١٧٨ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى القصاص المساوات و المماثلة- قال البغوي قال الشعبي و الكلبي و قتادة نزلت هذه الاية في حيين من احياء العرب اقتتلوا فى الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكانت بينهما قتلى و جراحات لم يأخذها بعضهم من بعض حتى جاء الإسلام قال مقاتل بن حبان كانت بين القريظة و النضير- و قال سعيد بن جبير كانت بين الأوس و الخزرج- قالوا جميعا- و كان لاحد الحيين على الاخر طول في الكثرة و الشرف و كانوا ينكحون نساءهم بغير مهود فاقسموا لنقتلن بالعبد «١» منا الحرّ و بالمرأة منا الرجل منهم و بالرجل منا الرجلين منهم و جعلوا جراحاتهم ضعفى جراحات أولئك فرفعوا أمرهم الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه تعالى هذه الاية و امر بالمساوات فرضوا و سلموا- كذا اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير- (١) فى الأصل العبد منا الحر و المرأة- قلت و رضاؤهم و تسليمهم و خطاب اللّه تعالى إياهم بقوله يا ايها الذين أمنوا دليل على ان المخاطبين به هم الأوس و الخزرج الذين صاروا أنصار اللّه دون قريظة و النضير فانهم كانوا اعداء اللّه كفارا- و في قوله تعالى كتب عليكم القصاص حجة لابى حنيفة رحمه اللّه على قوله ان الواجب في القتل العمد القصاص فقط دون الدية و انه لا يجوز أخذ المال الا برضاء القاتل- و يؤيده قوله عليه السلام في العمد القود- رواه الشافعي و ابو داود و النسائي و ابن ماجة من حديث ابن عباس في حديث طويل و اختلف في وصله و إرساله و صحح الدارقطني الإرسال و المرسل عندنا حجة و رواه الدارقطني من طريق عبد اللّه بن ابى بكر بن محمد بن حزم عن أبيه عن جده مرفوعا العمد قود و الخطاء دية- و في اسناده ضعف و لكل واحد من مالك و الشافعي و احمد في المسألة قولان أحدهما ان الواجب هو القود لكن يجوز لورثة المقتول ان يعفو عن القود الى الدية من غير رضاء الجاني- و ثانيهما ان الواجب أحدهما لا بعينه اما القصاص و اما الدية- و الفرق بين القولين يظهر إذا عفى مطلقا من غير ذكر الدية فعلى القول الاول يسقط القصاص بلادية و على القول الثاني يثبت الدية- و احتجوا على جواز أخذ المال من غير رضاء الجاني بأحاديث- منها حديث ابى شريح الكعبي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يوم فتح مكة بعد مقامى هذا فاهله بين خيرتين ان أحبوا قتلوا و ان أحبوا أخذوا العقل- رواه الترمذي و الشافعي و روى ابن الجوزي و الدارمي عن ابى شريح الخزاعي قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول من أصيب بدم او خبل و الخبل الجرح فهو بالخيار بين احدى ثلاث فان أراد الرابعة فخذوا على يديه بين ان يقتص او يعفوا و يأخذ العقل فان أخذ من ذلك شيئا ثم عدا بعد ذلك فله النار خالدا فيها مخلدا ابدا- و منها حديث ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما ان يفدى و اما ان يقتل- متفق عليه- و منها حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من قتل متعمدا دفع الى اولياء المقتول فان شاء و اقتلوه و ان شاءوا أخذوا العقل ثلاثين حقة و ثلاثين جذعة و أربعين خلفة في بطونها أولادها- رواه احمد و الترمذي و ابن ماجة- قال اصحاب ابى «٢» حنيفة رحمه اللّه في الجواب عن هذه الأحاديث ان المراد ان اولياء المقتول بالخيار في القود و الصلح و الصلح لا يكون الا برضاء القاتل و الظاهر ان القاتل يرضاه لحقن دمه فترك النبي صلى اللّه عليه و سلم ذكر رضاء القاتل بناء على الظاهر و اللّه اعلم (٢) فى الأصل ابو حنيفة الْحُرُّ يقتل بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى و هذا لا يدل على ان الحر لا يقتل بالعبد- و العبد لا يقتل بالحر- و الأنثى لا يقتل بالذكر- او الذكر لا يقتل بالأنثى- فان ذلك الاحكام مسكوت عنها في هذه الاية و لا عبرة بالمفهوم عند ابى حنيفة رحمه اللّه مطلقا- و كذا فى هذه الاية عند القائلين بالمفهوم إذا المفهوم عندهم انما يعتبر حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم- و كان الغرض هاهنا دفع استطالة أحد الحيين على الاخر فالمفهوم المعتبر من هذه الاية على ما يقتضيه القصة ان الحر إذا تفرد بقتل الحر يقتل القاتل وحده و لا يقتل معه غيره لاجل شرف المقتول و كذا العبد إذا قتل العبد يقتل ذلك العبد القاتل بالعبد المقتول و لا يقتل حر مكان ذلك لاجل شرف المقتول و كذا الأنثى إذا قتل الأنثى قتلت القاتلة لا رجل مكان امراة و اللّه اعلم- بقي المبحث عن الاحكام المسكوت عنها في تلك الاية- فقال ابو حنيفة رحمه اللّه يقتل النفس حرا كانت او رقيقا- ذكرا كانت او أنثى- مسلما كان او ذميّا بالنفس كيف ما كانت لعموم قوله تعالى وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ- و الاحكام الالهية في الكتب المنزلة السّابقة إذا ثبتت عندنا حكايتها بالقران او السنة و لا عبرة بقول الكفار من اليهود و النصارى فهى باقية واجبة اتباعها إذ الحاكم واحد و الشرع واحد قال اللّه تعالى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ و قال اللّه تعالى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى - و لا يختلف الاحكام الا لاجل النسخ سواء كان في كتاب واحد او كتب و ما لم يظهر النسخ يبقى الحكم- و يدل ايضا على بقاء هذا الحكم حديث ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا اللّه و انى رسول اللّه الا بإحدى ثلاث النفس بالنفس- و الثيب الزاني- و المارق لدينه التارك للجماعة- متفق عليه- و حديث ابى امامة ان عثمان اشرف يوم الدار فقال أنشدكم باللّه أ تعلمون ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث زنى بعد إحصان او كفر بعد اسلام او قتل نفسا «١» بغير حق- (١) فى الأصل نفس- الحديث رواه الشافعي و احمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و الدارمي و في الباب عن عائشة رواه مسلم و ابو داود و غيرهما- لكن قال ابو حنيفة لا يقتل رجل يقتل عبده و لا مدبره و لا مكاتبه و بعبد ملك بعضه و لا بعبد ولده لانه لا يستوجب لنفسه على نفسه القصاص و لا ولده عليه- و به قال الجمهور خلافا لداود محتجا بما روى الترمذي و ابو داود و ابن ماجة و الدارمي عن الحسن عن سمرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قتل عبده قتلناه و من جدع عبده جدعناه- قال الجمهور هذا الحديث محمول على السياسة و الحديث مرسل لم يسمع الحسن عن سمرة و قد روى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي صلى اللّه عليه و سلم مائة جلدة و نفاه سنة و محا سهمه من المسلمين و لم يقد به و امره ان يعتق رقبة- لكن فيه اسمعيل بن عياش ضعيف و اللّه اعلم- و اما غير ابى حنيفة رحمه اللّه فاتفقوا على ان العبد يقتل بالحر و الأنثى بالذكر و الكافر بالمسلم لان في كل ذلك تفاوت الى نقصان و الناقص يجوز ان يستوفى بالكامل دون عكسه- و اتفقوا ايضا على ان الذكر يقتل بالأنثى لما روى عن عمرو بن حزم ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كتب في كتابه الى اهل اليمن ان الذكر يقتل بالأنثى هذا طرف من كتاب النبي صلى اللّه عليه و سلم- و هو مشهور رواه مالك و الشافعي- و اختلف اهل الحديث فى صحة هذا الحديث- قال ابن حزم- صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا يقوم بها حجة و سليمان بن داود «١» راويه متفق على تركه- (١) فى الأصل هاهنا سليمان بن ابى داود و قال ابو داود سليمان بن داود و هم انما هو سليمان بن أرقم- و صححه الحاكم و ابن حبان و البيهقي- و نقل عن احمد انه قال ارجوا ان يكون صحيحا- و قد اثنى على سليمان بن داود ابو زرعة و ابو حاتم و جماعة من الحفاظ- و صحح الحديث جماعة من الائمة لا من حيث الاسناد بل من حيث الشهرة فقال الشافعي في رسالته- لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم انه كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- قال ابن عبد البر هذا كتاب مشهور عند اهل السير معروف ما فيه عند اهل العلم- بقي الاختلاف في انه هل يقتل الحر بالعبد عبد غيره فقال مالك و الشافعي و احمد لا يقتل و قال ابو حنيفة يقتل- احتجوا بحديث ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لا يقتل حر بعبد رواه الدارقطني و البيهقي- و حديث على قال من السنة ان لا يقتل حر بعبد- رواه ايضا الدارقطني و البيهقي- و الجواب ان حديث ابن عباس فيه جويبر و عثمان البزي ضعيفان متروكان كذا قال ابن الجوزي و الحافظ ابن حجر و حديث على فيه جابر الجعفي كذاب- و في انه هل يقتل المسلم بالكافر الذمي- فقال الشافعي و احمد لا يقتل احتجا بحديث ابى جحيفة عن على قال سالت عليا هل عندكم شى ء ليس في القران قال و الذي فلق الحبة و برى ء النسمة ما عندنا الا ما في القران الا فهما يعطى الرجل في كتابه و ما في هذه الصحيفة قلت و ما في الصحيفة- قال العقل و فكاك الأسير و ان لا يقتل مسلم بكافر- رواه البخاري و رواه احمد بلفظ لا يقتل مؤمن بكافر و لا ذو عهد في عهده- و حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قضى- لا يقتل مسلم بكافر رواه احمد و اصحاب السنن الا النسائي و رواه ابن ماجة من حديث ابن عباس و رواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر- و روى الشافعي عن عطاء و طاءوس و الحسن و مجاهد مرسلا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يوم الفتح لا يقتل مؤمن بكافر و رواه البيهقي من حديث عمران بن حصين- و حديث عائشة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل قتل مسلم الا في احدى ثلاث خصال زان محصن فيرجم و رجل يقتل مسلما متعمدا و رجل يخرج من الإسلام فيحارب اللّه و رسوله فيقتل او يصلب او ينفى من الأرض- رواه ابو داود و النسائي و روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ان مسلما قتل رجلا من اهل الذمة فرفع الى عثمان فلم يقتله به و غلظ عليه الدية- قال الحافظ قال ابن حزم هذا في غاية الصحة و لا يصح عن أحد من الصحابة فيه بشى ء غير هذا الا ما رويناه عن عمر انه كتب في مثل ذلك ان يقاد به ثم الحقه كتابا فقال لا تقتلوه و لكن اعتقلوه- و الجواب ان المراد بالكافر في قوله صلى اللّه عليه و سلم لا يقتل مسلم بكافر الحربي دون الذمي و يدل عليه قوله صلى اللّه عليه و سلم و لا ذو عهد في عهده- يعنى لا يقتل الذمي في عهده بكافر و لا شك ان الذمي يقتل بالذمي اجماعا فالمراد بالكافر هو الحربي لا غير و فتوى عثمان و عمر رضى اللّه عنهما كان بالرأى و لذا اختلف الجواب عن عمر رضى اللّه عنه- و اما قيد الإسلام في حديث عائشة فقد وقع اتفاقا- و احتج صاحب الهداية على وجوب قتل المسلم بالذمي بما روى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قتل مسلما بذمي- قلت و هذا الحديث رواه الدارقطني عن ابن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قتل مسلما بمعاهد و قال انا أكرم من اوفى بذمته- قال الدارقطني لم يسنده غير ابراهيم بن يحيى و هو متروك الحديث- قال ابن الجوزي ابراهيم بن يحيى كذاب و الصواب عن ابن سليمان عن النبي صلى اللّه عليه و سلم مرسلا و ابن سليمان ضعيف لا يقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف بما يرسله- قلت و الاولى بالاحتجاج ما ذكرنا سابقا النفس بالنفس- و حديث ابن مسعود و عثمان و عائشة و اختلفوا في انه هل يقتل الوالد بولده قال مالك إذا اضتجعه فذبحه قتل به و قال داود لا يقتل به «١» (١) فى الأصل و النقول و لا يظهر منه الفرق بين مذهب داود و مذهب ابى حنيفة و من معه فعل مذهب داود يقتل بكل حال بكل حال- و قال ابو حنيفة و الشافعي و احمد لا يقتل- لنا حديث عمر بن الخطاب قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لا يقاد الوالد بالولد رواه الترمذي و في اسناده الحجاج بن ارطاة- و له طريق اخر عنه احمد و اخر عند الدارقطني و البيهقي أصح منهما و صحح البيهقي سنده- و رواه الترمذي ايضا من حديث سراقة و اسناده ضعيف و فيه اضطراب و اختلاف على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقيل عن عمرو قيل عن سراقة و عند احمد عن عمرو بن شعيب بلا واسطة و فيه ابن لهيعة ضعيف- و رواه الترمذي و ابن ماجة من حديث ابن عباس و فيه إسماعيل بن مسلم المكي ضعيف لكن تابعه الحسن بن عبد اللّه العنبري عن عمرو بن دينار قاله البيهقي و قال عبد الحق هذه الأحاديث كلها معلولة لا يصح منها شى ء و قال الشافعي- حفظت عن عدد من اهل العلم ان لا يقتل الوالد بالولد و بذلك أقول و اللّه اعلم- و اتفق أكثرهم على انه إذا قتل الجماعة واحدا قتلوا- و قال داود و هو رواية عن احمد لا يقتلون و يجب الدية- روى عن سعيد بن المسيب ان إنسانا قتل بصنعاء و ان عمر قتل به سبعة نفر و قال لو قالا عليه اهل صنعاء لقتلتهم به- رواه مالك في المؤطا و الشافعي عنه و رواه البخاري من وجه اخر نحوه ... و اختلفوا في واحد قتل جماعة فقال ابو حنيفة و مالك- ليس عليه الا القود لجماعتهم و لا يجب عليه شى ء اخر- و قال الشافعي ان قتل واحدا بعد واحد قتل بالأول و للباقين الديات و ان قتلهم في حالة واحدة اقرع بين اولياء المقتولين فمن خرجت قرعته قتل له و للباقين الديات- و قال احمد ان حضر الأولياء و طلبوا القصاص قتل بجماعتهم و لا دية عليه و ان طلب بعضهم القصاص و بعضهم الدية قتل لمن طلب القصاص و وجب الدية لمن طلبها و ان طلبوا كلهم الدية كان لكل واحد منهم دية كاملة- و اتفقوا على انه لا قصاص في الخطاء انما القصاص في العمد- و اختلفوا في تفسير العمد فقال ابو حنيفة رحمه اللّه- هو ما تعمد ضربه بسلاح او ما جرى مجرى السلاح كالمحدد من الخشب و المروة و نحو ذلك و النار- و قال الشعبي و النخعي و الحسن البصري- لا عمد الا بحديد فحسب و لا قود في غيره و اما ما تعمد ضربه بما ليس بسلاح و لا ما اجرى مجرى السلاح فهو شبه العمد لا قود فيه و فيه الدية- و قال ابو يوسف و محمد و الشافعي و احمد إذا ضربه بحجر عظيم او بخشبة عظيمة يقتل به غالبا فهو عمد و فيه القود و كذا ان أغرقه في الماء او خنقه او منعه من الطعام و الشراب أياما يموت فيه غالبا فمات- و قال مالك ان تعمد ضربه بعصا او سوط او حجر صغير لا يقتل به غالبا فمات به فهو ايضا عمد و فيه القود و قال الجمهور هو خطاء العمد لا قود فيه و فيه الدية- غير ان الشافعي قال ان تكرر الضرب حتى مات فعليه القود- و الحجة للجمهور في وجوب القصاص بالقتل بالمثقل ما في الصحيحين عن انس بن مالك ان يهوديا رضخ رأس امراة بين حجرين فقتلها فرضخ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رأسه بين حجرين- و ما روى احمد عن ابن عباس عن عمر انه نشد قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الجنين فجاء ابن مالك فقال كنت بين امرأتين فضربت أحدهما الاخرى بمسطح فقتلتها و جنينها فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في جنينها بغرة و ان تقتل بها- و الحجة لهم في عدم القود في قتيل السوط و العصا حديث عبد اللّه بن عمرو عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان قتيل الخطا شبه العمد قتيل السوط و العصا فيه مائة ابل منها أربعون فى بطونها أولادها- رواه ابو داود و النسائي و ابن ماجة و صححه ابن حبان و عن ابى هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الاخرى بحجر فقتلتها و ما في بطنها فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان دية جنينها غرة عبدا و وليدة و قضى بدية المرأة على عاقلتها- متفق عليه- و عن المغيرة بن شعبة نحوه رواه مسلم- و عن ابن عباس من قتل في عميا في رمى يكون بينهم بالحجارة او جلد بالسياط او ضرب بعصا فهو خطا و عقله عقل الخطأ و من قتل عمدا فهو قود- رواه ابو داود و النسائي- و اما حجة ابى حنيفة على عدم القود بالمثقل فحديث على مرفوعا لا قود في النفس و غيرها الا بحديدة- رواه الدارقطني و في سنده معلى بن هلال قال يحيى ابن معين كان يضع الحديث- و قال الجمهور ان صح فهو محمول على انه لا قود الّا بالسيف و قد ورد حديث لا قود الا بالسيف- و في رواية الا بالسلاح من حديث ابى هريرة و ابن مسعود و راويهما ابو معاذ سليمان بن أرقم متروك- و روى مثله من حديث ابى بكرة و النعمان بن بشير و راويهما مبارك ابن فضالة كان احمد لا يعبأ به و في الباب حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى اللّه عليه و سلم كل شى ء خطأ الا السيف و في كل خطأ أرش- و في رواية كل شى ء خطأ إلا بحديدة و في رواتهما جابر الجعفي كذاب- و اختلفوا في انه هل يجوز القصاص بمثل ما قتله القاتل فقال ابو حنيفة و احمد لا قود الا بالسيف و قد مر سنده و ما فيه من البحث- و قال الشافعي و مالك و احمد في قوله الثاني يقتل بمثل ما قتله- لقوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ- و القصاص هو المساوات و لما مر من حديث انس في الصحيحين ان يهوديا رضخ رأس امراة بين حجرين فقتلها فرضخ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رأسه بين حجرين- و لما روى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من غرق غرقناه و من حرق حرقناه رواه البيهقي في المعرفة من حديث عمرو بن نوفل بن يزيد بن البراء عن أبيه عن جده و في اسناده بعض من يجهل- فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ قال صاحب القاموس العفو الصفح و ترك عقوبة المستحق عفى عنه ذنبه و عفى له ذنبه و من هذه العبارة يستفادان العفو يتعدى الى الذنب بنفسه و الى الجاني بعن و اللام و على هذا من مبتدأ اما شرطية او موصولة و المراد به القاتل- و من في مِنْ أَخِيهِ اما للابتداء و الظرف لغو و المراد بالأخ ولى المقتول- و اما للتبعيض يعنى من دم أخيه بحذف المضاف و المراد بالأخ المقتول و الظرف مستقر وقع حالا مقدما- و شى ء مفعول به للعفو أسند اليه الفعل و المراد به الجناية- و المعنى من عفى له من القاتلين شى ء من الجناية كائنة من دم أخيه- او عفى له من ولى المقتول شى ء من الجناية فاتباع بالمعروف- و قال البيضاوي عفا لازم و ما قيل انه بمعنى ترك و شى ء مفعول به ضعيف إذ لم يثبت عفا الشي ء بمعنى تركه بل اعفى عنه و يتعدى بعن الى الجاني و الى الذنب قال اللّه تعالى عَفَا اللّه عَنْكَ- و عفا عنها فاذا عدى به الى الذنب عدى الى الجاني باللام و عليه ما في الاية كانه قيل من عفى له عن جنايته من جهة أخيه يعنى ولى الدم شى ء من العفو فهو مسند الى المصدر و حينئذ من في من أخيه للابتداء- و على هذين التركيبين تنكير شى ء ليدل على ان المتروك بعض الجناية- او الموجود بعض العفو لا كله و لذا صح اسناد الفعل الى المصدر لانه مفعول مطلق للنوع و المراد عفو قليل نحو إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا- فلا يدل الاية على ان بعد عفو كل الجناية من جميع الأولياء يجب الدية- فليس فيه حجة الشافعي رحمة اللّه و من معه- و قال الأزهري العفو في الأصل الفضل و منه يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ- يقال عفوت لفلان بمالى إذا أفضلت له و أعطيت و عفوت له عن مالى عليه- و حينئذ المراد بالأخ ولى المقتول و المعنى من عفى له يعنى من اعطى له من اولياء المقتول من أخيه يعنى من مال أخيه يعني القاتل شى ء صلحا- و انما ذكر القاتل او المقتول او ولى المقتول بلفظ الاخوة الثابتة بالجنسية او الإسلام ليرق له و يعطف عليه- و فيه دليل على ان القاتل لا يصير كافرا بالقتل حيث ذكر الاخوة الاسلامية بين القاتل و المقتول و ايضا خاطب بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَاتِّباعٌ اى فليكن من ولى المقتول- او فالامر لولى المقتول اتباع بِالْمَعْرُوفِ فلا يعنف وَ على القاتل أَداءٌ إِلَيْهِ يعنى الى ولى المقتول بِإِحْسانٍ بلا مطل و بخس ذلِكَ اى الحكم المذكور من جواز الصلح او وجوب الدية لبعض الورثة بعد عفو البعض تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ اخرج ابن جرير عن قتادة ان رحم اللّه هذه الامة و أطعمهم الدية و أحل لهم و لم يحل لاحد قبلهم- و كان على اهل التورية انما هو القصاص او العفو ليس بينهم أرش- و كان على اهل الإنجيل انما هو العفو أمروا به و جعل اللّه لهذه الامة القتل و العفو و الدية فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ يعنى قتل بعد العفو او بعد أخذ الدية فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٠) فى الاخرة لما مر من حديث ابى شريح الخزاعي فان أخذ من ذلك شيئا ثم عدا بعد ذلك فله النار خالدا فيها مخلدا ابدا- و قال ابن جريح يتحتم قتله في الدنيا حتى لا يقبل العفو لما روى سمرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا أعافي أحدا قتل بعد اخذه الدية- رواه ابو داود. |
﴿ ١٧٨ ﴾