٣

{ فسبّحْ بحْمد ربِّك واسْتَغْفِره إنه كان توّاباً } في أمره بهذا التسبيح والاستغفار وجهان : أحدهما : أنه أراد بالتسبيح الصلاة ، قاله ابن عباس ، وبالاستغفار مداومة الذكر .

الثاني : أنه أراد صريح التسبيح ، الذي هو التنزيه والاستغفار من الذنوب .

روت عائشة قالت : كان رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بعد نزول هذه الآية يكثر أن يقول : سبحانك اللّهم وبحمدك ، أستغفرك وأتوب إليك ، فقلت : يا رسول اللّه ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها ؟ فقال : { جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها } وفي قوله { إنه كان توّاباً } وجهان :

أحدهما : قابل التوبة .

والثاني : متجاوز عن الصغائر .

وفي أمره بهذابعد النصر والفتح وجهان :

أحدهما : ليكون ذلك منه شكراً للّه تعالى على نعمه ، لأن تجديد النعم يوجب تجديد الشكر .

الثاني : أنه نعى إليه نفسه ، ليجد في عمله .

قال ابن عباس : وداعٌ من اللّه ، ووداعٌ من الدنيا ، فلم يعش بعدها إلا سنتين مستديماً التسبيح والاستغفار كما أُمِرَ ، وكان قد لبث أربعين سنة لم يوح إليه ، ورأى رؤيا النبوة سنتين ، ومات في شهر ربيع الأول وفيه هاجر .

وقال مقاتل : نزلت هذه السورة بعد فتح الطائف ، والفتح فتح مكة ،

والناس أهل اليمن ، وهي آية موت النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) فلما نزلت قرأها على أبي بكر وعمر ففرحا بالنصر وبدخول الناس أفواجاً في دين اللّه عز وجل ، وسمعها العباس فبكى ، فقال النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { ما يبكيك يا عم ؟ } فقال : نعيت إليك نفسك ، قال : { إنه لكما تقول } . وهذه السورة تسمى التوديع ، عاش النبي بعدها حولاً على قول مقاتل ، وحولين على قول ابن عباس ، ثم حج رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) من قابل ، فنزل { اليوم أكملت لكم دينكم } الآية ، فعاش بعدها ثمانين يوماً ، ثم نزلت { لقد جاءكم رسول } فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوماً ، ثم نزلت { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه } فعاش بعدها واحداً وعشرين يوماً .

وقال مقاتل : عاش بعدها سبعة أيام ، واللّه أعلم وصلوات اللّه عليه متتابعة لا تنقطع على مر الأزمان وكر الأوان ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين .

﴿ ٣