٤

{ ومِن شَرِّ النّفّاثاتِ في العُقَدِ } قال أهل التأويل : من السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر ، قال الشاعر :

أعوذ بربي من النافثا

تِ في عِضَه العاضه المعْضِه

وربما فعل قوم في الرقى مثل ذلك ، طلباً للشفاء ، كما قال متمم بن نويرة :

نَفَثْت في الخيط شبيه الرُّقَى

من خشيةِ الجِنّة والحاسدِ .

وقد روى الحسن عن أبي هريرة عن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) أنه قال : { من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلق شيئاً وكل إليه ، } والنفث : النفخ في العقد بلا ريق ، والتفل : النفخ فيها بريق ، وفي { شر النفاثات في العقد } ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه إيهام للأذى وتخيل للمرض من غير أن يكون له تأثير في الأذى والمرض ، إلا استشعار ربما أحزن ، أو طعام ضار ربما نفذ بحيلة خفية .

الثاني : أنه قد يؤذى بمرض لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور فيؤثر فيه كتأثير العين ، وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله .

الثالث : أنه قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن يمتحن اللّه بعض عباده .

فأما المروي من سحر النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقد أثبته أكثرهم ، وأن قوماً من اليهود سحروه وألقوا عقدة سحره في بئر حتى أظهره اللّه عليها .

روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) اشتكى شكوى شديدة ، فبينا هو بين النائم واليقظان إذا ملكان أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال أحدهما : ما شكواه ؟ فقال الآخر : مطبوب ، { أي مسحور ، والطب : السحر } قال : ومن طبّه ؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي فطرحه في بئر ذروان تحت صخرة فيها ، فبعث رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) عمار بن ياسر فاستخرج السحر منها ، ويروى أن فيه إحدى عشرة عقدة ، فأمر بحل العقد ، فكان كلما حل عقدة وجد راحة ، حتى حلت العقد كلها ، فكأنما أنشط من عقال ، فنزلت عليه المعوذتان ، وهما إحدى عشرة آية بعدد العقد ، وأمر أن يتعوذ بهما .

وأنكره آخرون ، ومنعوا منه في رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) وإن صح في غيره ، لما في استمراره عليه من خبل العقل ، وأن اللّه تعالى قد أنكر على من قال في رسوله حيث يقول : { إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً } .

﴿ ٤