١٤٣ وَ كَذلِكَ اشارة الى مفهوم الاية المتقدمة اى هديناكم الى صراط مستقيم- او الى ما مر سابقا اى كما اصطفينا ابراهيم فى الدنيا و جعلناه في الاخرة من الصالحين جَعَلْناكُمْ يا امة محمد صلى اللّه عليه و سلم أُمَّةً وَسَطاً- «١» خيارا ممن عداهم عدولا مزكين بالعلم و العمل و المعرفة- (١) اخرج احمد و الحاكم و صححاه عن ابى سعيد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم في قوله تعالى امّة وسطا قال عدولا- اخرج الدارمي عن ابن عباس- انه سال كعب الأحبار كيف تجد نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في التورية قال كعب- نجده محمد بن عبد اللّه يولد بمكة و يهاجر منه الى طابة و يكون ملكه بالشام و ليس بفحاش و لا سحاب في الأسواق و لا يكافى بالسيئة السيئة و لكن يعفو و يغفر أمته الحمّادون يحمدون اللّه في كل السراء و الضراء و يكبرون على كل نجد و يوضعون أطرافهم و يأتزرون في أوساطهم و يصفّون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم دويهم في مساجدهم كدوى النحل يسمع مناديهم- و اخرج الدارمي عن كعب الأحبار في السطر الاول محمد رسول اللّه عبدى المختار لا فظ و لا غليظ و لا سخاب في الأسواق و لا يجزى بالسيئة السيئة و لكن يعفو و يغفر مولده بمكة و هجرته بطيبة و ملكه بالشام و في السطر الثاني- محمد رسول اللّه أمته الحمادون يحمدون اللّه في السراء و الضراء يحمدون اللّه في كل منزلة و يكبرون على كل شرف رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها و لو كانوا على رأس كناسة و يأتزرون على أوساطهم و يوضعون أطرافهم أصواتهم بالليل في جو السماء كاصوات النحل- و هو في الأصل اسم للمكان الذي يستوى اليه المساحة من الجوانب ثم استعير لخير الخصال و المحمودة منها لوقوعها بين طرفى افراط و و تفريط كالجود بين الإسراف و البخل و الشجاعة بين التهور و الجبن ثم اطلق على المتصف بها- مستويا فيه الواحد و الجمع و المذكر و المؤنث كسائر الأسماء التي يوصف بها قال اللّه تعالى قال أوسطهم اى خيرهم و قال الكلبي حذف المضاف و أقيم المضاف اليه مقامه اى اهل دين وسط بين الغلو و التقصير- و استدل به على حجية الإجماع لان بطلان ما اجمعوا عليه ينافى عدالتهم- فان قيل ان اخطأ مجتهد في اجتهاده لا ينتفى منه عدالته فمالك تحكم بها إذا اتفقوا على الخطاء اتفاقا- قلت قد سمعت ان لفظ الوسط استعير اولا للخصال ثم اطلق على المتصف بها كما يقال زيد عدل و على قول الكلبي انما هو صفة لدينهم فاطلاق الامة الأوسط عليهم يدل على ان شرائع دينهم و خصالهم المتفقة عليها كلها محمودة فعلى تقدير وقوع الخطاء في إجماعهم و ان كانوا معذورين في ذلك غير متصفين بالفسق لكن بعض خصالهم المتفق عليها مذموم البتة فكيف يكون خصالهم كلها محمودة و اللّه اعلم- عن ابى سعيد الخدري قال قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوما بعد العصر فما ترك شيئا الى يوم القيامة الا ذكره في مقامه ذلك حتى إذا كانت الشمس على رءوس النخل و أطراف الحيطان قال اما انه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها الا كما بقي من يومكم هذا إلا و إن هذه الامة توفى سبعين امة هى أخيرها و أكرمها على اللّه عز و جل رواه البغوي- و روى الترمذي و ابن ماجة و الدارمي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده نحوه و الحمد للّه رب العلمين لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يوم القيامة ان الرسل قد بلغتهم تعليل لجعلهم عدولا و دليل على ان العدالة شرط للشهادة وَ يَكُونَ الرَّسُولُ محمد صلى اللّه عليه و سلم عَلَيْكُمْ اى على عدالتكم شَهِيداً يعنى يكون معدّلا و مزكيا لكم- و لما كان الشهيد كالرقيب جى ء بكلمة الاستعلاء و ان كان حق المقام اللام- ذكر البغوي ان اللّه تعالى يجمع الأولين و الآخرين في صعيد واحد ثم يقول لكفار الأمم أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ فيقولون ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فيسئل الأنبياء عليهم السلام عن ذلك فيقولون كذبوا قد بلغناهم فيسئلهم البينة و هو اعلم بهم اقامة للحجة فيؤتى بامة محمد صلى اللّه عليه و سلم فيشهدون لهم انهم قد بلّغوا فيقول الأمم الماضية من اين علموا و انهم أتوا بعدنا فيسئل هذه الامة فيقولون أرسلت إلينا رسولا و أنزلت عليه كتابا اخبرتنا فيه بتبليغ الرسل و أنت صادق فيما أخبرت ثم يؤتى بمحمد صلى اللّه عليه و سلم فيسئل عن حال أمته فيزكيهم و يشهد بصدقهم- و روى البخاري و الترمذي و النسائي عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يجاء بنوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له هل بلغت فيقول نعم يا رب فيسئل أمته هل بلغكم فيقولون ما جاءنا من نذير فيقال من شهودك فيقول محمد و أمته قال محمد صلى اللّه عليه و سلم فيجاء بكم فتشهدون ثم قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً فتشهدون له بالابلاغ و اشهد عليكم- و اخرج احمد و النسائي و البيهقي عنه بلفظ يجى ء النبي يوم القيامة و معه الرجل و النبي و معه الرجلان و اكثر من ذلك فيقال لهم هل بلغتم فيقولون نعم فتدعى قومهم فيقال لهم هل بلغوكم فيقولون لا فيقال للنبيّن من يشهد لكم انكم بلغتم فيقولون امة محمد صلى اللّه عليه و سلم فتدعى امة محمد صلى اللّه عليه و سلم فيشهدون انهم قد بلغوا فيقال لهم و ما أعلمكم انهم قد بلغوا فيقولون جاءنا نبينا بكتاب أخبرنا انهم قد بلغوا فصدقناه فيقال صدقتم- وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها الجعل اما متعد الى مفعول واحد فحينئذ الموصول مع الصلة صفة للقبلة و المضاف محذوف يعنى ما جعلنا تحويل القبلة التي كنت عليها و هى بيت المقدس- و اما متعد الى مفعولين و مفعوله الثاني محذوف اى ما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة- و يحتمل ان يكون القبلة مفعوله الاول و الموصول مع الصلة بمعنى الجهة التي كنت عليها مفعوله الثاني و المراد بالموصول البيت المقدس- و المعنى ما جعلنا في سابق الزمان القبلة الجهة التي كنت عليها يعنى ان اصل أمرك ان تستقبل الكعبة و ما جعلنا قبلتك في سابق الزمان بيت المقدس الا لنعلم- و يحتمل ان يكون كنت عليها بمعنى أنت عليها الان يعنى الكعبة الا لنعلم- و قيل في تفسيره و ما جعلنا القبلة الان الجهة التي كنت عليها قبل الهجرة و هى الكعبة- و هذا مبنى على انه صلى اللّه عليه و سلم كان يصلى قبل الهجرة الى الكعبة و هذا التأويل يستلزم النسخ مرتين و يخالف سياق قوله تعالى سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها فان المراد هناك بالموصول بيت المقدس لا غير- و كان القياس ان يقال و ما جعلنا التي كنت عليها قبلة لكن قدم القبلة و جعل أول المفعولين للاهتمام به او هو من باب القلب إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ فى الصلاة حيثما توجه بامر اللّه تعالى مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ فيرتد كما في الحديث ان القبلة لما حولت ارتد قوم من المسلمين الى اليهودية و قالوا رجع محمد صلى اللّه عليه و سلم الى دين ابائه- و العلم اما بمعنى المعرفة و من يتبع الرسول مفعوله و ممن ينقلب متعلق به او هو متعلق لما في من معنى الاستفهام- او يكون من موصولة مفعوله الاول و ممن ينقلب مفعوله الثاني اى لنعلم من يتبع الرسول مميزا ممن ينقلب- فان قيل علم اللّه تعالى قديم فكيف يتصور غاية لتحويل القبلة أجيب عنه بوجوه منها ما قال اهل المعاني ان اللام للتعليل لا لبيان الغاية و صيغة المضارع بمعنى الماضي كما في قوله تعالى فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللّه فالمعنى الا لما علمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه يعنى لما سبق في علمنا ان تحويل القبلة سبب لهداية قوم و ضلالة آخرين- و منها ما قيل ان المراد بالعلم رسولنا و اولياؤنا حذف المضاف و أسند الفعل الى نفسه مجازا كما مر في الحديث القدسي مرضت فلم تعدنى إظهارا لشرفهم و اختصاصهم و في هذه التأويلات قول بالمجاز و تكلفات و التحقيق ما قال الشيخ ابو منصور الماتريدى رحمه اللّه ان المعنى الا لنعلم كائنا موجودا ما قد علمنا انه يكون و يوجد فاللّه سبحانه عالم في الأزل بكل ما أراد وجوده انه يوجد في الوقت الذي شاء وجوده فيها و لا يجوزان يقال انه عالم في الأزل بانه موجود كائن في الحال لانه ليس بموجود فكيف يعلمه موجودا كائنا على خلاف الواقع و التغير على المعلوم لا على العلم و هو المراد بما قيل في هذا و أشباهه ان المراد بالعلم تعلقه الحالي الذي هو مناط الجزاء و معنى الا لنعلم اى ليتعلق علمنا بوجوده وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إن مخففة من المثقلة و اللام فاصلة بينها و بين الشرطية قال سيبويه ان تأكيد شبيه باليمين و لذلك دخلت اللام في جوابها- و قال الكوفيون ان نافية و اللام بمعنى الا و الضمير المرفوع راجعة الى ما دل عليه جعلنا القبلة من الجعلة او الى التحويلة او الى القبلة إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّه اى هداهم اللّه وَ ما كانَ اللّه لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ اى ثباتكم على ايمانكم او ايمانكم بالقبلة المنسوخة و قيل المراد بالايمان الصلاة و ذلك ان حيى بن اخطب و أصحابه من اليهود قالوا للمسلمين أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس ان كانت هدى فقد تحولتم عنها و ان كانت ضلالة فقد دنتم اللّه بها و من مات منكم عليها- فقال المسلمون انما الهدى ما امر اللّه به و الضلالة ما نهى عنه- قالوا فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا- و قد كان مات قبل ان تحول القبلة اسعد بن زرارة من بنى النجار و البراء بن معرور من بنى سلمة و كانا من النقباء و رجال آخرون فانطلق عشائرهم الى النبي صلى اللّه عليه و سلم و قالوا يا رسول اللّه قد صرفك اللّه الى قبلة ابراهيم عليه السلام فكيف بإخواننا الذين ماتوا و هم يصلون الى بيت المقدس فانزل اللّه تعالى وَ ما كانَ اللّه لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ اى صلاتكم الى بيت المقدس و في الصحيحين عن البراء بن عازب قال مات قبل ان تحول رجال و قتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فانزل اللّه الاية إِنَّ اللّه بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٣) قرا نافع و ابن كثير و ابن عامر و حفص لرءوف مشبعا على وزن شكور و الآخرون بالاختلاس على وزن فعل- و الرأفة أشد الرحمة قدمه على الرحيم لرعاية الفواصل-. |
﴿ ١٤٣ ﴾