١٦٤

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ و ما فيها من الشمس و القمر و الكواكب-

و اخرج ابن ابى حاتم و ابن مردوية من طريق جيد موصول عن ابن عباس قال قالت قريش للنبى صلى اللّه عليه و سلم- ادع اللّه ان يجعل لنا الصفا ذهبا نتقوى به على عدونا فاوحى اللّه تعالى الى النبي صلى اللّه عليه و سلم انى معطيهم و لكن ان كفروا بعد ذلك عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فقال رب دعنى و قومى فادعوهم يوما بيوم- فانزل اللّه تعالى هذه الاية يعنى انهم كيف يسئلون الصفا ذهبا و هم يرون من الآيات ما هو أعظم منه في الوجود و مثله في الإمكان

وَ الْأَرْضِ و ما فيها من الأشجار و الأنهار و الجبال و البحار و الجواهر و انواع النباتات و الحيوانات و اختلاف التأثيرات و الأقطار و الأقاليم- و انما جمع السموات و أفرد الأرض لان تعدد السموات كان مقررا عند المخاطبين بناء على مشاهدتهم تعدد حركات الكواكب بخلاف الأرض فان تعددها لم يثبت الا بالشرع و الاستدلال انما هو بما هو معلوم عندهم- و قيل لان السموات مختلفة بالحقيقة بخلاف الأرضين فان كلها من جنس واحد و هو التراب-

و قيل لان طبقات السموات متفاصلة بخلاف الأرضين و هذا ليس بشى ء فان الثابت بالسنة كون كل واحد من السموات و الأرضين متناصلة كما روينا الأحاديث سابقا في تفسير قوله تعالى فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ

وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ اى تعاقبهما في الذهاب و المجي ء و قصر الليالى و طول الأيام في الصيف و عكسها في الشتاء

وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ كيف سخرها اللّه تعالى لكم تحمل الأثقال و لا ترسب في البحر- و الفلك واحد و جمعه سواء فاذا أريد به الجمع تؤنث صفته و إذا أريد به المفرد يذكر نحو أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ -

و كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ- و تَجْرِي فِي الْبَحْرِ-

بِما يَنْفَعُ النَّاسَ اى ينفعهم او بالذي ينفعهم من الركوب عليها و الحمل فيها في التجارات و المكاسب و انواع المطالب

وَ ما أَنْزَلَ اللّه مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ من الاولى للابتداء و الثانية للبيان فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها يبسها و جذوبتها

وَ بَثَّ اى نشر فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ صغيرة لا يكاد يبصر و كبيرة لا يتصور تسخيرها الا بحول اللّه و قوته عطف على انزل او على أحيا فان الدواب ينمون من الخصب و يعيشون بالماء

وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ الى المشرق و المغرب و الجنوب و الشمال مفيدة و مضرة- لينة و عاصفة- حارة و باردة- اعلم ان الريح كلما وقع في القران المعرف باللام اختلف القراء في جمعها و افرادها الا في الذاريات الرّيح العقيم فانهم اتفقوا على الافراد- و الا في الحرف الاول من سورة الروم الرّياح مبشّرت فانهم اجمعوا على جمعها- فقرا حمزة و الكسائي تصريف الريح هنا و في الكهف و الجاثية و الأعراف و النمل و الثاني من الروم و فاطر بالإفراد و تابعهما ابن كثير في الاربعة الاخيرة-

و قرا ابن كثير في الفرقان و حمزة في الحجر بالإفراد و الباقون في جميعها بالجمع-

و قرا نافع في ابراهيم و الشورى بالجمع و الباقون بالإفراد-

و قرا ابو جعفر «١» كل ما ذكر على الجمع جميعا- و كل ريح في القران منكر فهو بالإفراد اجماعا و اللّه اعلم

(١)

و قرا ابو جعفر ايضا بالجمع في الاسراء و الأنبياء و سبا و ص و عنه خلاف في الحج- ابو محمد

وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لا ينزل و لا ينقشع مع ان الطبع يقتضى أحدهما حتى يأتى امر اللّه و ايضا هو مسخر فى الجو يقلبه اللّه حيث يشاء قال ابن وهب ثلثة لا يدرى من اين يجى ء الرعد و البرق و السحاب

لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤) يتفكرون فيها و ينظرون الى انها امور حادثة ممكنة في ذواتها لا يقتضى ذواتها وجوداتها و لا شيئا من اثارها موجودة على وجوه مخصوصة من وجوه كثيرة كلها محتملة فلا محالة من وجود صانع يقتضى ذاته وجوده حى عليم حكيم يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد متصف بصفاة الكمال منزه عن النقص و الزوال متعال عن مماثل و معارض إذ لو كان معه اله يقدر على ما يقدر عليه لزم اما اجتماع المؤثرين على اثر واحد بالشخص و هو محال او عجز أحدهما او التمانع الموجب للفساد- و ينظرون الى ما في تلك المخلوقات من اثار رحمة اللّه تعالى فيعرفون انه تعالى هو المستحق للعبادة و الشكر دون غيره-

اخرج ابن ابى الدنيا في كتاب التفكر عن عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ثم قال ويل لمن قرا و لم يتفكر فيها- و قيل للاوزاعى فما غاية التفكر فيهن قال يقرا و هو يعقلهن- و اللّه اعلم.

﴿ ١٦٤