٣٣

قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ الضمير في بأسمائهم على قول المفسرين راجع الى المسميات- و اما على ما قلت فراجع الى الملائكة اى انبئهم بالأسماء التي في وسعهم تعلمها- او التي قدرنا لهم تعلمها- و لم يقل باسمائكم لان تعلم الأسماء كلها لا يمكن الا اجمالا بالوصول الى حضرت الذات و ذلك مختص بالبشر دون الملائكة

فلما أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فيه استذكار لقوله- أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ قرا الحر ميان و ابو عمرو انّى بفتح الياء و كذلك يفتحون كل ياء إضافته بعدها الف قطع مفتوحة الا أحرفا معدودة تذكر في مواضعها ان شاء اللّه تعالى- و يفتح نافع و ابو عمرو عند الالف المكسورة ايضا الا أحرفا معدودة تذكر ان شاء اللّه تعالى و الباقون لا يفتحون الا أحرفا معدودة تذكر ان شاء اللّه تعالى

وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ قال الحسن و قتادة يعنى قولهم أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها-

وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) قالا قولهم لن يخلق اللّه خلقا أكرم عليه منا-

قال البغوي قال ابن عباس- هو ان إبليس مر على جسد آدم و هو ملقى بين مكة و الطائف لا روح فيه فقال لامر ما خلق هذا ثم دخل في فيه و خرج من دبره و قال انه خلق لا يتماسك لانه أجوف ثم قال للملائكة الذين معه ان فضل عليكم و أمرتم بطاعته ماذا تصنعون قالوا نطيع امر ربنا- فقال إبليس في نفسه و اللّه لئن سلطت عليه لاهلكنه و لئن سلط علىّ لا عصينه فقال اللّه تعالى

وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ يعنى ما تبديه الملائكة من الطاعة

وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعنى ما كتم إبليس من المعصية و في الاية دليل على ان خواص البشر و هم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة و هم الرسل منهم كما ذهب اهل السنة و الجماعة اليه- و اما ما قالوا ان عوام البشر اعنى الأولياء منهم الصالحون المتقون أفضل من عوام الملائكة فثابت بالسنة- عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المؤمن أكرم على اللّه من بعض ملائكته- رواه ابن ماجة- و عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لمّا خلق اللّه آدم و ذريته قالت الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون و يشربون و ينكحون و يركبون فاجعل لهم الدنيا و لنا الاخرة قال اللّه تعالى لا اجعل من خلقته بيدي و نفخت فيه من روحى كمن قلت له كن فكان- رواه البيهقي في شعب الايمان- و يدل على أفضليتهم اختصاصهم برؤية اللّه سبحانه في الجنة دون الملائكة-

فان قيل روية اللّه سبحانه في الجنة غير مختص بالأولياء بل يكون لجميع المؤمنين و ان كانت على قدر تفاوت درجاتهم فمنهم من يراه غدوة و عشية و منهم من يراه كل جمعة او بعد سنة او نحو ذلك فيلزم من ذلك افضلية جميع المؤمنين و ان كانوا فساقا على عوام الملائكة فان المؤمنين كلهم يدخلون الجنة و لو بعد العذاب قال اللّه تعالى- فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ- و قال عليه الصلاة و السلام يخرج من النار من قال لا اللّه الا اللّه و في قلبه وزن برة من خير او من ايمان و يخرج من النار من قالها و في قلبه وزن ذرة من خير او من ايمان- متفق عليه من حديث انس- و قال ما من عبد قالها ثم مات على ذلك الا دخل الجنة و ان زنى و ان سرق- و ان زنى و ان سرق- و ان زنى و ان سرق- على رغم انف ابى ذر- رواه مسلم من حديث ابى ذر- و القول بافضلية الفساق على المعصومين لا يجوز عقلا و لا شرعا قال اللّه تعالى- أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ-

قلت دخول الجنة للفساق لا يتصور الا بعد المغفرة سواء كانت المغفرة بعد العقاب بمصائب الدنيا او بعذاب في القبر او بعذاب فى النار او بغير شى ء من ذلك بالتوبة او بغير التوبة فضلا من اللّه تعالى و بعد المغفرة لم يبق فسق و لا معصية بل التحقوا بالأولياء المتقين الصلحاء و ان كانت مراتب الأولياء أعلى و أجل فحينئذ لا محذور في أفضليتهم على الملائكة و اللّه اعلم- و ايضا في الاية دليل على ان علوم الملائكة و كمالاتهم تقبل الزيادة و انهم يستفيدون من البشر-

و اما قوله تعالى- وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ- فمقتضاه عدم الترقي من مقام الى مقام- يعنى من مقام الأسماء و الصفات الى مقام الذات فانه لا يجوز وصولهم الى مقام الذات بخلاف البشر فان له ترقيات من مقام الحجب و الحرمان الى مقام الظلال و منها الى مقام الصفات و الأسماء و الشئونات و منها الى مقام الوصول الى الذات و في ذلك الوصول درجات و اعتبارات لا يسعه المقال و المقام-.

﴿ ٣٣