شدة ، وشدة بعد رخاء ، وغنى بعد فقر ، وفقراً بعد غنى ، وصحة بعد سقم ، وسقماً بعد صحة ، قاله الحسن . الرابع : منزلة بعد منزلة ، قوم كانوا في الدنيا متضعين فارتفعوا في الآخرة ، وقوم كانوا مرتفعين في الدنيا فاتضعوافي الآخرة ، قاله سعيد بن جبير . الخامس : عملاً بعد عمل ، يعمل الآخر عمل الأول ، قاله السدي . السادس : الآخرة بعد الأولى ، قاله ابن زيد . السابع : شدة بعد شدة ، حياة ثم موت ثم بعث ثم جزاء ، وفي كل حال من هذه شدة ، وقد روى معناه جابر مرفوعاً . ٢٠فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (٢٠) ٢١وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ (٢١) ٢٢بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) ٢٣{ واللّه أعْلَمُ بما يُوعُونَ } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : بما يُسِرون في قلوبهم ، قاله ابن عباس . الثاني : بما يكتمون من أفعالهم ، قاله مجاهد . الثالث : بما يجمعون من سيئاتهم ، مأخوذ من الوعاء الذي يجمع ما فيه وهو معنى قول ابن زيد . ٢٤فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤) ٢٥{ فلهم أَجْرٌ غيرُ ممنون } فيه أربعة تأويلات : أحدها : غير محسوب ، قاله مجاهد . الثاني : غير منقوص ، قاله السدي . الثالث : غير مقطوع ، قاله ابن عباس . الرابع : غير مكدّر بالمن والأذى ، وهو معنى قول الحسن . |
﴿ ٠ ﴾