سورة الضحى

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

والضحى

قوله تعالى { والضُّحَى } هو قَسَمٌ ، وفيه أربعة أوجه :

أحدها : أنه أول ساعة من النهار إذا ترحلت الشمس ، قاله السدي .

الثاني : أنه صدر النهار ، قاله قتادة .

الثالث : هو طلوع الشمس ، قاله قطرب .

الرابع : هو ضوء النهار في اليوم كله ، مأخوذ من قولهم ضحى فلان الشمس ، إذا ظهر لها ، قاله مجاهد ، والاشتقاق لعلي بن عيسى .

١

{ والليلِ إذا سَجى } وهو قَسَم ثان ، وفيه خمسة تأويلات :

أحدها : إذا أقبل ، قاله سعيد بن جبير .

الثاني : إذا أظلم ، قاله ابن عباس .

الثالث : إذا استوى ، قاله مجاهد .

الرابع : إذا ذهب ، قاله ابن حنطلة عن ابن عباس .

الخامس : إذا سكن الخلق فيه ، قاله عكرمة وعطاء وابن زيد ، مأخوذ من قولهم سجى البحر إذا سكن ، وقال الراجز :

يا حبذا القمراءُ والليلِ الساج

وطُرُقٌ مِثْلُ ملاءِ النسّاج

٣

{ ما ودَّعَكَ ربُّكَ وما قَلَى } اختلف في سبب نزولها ، فروى الأسود بن قيس عن جندب أن رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) رُمي بحجر في إصبعه فدميت ، فقال :

هل أنت إلاّ أصبعٌ دَميتِ

وفي سبيل اللّه ما لَقِيتِ

قال فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم ، فقالت له امرأة يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك ، فنزل عليه : { ما ودعك ربك وما قلى } . وروى هشام عن عروة عن أبيه قال : أبطأ جبريل عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) فجزع لذلك جزعاً شديداً ، قالت عائشة : فقال كفار قريش : إنا نرى ربك قد قلاك ، مما رأوا من جزعه ، فنزلت : { ما ودعك ربك وما قلى } ، وروى ابن جريج أن جبريل لبث عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) اثنا عشرة ليلة فقال المشركون : لقد ودع محمداً ربُّه ، فنزلت : { ما ودعك ربك وما قلى } .

وفي { وَدَّعَك } قراءتان :

أحدهما : قراءة الجمهور ودّعك ، بالتشديد ، ومعناها : ما انقطع الوحي عنك توديعاً لك .

والثانية : بالتخفيف ، ومعناها : ما تركك إعراضاً عنك .

{ وما قلى } أي ما أبغضك ، قال الأخطل :

المهْديات لمن هوين نسيئةً

والمحْسِنات لمن قَلَيْنَ مقيلاً

{ ولَلآخرةُ خير لك مِنَ الأُولى } روى ابن عباس قال : عرض على رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ما هو مفتوح على أمته من بعده ، فسُرّ بذلك ، فأنزل اللّه تعالى : { وللآخرة خير لك من الأُولى } الآية .

٤

وفي قوله { وللآخرة خير لك من الأولى } وجهان :

أحدهما : وللآخرة خير لك مما أعجبك في الدنيا ، قاله يحيى بن سلام .

الثاني : أن مآلك في مرجعك إلى اللّه تعالى أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا ، قاله ابن شجرة .

٥

{ ولسوف يُعْطيك ربُّك فَتَرْضَى } يحتمل وجهين :

أحدهما : يعطيك من النصر في الدنيا ، وما يرضيك من إظهار الدين .

الثاني : يعطيك المنزلة في الآخرة ، وما يرضيك من الكرامة .

٦

{ ألمْ يَجِدْك يتيماً فآوَى } واليتيم بموت الأب ، وقد كان رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقد أبويه وهو صغير ، فكفله جده عبد المطلب ، ثم مات فكفله عمه أبو طالب ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه أراد يتم الأبوة بموت من فقده من أبويه ، فعلى هذا في قوله تعالى { فآوى } وجهان :

أحدهما : أي جعل لك مأوى لتربيتك ، وقيمّاً يحنو عليك ويكفلك وهو أبو طالب بعد موت عبد اللّه وعبد المطلب ، قاله مقاتل .

الثاني : أي جعل لك مأوى نفسك ، وأغناك عن كفالة أبي طالب ، قاله الكلبي .

والوجه الثاني : أنه أراد باليتيم الذي لا مثيل له ولا نظير ، من قولهم درة يتيمة ، إذا لم يكن لها مثيل ، فعلى هذا في قوله { فآوى } وجهان :

أحدهما : فآواك إلى نفسه واختصك برسالته .

الثاني : أن جعلك مأوى الأيتام بعد أن كنت يتيماً ، وكفيل الأنام بعد أن كنت مكفولاً ، تذكيراً بنعمه عليه ، وهو محتمل .

٧

{ وَوَجَدَكَ ضالاًّ فَهَدَى } فيه تسعة تأويلات :

أحدها : وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه ، قاله ابن عيسى .

الثاني : ووجدك ضالاً عن النبوة فهداك إليها ، قاله الطبري .

الثالث : ووجد قومك في ضلال فهداك إلى إرشادهم ، وهذا معنى قول السدي .

الرابع : ووجدك ضالاً عن الهجرة فهداك إليها .

الخامس : ووجدك ناسياً فأذكرك ، كما قال تعالى : { أن تَضِل إحداهما } .

السادس : ووجدك طالباً القبلة فهداك إليها ، ويكون الضلال بمعنى الطلب ، لأن الضال طالب .

السابع : ووجدك متحيراً في بيان من نزل عليك فهداك إليه ، فيكون الضلال بمعنى التحير ، لأن الضال متحير .

الثامن : ووجدك ضائعاً في قومك فهداك إليه ، ويكون الضلال بمعنى الضياع ، لأن الضال ضائع .

التاسع : ووجدك محباً للّهداية فهداك إليها ، ويكون الضلال بمعنى المحبة ، ومنه

قوله تعالى : { قالوا تاللّه إنك لفي ضلالك القديم } أي في محبتك ، قال الشاعر :

هذا الضلال أشاب مِنّي المفرقا

والعارِضَيْن ولم أكنْ مُتْحقّقاً

عَجَباً لَعِزّةَ في اختيارِ قطيعتي

بعد الضّلالِ فحبْلُها قد أخْلقاً

وقرأ الحسن : ووجدَك ضالٌّ فهُدِي ، أي وجَدَك الضالُّ فاهتدى بك

٨

 ، { ووجَدَك عائلاً فأَغْنَى } فيه أربعة أوجه :

أحدها : وجدك ذا عيال فكفاك ، قاله الأخفش ، ومنه قول جرير :

اللّه أنْزَلَ في الكتابِ فَرِيضةً

لابن السبيل وللفقير العائلِ

الثاني : فقيراً فيسَّر لك ، قاله الفراء ، قال الشاعر :

وما يَدْري الفقيرُ متى غناه

وما يَدْري الغنيُّ متى يَعيِلُ

أي متى يفتقر .

الثالث : أي وجدك فقيراً من الحُجج والبراهين ، فأغناك بها .

الرابع : ووجدك العائلُ الفقير فأغناه اللّه بك ، روي أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قال بصوته الأعلى ثلاث مرات : { يَمُنّ ربي عليّ وهو أهلُ المَنّ }

٩

 { فأمّا اليتيمَ فلا تَقْهَرْ } فيه خمسة أوجه :

أحدها : فلا تحقر ، قاله مجاهد .

الثاني : فلا تظلم ، رواه سفيان .

الثالث : فلا تستذل ، حكاه ابن سلام .

الرابع : فلا تمنعه حقه الذي في يدك ، قاله الفراء .

الخامس : ما قاله قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم ، وهي في قراءة ابن مسعود : فلا تكْهَر ، قاله أبو الحجاج : الكهر الزجر .

روى أبو عمران الجوني عن أبي هريره أن رجلاً شكا إلى النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قسوة قلبه ، فقال : { إن أردت أن يلين قلبك فامسح رأس اليتيم وأطْعِم المسكينَ }

١٠

{ وأَمّا السائلَ فلا تَنْهَر } في رده إن منعته ، ورُدّه برحمة ولين ، قاله قتادة .

الثاني : السائل عن الدين فلا تنهره بالغلظة والجفوة ، وأجِبْهُ برفق ولين ، قاله سفيان .

١١

{ وأمّا بِنَعْمِة ربِّكَ فحدِّثْ } في هذه النعمة ثلاثة تأويلات :

أحدها : النبوة ، قاله ابن شجرة ، ويكون تأويل قوله فحدث أي ادعُ قومك .

الثاني : أنه القرآن ، قاله مجاهد ، ويكون قوله : فحدث أي فبلّغ أمتك .

الثالث : ما أصاب من خير أو شر ، قاله الحسن .

{ فحدث } فيه على هذا وجهان :

أحدهما : فحدّث به الثقة من إخوانك ، قاله الحسن .

الثاني : فحدِّث به نفسك ، وندب إلى ذلك ليكون ذِكرها شكراً .

﴿ ٠