سورة الشرح

مكية بالإجماع

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى { أَلمْ نَشْرَحْ لك صَدْرَكَ } وهذا تقرير من اللّه تعالى لرسول ( صلى اللّه عليه وسلم ) عند انشراح صدره لما حمله من نبوّته .

وفي { نشرح } وجهان :

أحدهما : أي أزال همك منك حتى تخلو لما أُمِرت به .

الثاني : أي نفتح لك صدرك ليتسع لما حملته عنه فلا يضيق ، ومنه تشريح اللحم لأنه فتحه لتقديده .

وفيما شرح صدره ثلاثة أقاويل :

أحدها : الإسلام ، قاله ابن عباس .

الثاني : بأن ملىء حكمة وعلماً ، قاله الحسن .

الثالث : بما منّ عليه من الصبر والاحتمال ، قاله عطاء .

ويحتمل رابعاً : بحفظ القرآن وحقوق النبوّة .

٢

{ ووَضَعْنا عنك وِزْرَكَ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : وغفرنا لك ذنبك ، قاله مجاهد ، وقال قتادة : كان للنبي ذنوب أثقلته فغفرها اللّه تعالى له .

الثاني : وحططنا عنك ثقلك ، قاله السدي . وهي في قراءة ابن مسعود ، وحللنا عنك وِقرك .

الثالث : وحفظناك قبل النبوة في الأربعين من الأدناس حتى نزل عليك الوحيُ وأنت مطهر من الأدناس .

ويحتمل رابعاً : أي أسقطنا عنك تكليف ما لم تُطِقْه ، لأن الأنبياء وإن حملوا من أثقال النبوة على ما يعجز عنه غيرهم من الأمة فقد أعطوا من فضل القوة ما يستعينون به على ثقل النبوة ، فصار ما عجز عنه غيرهم ليس بمطاق .

٣

{ الذي أنقَضَ ظَهْرَكَ } أي أثقل ظهرك ، قاله ابن زيد كما ينقض البعير من الحمل الثقيل حتى يصير نِقْضاً .

وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أثقل ظهره بالذنوب حتى غفرها .

الثاني : أثقل ظهره بالرسالة حتى بلّغها .

الثالث : أثقل ظهره بالنعم حتى شكرها .

٤

{ ورَفَعْنا لك ذِكْرَكَ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : ورفعنا لك ذكرك بالنبوة ، قاله يحيى بن سلام .

الثاني : ورفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا .

الثالث : أن تذكر معي إذا ذكرت ، روى أبو سعيد الخدري عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) أنه قال : { أتاني جبريل عليه السلام فقال : إن اللّه تعالى يقول أتدري كيف رفعْت ذكرك ؟ فقال : اللّه أعلم ، فقال : إذا ذُكرتُ ذُكِرْتَ } قاله قتادة : رفع اللّه ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب يخطب ولا يتشهد ، ولا صاحب صلاة إلا ينادي :

أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً رسول اللّه .

٥

{ فإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً } فيه وجهان :

أحدهما : إن مع اجتهاد الدنيا خير الآخرة .

الثاني : إن مع الشدة رخاء ، ومع الصبر سعة ، ومع الشقاوة سعادة ، ومع الحزونة سهولة .

ويحتمل ثلاثة أوجه :

أحدها : أن مع العسر يسراً عند اللّه ليفعل منهما ما شاء .

الثاني : إن مع العسر في الدنيا يسراً في الآخرة .

الثالث : إن مع العسر لمن بُلي يسراً لمن صبر واحتسب بما يوفق له من القناعة أو بما يعطى من السعة . قال ابن مسعود : والذي نفسي بيده لو كان العسر في حَجَرٍ لطلبه اليسر حتى يدخل عليه { ولن يغلب عسْرٌ يُسْرَين } .

وإنما كان العسر في الموضعين واحداً ، واليسر اثنين ، لدخول الألف واللام على العسر وحذفها من اليسر .

وفي تكرار

٦

 { مع العسر يسرا } وجهان : أحدهما : ما ذكرنا من إفراد العسر وتثنية اليسر ، ليكون أقوى للأمل وأبعث على الصبر ، قاله ثعلب .

الثاني : للإطناب والمبالغة ، كما قالوا في تكرار الجواب فيقال بلى بلى ، لا لا ، قاله الفراء وقال الشاعر :

هممتُ بِنْفسيَ بَعْضَ الهُموم

فأَوْلَى لنفْسِيَ أولى لها .

٧

{ فإذا فَرَغتَ فانَصَبْ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : فإذا فرغت من الفرائض فانصب من قيام الليل ، قاله ابن مسعود .

الثاني : فإذا فرغت من صلاتك فانصب في دعائك ، قاله الضحاك .

الثالث : فإذا فرغت من جهادك عدوك فانصب لعبادة ربك ، قاله الحسن وقتادة .

الرابع : فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك ، قاله مجاهد .

ويحتمل تأويلاً خامساً : فإذا فرغت من إبلاغ الرسالة فانصب لجهاد عدّوك .

٨

{ وإلى ربِّكَ فارْغَبْ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : فارغب إليه في دعائك قاله ابن مسعود .

الثاني : في معونتك .

الثالث : في إخلاص نيتك ، قاله مجاهد .

ويحتمل رابعاً : فارغب إليه في نصرك على أعدائك .

﴿ ٠