سورة الليل

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

والليل إذا يغشى

قوله تعالى { واللّيلِ إذا يَغْشَى } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : إذا أظلم ، قاله مجاهد .

الثاني : غطى وستر ، قاله ابن جبير .

الثالث : إذا غشى الخلائق فعّمهم وملأهم ، قاله قتادة ، وهذا قَسَم .

٢

{ والنّهارِ إذا تَجَلّى } فيه وجهان :

أحدهما : إذا أضاء ، قاله مجاهد .

الثاني : إذا ظهر ، وهو مقتضى قول ابن جبير .

ويحتمل ثالثاً : إذا أظهر ما فيه من الخلق ، وهذا قسم ثانٍ .

٣

{ وما خَلَقَ الذّكّرّ والأُنثى } قال الحسن : معناه والذي خلق الذكر والأنثى فيكون هذا قسماً بنفسه تعالى .

ويحتمل ثانياً : وهو أشبه من قول الحسن أن يكون معناه وما خلق من الذكر

والأنثى ، فتكون { من } مضمرة المعنى محذوفة اللفظ ، وميزهم بخلقهم من ذكر وأنثى عن الملائكة الذين لم يخلقوا من ذكر وأنثى ، ويكون القسم بأهل طاعته من أوليائه وأنبيائه ، ويكون قسمه بهم تكرمة لهم وتشريفاً .

وفي المراد بالذكر والأنثى قولان :

أحدهما : آدم وحواء ، حكاه ابن عيسى .

الثاني : من كل ذكر وأنثى .

فإن حمل على قول الحسن فكل ذكر وأنثى من آدمي وبهيمة ، لأن اللّه خلق جميعهم .

وإن حمل على التخريج الذي ذكرت أنه أظهر ، فكل ذكر وأنثى من الآدميين دون البهائم لاختصاصهم بولاية اللّه وطاعته ، وهذا قسم ثالث :

٤

{ إنّ سَعْيَكم لشَتّى } أي مختلف ، وفيه وجهان :

أحدهما : لمختلف الجزاء ، فمنكم مثاب بالجنة ، ومنكم معاقب بالنار .

الثاني : لمختلف الأفعال ، منكم مؤمن وكافر ، وبر وفاجر ، ومطيع وعاص .

ويحتمل ثالثاً : لمختلف الأخلاق ، فمنكم راحم وقاس ، وحليم وطائش ، وجواد وبخيل ، وعلى هذا وقع القسم .

وروى ابن مسعود أن هذه الآية نزلت في أبي بكر رضي اللّه عنه ، وفي أمية وأبّي ابني خلف حين عذّبا بلالاً على إسلامه ، فاشتراه أبو بكر ، ووفي ثمنه بردةً وعشر أوراقٍ ، وأعتقه للّه تعالى ، فنزل ذلك فيه .

٥

{ فأمّا من أَعْطَى واتّقَى } قال ابن مسعود يعني أبا بكر .

وفي قوله { أعطى } ثلاثة أوجه :

أحدها : من بذل ماله ، قاله ابن عباس .

الثاني : اتقى محارم اللّه التي نهى عنها ، قال قتادة .

الثالث : اتقى البخل ، قاله مجاهد .

٦

{ وصَدَّق بالحُسْنَى } فيه سبعة تأويلات :

أحدها : بتوحيد اللّه ، وهو قول لا إله إلا اللّه ، قاله الضحاك .

الثاني : بموعود اللّه ، قاله قتادة .

الثالث : بالجنة ، قاله مجاهد .

الرابع : بالثواب ، قاله خصيف .

الخامس : بالصلاة والزكاة والصوم ، قاله زيد بن أسلم .

السادس : بما أنعم اللّه عليه ، قاله عطاء .

السابع : بالخلف من عطائه ، قاله الحسن ، ومعاني أكثرها متقاربة .

٧

{ فَسَنُيَسِّرُهُ لليُسْرىَ } فيه تأويلان :

أحدهما : للخير ، قاله ابن عباس .

الثاني : للجنة ، قاله زيد بن أسلم .

ويحتمل ثالثاً : فسنيسر له أسباب الخير والصلاح حتى يسهل عليه فعلها .

٨

{ وأمّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغنَى } قال ابن مسعود : يعني بذلك أُمية وأبيّاً ابني خلف . وفي قوله { بخل } وجهان : أحدهما : بخل بماله الذي لا يبقى ، قاله ابن عباس والحسن .

الثاني : بخل بحق اللّه تعالى ، قاله قتادة .

{ واستغنى } فيه وجهان :

أحدهما : بماله ، قاله الحسن .

الثاني : عن ربه ، قاله ابن عباس .

٩

{ وكَذَّبَ بالحُسْنَى } فيه التأويلات السبعة .

١٠

{ فَسنُيَسِّرُهُ للعُسْرَى } فيه وجهان :

أحدهما : للشر من اللّه تعالى ، قاله ابن عباس .

الثاني : للنار ، قاله ابن مسعود .

ويحتمل ثالثاً : فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها فعند نزول هاتين الآيتين يروي قتادة عن خليد عن أبي الدرداء أن رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم )

قال : { ما من يوم طلعت فيه شمسه إلا وملكان يناديان : اللّهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممسكاً تلفاً ، } ثم قرأ { فأما من أعطى واتقى } .

الآية والتي بعدها .

١١

{ وما يُغْنِي عنه ماله إذا تَرَدَّى } فيه وجهان :

أحدهما : إذا تردّى في النار ، قاله أبو صالح وزيد بن أسلم .

الثاني : إذا مات فتردى في قبره ، قاله مجاهد وقتادة .

ويحتمل ثالثاً : إذا تردى في ضلاله وهوى في معاصيه .

١٢

إن علينا للّهدى

{ إنّ علينا للّهدَى } فيه وجهان :

أحدهما : أن نبيّن سبل الهدى والضلالة قاله يحيى بن سلام .

الثاني : بيان الحلال والحرام ، قاله قتادة .

ويحتمل ثالثاً : علينا ثواب هداه الذي هدينا .

١٣

{ وإنَّ لنا لَلآخِرةَ والأُولى } فيه وجهان :

أحدهما : ثواب الدنيا والآخرة ، قاله الكلبي والفراء .

الثاني : ملك الدنيا وملك الآخرة ، قاله مقاتل .

ويحتمل ثالثاً : اللّه المُجازي في الدنيا والآخرة .

١٤

{ فأنذَرْتُكم ناراً تَلَظَّى } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : معناه تتغيظ ، قاله الكلبي .

الثاني : تشتعل ، قاله مقاتل .

الثالث : تتوهج ، قاله مجاهد ، وأنشد لعلّي رضي اللّه عنه :

كأن الملح خالطه إذا ما

تلظّى كالعقيقة في الظلال

١٥

{ لا يَصلاها إلا الأشْقَى } أي الشقّي .

١٦

{ والذي كذّب وتولّى } فيه وجهان :

أحدهما : كذّب بكتاب اللّه وتولّى عن طاعة اللّه ، قاله قتادة .

الثاني : كذّب الرسولَ وتولّى عن طاعته .

١٧

وَسَيُجَنَّبُهَا اْلأَتْقَى (١٧)

١٨

اَلَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨)

١٩

{ وما لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمةٍ تُجْزَى

٢٠

إلا ابتغاءَ وجهِ ربِّه الأَعْلَى } فيه وجهان :

أحدهما : وما لأحد عند اللّه تعالى من نعمة يجازيه بها إلا أن يفعلها ابتغاء وجه ربه فيستحق عليها الجزاء والثواب ، قاله قتادة .

الثاني : وما لبلال عند أبي بكر حين اشتراه فأعتقه من الرق وخلّصه من العذاب نعمةٌ سلفت جازاه عليها بذلك إلا ابتغاء وجه ربه وعتقه ، قاله ابن عباس وابن مسعود

٢١

 { ولَسوفَ يَرْضَى } يحتمل وجهين :

أحدهما : يرضى بما أعطيه لسعته .

الثاني : يرضى بما أعطيه لقناعته ، لأن من قنع بغير عطاء كان أطوع للّه .

﴿ ٠