سورة الغاشيةبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى { هلْ أتاكَ حديثُ الغاشِيةِ } فيها قولان : أحدهما أنها القيامة تغشى الناس بالأهوال ، قاله ابن عباس والضحاك . الثاني : أنها النار تغشى وجوه الكفار ، قاله ابن جبير . ويحتمل ثالثاً : أنها في هذا الموضع النفخة الثانية للبعث لأنها تغشى جميع الخلق . و { هل } فيها وجهان : أحدهما : أنها في موضع قد ، وتقدير الكلام قد أتاك حديث الغاشية ، قاله قطرب . الثاني : أنها خرجت مخرج الاستفهام لرسوله ، ومعناه ألم يكن قد أتاك حديث الغاشية ، فقد أتاك ، وهو معنى قول الكلبي . ٢{ وُجوهٌ يومئذٍ خاشِعَةٌ } في الوجوه ها هنا قولان : أحدهما : عنى وجوه الكفار كلهم ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : أنها وجوه اليهود والنصارى ، قاله ابن عباس . وفي قوله { يومئذٍ } وجهان : أحدهما : يعني يوم القيامة ، قاله سعيد بن جبير . الثاني : في النار ، قاله قتادة . { خاشعة } فيه وجهان : أحدهما : يعني ذليلة بمعاصيها ، قاله قتادة . الثاني : أنها تخشع بعد ذل من عذاب اللّه فلا تتنعم ، قاله سعيد بن جبير . ويحتمل وجهاً ثالثاً : أن تكون خاشعة لتظاهرها بطاعته بعد اعترافها بمعصيته . ٣{ عامِلةٌ نَّاصِبَةٌ } في { عاملة } وجهان : أحدهما : في الدنيا عاملة بالمعاصي ، قاله عكرمة . الثاني : أنها تكبرت في الدنيا عن طاعة اللّه تعالى ، فأعملها في النار بالانتقال من عذاب إلى عذاب ، قاله قتادة . ويحتمل وجهاً ثالثاً : أي باذلة للعمل بطاعته إن ردّت . وفي قوله { ناصبة } وجهان : أحدهما : ناصبة في أعمال المعاصي . الثاني : ناصبة في النار ، قاله قتادة . ويحتمل وجهاً ثالثاً : أي ناصبة بين يديه تعالى مستجيرة بعفوه . { تَصْلَى ناراً حاميةً } فإن قيل فما معنى صفتها بالحماء وهي لا تكون إلا حامية وهو أقل أحوالها ، فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة ؟ قيل قد اختلف في المراد بالحامية ها هنا على أربعة أوجه : أحدها : أن المراد بذلك أنها دائمة الحمى وليست كنار الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها . الثاني : أن المراد بالحامية أنها حمى يمنع من ارتكاب المحظورات وانتهاك المحارم ، كما قال النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { وإن لكل ملك حمى ، وإن حمى اللّه محارمه ، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه } . الثالث : معناه أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها أو ترام مماستها كما يحي الأسد عرينه ، ومثله قول النابغة : تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الحامي . الرابع : أنها حامية مما غيظ وغضب ، مبالغة في شدة الانتقام ، وقد بيّن اللّه ذلك بقوله { تكاد تميّز من الغيظ } . ٥{ تُسْقَى مِن عَيْنٍ آنِيةٍ } فيه أربعة أوجه : أحدها : قاله ابن زيد . الثاني : حاضرة . الثالث : قد بلغت إناها وحان شربها ، قاله مجاهد . الرابع : يعني قد أنى حرها فانتهى واشتد ، قاله ابن عباس . ٦{ ليس لَهُمْ طعامٌ إلاّ مِن ضَريعٍ } فيه ستة أقاويل : أحدها : أنها شجرة تسميها قريش الشبرق ، كثيرة الشوك ، قاله ابن عباس ، قال قتادة وإذا يبس في الصيف فهو ضريع ، قال الشاعر : رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى وعاد ضريعاً نازعته النحائص الثاني : السّلم ، قال أبو الجوزاء : كيف يسمن من يأكل الشوك . الثالث : أنها الحجارة ، قاله ابن جبير . الرابع : أنه النوى المحرق ، حكاه يوسف بن يعقوب عن بعض الأعراب . الخامس : أنه شجر من نار ، قاله ابن زيد . السادس : أن الضريع بمعنى المضروع ، أي الذي يضرعون عنده طلباً للخلاص منه ، قاله ابن بحر . ٧لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ٨وجوه يومئذ ناعمة { في جَنّةٍ عاليةٍ } فيها وجهان : أحدهما : أن الجنة أعلى من النار فسميت لذلك عالية ، قاله الضحاك . الثاني : أعالي الجنة وغرقها ، لأنها منازل العلو والارتفاع . فعلى هذا في ارتفاعهم فيها وجهان : أحدهما : ليلتذوا بالعو والارتفاع . الثاني : ليشاهدوا ما أعد اللّه لهم فيها من نعيم . ٩لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) ١٠فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) ١١{ لا تسْمَعُ فيها لاغيةً } قال الفراء والأخفش : أي لا تسمع فيها كلمة لغو وفي المراد بها سبعة أقاويل : أحدها : يعني كذباً ، قاله ابن عباس . الثاني : الإثم ، قاله قتادة . الثالث : أنه الشتم ، قاله مجاهد . الرابع : الباطل ، قاله يحيى بن سلام . الخامس : المعصية ، قاله الحسن . السادس : الحلف فلا تسمع في الجنة حالف يمين برة ولا فاجرة ، قاله الكلبي . السابع : لا يسمع في كلامهم كلمة تلغى ، لأن أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد اللّه على ما رزقهم ، قاله الفراء . ١٢{ فيها سُرُرٌ مرفوعةٌ } والسرر جمع سرير ، وهو مشتق من السرور وفي وصفها بأنها مرفوعة ثلاثة أوجه : أحدها : لأن بعضها مرفوع فوق بعض . الثاني : مرفوعة في أنفسهم لجلالتها وحبهم لها ، قاله الفراء . الثالث : أنها مرفوعة المكان لارتفاعها وعلوها . فعلى هذا في وصفها بالعلو والارتفاع وجهان : أحدهما : ليلتذ أهلها بارتفاعها ، قاله ابن شجرة . الثاني : ليشاهدوا بارتفاعهم ما أُعطوه من مُلك وأُوتوه من نعيم ، قاله ابن عيسى . ١٤فأما قوله { وأكوابٌ موضوعةٌ } فالأكواب : الأواني ، وقد مضى القول في تفسيرها . وفي قوله { موضوعة } وجهان : أحدهما : في أيديهم للاستمتاع بالنظر إليها لأنها من ذهب وفضة . الثاني : يعني أنها مستعملة على الدوام ، لاستدامة شربهم منها ، قاله المفضل . { ونمارقُ مَصْفوفَةٌ } فيه وجهان : أحدهما : الوسائد ، واحدها نمرقة ، قاله قتادة . الثاني : المرافق ، قاله ابن أبي طلحة ، قال الشاعر : وريم أحمّ المقلتين محبّب زرابيُّه مبثوثةٌ ونمارِقُه ١٦{ وزرابيُّ مْبْثوثةٌ } فيها وجهان : أحدهما : هي البسط الفاخرة ، قاله ابن عيسى . الثاني : هي الطنافس المخملة ، قاله الكلبي والفراء . وفي { المبثوثة } أربعة أوجه : أحدها : مبسوطة ، قاله قتادة . الثاني : بعضها فوق بعض ، قاله عكرمة . الثالث : الكثيرة ، قاله الفراء . الرابع : المتفرقة ، قاله ابن قتيبة . ١٧{ أفلا يَنظُرونَ إلى الإبلِ كيف خُلِقت } الآيات ، وفي ذكره لهذه ثلاثة أوجه : أحدها : ليستدلوا بما فيها من العبر على قدره اللّه تعالى ووحدانيته . الثاني : ليعلموا بقدرته على هذه الأمور أنه قادر على بعثهم يوم القيامة ، قاله يحيى بن سلام . الثالث : أن اللّه تعالى لما نعت لهم ما في الجنة عجب منه أهل الضلالة ، فذكر لهم ذلك مع ما فيه من العجاب ليزول تعجبهم ، قاله قتادة . وفي { الإبل } ها هنا وجهان : أحدهما : وهو أظهرهما وأشهرهما : أنها الإبل من النَعَم . الثاني : أنها السحاب ، فإن كان المراد بها السحاب فلما فيها من الآيات الدالة على قدرة اللّه والمنافع العامة لجميع خلقه . وإن كان المراد بها من النَعَم فإن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوانات ، لأن ضروبه أربعة : حلوبة ، وركوبة ، وأكولة ، وحمولة والإبل تجمع هذه الخلال الأربع ، فكانت النعمة بها أعم ، وظهور القدرة فيها أتم . ١٨وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) ١٩وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) ٢٠وَإِلَى اْلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) ٢١ثم قال تعالى بعد ذلك { { فَذَكِّرْ إنّما أنت مُذكِّر } فيه وجهان : أحدهما : إنما أنت واعظ . الثاني : ذكّرهم النعم ليخافوا النقم . ٢٢{ لَسْتَ عليهم بِمُسْيْطِر } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : لست عليهم بمسلط ، قاله الضحاك . الثاني : بجبار ، قاله ابن عباس . الثالث : برب ، قاله الحسن ، ومعنى الكلام لست عليهم بمسيطر أن تكرههم على الإيمان . ٢٣ثم قال : { إلاّ مَن تَولّى وكَفَر } فلست له بمذكر ، لأنه لا يقبل تذكيرك ، قاله السدي . الثاني : إلا من تولى وكفر فكِلْه غلى اللّه تعالى ، وهذا قبل القتال ، ثم أمر بقتالهم ، قاله الحسن . وفي { تولَّى وكفر } وجهان : أحدهما : تولى عن الحق وكفر بالنعمة . الثاني : تولى عن الرسول وكفر باللّه تعالى ، قاله الضحاك . ٢٤{ فيُعذِّبه اللّه العذَابَ الأكْبَر } يعني جهنم . ويحتمل أن يريد الخلود فيها ، لأنه يصير بالاستدامة أكبر من المنقطع . ٢٥{ إنّ إليْنا إيابَهُمْ } أي مرجعهم . ٢٦{ ثم إنّ علينا حِسابَهم } يعني جزاءَهم على أعمالهم ، فيكون ذلك جامعاً بين الوعد والوعيد ثواباً على الطاعات وعقاباً على المعاصي . |
﴿ ٠ ﴾