٢٥

وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على الجملة السابقة على ما جرت به العادة الالهية من تشفيع الترهيب بالترغيب و بالعكس لا عطف الفعل نفسه حتى يطلب المشاكلة او على فاتّقوا يعنى فامنوا فاتقوا النار و استبشروا بالجنة و لم يخاطبهم بالبشارة صريحا تفخيما لشأنهم بعد الايمان و التقوى و إيذانا بانهم احقّاء ان يبشروا و يهنئوا- و البشارة الخير السّارّ- و اما قوله تعالى فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ- فعلى التهكم و قيل يستعمل في الخير و الشر لكن في الخير اغلب

وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ و هى من الصفات الغالبة الجارية مجرى الأسماء و الأعمال الصالحة ما حسّنه الشرع- و تأنيث الصالحات على تأويل الخصلة-

قال البغوي قال معاذ رض- العمل الصالح الذي فيه اربعة أشياء العلم و النية و الصبر و الإخلاص- و قال عثمان بن عفان و عملوا الصّلحت اى أخلصوا الأعمال عن الرياء- و فيه دليل على ان الأعمال خارج عن الإيمان- و اشعار بان السبب التام في استحقاق البشارة الجمع بين الوصفين

أَنَّ لَهُمْ منصوب بنزع الخافض و إفضاء الفعل اليه او مجرور بإضماره

جَنَّاتٍ جمع جنة بمعنى البستان سميت لاجتنانها بالأشجار-

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى تحت أشجارها و مساكنها الْأَنْهارُ اى ماؤها على الإضمار- او المجاز او أسند الجري إليها مجازا- و في الحديث انهار الجنة تجرى من غير أخدود- أخرجه ابن المبارك- و ابن جرير و البيهقي- و اللام للجنس

كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا صفة ثانية لجنات او خبر مبتدأ محذوف اى فهم قالوا او جملة مستانفة تزيح حال أثمارها- و كلّما منصوب على انه ظرف لقالوا و رزقا مفعول به- و من الاولى و الثانية للابتداء او الثانية للبيان وقعتا موقع الحال اى كل حين رزقوا اى أطعموا مرزوقا مبتدأ من الجنة مبتدأ من ثمرة او ذلك المرزوق ثمرة فصاحب الحال الاولى رزقا و صاحب الحال الثانية ضميره المستكن في الحال- و هذا اشارة الى نوع ما رزقوا المستمر بتعاقب افراده- او كان المضاف في الخبر محذوفا اى هذا مثل الذي رزقنا فحذف المثل اشعارا على استحكام الشبه كانه هو بعينه

مِنْ قَبْلُ اى من قبل هذا يعنى في الدنيا جعلت متشابهة بثمار الدنيا كيلا يتنفر الطباع عن غير المألوف- و يظهر المزية- و قيل الثمار في الجنة متشابهة في اللون مختلفة في الطعم و الداعي لهم على تكرار هذا القول كلما رزقوا فرط تبجحهم بما وجدوا من التفاوت العظيم في اللذة و التشابه البليغ في الصورة-

وَ أُتُوا بِهِ بالرزق مُتَشابِهاً و على الاول الضمير راجع الى ما رزقوا في الدارين- و الجملة اعتراض يقرر ما سبق- قال ابن عباس و مجاهد متشابها في الألوان مختلفا في الطعوم- و قال الحسن و قتادة متشابها يشبه بعضها بعضا في الجودة يعنى ثمار الجنة كلها خيار لا رذالة فيها- روى البغوي بسنده عن جابر بن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- اهل الجنة يأكلون و يشربون و لا يبولون و لا يتغوّطون و لا يمتخطون و لا يبزقون يلهمون الحمد و التسبيح كما يلهمون النفس طعامهم جشاء و رشحهم المسك- رواه مسلم- و للاية محمل اخر ان يكون المعنى هذا ثواب الذي رزقنا من قبل في الدنيا من المعارف و الأعمال نظيرة في الوعيد ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- روى الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الجنة طيبة التربة عذبة الماء و انها قيعان و ان غراسها هذه يعنى التسبيح و التحميد و التكبير- قوله تعالى و أتوا به بالرزق متشابها اى مماثلا لمعارفهم و طاعاتهم في الشرف و المزية متفاوتا على حسب تفاوت أعمالهم- روى الترمذي عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام- و عن عبادة بن الصامت نحوه و فيه ما بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض- ذكره صاحب المصابيح في الصحاح و رواه الترمذي

وَ لَهُمْ فِيها اى في الجنان أَزْواجٌ نساء من حور العين و قال الحسن- هن عجائزكم الغمص العمش طهرن من قذرات الدنيا-

مُطَهَّرَةٌ من الغائط و البول و الحيض و البصاق و المخاط و المنى و كل قذر و من مساوى الأخلاق فان التطهير يستعمل في الأجسام و الافعال و الأخلاق- و المطهرة ابلغ من طاهرة و متطهرة للاشعار بان اللّه طهرهن- و الزوج يقال للذكر و الأنثى و في الأصل يقال لماله قرين من جنسه كزوج الخف-

وَ هُمْ فِيها فى الجنان خالِدُونَ (٢٥) دائمون لا يموتون فيها و لا يخرجون منها-

لما ذكر اللّه سبحانه نعماء الجنة أزال عنهم خوف الزوال فانه منغض للنعمة روى البغوي بسنده من طريق البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- ان أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب درّى في السماء اضاءة لا يبولون و لا يتغوّطون و لا يتفلون ... و لا يمتخطون امشاطهم الذهب و رشحهم المسك و مجامرهم الالوة و أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء- متفق عليه و عن ابى سعيد رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أول زمرة تدخل الجنة يوم القيمة صورة وجوهم صورة القمر ليلة البدر و الزمرة الثانية على لون احسن الكواكب فى السماء لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة ... يرى مخ سوقهن دون لحومها و دمائها و حللّها-

رواه الترمذي و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو ان امرأة من نساء اهل الجنة اطلعت على الأرض لاضاءت ما بينهما- و لملئت ما بينهما ريحا- و لنصيفها على راسها خير من الدنيا و ما فيها- رواه البخاري- و عن اسامة بن زيد يقول قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- الأهل من مشمر للجنة و ان الجنة لا خطر لها هى و رب الكعبة نور يتلالا و ريحانة تهتز و قصر مشيد و نهر مطرد .. و ثمرة نضيجة و زوجة حسناء جميلة و حلل كثيرة و مقام ابد في دار سليمة و فاكهة و خضرة و صبرة و نعمة في محلة عالية بهيئة- قالوا نعم يا رسول اللّه نحن المشمرون لها قال قولوا ان شاء اللّه رواه البغوي-

و روى عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اهل الجنة جرد- مرد كحلى لا يفنى شبابهم و لا يبلى ثيابهم-

و روى مسلم نحوه- و عن على رضى اللّه عنه قال ان في الجنة لسوقا ليس فيها بيع و لا شرى الا الصور من الرجال و النساء و إذا اشتهى الرجل صورة دخلها و ان فيها لمجتمع حور العين ينادين بصوت لم يسمع الخلائق بمثلها نحن الخالدات فلا نبيد ابدا- و نحن الناعمات فلا نبوس ابدا و نحن الراضيات فلا نسخط فطوبى لمن كان لنا و كناله او نحن له- رواه البغوي- و روى الترمذي نحوه عنه مرفوعا و روى احمد بن منيع عن ابى معاوية نحوه مرفوعا-

و روى مسلم عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم و ثيابهم فيزدادون حسنا و جمالا فيرجعون الى أهليهم و قد ازدادوا حسنا و جمالا فنقول لهم أهلوهم و اللّه لقد ازددتم بعدنا حسنا و جمالا فيقولون و أنتم و اللّه لقد ازددتم بعدنا حسنا و جمالا-

قلت و لما كان مطمح نظر اهل الدنيا في النعماء منحصرا على المساكن و المطاعم و المناكح اقتصر اللّه تعالى و نبيه صلى اللّه عليه و سلم غالبا في الذكر عليها و في الحقيقة نعماء اهل الجنة أجل و أعلى- عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه تعالى اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر- و اقرؤا ان شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ- متفق عليه و عنه مرفوعا- موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها- متفق عليه و عن ابى سعيد مرفوعا- يقول اللّه أحل عليكم رضوانى فلا أسخط بعده ابدا- متفق عليه- و روى مسلم في حديث طويل عن جابر بن عبد اللّه مرفوعا فيرفع الحجاب فينظرون الى وجه اللّه فما اعطو شيئا أحب إليهم من النظر الى ربهم ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ- و عن ابن عمر- قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ادنى اهل الجنة منزلة لمن ينظر الى جنانه و أزواجه و نعيمه و خدمه و سرره مسيرة الف سنة و أكرمهم على اللّه من ينظر الى وجهه غدوة و عشية ثم قرا وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ- رواه احمد و الترمذي- اخرج ابن جرير عن السدى الكبير بأسانيده انه لما ضرب اللّه تعالى هذين المثلين للمنافقين قوله مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً و قوله او كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ- قال المنافقون اللّه أعلى و أجل من ان ان يضرب هذه الأمثال فانزل اللّه سبحانه.

﴿ ٢٥