٣

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ- صفة مقيدة للمتقين ان فسر بالتقوى عن الشرك و الا فموضحة مشتملة على اصول الأعمال من الايمان فانه رأس الأمر كله- و الصلاة فانها عماد الدين- و الزكوة فانها قنطرة الإسلام او مادحة- او مبتدأ و خبره أُولئِكَ عَلى هُدىً- قرا ابو جعفر و ابو عمرو و ورش يومنون بالواو بدلا عن الهمزة- و كذلك ابو جعفر يترك كل همزة ساكنة و يبدلها واوا بعد ضمة- و ياء بعد كسرة الا في انبئهم- و نبّئهم- و نبّئنا- و ابو عمرو كلها الا ما كان السكون فيه للجزم نحو يهيّئ او يكون فيه خروج من لغة الى لغة كالمؤصدة- و رءيا-

و ورش كل همزة ساكنة في فاء الفعل الا تؤى- و تؤويه- و لا يترك الهمزة في عين الفعل الا باب الرّؤيا و ما كان على وزن فعل مسكور العين- و الايمان في اللغة التصديق كما في قوله تعالى وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا- و ذلك يكون بالقلب و اللسان و في الشرع التصديق بالقلب و اللسان جميعا بما جاء به النبي صلى اللّه عليه و سلم و علم قطعا- و لا يعتبر التصديق بالقلب بدون اللسان الا في حالة الإكراه- قال اللّه تعالى وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ- و قال يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ- و قال إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ- و لا يعتبر التصديق باللسان بدون القلب أصلا قال اللّه تعالى- وَ اللّه يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ-

و اما الأعمال فغير داخلة في الايمان و لذا صح عطف يُقِيمُونَ الصَّلاةَ على يُؤْمِنُونَ و عطف آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ-

روى مسلم في الصحيح عن عمر بن الخطاب قال بينا نحن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر و لا يعرفه منا أحد حتى جلس الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاسند ركبتيه الى ركبتيه و وضع كفيه على فخذيه و قال يا محمد أخبرني عن الإسلام- قال الإسلام ان تشهد ان لا اللّه الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه و تقيم الصلاة و تؤتى الزكوة و تصوم رمضان و تحج البيت ان استطعت اليه سبيلا- قال صدقت فعجبنا له يسئله- و يصدقه- قال أخبرني عن الايمان- قال ان تؤمن باللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الاخر و تؤمن بالقدر خيره و شره- قال صدقت قال فاخبرنى عن الإحسان- قال ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك- قال فاخبرنى عن الساعة- قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل- قال فاخبرنى عن اماراتها- قال ان تلد الامة ربتها- و ان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان- قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لى يا عمر أ تدري من السائل-

قلت اللّه و رسوله اعلم- قال فانه جبرئيل أتاكم يعلمكم دينكم- و رواه ابو هريرة مع اختلاف و فيه- إذا رايت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض في خمس لا يعلمهن الا اللّه ثم قرا إِنَّ اللّه عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ الاية- متفق عليه و هذا الحديث تدل على ان الإسلام اسم لما ظهر من الأعمال- و كذا قوله تعالى- قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا-

و يطلق الإسلام ايضا على الايمان كما في قوله تعالى قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ فهو في اصطلاح الشرع مشترك فى المعنيين- و الغيب مصدر وصف به للمبالغة كالشهادة قال اللّه تعالى عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ و المراد به ما غاب عن أبصارهم من ذات اللّه و صفاته و الملائكة و البعث و الجنة و النار و الصراط و الميزان و عذاب القبر و غير ذلك فهو واقع موقع المفعول به للايمان و الباء صلة- او بمعنى الفاعل وقع حالا من فاعل يؤمنون يعنى يؤمنون غائبين عنكم لا كالمنافقين في حضور المؤمنين خاصة دون الغيبة و قيل عن المؤمن به-

روى عن ابن مسعود انه قال ان امر محمد صلى اللّه عليه و سلم كان بيّنا لمن راه و الذي لا اللّه غيره ما من أحد قط أفضل ايمانا من ايمان بغيب ثم قرا الم ذلِكَ الْكِتابُ الى قوله الْمُفْلِحُونَ- وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ اى يحافظون على حدودها و شرائطها و أركانها و صفاتها الظاهرة من السنن و الآداب و الباطنة من الخشوع و الإقبال- من اقام العود إذا قومه- او يديمونها و يواظبون عليها- من قامت السوق إذا نفقت و أقمتها إذا جعلتها نافقة و الصلاة أصله الدعاء و سميت بها لاشتمالها عليه قرا ورش بتغليظ اللام إذا تحرك بالفتح بعد الصاد- او الطاء- و الظاء- نحو الصّلوة- و مصلّى- و أظلم- و الطّلاق- و معطّلة- و بطل- و نحو ذلك

و قرا الباقون بالترقيق الا في لفظه اللّه خاصة إذا انفتح او انضم ما قبله فيفخمونه «١» أجمعون-

(١) فى الأصل فيفخمون

وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) الرزق في اللغة الحظ قال اللّه تعالى وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ- و يطلق على كل ما ينتفع به الحيوان و الانفاق في الأصل الإخراج عن اليد و الملك و منه نفاق السوق حيث يخرج فيه السلعة و المراد به صرف المال في سبيل الخير هذه الاية في المؤمنين من مشركى العرب-.

﴿ ٣