سورة الفلقمكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، ومدينة في أحد قولي ابن عباس وقتادة . بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قل أعوذ برب وهذه والناس معوذتا رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) حين سحرته اليهود ، وقيل إن المعوذتين كان يقال لهما { المقشقشتان } أي مبرئتان من النفاق ، وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به وليستا من القرآن ، وهذا قول خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت . { قُلْ أَعُوذُ بربِّ الفَلَقِ } فيه ستة تأويلات : أحدها : أن الفلق سجن في جهنم ، قاله ابن عباس . الثاني : أنه اسم من أسماء جهنم ، قاله أبو عبد الرحمن . الثالث : أنه الخلق كله ، قاله الضحاك . الرابع : أنه فلق الصبح ، قاله جابر بن عبد اللّه ومنه قول الشاعر : يا ليلةً لم أَنَمْها بِتُّ مُرْتفقا أرْعى النجومَ إلى أنْ نوَّرَ الفَلَقُ . الخامس : أنها الجبال والصخور تنفلق بالمياه . السادس : أنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والصبح والحب والنوى وكل شيء من نبات وغيره ، قاله الحسن . ولأصحاب الغوامض أنه فلق القلوب للأفهام حتى وصلت إليها ووصلت فيها ، وأصل الفلق الشق الواسع ، وقيل للصبح فلق لفلق الظلام عنه كما قيل له فجر لانفجار الضوء منه . ٢{ مِن شَرِّ ما خَلَق } فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن شر ما خلق جهنم ، قاله ثابت البناني . الثاني : إبليس وذريته ، قاله الحسن . الثالث : من شر ما خلق في الدنيا والآخرة ، قاله ابن شجرة . وفي هذا الشر وجهان : أحدهما : أنه محمول على عمومه في كل شر . الثاني : أنه خاص في الشر الذي يستحق المصاب به الثواب . ٣{ ومن شَرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ } فيه أربعة تأويلات : أحدها : يعني الشمس إذا غربت ، قاله ابن شهاب . الثاني : القمر إذا ولج أي دخل في الظلام . روى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت : أخذ رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) بيدي ثم نظر إلى القمر فقال : يا عائشة تعوذي باللّه من شر غاسقٍ إذا وقب ، وهذا الغاسق إذا وقب . الثالث : أنه الثريا إذا سقطت ، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عنذ وقوعها ، وترتفع عند طلوعها ، قاله ابن زيد . الرابع : أنه الليل ، لأنه يخرج السباع من آجامها ، والهوام من مكامنها ويبعث أهل الشر على العبث والفساد ، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي ، قال الشاعر : يا طيْفَ هِنْدٍ لقد أبقيْتَ لي أرَقا إذ جئْتَنا طارِقاً والليلُ قد غَسَقا وأصل الغسق الجريان بالضرر ، مأخوذ من قولهم غسقت القرحة إذا جرى صديدها ، والغسّاق : صديد أهل النار ، لجريانه بالعذاب وغسقت عينه إذا جرى دمعها بالضرر في الحلق . فعلى تأويله أنه الليل في قوله { إذا وقب } أربعة تأويلات : أحدها : إذا أظلم ، قاله ابن عباس . الثاني : إذا دخل ، قاله الضحاك . الثالث : إذا ذهب ، قاله قتادة . الرابع : إذا سكن ، قاله اليمان بن رئاب . ٤{ ومِن شَرِّ النّفّاثاتِ في العُقَدِ } قال أهل التأويل : من السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر ، قال الشاعر : أعوذ بربي من النافثا تِ في عِضَه العاضه المعْضِه وربما فعل قوم في الرقى مثل ذلك ، طلباً للشفاء ، كما قال متمم بن نويرة : نَفَثْت في الخيط شبيه الرُّقَى من خشيةِ الجِنّة والحاسدِ . وقد روى الحسن عن أبي هريرة عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) أنه قال : { من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلق شيئاً وكل إليه ، } والنفث : النفخ في العقد بلا ريق ، والتفل : النفخ فيها بريق ، وفي { شر النفاثات في العقد } ثلاثة أوجه : أحدها : أنه إيهام للأذى وتخيل للمرض من غير أن يكون له تأثير في الأذى والمرض ، إلا استشعار ربما أحزن ، أو طعام ضار ربما نفذ بحيلة خفية . الثاني : أنه قد يؤذى بمرض لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور فيؤثر فيه كتأثير العين ، وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله . الثالث : أنه قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن يمتحن اللّه بعض عباده . فأما المروي من سحر النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقد أثبته أكثرهم ، وأن قوماً من اليهود سحروه وألقوا عقدة سحره في بئر حتى أظهره اللّه عليها . روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) اشتكى شكوى شديدة ، فبينا هو بين النائم واليقظان إذا ملكان أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال أحدهما : ما شكواه ؟ فقال الآخر : مطبوب ، { أي مسحور ، والطب : السحر } قال : ومن طبّه ؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي فطرحه في بئر ذروان تحت صخرة فيها ، فبعث رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) عمار بن ياسر فاستخرج السحر منها ، ويروى أن فيه إحدى عشرة عقدة ، فأمر بحل العقد ، فكان كلما حل عقدة وجد راحة ، حتى حلت العقد كلها ، فكأنما أنشط من عقال ، فنزلت عليه المعوذتان ، وهما إحدى عشرة آية بعدد العقد ، وأمر أن يتعوذ بهما . وأنكره آخرون ، ومنعوا منه في رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) وإن صح في غيره ، لما في استمراره عليه من خبل العقل ، وأن اللّه تعالى قد أنكر على من قال في رسوله حيث يقول : { إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً } . ٥{ ومن شر حاسد إذا حسد } أما الحسد فهو تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها ، والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزل ، فالحسد شر مذموم ، والمنافسة رغبة مباحة ، وقد روي أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) قال : { المؤمن يغبط والمنافق يحسد . } وفي الاستعاذة من شر حاسد إذا حسد وجهان : أحدهما : من شر نفسه وعينه ، فإنه ربما أصاب بها فعان وضر ، والمعيون المصاب بالعين ، وقال الشاعر : قد كان قومُك يَحْسبونك سيّدا وإخال أنك سيدٌ مَعْيونُ الثاني : أن يحمله فرط الحسد على إيقاع الشر بالمحسود فإنه يتبع المساوىء ويطلب العثرات ، وقد قيل إن الحسد أول ذنب عصي اللّه به في السماء والأرض فحسد إبليس آدم حتى أخرجه من الجنة ، وأما في الأرض فحسد قابيل بن آدم لأخيه هابيل حتى قتله ، نعوذ باللّه من شر ما استعاذنا منه . وافتتح السورة ب { قُلْ } لأن اللّه تعالى أمر نبيه أن يقولها ، وهي من السورة لنزولها معها ، وقد قال بعض فصحاء السلف : احفظ القلاقل ، وفيه تأويلان : أحدهما : قل { قل } في كل سورة ذكر في أوائلها لأنه منها . والثاني : احفظ السورة التي في أولها { قل } لتأكيدها بالأمر بقراءتها |
﴿ ٠ ﴾