٢٠

يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ استيناف كانه قيل ما حالهم مع تلك الصواعق- و كاد لمقاربة الخبر من الوجود لعروض سببه لكنه لم يوجد لفقد شرط او مانع فهى خبر محض بخلاف عسى فانه رجاء و إنشاء- و الخطف الاستلاب بسرعة

كُلَّما تدل على التكرار أَضاءَ لَهُمْ لازم بمعنى لمع- او المفعول محذوف اى نور لهم ممشى

مَشَوْا فِيهِ لحرصهم على المشي دون الوقوف و لذلك ذكر كلما مع الاضاءة دون الاظلام-

وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وقفوا- و اظلم ايضا جاء لازما و متعديا-

وَ لَوْ شاءَ اللّه ان يذهب بسمعهم بقصيف الرعد و أبصارهم بوميض البرق- حذف لدلالة الجواب

لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ فان الرعد و البرق و ان كانا في الظاهر سببين لذهاب السمع و البصر لكن تأثير الأسباب كلها في الحقيقة بمشية اللّه تعالى- فالسبب الحقيقي هو المشية و الجواهر و الاعراض و افعال العباد كلها مخلوقة للّه تعالى- مرتبطة بمشيته

إِنَّ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (٢٠) تصريح و تقرير لما سبق و الشي ء مصدر شاء يطلق بمعنى الفاعل اى الشاءى- ...

فيتناول الباري تعالى قال اللّه تعالى- قُلْ أَيُّ شَيْ ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللّه- و بمعنى المفعول اى الشي ء وجوده و هو الممكن و منه قوله تعالى- خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ- فهو على عمومه- و حمزه يسكت على الياء من شى ء و شيئا في الوصل خاصة- و القدرة التمكن من إيجاد الشي ء- و القادر هو الذي ان شاء فعل و ان شاء لم يفعل «١» و في القدير مبالغة- قلما يوصف به غير الباري تعالى-

(١) الاول و ان لم يشأ لم يفعل لان عدم الفعل ليس لاجل المشية بل عدم المشية كاف فيه- منه رحمه اللّه

تمثيل لحال المنافقين من الحيرة و الشدة بحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد قاصف و برق خاطف و خوف من الصواعق- او يقال شبّه المنافقين باصحاب الصيب- و الدين القويم و القران بالصيب- و قال- فيه ظلمت- يعنى مانعة من السير عليه و هى المحن و المكاره من العبادات و الجهاد و ترك الشهوات روى مسلم و احمد و الترمذي عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات-

و روى الترمذي و ابو داود- و النسائي عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال- لما خلق اللّه الجنة قال لجبرئيل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها و الى ما أعد اللّه تعالى لاهلها فيها ثم جاء فقال اى رب و عزتك لا يسمع بها أحد الا دخلها- ثم حفها بالمكاره ثم قال يا جبرئيل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال اى رب و عزتك لقد خشيت ان لا يدخلها أحد- قال فلما خلق اللّه النار قال يا جبرئيل اذهب فانظر إليها قال فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال اى رب و عزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها- فحفها بالشهوات ثم قال يا جبرئيل اذهب فانظر إليها- فذهب فنظر إليها فقال اى رب و عزتك لقد خشيت ان لا يبقى أحد الا دخلها- و قال اللّه تعالى- إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ و فيه رعد يعنى آيات مخوفة من عذاب اللّه و برق يعنى فتوح و مغانم كثيرة يأخذونها فيسهل به السير على الطريق و يدفع ظلمة المكاره او الحجج الواضحة الداعية الى السلوك على الطريق المستقيم و المسهلة للمكاره- يجعلون اى المنافقون أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ من أجل الرعد و الصّواعق قائلين- لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ- حذر الموت بالمحن و المشقات ان أمنوا- و بالقتال ان جاهدوا كما قال في حالهم- فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ- او لانهم يزعمون ان سدهم آذانهم عن سماع آيات العذاب ينجيهم من عذاب اللّه كما ان الأحمق إذا هوله الرعد و يخاف صواعقه يسد آذانه مع انه لا خلاص له منها بسد الاذان و كما ان الإرنب إذا راى صائدا مقبلا و لا يرى منه مفرا يغمض عينيه زعما منه ان عدم رؤيته ينجيه من قتله-

وَ اللّه مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ لا يفوتهم ما كتب عليهم من المحن و العذاب في الدنيا بالفضيحة و غيرها و في الاخرة بالعذاب السرمدي- اولا يفيدهم و لا ينجيهم سد الاذان من الآيات المخوفة عن وقوع العذاب كما لا ينجى الأرنب تغميض العين من الصائد بل يعينه عليه- يكاد البرق- اى الفتوح و المغانم و شوكة الإسلام لاجل حرصهم على الدنيا

يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ او الحجج الواضحة يخطف أبصارهم المؤفة و آرائهم الزائغة التي بها يبصرون الباطل حقا و الحق باطلا- على ما زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ- فحينئذ يرون الحق حقا و الباطل باطلا فيؤمنوا كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ البرق و ظهر الفتح و الدولة للمسلمين و راوا حجة الإسلام واضحة مشوا فيه و اتبعوا سبيل المؤمنين- و إذا اظلم البرق اى لم يظهر الفتح و أدركوا المحنة نسوا الحجة الواضحة و قاموا و وقفوا عن سلوك و الطريق- نظيره قوله تعالى- وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّه عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ- وَ لَوْ شاءَ اللّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ المؤفة بقصيف الرعد و أعطاهم السمع و الابصار الصحيحة- نظيره قوله تعالى-

وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ- اخرج ابن جرير من طريق السّدى الكبير عن ابى مالك عن ابن عباس و عن مرة عن ابن مسعود- و ناس من الصحابة- قال كان رجلان من المنافقين من اهل المدينة هربا من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المشركين فاصابهما هذا المطر الذي ذكر اللّه فيه رعد شديد و صواعق و برق فجعلا كلما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق ان ندخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما- و إذا لمع البرق مشيا في ضوئه- و إذا لم يلمع لم يبصرا- فاتيا مكانهما يمشيان فجعلا يقولان ليتنا قد أصبحنا فتأتى محمدا صلى اللّه عليه و سلم فنضع أيدينا في يده فاتياه فاسلما و وضعا أيديهما في يده و حسن إسلامهما- فضرب اللّه شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة- و كان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى اللّه عليه و سلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى اللّه عليه و سلم ان ينزل فيهم او يذكروا بشى ء فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان «١» الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما-

(١) فى الأصل ذانك المنافقين الخارجين يجعلان ١٢

كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ و كانوا إذا كثرت أموالهم و ولدهم و أصابوا غنيمة او فتحا مشوا فيه و قالوا ان دين محمد صلى اللّه عليه و سلم حينئذ صدق و استقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهما البرق وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا و كانوا إذا هلكت أموالهم و ولدهم و أصابهم البلاء قالوا هذا من أجل دين محمد صلى اللّه عليه و سلم و ارتدوا كفارا- كما قام ذانك المنافقان حين اظلم عليهما البرق- انتهى رواية ابن جرير-

قلت و يحتمل ان يكون الظلمات عبارة عن المتشابهات التي لا سبيل للاراء الى دركها- و البرق عن المحكمات التي تساعده الآراء- فالمؤمنون من اهل السنة يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا- و الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ سدوا آذانهم عن وعيد حرمة ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ حذر الموت- و هو القول بما لا يساعده آراؤهم و لا يوافق مذهبهم حيث يزعمونه موتا و جعلوا القران تابعا لارائهم الكاسدة- فكلّما أضاء لهم و أدرك عقولهم مشوا فيه و أمنوا به و إذا اظلم عليهم و لم تساعده عقولهم قاموا عن الايمان به و وقفوا لديه و ابتغوا تأويله على حسب آرائهم الكاسدة- فمنهم من لم يدرك عقله موجودا لا يكون جسما و لا يكون كمثله شى ء أنكر التنزيه و صار مجسما- و منهم من أنكر الروية- و منهم من أنكر عذاب القبر و وزن الأعمال و الصراط و نحو ذلك- و منهم من أنكر كون القران كلام اللّه غير مخلوق فصاروا اثنتين و سبعين فرقة- روافض- و خوارج- و اهل الاعتزال و المجسمة و نحو ذلك قائلين نومن ببعض الكتاب و نكفر ببعض-

وَ لَوْ شاءَ اللّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ حيث جعلوا كتاب اللّه تعالى تابعا لارائهم و على هذا التقدير قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّه وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ شامل لاثنين و «١» سبعين فرقة من اهل الأهواء الذين فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ يدّعون الايمان و يقولون آمَنَّا بِاللّه وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ بجميع ما جاء به النبي صلى اللّه عليه و سلم و انزل اللّه تعالى فى كتابه و تواتر به الاخبار-

(١) مجرد هذا القول و ان كان شاملا لكن بعض المعطوفات عليه مثل قوله وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا الاية مختص بمن يجوز التقية في مذهبه من اهل الأهواء دون من يجاهر بها- فلا يصح الشمول لجميع الفرق-

قلت عدم شمول بعض المعطوفات لجميع الفرق لا ينافى نزول الآيات في جميع اهل الأهواء كما ان قوله تعالى وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ شامل للرجعيات و البائنات و قوله تعالى وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ مختص بالرجعيات- و ايضا المختص ببعض الفرق انما هو وجوب التقية و اما جواز التقية عند استيلاء المخالفين و خوف القتل فغير مختص حتى انه جاز عند اهل السنة ايضا التقية عند استيلاء الكفار و خوف القتل حيث قال اللّه تعالى إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً و قال اللّه تعالى إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ- و لا شك ان اللّه سبحانه لكن اهل الحق اهل السنة و الجماعة في البلاد و جعل اهل الأهواء مغلوبين مقهورين غالبا خائفين على أنفسهم و أموالهم فكلهم يقولون بحضور اهل السنة خوفا منهم على حسب عقائدهم- منه رحمه اللّه

يُخادِعُونَ اللّه وَ الَّذِينَ آمَنُوا- بتأويلاتهم النصوص- وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ بل يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْ ءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ- فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ و زيغ- فَزادَهُمُ اللّه مَرَضاً و زيغا حيث القى الشيطان في قلوبهم التأويلات الفاسدة- وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ على اللّه و يكذّبون ظاهر النصوص-

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بتحريف الكلم عن مواضعه و تعويج الدين القويم قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ يعنى اصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم و اهل بيته و جمهور الناس و هم اهل السنة و الجماعة فانهم اكثر الناس و للاكثر حكم الكل و يد اللّه على الجماعة رواه الترمذي عن ابن عباس مرفوعا-

قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ فانه لا يساعد عقائدهم الآراء قالوا ذلك في شأن الصحابة صريحا كالروافض و الخوارج ينسبون اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم و اهل بيته الى السفه و الكفر او قالوا ذلك دلالة حيث خالفوهم و زعموا ان تلك العقائد غير معقولة- وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا الاية بيان لما في تلك المذاهب من التقية خوفا من الذين استخلفهم اللّه تعالى في الأرض غالبا- و مكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم على حسب وعده-

و قوله تعالى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً يحتمل ان يكون مثلا للفريقين من المنافقين و اهل الأهواء و ايمان اهل الأهواء و لمعان نوره مقتصر على ما حول المستوقد و قربه يعنى فى الدنيا حيث يلتبس الحق بالباطل فاذا ماتوا ذهب اللّه بنورهم- و يحتمل ان يكون مثلا للمنافقين خاصة و اصحاب الصيب مثل اهل الأهواء و كلمة او للتوزيع كما في قوله تعالى أَنْ يُقَتَّلُوا او يُصَلَّبُوا او تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ او يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ- و اللّه تعالى اعلم

فان قيل كيف يتصور حمل هذا المثل على اهل الأهواء و لم يكونوا في زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم-

قلت خطابات القران عامة للموجودين و من سيوجد اجماعا- أ ليس قوله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ في حق اهل الأهواء-

فان قيل نزول هذه الآيات كان في حق المنافقين كما تدل عليه الأحاديث و تفاسير السلف-

قلت نعم لكن خصوص المورد لا يقتضى تخصيص عموم اللفظ- فالايات و ان كانت نازلة في حق المنافقين لكنها بعموم ألفاظها شاملة لاهل الأهواء و اللّه تعالى اعلم-.

﴿ ٢٠