١٧٧ لَيْسَ الْبِرَّ قرا حفص و حمزة بالنصب على انه خبر ليس و اسمها ما بعده و الباقون بالرفع بعكس التركيب- و البر كل فعل مرضى للّه تعالى أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة قال كانت اليهود يصلى قبل المغرب يعنى الى بيت المقدس و النصارى قبل المشرق فانزل اللّه تعالى هذه الاية يعنى ليس البر ما عليه اليهود و النصارى فان قبلتهم منسوخة و دينهم كفر- و كذا اخرج ابن ابى حاتم عن ابى العالية- قال البغوي هذا قول قتادة و مقاتل بن جبان و قيل المراد به المسلمون و ذلك ان الرجل كان في ابتداء الإسلام قبل نزول الفرائض إذا اتى بالشهادتين و صلى الصلاة الى اى جهة كانت ثم مات على ذلك وجبت له الجنة فلما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نزلت الفرائض و حدّت الحدود و صرّفت القبلة الى الكعبة انزل اللّه تعالى هذه الاية يعنى ليس البر كله مقتصرا في ان تصلوا قبل المشرق و المغرب و لا تعملوا غير ذلك و لكن البر ما ذكر في هذه الاية قال البغوي هذا قول ابن عباس و مجاهد و الضحاك- قلت و اخرج ابن جرير و ابن المنذر عن قتادة نحوه- قلت ذكره تعالى بتولية الوجوه و عدم تسميته بالصلوة قرينة على ان المخاطبين «١» بها اليهود و النصارى دون المؤمنين و قد قال اللّه تعالى للمؤمنين انّ اللّه «٢» لا يضيع ايمانكم يعنى صلاتكم (١) فى الأصل ان المخاطبون (٢) و في القران وَ ما كانَ اللّه لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ وَ لكِنَّ الْبِرَّ قرا نافع و ابن عامر لكن مخففة و البر بالرفع في الموضعين و الباقون بالتشديد و النصب فيهما مَنْ آمَنَ لا بد للحمل ان يعتبر المصدر بمعنى الفاعل مبالغة او يقدر المضاف في الاسم او الخبر يعنى لكن البار او ذا البر من أمن او لكن البرّ برّ من أمن و هذا أوفق بالسياق بِاللّه المتوحد بجلال ذاته و كمال صفاته المنزه عن وسمة الحدوث و المناقص بحيث لا يتصور ثناؤه الا بما اثنى به نفسه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يعنى يوم القيامة فانه اخر الأيام و المراد به من وقت النشور الى الابد المشتمل على البعث و الحساب و الميزان و الصراط و الجنة و ما فيها و النار و ما فيها و الشفاعة و المغفرة و خلود الثواب و العذاب و كل ما ثبت بالكتاب و السنة وَ الْمَلائِكَةِ بانهم خلقوا من نور أجسام ذوو أرواح أولوا اجنحة مثنى و ثلث و رباع- و راى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جبرئيل و له ستمائة جناح- لا يأكلون و لا يشربون و لا ينكحون قوتهم التسبيح و التهليل لا يَعْصُونَ اللّه ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ يموتون ثم يبعثون و منهم رسل يأتون بالوحى على الأنبياء عليهم الصلوات و التسليمات و جزاء أعمالهم رضوان اللّه تعالى منهم و مراتب قربهم عند اللّه تعالى حيث قال عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ فهم غير محتاجين في جزاء أعمالهم الى دخول الجنة بل خزنة النار و ملائكة العذاب ايضا يوفون أجورهم و هم لا يظلمون- فلا يذهب عليك ان عوام المؤمنين أفضل من الملائكة أجمعين حيث يدخلون الجنة لاجل الجزاء دون الملائكة نعم خواص البشر يعنى الأنبياء و الرسل منهم أفضل من جميع الملائكة لاجل التجليات الذاتية المختصة بالبشر لاختصاصها بالتراب- و كما ان جزاء اعمال الملائكة غير متوقفة بدخول الجنة كذلك بعض الأصفياء من البشر يحصل لهم في الدنيا بعض ما يحصل لهم في الجنة قال اللّه تعالى فى حق خليله عليه السلام آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ وَ الْكِتابِ و المراد به الجنس او المراد به القران فان الايمان به مستلزم لجميع الكتب المنزلة- و القران و غيره من الكتب و الصحف كلام اللّه غير مخلوق- و الحق انه النظم و المعنى جميعا- و تعاقبه و ترتبه على السنة البشر و أسماعهم المقتضى للحدوث لا يستلزم كونه كذلك قائما به سبحانه و تعالى- وَ للّه الْمَثَلُ الْأَعْلى - وَ النَّبِيِّينَ- أجمعين لا نفرق بين أحد من رسله أولهم آدم عليه السلام و خاتمهم و أفضلهم نبينا محمد صلى اللّه عليه و عليهم أجمعين و لا يجوز تعيين العدد في الايمان بالنبيين لان اللّه سبحانه قال مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ و العدد انما ورد في بعض أحاديث الآحاد و ذا لا يفيد القطع و مبنى الايمان على القواطع- كلهم معصومون من الصغائر و الكبائر يصدق بعضهم بعضا لا خلاف بينهم في الايمانيات انما الخلاف في فروع الأعمال بناء على نسخ الاحكام و من هاهنا يظهر بطلان قول الروافض حيث يجعلون الايمان بالائمة داخلا في الايمان إذ لو كان كذلك لذكر اللّه تعالى ذلك كما ذكر الايمان بالأنبياء و الملائكة و اللّه اعلم وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ الجار و المجرور في موضع الحال و الضمير راجع الى اللّه سبحانه فان كل ما اعطى لوجه اللّه فثوابه على اللّه و ما كان لغير اللّه فاللّه سبحانه منه برى ء عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان أول الناس يقضى عليه يوم القيامة ثلثة نفر ثالثهم رجل وسع اللّه و أعطاه من اصناف المال كله فاتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما علمت فيها قال ما تركت من سبيل تحب ان ينفق فيه في سبيل اللّه الا أنفقت فيها لك قال كذبت و لكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم امر به فسحب على وجهه حتى القى في النار- رواه مسلم- و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه لا ينظر الى صوركم و أموالكم و لكن ينظر الى قلوبكم و أعمالكم- رواه مسلم- و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته و شركه- و في رواية فانا منه برى ء هو الذي عمله- رواه مسلم- او الضمير راجع الى المال اى اعطى المال في حال صحته و محبته المال كذا قال ابن مسعود- و عن ابى هريرة قال جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه اى الصدقة أعظم اجرا قال ان تصدق و أنت صحيح شحيح تخشى الفقر و تأمل الغنى و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا و لفلان كذا و قد كان لفلان- متفق عليه و يؤيد إرجاع الضمير الى المال قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ- و يحتمل ان يكون حينئذ معناه اعطى المال حال كون ذلك المال أحب الأموال اليه فهو نظير قوله تعالى أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ- «١» (١) و في القران ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا إلخ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ الاية- او الضمير راجع الى المصدر يعنى تعطى المال على حب الإعطاء بسخاوة القلب و شرح الصدر ذَوِي الْقُرْبى القربى مصدر بمعنى القرابة قدمهم لان إيتاءهم اولى و أحق و يدخل في ذوى القربى ذوى القربى النسبي و السببى من الزوج و الزوجة و المملوك- و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دينار أنفقته في سبيل اللّه و دينار أنفقته في رقبة و دينار تصدقته على مسكين و دينار أنفقته على أهلك أعظمها اجرا الذي أنفقته على أهلك- رواه مسلم و عن زينب امراة ابن مسعود قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تصدّقن يا معشر النساء و لو من حليكم فقالت هى و امراة اخرى اتجزى الصدقة عنهما على ازواجهما و على أيتام في حجورهما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لهما أجران اجر القرابة و اجر الصدقة متفق عليه و عن سلمان بن عامر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصدقة على المسكين صدقة و هى على ذى الرحم ثنتان صدقة و صلة- رواه احمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و الدارمي وَ الْيَتامى إذا فقد الصبى أباه قبل البلوغ فهو يتيم - قال البيضاوي في ذوى القربى و اليتامى يريد المحاويج منهم و لم يقيد لعدم الالتباس- قلت هذا التقييد غير ظاهر فان الكلام في إيتاء المال تطوعا او ما هو أعم من الفريضة و التطوع و اما الزكوة المفروضة فسيرد ذكره بعد ذلك و الإيتاء تطوعا لا يتقيد بالمحاويج فان صلة الرحم و تفريح اليتيم قد يكون مع كون المعطى له غنيا بل لا يتوقف الصلة على اسلام المعطى له قال اللّه تعالى وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً- عن اسماء بنت ابى بكر قالت قدمت على أمي و هى مشركة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صليها- متفق عليه- و عن عمرو بن العاص قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان ال ابى فلان ليسوا لى باولياء انما وليي اللّه و صالحوا المؤمنين و لكن لهم رحم ابلها ببلالها- متفق عليه و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس الواصل بالمكافئ لكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها- رواه البخاري- و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا و كافل اليتيم في الجنة هكذا- و في رواية- كهاتين و أشار بإصبعيه السبابة و الوسطى- رواه البخاري و احمد و ابو داود و الترمذي وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ قال مجاهد هو المسافر المنقطع عن اهله يمر عليك- و قيل هو الضيف عن ابى شريح قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليكرم ضيفه- متفق عليه وَ السَّائِلِينَ عن أم عبيد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ردوا السائل و لو بظلف محرق- و في رواية ان لم تجدى الّا ظلفا محرقا فادفعيه اليه- رواه احمد و ابو داود و الترمذي و قال حديث حسن صحيح- و عن الحسين بن على قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للسائل حق و ان جاء على فرسه رواه احمد- و اخرج ابو داود من حديث على و اسناده جيد- و ابن راهويه في مسنده من حديث فاطمة الزهراء عليها السلام و الطبراني من حديث الهرماس بن زياد- و اخرج احمد في الزهد عن سالم بن ابى الجعد قال قال عيسى بن مريم عليه السلام ان للسائل حقا و ان أتاك على فرس مطوق بالف ضة- قلت و هذا الحديث يدل على ان إعطاء السائل لا يتوقف على كونه محتاجا فان السؤال و ان كان حراما على غير المحتاج لكن على المسئول منه حق ان يعطيه وَ فِي الرِّقابِ يعنى المكاتبين فهو نظير قوله تعالى وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الَّذِي آتاكُمْ- و قيل عتق النسمة فهو نظير قوله تعالى فَكُّ رَقَبَةٍ- و قيل فداء الأسارى قال اللّه تعالى وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً- وَ أَقامَ الصَّلاةَ المفروضة و النافلة يعنى ادّاها بحقوقها و رعاية سننها و آدابها- وَ آتَى الزَّكاةَ المفروضة و فيما سبق كان ذكر الصدقات النوافل او ما هو أعم من الفريضة و النافلة فذكر الفريضة بعدها لمزيد الاهتمام- و قيل المقصود منه و مما سبق واحد و هى الزكوة المفروضة لكن الغرض مما سبق بيان مصارفها و بالثاني أداؤها و الحث عليها- قلت و الاول اولى لان الكلام في بيان البر و هو من الافعال ما هو مرضى للّه تعالى فريضة كانت او نافلة و يؤيده حديث فاطمة بنت قيس قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان في المال لحقا سوى الزكوة ثم تلا لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ الاية- رواه الترمذي و ابن ماجة و الدارمي و المراد بالحق أعم من ان يكون واجبا او منه و با بالإجماع «١» لحديث طلحة بن عبيد اللّه قال جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يسئل عن الإسلام فذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خمس صلوات و صيام شهر رمضان و الزكوة- فقال هل عليّ غيرها قال لا الا ان تطوع- متفق عليه- (١) فى الأصل اجماع- وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا فيما بينهم و بين اللّه تعالى يوم الميثاق و في الحيوة الدنيا إذا حلفوا او نذروا أوفوا- و فيما بينهم و بين الناس إذا وعدوا انجزوا و إذا قالوا صدقوا و إذا اؤتمنوا أدوا و إذا استشهدوا على الحق شهدوا عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اية المنافق ثلث إذا حدث كذب و إذا وعد خلف و إذا اؤتمن خان- متفق عليه- زاد مسلم و ان صام و صلى و زعم انه مسلم- و عن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اربع من كن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه خصلة منهن كانت خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان و إذا حدث كذب و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجر- متفق عليه معطوف على من أمن وَ الصَّابِرِينَ ايضا معطوف على من أمن و نصبها على تطاول الكلام و من شأن العرب تغيير الاعراب إذا طال الكلام كذا قال ابو عبيدة- و مثله في المائدة و الصّابئون و في سورة النساء و المقيمين الصّلوة- و قال الخليل منصوب على المدح و لم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال لان أفضل الأعمال أدوم و ذلك بالصبر و تقديره اخصّ الصابرين بمزيد البرا و امدح الصابرين بمزيد البر- فحينئذ من عطف الجملة على الجملة- و قيل منصوب عطفا على ذوى القربى يعنى و اتى الصابرين- نظيره قوله تعالى لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ فِي الْبَأْساءِ اى الشدة و الفقر وَ الضَّرَّاءِ المرض و الزمانة وَ حِينَ الْبَأْسِ اى القتال و الحرب أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا فى الايمان و البر وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧) عن الكفر و سائر الرذائل و الاية جامعة للكمالات الانسانية صريحا او ضمنا دالة على صحة الاعتقاد و حسن المعاشرة و تهذيب النفس و هذا منصب الأبرار و اما الصديقون المقربون فمزيد فضلهم مبنى على الفضل و الاجتباء ذلِكَ فَضْلُ اللّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ-. |
﴿ ١٧٧ ﴾