سورة الطارق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

والسماء والطارق

قوله تعالى { والسماءِ والطارقِ } هما قسمَان : { والسماءِ } قَسَمٌ ، { والطارقِ } قَسَمٌ .

{ الطارق } نجم ،

٢

وقد بيّنه اللّه تعالى بقوله : { وما أدْراكَ ما الطارقُ النجْمُ الثّاقبُ } ومنه قول هند بنت عتبة :

نحْنُ بنات طارِق

نمْشي على النمارق

تقول : نحن بنات النجم افتخاراً بشرفها ، وإنما سمي النجم طارقاً لاختصاصه بالليل ، والعرب تسمي كل قاصد في الليل طارقاً ، قال الشاعر :

ألا طَرَقَتْ بالليلِ ما هجَعوا هندُ

وهندٌ أَتى مِن ، دُونها النأيُ والصَّدّ

وأصل الطرق الدق ، ومنه سميت المطرقة ، فسمي قاصد الليل طارقاً لاحتياجه في الوصول إلى الدق .

٣

وفي قوله { النجم الثاقب } ستة أوجه :

أحدها : المضيء ، قاله ابن عباس .

الثاني : المتوهج ، قاله مجاهد .

الثالث : المنقصّ ، قاله عكرمة .

الرابع : أن الثاقب الذي قد ارتفع على النجوم كلها ، قاله الفراء .

الخامس : الثاقب : الشياطين حين ترمى ، قاله السدي .

السادس : الثاقب في مسيره ومجراه ، قاله الضحاك .

وفي هذا النجم الثاقب قولان :

أحدهما : أنه زُحل ، قاله عليّ .

الثاني : الثريّا ، قاله ابن زيد .

٤

{ إن كُلُّ نفْسٍ لّما عليها حافِظٌ } فيه وجهان :

أحدهما : { لّما } بمعنى إلاّ ، وتقديره : إنْ كل نفس إلاَّ عليها حافظ ، قاله قتادة .

الثاني : أن { ما } التي بعد اللام صله زائدة ، وتقديره : إن كل نفس لعليها حافظ ، قاله الأخفش .

وفي الحافظ قولان :

أحدهما : حافظ من اللّه يحفظ عليه أجله ورزقه ، قاله ابن جبير .

الثاني : من الملائكة يحفظون عليه عمله من خير أو شر ، قاله قتادة .

ويحتمل ثالثاً : أن يكون الحافظ الذي عليه عقله ، لأنه يرشده إلى مصالحه ، ويكفّه عن مضاره .

٧

{ يَخْرُجُ مِنْ بَيْن الصُّلْبِ والتّرائِب } فيه قولان :

أحدهما : من بين صلب الرجل وترائبه ، قاله الحسن وقتادة .

الثاني : بمعنى أصلاب الرجال وترائب النساء .

وفي الترائب ستة أقاويل :

أحدها : أنه الصدر ، قاله ابن عياض ، ومنه قول دريد بن الصمة .

فإنَّ تُدْبروا نأخذكُم في ظهوركم

وإنْ تُقْبِلُوا نأخذكُم في الترائب

الثاني : ما بين المنكبين إلى الصدر ، قاله مجاهد .

الثالث : موضع القلادة ، قاله ابن عباس ، قال الشاعر :

والزعفران على ترائبها

شرق به اللّباتُ والنحْرُ

الرابع : أنها أربعة أضلاع من الجانب الأسفل ، قاله ابن جبير ، وحكى الزجاج أن الترائب أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة أضلاع من يسرة الصدر .

الخامس : أنها بين اليدين والرجلين والعينين ، قاله الضحاك .

السادس : هي عصارة القلب ، قاله معمر بن أبي حبيبة .

٨

{ إنّه على رَجْعِهِ لقادرٌ } فيه خمسة أوجه :

أحدها : على أن يرد المني في الإحليل ، قاله مجاهد .

الثاني : على أن يرد الماء في الصلب ، قاله عكرمة .

الثالث : على أن يرد الإنسان من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الصبا ، ومن الصبا إلى النطفة ، قاله الضحاك . الرابع : على أن يعيده حيّاً بعد موته ، قاله الحسن وعكرمة وقتادة .

الخامس : على أن يحبس الماء فلا يخرج .

ويحتمل سادساً : على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة لأن الكفار يسألون اللّه فيها الرجعة .

٩

{ يومَ تُبْلَى السّرائرُ } أي تَظْهَر .

ويحتمل ثانياً : أن تبتلى بظهور السرائر في الآخرة بعد استتارها في الدنيا .

وفيها قولان :

أحدهما : كل ما استتر به الإنسان من خير وشر ، وأضمره من إيمان أو كفر ، كما قال الأحوص :

ستُبلَى لكم في مُضْمَرِ السِّرِّ والحشَا

سَريرةُ ودٍّ يومَ تُبلَى السرائرُ .

الثاني : هو ما رواه خالد عن زيد بن أسلم قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { الأمانات ثلاث : الصلاة والصوم والجنابة ، استأمن اللّه ابن آدم على الصلاة ، فإن شاء قال : قد صليت ولم يُصلّ ، استأمن اللّه ابن آدم على الصوم ، فإن شاء قال : قد صمت ولم يصم ، استأمن اللّه ابن آدم على الجنابة ، فإن شاء قال : قد اغتسلت ولم يغتسل ، اقرؤوا إن شئتم : } يوم تُبْلى السّرائرُ {.

١٠

{ فما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصَرٍ } فيه قولان :

أحدهما : أن القوة العشيرة ، والناصر : الحليف ، قاله سفيان .

الثاني : فما له من قوة في بدنه ، ولا ناصر من غيره يمتنع به من اللّه ، أو ينتصر به على اللّه ، وهو معنى قول قتادة .

ويحتمل ثالثاً : فما له من قوة في الامتناع ، ولا ناصر في الاحتجاج .

١١

والسماء ذات الرجع

{ والسماءِ ذاتِ الّرجْعِ } فيه أربعة أقاويل :

أحدها : ذات المطر ، لأنه يرجع في كل عام ، قاله ابن عباس .

الثاني ذات السحاب ، لأنه يرجع بالمطر .

الثالث : ذات الرجوع إلى ما كانت ، قاله عكرمة .

الرابع : ذات النجوم الراجعة ، قاله ابن زيد .

ويحتمل خامساً : ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد ، وهذا قَسَمٌ .

١٢

{ والأرضِ ذاتِ الصّدْعِ } فيها أربعة أقاويل :

أحدها : ذات النبات لانصداع الأرض عنه ، قاله ابن عباس .

الثاني : ذات الأودية ، لأن الأرض قد انصدعت بها ، قاله ابن جريج .

الثالث : ذات الطرق التي تصدعها المشاة ، قاله مجاهد .

الرابع : ذات الحرث لأنه يصدعها .

ويحتمل خامساً : ذات الأموات ، لانصداعها عنهم للنشور وهذان قسمان :

١٣

{ إنّهُ لَقَولٌ فَصْلٌ } على هذا وقع القَسَمُ ، وفي المراد بأنه قول فصل قولان :

أحدهما : ما قدّمه عن الوعيد من

قوله تعالى : { إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر } الآية . تحقيقاً لوعيده ، فعلى هذا في تأويل قوله { فَصْل } وجهان :

أحدها : حد ، قاله ابن جبير .

الثاني : عدل ، قاله الضحاك .

القول : ان المراد بالفصل القرآن تصديقاً لكتابه ، فعلى هذا في تاويل قوله { فصل } وجهان :

أحدهما : حق ، قاله ابن عباس .

الثاني : ما رواه الحارث عن عليّ قال : سمعت رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) يقول : { كتابِ اللّه فيه خير ما قبلكم ، وحكم ما بعدكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، مَنْ تركه مِن جبّار قصمه اللّه ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله اللّه . }

١٤

 { وما هو بالهزْلِ } وهذا تمام ما وقع عليه القسم ، وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : باللعب ، قاله ابن عباس ومجاهد .

الثاني : بالباطل ، قاله وكيع والضحاك .

الثالث : بالكذب ، قاله السدي .

١٥

{ إنّهم يَكِيدُونَ كيْداً } يعني أهل مكة حين اجتمعوا في دار الندوة على المكر برسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ، كما قال تعالى : { وإذ يمْكَرُ بك الذين كَفَروا لِيُثْبِتوكَ أو يَقْتلوكَ أو يُخْرِجوكَ } فقال ها هنا : { إنهم يكيدون كيداً } أي يمكرون مكراً .

١٦

{ وأكيدُ كيْداً } يعني بالانتقام في الآخرة بالنار ، وفي الدنيا بالسيف .

١٧

{ فمهّلِ الكافرين أَمْهِلْهم رُوَيْداً } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : قريباً ، قاله ابن عباس .

الثاني : انتظاراً ، ومنه قول الشاعر :

رُويْدك حتى تنطوي ثم تنجلي

عمايةُ هذا العارضِ المتألّقِ

الثالث : قليلاً ، قاله قتادة .

قال الضحاك : فقتلوا يوم بدر .

وفي { مهّل } { وأمْهل } وجهان :

أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد .

الثاني : معناهما مختلف ، فمهّل الكف عنهم ، وأمْهِل انتظار العذاب لهم .

﴿ ٠