١٧٣ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ قرا ابو جعفر الميّتة في كل القران بالتشديد و الباقون انما شددوا البعض و سنذكرها ان شاء اللّه تعالى فان قيل كلمة انما الحصر و كم من حرام لم يذكر- قلنا المختار عند الحنفية ما قال نحاة الكوفة ان كلمة انما ليست للقصر بل هى مركبة من انّ للتحقيق و ما الكافة و على تقدير التسليم فالقصر إضافي بالنسبة الى ما حرمه الكفار من بحيرة و سائبة و وصيلة و حام و نحوها و اللّه اعلم- و الميتة حيوان مات من غير ذكوة و قد كان من شانها الذكوة فالسمك و الجراد غير داخلتين فيها او هما خصتا منها بالحديث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحل لنا ميتان و دمان السمك و الجراد و الكبد و الطحال- أخرجه ابن ماجة و الحاكم من حديث ابن عمرو الحق بها بالسنة ما أبين من الحي اخرج ابو داود- و الترمذي و حسنه عن ابى واقد الليثي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما قطع من البهيمة و هى حية فهو ميتة- و اجمعوا على انه لا يجوز بيع الميته و لا أكل ثمنه و لا الانتفاع بشحمه و لا بجلده قبل الدباغ عن جابر انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول عام الفتح و هو بمكة ان اللّه و رسوله حرم بيع الخمر و الميتة و الخنزير و الأصنام فقيل يا رسول اللّه ارايت شحوم الميتة فانه يطلى بها السفن و يدهن بها الجلود و يستصبح بها الناس فقال لا هو حرام ثم قال عند ذلك قاتل اللّه اليهود ان اللّه لمّا حرم شحومها اجملوه ثم باعوه فاكلوا ثمنه- متفق عليه و عن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال قاتل اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها و باعوها- متفق عليه و عن عبد اللّه ابن عكيم قال أتانا كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا لا تنتفعوا من الميتة باهاب و لا عصب رواه احمد و الشافعي و اصحاب السنن الاربعة- و في رواية للشافعى و احمد و ابى داود «١»- قبل موته بشهر و في رواية احمد بشهر او شهرين قال الترمذي حسن صحيح- و عن جابر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا ينتفع من الميتة بشى ء- رواه ابو بكر الشافعي و اسناده حسن و عن اسامة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نهى عن جلود السباع- رواه ابو داود و النسائي و الحاكم و صححه و زاد و ان يفترش- (١) فى الأصل ابو داود و عن معاوية بلفظ نهى عن ركوب النمار- رواه ابو داود و النسائي و عن المقدام بن معديكرب قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الحرير و الذهب و مناثر النمور- رواه احمد و النسائي- و عن ابى هريرة مرفوعا لا تصحب الملائكة رقعة فيها جلد نمر- رواه ابو داود و اختلفوا في جلد الميتة بعد الدباغ فقال ابو حنيفة و الشافعي رحمهما اللّه يطهر بالدباغ فيجوز بيعه و الانتفاع به و قال مالك و احمد لا يجوز بيعه و لا الانتفاع به- لنا أحاديث منها حديث ابن عباس قال مر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشاة ميتة فقال الا استمتعتم بجلدها فقالوا يا رسول اللّه انها ميتة قال انما حرم أكلها او ليس في الماء و القرظ ما يطهر- و فى بعض الروايات- الا استمتعتم بجلدها- و في بعضها- انما حرم لحمها و رخص لكم في مسكها- قال الدارقطني أسانيده صحاح- و حديثه قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول اى إهاب دبغ فقد طهر- رواته مسلم و عن ابن عمر مرفوعا مثله رواه الدارقطني بسند حسن- و عن سفيان مثله رواه مسلم و عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم طهور كل أديم دباغه- و عنها ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امر ان ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت- و عن سودة ماتت شاة لنا فدبغنا مسكها- رواه البخاري و احتج اصحاب مالك و احمد بما ذكرنا سابقا من الأحاديث انه لا يجوز الانتفاع من الميتة بشى ء قالوا هذا اخر الامرين من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما ورد في حديث عبد اللّه بن عكيم أتانا كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبل موته بشهر او شهرين- قلنا حديث عبد اللّه بن عكيم مضطرب سنده و متنه فلا يصادم ما روينا من الصحاح فلا يكون ناسخا على ان الإهاب اسم للجلد قبل الدباغ و نحن نقول بحرمة الانتفاع به- فان قيل ورد في حديث عبد اللّه بن عكيم عند الطبراني في الأوسط و ابن عدى- قال كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نحن في ارض جهينة انى كنت رخصت لكم في جلود الميتة فلا تنتفعوا من الميتة بجلد و لا عصب- قلنا هذا الطريق لا يصح فان فيه فضالة بن مفضل قال ابو حاتم الرازي لم يكن باهل ان يكتب منه اهل العلم- و اختلفوا في شعر الميتة و عظمها و عصبها و قرنها و حافرها فقال ابو حنيفة طاهر يجوز بيعه و الانتفاع به- و قال الشافعي نجس- و احمد و مالك معنا في الشعر و معه في العظم و العصب- و حجتهم قوله صلى اللّه عليه و سلم لا ينتفع من الميتة بشى ء- و احتج الشافعي على نجاسة الشعر بحديث ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ادفنوا الأظفار و الدم و الشعر فانه ميتة- و الجواب ان الحديث الثاني فيه عبد اللّه بن عزيز قال ابو حاتم الرازي أحاديثه منكرة و ليس محله الصدق عندى- و قال على بن الحسين بن الجنيد لا يساوى فلسا يحدث بأحاديث كذب- و اما الحديث الاول فقد تكلّم عليه و لو سلم عن التكلم فهو معارض بما تقدم من حديث ابن عباس المتفق عليه انما حرم أكلها و طرقه متكثرة- و لنا ايضا حديث ابن عباس بلفظ انما حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحمها فاما الجلد و الشعر و الصوف فلا بأس به- لكن فيه عبد الجبار ضعيف و ذكره ابن حبان في الثقات و عنه قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول الا كلّ شى ء من الميتة حلال الا ما أكل منها فاما الجلد و الشعر و الصوف و السن و العظم فكل هذا حلال و فيه ابو بكر الهذلي متروك قال غندر كذاب و قال يحيى و على ليس بشى ء- و حديث ثوبان اشترى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لفاطمة قلادة من عصب و سوارين من عاج- فيه حميد و سليمان مجهولان- و لنا من الآثار ما ذكره البخاري معلقا قال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل و غيره أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها و يدهنون فيها لا يرون به بأسا- قلت أسلاف الزهري هم الصحابة رضى اللّه عنهم او كبار التابعين و قال حماد بن ابى سليمان لا بأس بريش الميتة- و قال ابن سيرين و ابراهيم لا بأس بتجارة العاج- و اللّه اعلم وَ الدَّمَ أراد به الجاري منه اجماعا كما في قوله تعالى او دما مسفوحا وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ اجمعوا على ان الخنزير نجس عينه لا يجوز بيع شى ء من اجزائه حتى شعره- و انما خص اللحم بالذكر لانه معظم ما يقصد من الحيوان و سائر اجزائه كالتابع له- و يدل على حرمة عينه قوله تعالى فانّه رجس و سنذكر تفسيره في سورة الانعام ان شاء اللّه تعالى و هل يجوز الانتفاع بشعره قال ابو حنيفة و مالك يجوز الانتفاع به للخزر للضرورة- و منع منه الشافعي و كرهه احمد- و لو وقع في الماء القليل أفسده و عند محمد لا يفسد لان اطلاق الانتفاع دليل طهارته- و لابى يوسف ان الإطلاق للضرورة و لا يظهر الضرورة الا في حالة الاستعمال و حالة الوقوع بغايرها- كذا في الهداية و قال الفقيه ابو الليث لو لم يوجد الا بالشراء جاز شراؤه- و قال ابن همام قد قيل ايضا أن الضرورة ليست ثابتة في الخرز به بل يمكن ان يقام بغيره و قد كان ابن سيرين لا يلبس خفا خرز بشعر الخنزير قال ابن همام فعلى هذا لا يجوز بيعه و لا الانتفاع به وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّه قال الربيع بن انس يعنى ما ذكر عند ذبحه اسم غير اللّه و الإهلال أصله روية الهلال يقال اهل الهلال ثم لما جرت العادة برفع الصوت بالتكبير عند روية الهلال سهى لرفع الصوت مطلقا الإهلال- و كان الكفار إذا ذبحوا لالهتهم يرفعون أصواتهم بذكرها فجرى ذلك من أمرهم حتى قيل لكل ذابح و ان لم يجهر مهلّ- و اما متروك لتسمية فسنذكرها في سورة الانعام ان شاء اللّه تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ قرا عاصم و ابو عمرو و حمزة بكسر النون هاهنا و من أَنِ اعْبُدُوا اللّه و أَنِ احْكُمْ و لكِنِ انْظُرْ و أَنِ اغْدُوا و شبهه و كسر الدال من لقد استهزى ء و التاء من قالَتِ اخْرُجْ و التنوين من فتيلان انظر و مبينان اقتلوا و شبهه إذا كان بعد الساكن الثاني ضمة لازمة و ابتدأت همزة الوصل بالضم- و وافقهم ابن عامر في التنوين فقط و كذا قرا عاصم و حمزة بكسر اللام و الواو مثل قُلِ ادْعُوا اللّه او ادْعُوا الرَّحْمنَ و تابعهما يعقوب الا فى الواو- و قرا الباقون بالضم في كلها بضمة أول الفعل- و قرا ابو جعفر بكسر الطاء اتباعا لكسر النون و المعنى انه من اضطر الى أكل الميتة او نحوه مما ذكر سواء كان الاضطرار لاجل المخمصة او الإكراه او غير ذلك حل له أكلها بالإجماع غَيْرَ باغٍ حال اى أكل غير باغ للذة و شهوة وَ لا عادٍ اى متجاوز قدر الحاجة فالحاصل انه لا يجوز للمضطر الاكل منه الا قدر سد الرمق- و في قول للشافعى يجوز له الشبع- و هو قول مالك و احدى «١» الروايتين عن احمد- و الراجح من مذهب الشافعي انه ان توقّع حلالا قريبا لم يجز غير سد الرمق و انّ للمنقطع ان يشبع و يزوّد- و قال بعض اصحاب الشافعي في تأويل الاية غير باغ على الوالي و لا عاد بقطع الطريق او فساد في الأرض- (١) فى الأصل أحد- قال البيضاوي و هو ظاهر مذهب الشافعي و قول احمد- و قال البغوي و هو قول ابن عباس رضى اللّه عنهما و مجاهد و سعيد بن جبير و قالوا لا يجوز للعاصى بسفر ان يأكل الميتة إذا اضطر إليها و لا ان يترخص برخص المسافرين حتى يتوب- قلت و الظاهر ان البغي و العدوان راجعان الى الاكل- و قال مقاتل بن حبان غير باغ اى مستحل لها و لا عاد اى مقصر في طلب ما أبيح له- فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فى أكلها إِنَّ اللّه غَفُورٌ لما أكل في حالة الاضطرار رَحِيمٌ (١٧٣) حيث رخص العباد في ذلك- و هذا يدل على ان المضطر ان لم يأكل الميتة و نحوها حتى مات فلا اثم عليه ايضا فان الاكل عند الاضطرار مباح رخصة من اللّه تعالى و ليس بواجب و هو أصح قول الشافعي- و قال ابو حنيفة بل يأثم و يجب عليه حينئذ أكله لقوله تعالى وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ- حيث استثنى ما اضطررتم اليه من المحرم فبقى على الأصل مباحا و المباح واجب أكله عند خوف الهلاك و انما سمى ذلك رخصة مجازا. |
﴿ ١٧٣ ﴾