٦٧

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ أول هذه القصة قوله تعالى وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها- و انما قدمت عليه ليدل بالاستقلال على نوع اخر من مساويهم و هو الاستهزاء بالأمر و الاستقصاء في السؤال و ترك المسارعة الى الامتثال- و القصة انه كان في بنى إسرائيل رجل غنىّ اسمه عاميل و له ابن عم فقير لا وارث له سواه فلما طال له موته قتله ليرثه و حمله الى قرية اخرى و ألقاه بفنائهم- ثم أصبح يطلب ثاره و جاء بناس يدّعى عليهم القتل- فسالهم موسى عليه السلام فجحدوا فاشتبه الأمر على موسى فسالوه ليبين لهم بدعائه فقال موسى

إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً- مأخوذ من البقر بمعنى الشق و هى تبقر الأرض للحراثة قالُوا استبعادا لما قاله و استخفافا به

أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً مصدر بمعنى المفعول اى مهزوّا بنا- او حمل مبالغة او بحذف المضاف اى اهل هزو- قرا حفص هزوا- و كفوا بضم الزاء و الفاء من غير همز- و حمزة بإسكان الزاء و الفاء «١» و بالهمز و صلا فاذا وقف أبدل الهمزة واوا على أصله «٢» و الباقون بالضم و الهمزة-

قالَ موسى

(١) قرا يعقوب ايضا كفؤا بإسكان الفاء-

(٢) اصل الحمزة في أمثاله النقل و إسقاط الهمزة-

أَعُوذُ بِاللّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) فان الاستهزاء و الجواب لا على وفق السؤال من عادة الجهال- نفى عن نفسه ما رمى به على طريقة البرهان

و اخرج فى صورة الاستعاذة استعظاما له- فلما علم القوم ان ذبح البقرة عزم من اللّه عز و جل و كان حصول المقصود من ذبح البقرة مستبعدا عندهم و زعموا انها بقرة عظيمة الشأن فاستوصفوها و لم يكن ذلك الا لفرط حماقتهم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو ذبحوا اى بقرة أرادوا لاجزتهم و لكنهم شددوا على أنفسهم فشدد اللّه عليهم- رواه سعيد بن منصور عن عكرمة مرسلا و أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس موقوفا و كان للّه تعالى فيه حكمة-

و ذلك انه كان في بنى إسرائيل رجل صالح له ابن طفل و كان له عجل اتى بها الى غيضة و قال اللّهم انى استودعك هذه العجل لابنى حتى يكبر و مات الرجل فصارت العجلة في الغيضة عوانا و كانت تهرب من كل من راها- فلما كبر الابن كان بارا بوالدته و كان يقسّم الليلة ثلاثة أثلاث يصلى ثلثا و ينام ثلثا و يجلس عند رأس امه ثلثا فاذا أصبح انطلق فاحتطب على ظهره فيأتى به الى السوق فيبيعه بما شاء اللّه ثم يتصدق بثلثه و يأكل ثلثه و يعطى والدته ثلثه فقالت له امه يوما ان أباك ورثك عجلة استودعها اللّه في غيضة كذا فانطلق فادع اللّه ابراهيم و إسماعيل و إسحاق عليهم السلام ان يردها عليك و علامتها انك إذا نظرت إليها تخيل إليك ان شعاع الشمس يخرج من جلدها- و كانت تلك البقرة تسمّى المذهّبة لحسنها و صفرتها- فاتى الفتى الغيضة فراها ترعى فصاح بها و قال اعزم عليك باله ابراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب- فاقبلت تسعى حتى قامت بين يديه فقبض على عنقها يقودها- فتكلمت بإذن اللّه تعالى و قالت ايها الفتى البار بوالدته اركبنى فان ذلك أهون عليك- فقال الفتى ان أمي لم تأمرنى و لكن قالت خذ بعنقها- فقالت البقرة باله بنى إسرائيل لو ركبتنى ما كنت تقدر علىّ ابدا فانطلق فانك لو أمرت الجبل ان ينقلع من أصله و ينطلق معك لفعل لبرك بامك- فسار الفتى الى امه فقالت له انك فقير لا مال لك و شق عليك الاحتطاب بالنهار و القيام بالليل فانطلق فبع هذه البقرة- قال بكم أبيعها- قالت- بثلاثة دنانير و لا تبع بغير مشورتى-

و كانت ثمن البقرة ثلثة دنانير- فانطلق بها الى السوق فبعث اللّه ملكا ليرى خلقه قدرته و ليختبر كيف بره بامه و كان به خبيرا فقال الملك- بكم تبيع هذه البقرة قال بثلاثة دنانير و اشترط عليك رضا والدتي- فقال له الملك خذ ستة دنانير و لا تستأمر والدتك- فقال الفتى لو أعطيتني و زنها ذهبا لم أخذ الا برضا أمي فردها الى امه و أخبرها فقالت ارجع فبعها بستة دنانير على رضى منى- فانطلق بها الى السوق و اتى الملك فقال استأمرت أمك- فقال الفتى انها أمرتني ان لا أنقصها من ستة على ان استأمرها-

فقال الملك انى أعطيك اثنى عشر على ان لا تستأمرها- فابى الفتى و رجع الى امه و أخبرها بذلك- فقالت ان الذي يأتيك ملك يأتى في صورة آدمي ليختبرك فاذا اتى فقل له أ تأمرنا ان نبيع هذه البقرة أم لا- ففعل- فقال له الملك اذهب الى أمك فقل لها أمسكي هذه البقرة فان موسى بن عمران عليه السلام يشتريها منكم لقتيل يقتل في بنى إسرائيل فلا تبيعوها الا بملا مسكها دنانير- فامسكوها و قدر اللّه تعالى على بنى إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها- فما زالوا يستوصفون حتى وصف لهم تلك مكافاة له على بره بوالدته فضلا منه و رحمة- فذلك قوله تعالى.

﴿ ٦٧