٢٦

إِنَّ اللّه لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً و قيل ان اللّه تعالى ذكر الهة المشركين فقال و إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً و ذكر كيدهم فجعله كبيت العنكبوت فقالوا ارايت اللّه ذكر الذباب و العنكبوت أخرجه الواحدي من طريق عبد الغنى عن ابن عباس و عبد الغنى واه جدّا- و الاية مدنية و معارضة المشركين كانت بمكة- فالاول أصح اسنادا و معنى- و الحياء انقباض النفس من القبيح مخافة الذم و هو الوسط بين الوقاحة و هو الجراة و عدم المبالاة بالقبائح و الخجل و هو انحصار النفس عن الفعل مطلقا- و إذا وصف به الباري تعالى كما جاء في الحديث- ان اللّه يستحيى من ذى الشيبة المسلم ان يعذبه- أخرجه البيهقي في الزهد عن انس- و ابن ابى الدنيا عن سلمان- و حديث ان اللّه حيى كريم إذا رفع اليه العبد يديه ان يردهما صفرا-

رواه ابو داود و الترمذي و حسنه و الحاكم و صححه عن سلمان فالمراد به الترك اللازم للانقباض- و إيراد لفظ الحياء هاهنا مع انه ترك مخصوص بالقبيح- و ضرب المثل ليس بقبيح مبنى على المقابلة لما وقع في كلام الكفرة و استقر في أذهانهم نحو جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها- و ضرب المثل احتمال و أصله وقع شى ء على اخر- و ان بصلتها مجرور عند الخليل بإضمار من- و منصوب عند سيبويه بافضاء الفعل اليه بعد حذفها- و ما ابهامية يزيد للنكرة إبهاما و يسد عنها طريق التقييد- او مزيدة وضعت لان يذكر مع غيرها فتزيد له قوة- و البعوض فعول من البعض بمعنى القطع غلب على صغار البق كانها بعض البق و التاء للوحدة- و هو عطف بيان لمثلا- او مفعول ليضرب- و مثلا حال او هما مفعولاه لتضمنه معنى الجعل-

فَما فَوْقَها عطف على بعوضة- و معناه ما زاد عليها في الجثة كالذباب و العنكبوت يعنى لا يستحيى عن ضرب المثل بالبعوض فضلا عما هو اكبر منه- او ما فوقها في الحقارة يعنى ما دونها في الجثة

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اى المثل او ان يضرب هو الْحَقُّ الثابت على ما ينبغى الذي لا يجوز إنكاره يقال ثوب محقق اى محكم نسجه فان الشي ء الحقير لا بد ان يمثل بالحقير- كالعظيم بالعظيم و ان كان الممثل أعظم من كل عظيم كائنا

مِنْ رَبِّهِمْ و اما الَّذِينَ كَفَرُوا فلا يعلمون ذلك لكمال جهلهم

فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللّه بِهذا مَثَلًا ما استفهامية مبتدأ و ذا بمعنى الذي مع صلته خبره- او المجموع اسم واحد بمعنى اى شى ء منصوب المحل على المفعولية- و الارادة صفة ترجح أحد المقدورين على الاخر و في هذا استحقار و مثلا منصوب على التميز او الحال

يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً جواب ما ذا اى إضلال كثير و إهداء كثير- و كثرة كل فريق بالنظر الى أنفسهم و وضع الفعل موضع المصدر للاشعار بالحدوث و التجدد يعنى كلما نزلت اية فامنت به قوم فاهتدوا و كفرت به قوم فضلوا-

وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) الخارجين عن حد الايمان و عن امر اللّه تعالى يقال فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها و الفسق في اصطلاح الشرع ارتكاب الكبيرة و له درجات ثلث أعلاها الكفر بما يجب الايمان به فان الكفر أعظم الكبائر و هو المراد بالفسق في القران غالبا- ثانيها انهماك الكبائر- ثالثها ارتكاب الكبيرة او الإصرار على الصغيرة مستقبحا إياها.

﴿ ٢٦