١٨٧ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ الرفث كناية عن الجماع- قال الزجاج الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجال من النساء- و عدى بالى لتضمنه معنى الإفضاء روى احمد- و ابو داود- و الحاكم من طريق عبد الرحمن بن ابى ليلى عن معاذ بن جبل قال كانوا يأكلون و يشربون و يأتون النساء ما لم يناموا فاذا ناموا امتنعوا ثم ان رجلا من الأنصار يقال له صرمة صلى العشاء ثم نام فلم يأكل و لم يشرب حتى أصبح فاصبح مجهودا و كان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام فاتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فذكر ذلك فانزل اللّه تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الى قوله ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ- الحديث مشهور عن ابن ابى ليلى و هو لم يسمع من معاذ و له شواهد- اخرج البخاري عن البراء قال كان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل ان يفطر لم يأكل ليلته و لا يومه حتى يمسى و ان قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار اتى امرأته فقال عندك طعام فقالت لا و لكن انطلق فاطلب لك و كان يومه يعمل فغلبته عينه و جاءت امرأته فلما رات قالت خيبة- فلما انتصف النهار غشى عليه فذكر ذلك للنبى صلى اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الاية- و اخرج البخاري عن البراء قال لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله فكان رجال يخونون أنفسهم فانزل اللّه «١» عَلِمَ اللّه أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ- (١) فى الأصل علم انكم و اخرج احمد و ابن جرير و ابن ابى حاتم من طريق عبد اللّه بن كعب عن أبيه قال كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فامسى فنام حرم عليه الطعام و الشراب و النساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر من عند النبي صلى اللّه عليه و سلم و قد سمر عنده و أراد من امرأته فقالت انى قد نمت قال ما نمت و وقع عليها- و صنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فاخبره فنزلت و قال البغوي كان في ابتداء الأمر إذا صلى العشاء او رقد قبلها حرم عليها الطعام و الشراب و الجماع الى القابلة و ان عمر بن الخطاب واقع اهله بعد العشاء فاعتذر الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ما كنت جديرا بذلك يا عمر فقام رجال فاعترفوا بمثله فنزل هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ استيناف بيان لسبب التحليل و هو قلة الصبر عنهن و صعوبة اجتنابهن لكثرة المخالطة و شدة الملابسة- و لما كان الرجل و المرأة يعتنقان و يشتمل كل منهما على صاحبه شبه باللباس- او لان اللباس كما يستر صاحبه كذلك يكون كل واحد منهما لصاحبه ستراعما لا يحل- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من تزوج فقد احرز ثلثى دينه عَلِمَ اللّه أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ اى تخونونها و تظلمونها بالمجامعة بعد العشاء او بعد النوم بتعريضها للعقاب و تنقيص حظها من الثواب- و الاختيان ابلغ من الخيانة فَتابَ عَلَيْكُمْ لما تبتم وَ عَفا عَنْكُمْ محا ذنوبكم فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ جامعوهن حلالا كنى بالمباشرة عن الجماع وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّه لَكُمْ من الولد تدل الاية على انه ان جامع رجل امرأته ينبغى ان يريد به الولد دون قضاء الشهوة فحسب حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تزوجوا الودود الولود فانى مكاثر بكم الأمم رواه ابو داود و النسائي عن معقل بن يسار- و على ان العزل مكروه و على ان اباحة الجماع مقتصر على محل الولد- قال البغوي قال معاذ بن جبل ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّه لَكُمْ يعنى ليلة القدر قلت و هذا بعيد من السياق وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ يعنى بياض النهار من سواد الليل- سميا خيطين لان كل واحد منهما إذا بدا في الابتداء امتد جنوبا و شمالا كالخيط- و قوله من الفجر حال من الخيط الأبيض بيان له- و لم يبين الخيط الأسود لظهوره بظهور الخيط الأبيض- و من للبيان او للتبعيض اى كائنا الفجر او كائنا بعض الفجر- و لم يقل حتى يتبين لكم الفجر دلالة على حرمة الاكل عند ظهور خيطه يعنى أول جزء منه- و لم يقل حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الفجر بلا ذكر الخيط الأسود ليدل على ان المراد بالفجر هو الفجر الصادق لانه خيط ابيض معترض جنوبا و شمالا يلاصقه خيط اسود معترض في الجانب الغربي هو طرف لسواد الليل بخلاف الفجر الكاذب فانه خيط ابيض مستطيل شرقا و غربا يحيط به السواد من الجوانب كلها و يحتمل ان يكون قوله من الفجر بيانا لمجموع الخيطين فان في الفجر سوادا و بياضا و هذا اولى حيث لا يلزم حينئذ الفصل بين الحال و صاحبه بالاجنبى و اللّه اعلم- عن سمرة بن جندب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال و لا الفجر المستطيل و لكن الفجر المستطير في الأفق- رواه الترمذي و عن ابن عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان بلالا ينادى بليل فكلوا و اشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم و كان ابن أم مكتوم «١» رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له أصبحت أصبحت- فان قيل قد صح عن على رضى اللّه عنه انه صلى الصبح ثم قال الان يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود- رواه ابن المنذر بإسناد صحيح و كذا روى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابى بكر الصديق انه قال لو لا الشهوة لصليت الغداة ثم لتسحرت- و روى ابن المنذر و ابن ابى شيبة من طريق عن ابى بكر انه امر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر- فهذه الآثار تدل على جواز الاكل بعد انتشار الصبح فما وجه هذه الأقوال- قلت و اللّه اعلم لعل وجه هذه الأقوال ان أبا بكر و «٢» عليّا رضى اللّه عنهما زعما ان من للسببية و الخيط في معناه الحقيقي- (١) فى اصل حتى ينادى ابن أم مكتوم رجلا أعمى (٢) فى الأصل و علىّ- [.....] لكن ثبت بالسنة ان من للبيان و المراد بالخيط الأبيض هو الصبح و على ذلك انعقد الإجماع عن عدى بن حاتم قال لما نزلت حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عمدت الى عقال اسود و الى عقال ابيض فجعلتهما تحت و سادتى فجعلت انظر في الليل فلا يستبين لى فغدوت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال انما ذلك سواد الليل و بياض النهار- متفق عليه و في رواية- انك لعريض القفا انما ذلك بياض النهار و سواد الليل- و عن سهل بن سعد قال أنزلت كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ و لم ينزل قوله من الفجر و كان الرجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض و الخيط الأسود و لا يزال يأكل حتى يتبين له رويتهما فانزل اللّه تعالى بعد قوله من الفجر فعلموا انه يعنى بهما الليل و النهار متفق عليه- فان قيل حديث سهل بن سعد يدل على ان نزول قوله تعالى من الفجر كان متاخر او متراخيا عما سبق و يلزم منه تأخير البيان عن وقت الحاجة و ذلك غير جائز قلت استعمال الخيط الأبيض و الأسود في سواد الليل و بياض النهار كان مشتهرا ظاهر الدلالة غير واجب البيان و ان خفى على البعض لقلة تدبرهم فهو من باب المشكل الذي خفى مراده من جهة الصيغة باستعمال تجوز او غير ذلك بحيث يدرك المراد بالتأمل و الطلب و نزول قوله تعالى من الفجر انما هو للاحتياط و حفظ القاصرين و إغناء السامعين عن الطلب و التأمل و لم يكن من باب المجمل الذي لا يتصور درك مرامه الا من جهة الشارع فلا محذور فى تراخى نزوله- و لو سلمنا انه من باب المجمل فلعل بيانه صدر من الشارع في الوحى الغير المتلو و ثبت بالسنة كما يدل عليه حديث عدى بن حاتم ثم نزل قوله من الفجر لتأئيد ما ثبت بالسنة و تأكيده- و قال الطحاوي انه من باب النسخ و ان الحكم كان على ظاهر المفهوم من الخيطين و يؤيد قول الطحاوي حديث حذيفة تسحرنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هو و اللّه النهار غير ان الشمس لم تطلع رواه سعيد بن منصور و كذا عند الطحاوي- فلعل تسحر حذيفة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان قبل نزول قوله تعالى- من الفجر- فان قيل قوله من الفجر غير مستقل و الناسخ انما يكون كلاما مستقلا فكيف يتصور كونه ناسخا- و على تقدير كونه متراخيا لا يتصور كونه من باب القصر لغير المستقل لان من ضروراته الاتصال فكيف التوجيه- قلت التوجيه عندى انه نزل اولا تمام الاية من غير تقييد بقوله من الفجر ثم بعد مدة نزل الاية مرة ثانية مع قوله تعالى من الفجر فنسخت الاية الاولى حكما و تلاوة و اللّه اعلم (فائدة) حديث عدى بن حاتم انما كان بعد نزول قوله تعالى من الفجر- البتة لان إسلامه في السنة التاسع و كان نزول اية الصيام في السنة الثانية و نزول قوله تعالى من الفجر بعد ذلك بيسير بسنة او نحوه فما كان من عدى بن حاتم جعل الخيطين تحت و سادثه لم يكن الا زعما منه ان من للسببية و اللّه اعلم (فائدة) و في تجويز المباشرة الى الفجر دليل على جواز تأخير الغسل للمجنّب الى ما بعد الصبح و صح صوم من أصبح جنبا بالإجماع ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ بيان لاخر وقته عن عمر بن الخطاب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا اقبل الليل من هاهنا و أدبر النهار من هاهنا و غربت الشمس فقد أفطر الصائم- رواه البخاري فبهذه الاية ظهر حقيقة الصوم انه الإمساك من المفطرات الثلث من الصبح المعترض الى غروب الشمس مع النية- و وجوب النية مستفاد من قوله تعالى ثم أتموا فان الإتمام فعل اختياري او لانه عبادة فلا بد له من النية لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ- و قوله صلى اللّه عليه و سلم انما الأعمال بالنيات و انما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى اللّه و رسوله فهجرته الى اللّه و رسوله و من كانت هجرته الى الدنيا نصيبها او امراة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه- أخرجه الجماعة كلهم غير مالك في المؤطا الا ان مالكا روى عنه البخاري و الحديث متواتر بالمعنى و لفظه تواتر عن يحيى بن سعيد انفرد هو عن محمد بن ابراهيم و هو عن علقمة ابن وقاص و هو عن عمرو قد تلقته «١» الامة بالقبول و اجمعوا على ان كل عبادة مقصودة لا يصح الا بالنية و كان القياس ان يشترط اقتران النية بتمام العبادة لكن سقط ذلك للزوم الحرج فاشترط في الصلاة اقترانها بجزئها الاول اعنى التحريمة حتى تعتبر باقيه حكما مع جميع اجزائها- (١) فى الأصل تلقت و لم يشترط ذلك في الصوم اجماعا لان الجزء الاول من الصوم حين طلوع الفجر او ان غفلة غالبا فجوزوا الصوم بنية سبقت من شروعه و تعتبر باقية اجماعا ما لم يرفض- و اختلفوا في انه هل يجوز الصوم بنية بعد طلوع الفجر أم لا- فقال ابو حنيفة يصح أداء صوم رمضان و النذر المعين و النفل بنية قبل نصف النهار الشرعي و قال الشافعي و احمد يصح النفل بنية قبل الزوال لا غير و قال مالك لا يصح شى ء من الصيام بنية من النهار و هو القياس- و يؤيده حديث حفصة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له- رواه احمد و ابو داود و الترمذي و النسائي و ابن خزيمة في صحيحه و ابن ماجة و الدارقطني و الدارمي- و في رواية فلا يصوم و في رواية لا صيام لمن لم يفرضه من الليل و في رواية من لم يثبت الصيام قبل الفجر فلا صيام له- فان قيل قال ابو داود لا يصح رفعه- و قال الترمذي الموقوف أصح- قلنا رفعه ابن جريح و عبد اللّه بن ابى بكر كلاهما عن الزهري عن سالم عن أبيه عنها- و ابن جريح و عبد اللّه بن ابى بكر من الثقات و الرفع زيادة و الزيادة من الثقة مقبولة و من عادة المحدثين الوقوف عند الموقوف و المرسل- و كون الموقوف أصح لا ينافي صحة المرفوع- و قال الحاكم في المرفوع انه صحيح على شرط الشيخين- و قال في المستدرك صحيح على شرط البخاري- و قال البيهقي و الدارقطني رواته كلهم ثقات- و في الباب حديث عائشة من لم يثبت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له- رواه الدارقطني و قال رجاله ثقات- لكن فيه عبد اللّه بن عباد ذكره ابن حبان في الضعفاء و فيه يحيى بن أيوب ليس بالقوى- و حديث ميمونة بنت سعد مرفوعا من اجمع الصوم من الليل فليصم و من أصبح فلم يجمعه فلا يصم- رواه الدارقطني و فيه الواقدي ليس بشى ء- و احتجوا على جواز النقل بنية من النهار بحديث عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا دخل علىّ قال هل عندكم طعام فاذا قلنا الا قال انى صائم فدخل علىّ يوما فقلت يا رسول اللّه اهدى لنا حيس فقال ادنيه و لقد أصبحت صائما- و في رواية لمسلم قال هل عندكم شى ء قلت ما عندنا شى ء قال فالى صائم فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاهديت لنا هدية فلما رجع قالت أهديت لنا هدية قال ما هو قلت حبس قال هاتيه فجئت به فاكل ثم قال قد كنت أصبحت صائما- و أجيب بانه لا يدل هذا الحديث على ان النبي صلى اللّه عليه و سلم نوى الصوم من النهار بعد ما لم يكن ناويا للصوم من الليل بل الظاهر انه كان يصبح صائما ناويا للصوم من الليل ثم يأتى اهله فقد يفطر الصوم النافلة- و يدل عليه قوله قد كنت أصبحت صائما- وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ- العكوف هو الاقامة على الشي ء و الاعتكاف في الشرع هو الاقامة في المسجد على عبادة اللّه تعالى مع النية- قال البغوي الاية نزلت في نفر من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كانوا يعتكفون في المسجد فاذا عرضت لرجل منهم الحاجة الى اهله خرج إليها فجامعها ثم اغتسل فرجع الى المسجد فنهوا عن ذلك ليلا و نهارا حتى يفرغوا من اعتكافهم فالجماع يفسد به الاعتكاف و يحرم فيه اجماعا غيران الشافعي يقول بالوطى ناسيا لا يفسد الاعتكاف قياسا على الصوم قلنا ان حالة الاعتكاف مذكرة بخلاف الصوم و عن الحسن البصري و الزهري من باشر اهله معتكفا فعليه كفارة اليمين و الإجماع على انه لا كفارة عليه- و لو قبّل او لمس بشهوة فانزل يبطل الاعتكاف بالإجماع و ان لم ينزل يحرم اجماعا و لا يبطل الاعتكاف الا عند مالك- و اما اللمس الذي لا يقصد به التلذذ فلا بأس به- عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا اعتكف ادنى الىّ رأسه فارجّله- متفق عليه- و كان لا يدخل البيت الا لحاجة الإنسان- رواه مسلم- و قوله تعالى وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ يدل على ان الاعتكاف لا يكون الا في المسجد و هو مسجد الجماعة دون مسجد البيت- و إطلاقه يدل على انه يجوز الاعتكاف في كل مسجد و لا يختص بالمسجد الحرام او مسجد النبي صلى اللّه عليه و سلم- او المساجد الثلاثة يعنى المسجد الحرام و المسجد الأقصى و مسجد النبي صلى اللّه عليه و سلم و لا بمسجد الجمعة- و روى عن حذيفة الاختصاص بالمساجد الثلاثة و عن عطاء بمسجد مكة و عن ابن المسيب بمسجد المدينة و عند مالك يختص بمسجد الجمعة و أوى اليه الشافعي في القديم- قال ابن عباس ابغض الأمور البدع و ان من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور- أخرجه البيهقي- و عن على قال لا اعتكاف الا في مسجد جماعة- رواه ابن ابى شيبة و عبد الرزاق في مصنفهما- و عن حذيفة قال اما انا قد علمت انه لا اعتكاف الا في مسجد جماعة- رواه الطبراني- و روى ابن الجوزي عن حذيفة مرفوعا قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال كل مسجد له مؤذن و امام فالاعتكاف فيه يصلح قال ابن الجوزي هذا في نهاية الضعف- و عن عائشة قالت السنة على المعتكف ان لا يعود مريضا و لا يشهد جنازة و لا يمس امراة و لا يباشرها و لا يخرج لحاجة الا ما لا بد منه و لا اعتكاف الا بصوم و لا اعتكاف الا في مسجد جامع رواه ابو داود و في رواية لا اعتكاف الا في مسجد جماعة (مسئلة) الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان سنة مؤكدة لحديث عائشة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى يتوفاه اللّه عز و جل ثم اعتكفه أزواجه من بعده- متفق عليه و حديث ابن عمر كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان- يتفق عليه و عن انس قال كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاما فلما كان العام المقبل اعتكف العشرين- رواه للترمذى و رواه ابو داود و ابن ماجة عن ابى بن كعب- قلت لكن تركه اكثر الصحابة قال ابن نافع انه كان كالوصال و أراهم تركوه لشدته و لم يبلغنى عن أحد من السلف انه اعتكف الا عن ابى بكر بن عبد الرحمن- و قال الحافظ قد حكيناه عن غير واحد من الصحابة- قلت و من أجل تركه من اكثر الصحابة قال بعض الحنفية انه سنة على الكفاية و اللّه اعلم تِلْكَ الاحكام التي ذكرت من حرمة الاكل و الشرب و الجماع في الصوم و حرمة المباشرة فى الاعتكاف حُدُودُ اللّه اى ما منع اللّه عنها و اصل الحد المنع فَلا تَقْرَبُوها نهى عن اقترابها فضلا ان يتخطى عنها مبالغة في المنع و قد مرّ في أوائل السورة قوله صلى اللّه عليه و سلم الحلال بين و الحرام بين و بينهما امور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات استبرأ لعرضه و دينه و من وقع في المشتبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك ان يواقعه ألا و إن لكل ملك حمى ألا و إن حمى اللّه في ارضه محارمه- متفق عليه و لاجل حرمة الاقتراب بالمحرم الحق الائمة دواعى الجماع من اللمس بشهوة و نحوها بالجماع فقالوا بحرمتها في الصوم و الاعتكاف و ان انزل باللمس او القبلة فسد الصوم و الاعتكاف و اللّه اعلم- كَذلِكَ اى كما بينا تلك الاحكام يُبَيِّنُ اللّه سائر آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧) اى لكى يتقوا مخالفة الأوامر و النواهي- فيتقون من النار. |
﴿ ١٨٧ ﴾