سورة الإخلاص

مكية في قول ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة وجابر ، ومدينة في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي .

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى : { قُلْ هُو اللّه أَحَدٌ } اختلف في سبب نزول هذه الآية على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن اليهود قالوا للنبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) هذا اللّه خَلَق الخلْق ، فمن خلَقَ اللّه ؟ فنزلت هذه السورة جواباً لهم ، قاله قتادة .

الثاني : أن مشركي قريش قالوا لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) انسب لنا ربك ، فأنزل اللّه هذه السورة ، وقال : يا محمد انسبني إلى هذا ، وهذا قول أُبي بن كعب .

الثالث : ما رواه أبو روق عن الضحاك أن المشركين أرسلوا عامر بن

الطفيل إلى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقالوا : قل له شققت عصانا وسببت آلهتنا وخالفت دين آبائك ، فإن كنت فقيراً أغنيناك وإن كنت مجنوناً داويناك ، وإن هويت امرأة زوجناكها ، فقال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) : { لست بفقير ولا مجنون ولا هويت امرأة ، أنا رسول اللّه إليكم ، أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادته ، } فأرسلوه ثانية وقالوا له : قل له بيّن لنا جنس معبودك ، فأنزل اللّه هذه السورة ، فأرسلوه ثالثة وقالوا : قل له لنا ثلاثمائة وستون صنماً لا تقوم بحوائجنا ، فكيف يقوم إله واحِد بحوائج الخلق كلهم ؟ فأنزل اللّه سورة الصافات إلى قوله { إن إلهاكم لواحد } يعني في جميع حوائجكم ، فأرسلوه رابعة وقالوا : قل له بيّن لنا أفعال ربك ، فأنزل اللّه تعالى : { إن ربكم اللّه الذي خلق السموات والأرض } الآية ، وقوله { الذي خلقكم ثم رزقكم } .

{ قل هو اللّه أحد } خرج مخرج جواب السائل عن اللّه تعالى ، فقال لرسوله ( صلى اللّه عليه وسلم ) { قل هو اللّه أحَدٌ } والأحد : هو المتفرد بصفاته الذي لا مِثل له ولا شبه .

فإن قيل : فلم قال { أحَدٌ } على وجه النكرة ، ولم يقل الأحَدُ ؟ قيل عنه جوابان :

أحدهما : أنه حذف لام التعريف على نية إضمارها فصارت محذوفة في الظاهر ، مثبتة في الباطن ، ومعناه قل هو اللّه الأحد .

الثاني : أنه ليس بنكرة ، وإنما هو بيان وترجمة ، قاله المبرد .

فأما الأحد والواحد ففيهما وجهان :

أحدهما : أن الأحد لا يدخل العدد ، والواحد يدخل في العدد ، لأنك تجعل للواحد ثانياً ، ولا تجعل للأحد ثانياً .

الثاني : أن الأحد يستوعب جنسه ، والواحد لا يستوعب ، لأنك لو قلت فلان لا

يقاومه أحد ، لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر ، فصار الأحد أبلغ من الواحد . وفي تسميتها بسورة الإخلاص ثلاثة أوجه :

أحدها : لأن في قراءتها خلاصاً من عذاب اللّه .

الثاني : لأن فيها إخلاص للّه من كل عيب ومن كل شريك وولد ، قاله عبد اللّه ابن المبارك .

الثالث : لأنها خالصة للّه ليس فيها أمر ولا نهي .

٢

{ اللّه الصّمَدُ } فيه عشرة تأويلات :

 أحدها : أن الصمد المصمت الذي لا جوف له ، قاله الحسن وعكرمه والضحاك وابن جبير ، قال الشاعر :

شِهابُ حُروب لا تَزالُ جيادُه

عوابسَ يعْلُكْنَ الشكيمَ المُصَمّدا

الثاني : هو الذي لا يأكل ولا يشرب ، قاله الشعبي .

الثالث : أنه الباقي الذي لا يفنى ، قاله قتادة ، وقال الحسن : إنه الدائم الذي لم يزل ولا يزال

الرابع : هو الذي لم يلد ولم يولد ، قاله محمد بن كعب .

الخامس : أنه الذي يصمد الناس إليه في حوائجهم ، قاله ابن عباس ، ومنه قول الشاعر :

ألا بكّر الناعي بخَيريْ بني أسدْ

بعمرِو بن مَسعودٍ وبالسيّد الصَّمَد .

السادس : أنه السيد الذي قد انتهى سؤدده ، قاله أبو وائل وسفيان وقال الشاعر :

عَلوْتُه بحُسامٍ ثم قلت له

خُذْها حُذَيْفَ فأنت السيّد الصَّمَدُ .

السابع : أنه الكامل الذي لا عيب فيه ، قاله مقاتل ، ومنه قول الزبرقان :

ساروا جَميعاً بنصْفِ الليلِ واعْتَمدوا

ألاّ رهينةَ إلا السيّدُ الصَمَدُ .

الثامن : أنه المقصود إليه في الرغائب ، والمستغاث به في المصائب ، قاله السدي .

التاسع : أنه المستغني عن كل أحد قاله أبو هريرة .

العاشر : أنه الذي يفعل مايشاء ويحكم بما يريد ، قاله الحسين بن فضيل .

٣

{ لم يَلِدْ ولم يُولَدْ } فيه وجهان :

أحدهما : لم يلد فيكون والداً ، ولم يولد فيكون ولداً ، قاله ابن عباس .

الثاني : لم يلد فيكون في العز مشاركاً ، ولم يولد فيكون موروثاً هالكاً ، قاله الحسين بن فضيل .

وإنما كان كذلك لأمرين :

أحدهما : أن هاتين صفتا نقص فانتفتا عنه .

الثاني : أنه لا مثل له ، فلو وَلَدَ أو وُلدِ لصار ذا مثل ، واللّه تعالى منزه عن أن يكون له مثل .

٤

{ ولم يَكُن له كُفُواً أَحَدٌ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : لم يكن له مثل ولا عديل ، قاله أبي بن كعب وعطاء .

الثاني : يعني لم تكن له صاحبة ، فنفى عنه الولد والوالدة والصاحبة ، قاله مجاهد .

الثالث : أنه لا يكافئه في خلقه أحد ، قاله قتادة وفيه تقديم وتأخير ، تقديره : ولم يكن له أحدٌ كُفواً ، فقدم خبر كان على اسمها لتنساق أواخر الآي على نظم واحد .

﴿ ٠