سورة الفجربسم اللّه الرحمن الرحيم ١والفجر قوله تعالى { والفَجْر } قسم أقسم اللّه تعالى به ، وهو انفجار الصبح من أفق المشرق ، وهما فجران : فالأول منهما مستطيل كذنب السرحان يبدو كعمود نور لا عرض له ، ثم يغيب لظلام يتخللّه ، ويسمى هذا الفجر المبشر للصبح ، وبعضهم يسميه الكاذب لأنه كذب بالصبح . وهو من جملة الليل لا تأثير له في صلاة ولا صوم . وأما الثاني فهو مستطيل النور منتشر في الأفق ويسمى الفجر الصادق لأنه صدقك عن الصبح ، قال الشاعر : شعب الكلاب الضاريات فزاده ناراً بذي الصبح المصدق يخفق وبه يتعلق حكم الصلاة والصوم ، وقد ذكرنا ذلك من قبل . وفي قسم اللّه بالفجر أربعة أقاويل : أحدها : أنه عنى به النهار وعبر عنه بالفجر لأنه أوله ، قاله ابن عباس . الثاني : أن الفجر الصبح الذي يبدأ به النهار من كل يوم ، قاله علّي رضي اللّه عنه . الثالث : أنه عنى به صلاة الصبح ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً . الرابع : أنه أراد به فجر يوم النحر خاصة ، قاله مجاهد . ٢وفي { وليالٍ عشْرٍ } - وهي قسم ثان - أربعة أقاويل : أحدها : هي عشر ذي الحجة ، قاله ابن عباس ، وقد روى أبو الزبير عن جابر أن رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) قال : { والفجر وليال عشر ، قال : عشر الأضحى } الثاني : هي عشر من أول المحرم ، حكاه الطبري . الثالث : هي العشر الأواخر من شهر رمضان ، وهذا مروي عن ابن عباس . الرابع : هي عشر موسى عليه السلام التي أتمها اللّه سبحانه له ، قاله مجاهد . ٣{ والشّفْعِ والوَتْرِ } وهذا قسم ثالث ، وفيهما تسعة أقاويل : أحدها : أنها الصلاة ، فياه شفع وفيها وتر ، رواه عمران بن حصين عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) . الثاني : هي صلاة المغرب ، الشفع منها ركعتان ، والوتر الثالثة ، قاله الربيع بن أنس وأبو العالية . الثالث : أن الشفع يوم النحر ، والوتر يوم عرفة ، رواه ابن الزبير عن جابر عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) . الرابع : أن الشفع يوما منى الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة ، والوتر الثالث بعدهما ، قاله ابن الزبير . الخامس : أن الشفع عشر ذي الحجة ، والوتر أيام منى الثلاثة ، قاله الضحاك . السادس : أن الشفع الخلق من كل شيء ، والوتر هو آدم وحواء ، لأن آدم كان فرداً فشفع بزوجته حواء فصار شفعاً بعد وتر ، رواه ابن نجيح . التاسع : أنه العدد لأن جميعه شفع ووتر ، قاله الحسن . ويحتمل حادي عشر : أن الشفع ما يَنْمى ، والوتر مالا يَنْمى . ٤{ واللّيْلِ إذا يَسْرِ } وهذا قسم رابع ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : هي ليلة القدر لسراية الرحمة فيها واختصاصها بزيادة الثواب فيها . الثاني : هي ليلة المزدلفة خاصة لاختصاصها باجتماع الناس فيها لطاعة اللّه ، وسئل محمد بن كعب عن قوله تعالى { والليل إذا يَسْرِ } فقال أسْر يا ساري ، ولا تبيتنّ إلا بجمع ، يعني بمزدلفة . الثالث : أنه أراد عموم الليل كله . وفي قوله { إذا يسرِ } ثلاثة أوجه : أحدها : إذا أظلم ، قاله ابن عباس . الثاني : إذا سار ، لأن الليل يسير بمسير الشمس والفلك فينتقل من أفق إلى أفق ، ومنه قولهم جاء الليل وذهب النهار . الثالث : إذا سار فيه أهله ، لأن السرى سير الليل . ٥{ هل في ذلك قَسَمٌ لذي حجْرٍ } وفي ذي الحجر لأهل التأويل خمسة أقاويل : أحدها : لذي عقل ، قاله ابن عباس . الثاني : لذي حلم ، قاله الحسن . الثالث : لذي دين ، قاله محمد بن كعب . الرابع : لذي ستر ، قاله أبو مالك . الخامس : لذي علم ، قاله أبو رجاء . والحجر : المنع ، ومنه اشتق اسم الحجر لامتناعه بصلابته ، ولذلك سميت الحجرة لامتناع ما فيها بها ، ومنه سمي حجر المَولَّى عليه لما فيه من منعه عن التصرف ، فجاز أن يحمل معناه على كل واحد من هذه التأويلات لما يضمنه من المنع . وقال مقاتل { هل } ها هنا في موضع إنّ ، وتقدير الكلام : إن في ذلك قسماً لِذي حِجْر . ٦{ ألم تَرَ كيف فَعَل ربُّك بعادٍ إرَمَ } فيه سبعة أقاويل : أحدها : أن إرم هي الأرض ، قاله قتادة . الثاني : دمشق ، قاله عكرمة . الثالث : الإسكندرية ، قاله محمد بن كعب . الرابع : أن إرم أُمة من الأمم ، قاله مجاهد ، قال الشاعر : كما سخرت به إرم فأضحوا مثل أحلام النيام . الخامس : أنه اسم قبيلة من عاد ، قاله قتادة . السادس : أن إرم اسم جد عاد ، قاله محمد بن إسحاق ، وحكى عنه أنه أبوه ، وأنه عاد بن إرم بن عوض بن سام بن نوح . السابع : أن معنى إرم القديمة ، رواه ابن أبي نجيح . الثامن : أنه الهلاك ، يقال : أرم بنو فلان ، أي هلكوا ، قاله الضحاك . التاسع : أن اللّه تعالى رمّهم رّماً فجعلهم رميماً ، فلذلك سماهم ، قاله السدي . ٧{ ذاتِ العمادِ } فيه أربعة أقاويل : أحدها : ذات الطُّول ، قال ابن عباس مأخوذ من قولهم رجل معمّد ، إذا كان طويلاً ، وزعم قتادة . أنه كان طول الرجل منهم اثني عشر ذراعاً . الثاني : ذات العماد لأنهم كانوا أهل خيام وأعمدة ، ينتجعون الغيوث ، قاله مجاهد . الثالث : ذات القوة والشدة ، مأخوذ من قوة الأعمدة ، قاله الضحاك ، وحكى ثور بن يزيد أنه قال : أنا شداد بن عاد ، وأنا الذي رفعت العماد ، وأنا الذي شددت بذراعي بطن السواد ، وأنا الذي كنزت كنزاً على سبعة أذرع لا تخرجه إلا أمة محمد . الرابع : ذات العماد المحكم بالعماد ، قاله ابن زيد . ٨{ التي لم يُخْلَقْ مِثْلُها في البلادِ } فيه وجهان : أحدهما : لم يخلق مثل مدينتهم ذات العماد في البلاد ، قاله عكرمة . الثاني : لم يخلق مثل قوم عاد في البلاد ، لطولهم وشدتهم ، قاله الحسن . ٩{ وثمودَ الذين جابُوا الصّخْرَ بالوادِ } فيه وجهان : أحدهما : يعني قطعوا الصخر ونقبوه ونحتوه حتى جعلوه بيوتاً ، كما قال تعالى : { وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين } قال الشاعر : ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللّه باطِلٌ وكلُّ نعيمِ لا مَحالةَ زائلُ وقال آخر : وهم ضربوا في كل صماءَ صعدة بأيدٍ شديد من شداد السواعد . الثاني : معناه طافوا لأخذ الصخر بالوادي ، كما قال الشاعر : ولا رأَيْت قلوصاً قبْلها حَمَلَتْ ستين وسقاً ولا جابَتْ به بَلَدا وأما { الواد } فقد زعم محمد بن إسحاق أنه وادي القرى ، وروى أبو الأشهب عن أبي نضرة قال : أتى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) في غزاة تبوك على وادي ثمود ، وهو على فرس أشقر ، فقال : أسرعوا السير فإنكم في واد ملعون . ١٠{ وفرعونَ ذِي الأوْتادِ } فيه أربعة أقاويل : أحدها : أن الأوتاد الجنود ، فلذلك سمي بذي الأوتاد لكثرة جنوده ، قاله ابن عباس . الثاني : لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد يشدها في أيديهم ، قاله الحسن ، ومجاهد ، قال الكلبي : بمثل ذلك عذب فرعون زوجته آسية بنت مزاحم عندما آمنت حتى ماتت . الثالث : أن الأوتاد البنيان فسمي بذي الأوتاد لكثرة بنائه ، قاله الضحاك . الرابع : لأنه كانت له فطال وملاعب على أوتاد وحبال يلعب له تحتها ، قاله قتادة . ويحتمل خامساً : أنه ذو الأوتاد لكثرة نخلة وشجرة ، لأنها كالأوتاد في الأرض . ١١اَلَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ (١١) ١٢فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (١٢) ١٣{ فَصَبَّ عليهم ربُّك سَوْطَ عذابٍ } فيه أربعة أوجه : أحدها : قسط عذاب كالعذاب بالسوط ، قاله ابن عيسى . الثاني : خلط عذاب ، لأنه أنواع ومنه قول الشاعر : أحارثُ إنّا لو تُساطُ دماؤنا تَزَيّلْنَ حتى لا يَمسَّ دَمٌ دَمَا الثالث : أنه وجع من العذاب ، قاله السدي . الرابع : أنه كل شيء عذب اللّه به فهو سوط عذاب ، قاله قتادة . وقال قتادة : كان سوط عذاب هو الغرق . ١٤{ إنّ ربك لبالمرصاد } فيه وجهان : أحدهما : بالطريق . الثاني : بالانتظار ، كما قال طرفة : أعاذلُ إنّ الجهْلَ من لَذِةِ الفتى وإنّ المنايا للرجال بمرصَد . ١٥فأما الإنسان إذا . . . . . { وتأكُلون التُّراثَ أكْلاً لمّاً } والتراث : الميراث ، وفي قوله { لمّاً } أربعة تأويلات : أحدها : يعني شديداً ، قاله السدي . الثاني : يعني جمعاً ، من قولهم لممت الطعام لَمّاً ، إذا أكلته جمعاً ، قاله الحسن . الثالث : معناه سفه سفاً ، قاله مجاهد . الرابع : هو أنه إذا أكل مال نفسه ألمّ بمال غيره فأكله ، ولا يتفكر فيما أكل من خبيث وطيب ، قاله ابن زيد . ويحتمل خامساً : أنه ألمّ بما حرم عليه ومنع منه . ١٦وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) ١٧كَلاَّ بَل لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) ١٨وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨) ١٩وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) ٢٠{ وتُحِبُّونَ المالَ حُبّاً جَمّاً } فيه تأويلان : أحدهما : يعني كثيراً ، قاله ابن عباس ، والجمّ الكثير ، قال الشاعر : إنْ تَغْفِر اللّهم تغْفِرْ جَمّا وأيُّ عبدٍ لك لا أَلَمّاً الثاني : فاحشاً تجمعون حلاله إلى حرامه ، قاله الحسن : ويحتمل ثالثاً : أنه يحب المال حب إجمام له واستبقاء فلا ينتفع به في دين ولا دنيا وهو أسوأ أحوال ذي المال . ٢١كلا إذا دكت . . . . . ٢٢وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) ٢٣{ يومئذٍ يَتذكّرُ الإنسانُ وأنَّى له الذِّكْرَى } فيه تأويلان : أحدهما : يتوب وكيف له بالتوبة ، لأن التوبة بالقيامة لا تنفع ، قاله الضحاك . الثاني : يتذكر ما عمل في دنياه وما قدم لآخرته ، وأنى له الذكرى في الآخرة ، وإنما ينتفع في الدنيا ، قاله ابن شجرة . ٢٤{ يقولُ يا ليتني قَدَّمْتُ لحياتي } فيه وجهان : أحدهما : قدمت من دنياي لحياتي في الآخرة ، قاله الضحاك . الثاني : قدمت من حياتي لمعادي في الآخرة ذكره ابن عباس . ٢٥{ فيومئذٍ لا يُعَذِّب عذابَه أَحَدٌ ٢٦ولا يُوثِقُ وثاقهَ أَحَدٌ } قرأ الكسائي لا يعذَّب ولا يوثق بفتح الذال والثاء وتأويلها على قراءته لا يعذَّب عذاب الكافر الذي يقول { يا ليتني قدمت لحياتي } أحدٌ ، وقرأ الباقون بكسر الذال والثاء وتأويلها أنه لا يعَذِّب عذابَ اللّه أحدٌ غَفَر اللّه له ، قاله ابن عباس والحسن ، فيكون تأويله على القراءة الأولى محمولاً على الآخرة ، وعلى القراءة الثانية محمولاً على الدنيا . ٢٧{ يا أيّتُها النّفْسُ المطْمئِنّةُ } فيه سبعة تأويلات : أحدها : يعني المؤمنة ، قاله ابن عباس . الثاني : المجيبة ، قاله مجاهد . الثالث : المؤمنة بما وعد اللّه ، قاله قتادة . الرابع : الآمنة ، وهو في حرف أُبيّ بن كعب يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة . الخامس : الراضية ، قاله مقاتل . السادس : ما قاله بعض أصحاب الخواطر : المطمئنة إلى الدنيا ، ارجعي إلى ربك في تركها . السابع : ما قاله الحسن أن اللّه تعالى إذا أراد أن يقبض روح عبده المؤمن اطمأنت النفس إلى اللّه عز وجل ، واطمأن اللّه إليها . ٢٨{ ارْجِعي إلى ربِّكِ } فيه وجهان : أحدهما : إلى جسدك عند البعث في القيامة ، قاله ابن عباس . الثاني : إلى ربك عند الموت في الدنيا ، قاله أبو صالح . ويحتمل تأويلاً ثالثاً : إلى ثواب ربك في الآخرة . { راضيةً مَرْضِيّةً } فيه وجهان : أحدهما : رضيت عن اللّه ورضي عنها ، قاله الحسن . الثاني : رضيت بثواب اللّه ورضي بعملها ، قاله ابن عباس . ٢٩{ فادْخُلي في عِبادي } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : في عبدي ، وهو في حرف أُبيّ بن كعب : فادخلي في عبدي . الثاني : في طاعتي ، قاله الضحاك . الثالث : معناه فادخلي مع عبادي ، قاله السدي . ٣٠{ وادْخُلي جَنَتي } فيه قولان : أحدهما : في رحمتي ، قاله الضحاك . الثاني : الجنة التي هي دار الخلود ومسكن الأبرار ، وهو قول الجمهور . وقال أسامة بن زيد : بشرت النفس المطمئنة بالجنة عند الموت ، وعند البعث وفي الجنة . واختلف فيمن نزلت فيه هذه الآية على أربعة أقاويل : أحدها : أنها نزلت في أبي بكر ، فروى ابن عباس أنها نزلت وأبو بكر جالس فقال : يا رسول اللّه ما أَحسن هذا ، فقال ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { أما أنه سيقال لك هذا } . الثاني : أنها نزلت في عثمان حين وقف بئر رومة ، قاله الضحاك . الثالث : أنها نزلت في حمزة ، قاله بريدة الأسلمي . الرابع : أنها عامة في كل المؤمنين ، رواه عكرمة والفراء . |
﴿ ٠ ﴾