١٩٦

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ للّه هذه الاية حجة على وجوب الحج و العمرة و وجوب إتمامهما و عدم جواز فسخ الحج بالعمرة- اما وجوب الحج فقد انعقد الإجماع على انه فرض محكم على الأعيان و هو أحد اركان الإسلام قال اللّه تعالى وَ للّه عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بنى الإسلام على خمس شهادة ان لا اللّه الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه و اقام الصلاة و إيتاء الزكوة و الحج و صوم رمضان- متفق عليه و في الباب أحاديث كثيرة-

و اما وجوب العمرة فهو مذهب احمد و به قال الشافعي في أصح قوليه و هو مروى عن ابى حنيفة رحمهم اللّه و قال مالك العمرة سنة و هو المشهور من مذهب ابى حنيفة و أحد قولى الشافعي و تأويل الاية عندهم انها تجب بالشروع كالحج بالإجماع- و يدل على ما قال به احمد قراءة علقمة و ابراهيم النخعي و اقيموا الحجّ و العمرة للّه و هى قراءة على عليه السلام أخرجه ابن جرير و ابن ماجة و ابن حبان و من الأحاديث ما رواه ابن خزيمة و الدارقطني و ابن حبان و الحاكم في كتابه المخرج على صحيح مسلم عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب حديث تعليم جبرئيل و فيه قال يا محمد أخبرني عن الإسلام قال ان تشهد ان لا اللّه الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه و ان تقيم الصلاة و تؤتى الزكوة و تحج و تعتمر و تغتسل من الجنابة و تتم الوضوء و تصوم رمضان-

و هذه الزيادة يعنى قوله و تعتمر و ان لم يذكر في الصحاح لكن رواه الثقات و حكم الدارقطني عليه بالصحة و ذكره ابو بكر الجوسعى فى كتابه المخرج على الصحيحين فهى مقبولة و منها حديث عائشة قالت يا رسول اللّه على النساء جهاد قال عليهن جهاد لا قتال فيه الحج و العمرة- رواه ابن ماجة و منها أحاديث اخر ضعاف لم نذكرها- و اثار الصحابة قال الضبي بن معبد لعمر رايت الحج و العمرة مكتوبتين علىّ فاهللت بهما فقال عمر هديت سنة نبيك- أخرجه ابو داود و قال ابن عمر ليس في خلق اللّه أحد الا عليه حج و عمرة واجبتان من استطاع اليه سبيلا- رواه ابن خزيمة و الدارقطني و الحاكم و سنده صحيح و علقه البخاري- و اثر ابن عباس رواه الشافعي و علقه البخاري-

و احتج القائلون بكونها سنة بأحاديث منها حديث جابر بن عبد اللّه اتى أعرابي فقال يا رسول اللّه أخبرني عن العمرة أ واجبة هى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا و ان تعتم خير لك- رواه الترمذي و احمد و البيهقي من رواته الحجاج بن ارطاة و هو مدلس متروك تركه ابن مهدى و القطان و يحيى بن معين و احمد بن حنبل و ابن المبارك و النسائي لكن قال الذهبي صدوق و قال الترمذي الحديث حسن صحيح- و رواه البيهقي من طريق اخر و فيه يحيى بن أيوب قال احمد سيى ء الحفظ و قال ابو حاتم لا يحتج به لكن قال ابن معين صالح و قال ابن عدى صدوق قلت و تعارض هذا الحديث ما روى عن جابر مرفوعا الحج و العمرة فريضتان أخرجه ابن عدى من طريق ابن لهيعة لكن ابن لهيعة ضعيف- و منها حديث ابى امامة مرفوعا من مشى الى صلوة مكتوبة فاجره كحجة و من مشى الى صلوة تطوع فاجره كعمرة- رواه الطبراني من طريق يحيى بن الحارث-

و منها حديث عبد اللّه بن قانع عن ابى هريرة مرفوعا الحج جهاد و العمرة تطوع- و رواه الشافعي عن ابى صالح الحنفي مرسلا و حديث طلحة بن عبد اللّه و ابن عباس مرفوعا نحوه رواه البيهقي قال الدارقطني عبد اللّه بن قانع كان يخطئ و قال الترقانى ضعيف لكن قال الشيخ تقى الدين هو من كبار الحفاظ- و ابو صالح الحنفي اسمه ماهان ضعفه ابن حزم لكن قال ابن همام تضعيفه ليس بصحيح وثقه ابن معين و روى عنه جماعة و في حديث طلحة عمرو بن قيس فيكلم فيه قال الحافظ اسناده ضعيف و حديث ابن عباس في سنده مجاهيل و في الباب اثار الصحابة قال ابن مسعود الحج فريضة و العمرة تطوع رواه ابن ابى شيبة قال ابن همام كفى بعبد اللّه قدوة- و اثر ابى هريرة مثل مرفوعه قال الدارقطني في مرفوعه الصحيح انه موقوف و اثر جابر مثل مرفوعه فالتحقيق ان الأحاديث في الباب متعارضة و كذا الآثار قال ابن همام إذا تعارضا لا يثبت الوجوب بالشك و قال صاحب الهداية لا تثبت الفرضية مع التعارض-

و قول صاحب الهداية اولى فان الفريضة تبتنى على القطع فالاولى ان يقال بالوجوب دون الفريضة عند التعارض احتياطا كيلا يلزم تكرار النسخ- و اما عدم جواز فسخ الحج بالعمرة فمذهب الجمهور محتجين بهذه الاية خلافا لاحمد و له قصة حجة الوداع- ان النبي صلى اللّه عليه و سلم امر الصحابة و كانوا مهلين بالحج ان يفسخوا الحج و يجعلوها عمرة و قال اجعلوا اهلالكم بالحج عمرة الا من قلد الهدى- و شهد على هذا بضعة عشر حديثا صحيحا بحيث يزيل الشك و يوجب العلم منها حديث ابى موسى الأشعري قال بعثني النبي صلى اللّه عليه و سلم الى قومى باليمن فجئت و هو بالبطحاء فقال بما أهللت- قال أهللت كاهلال النبي صلى اللّه عليه و سلم قال هل معك من هدى قال لا فامرنى فطفت بالبيت و بالصفا و المروة ثم أحللت ثم أهللت بالحج يوم التروية- فقدم عمر (يعنى في خلافته) فقال ان نأخذ بكتاب اللّه فان اللّه امر بالإتمام قال اللّه تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ للّه- و ان نأخذ بسنة النبي صلى اللّه عليه و سلم فانه لم يحل حتى نحر الهدى- و عن جابر قال قد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحلوا من إحرامكم بطواف البيت و الصفا و المروة و قصروا ثم اقيموا حلالا الحديث- و حديث ابن عباس أمرهم ان يجعلوها عمرة- و حديث عائشة و حديث حفصة و فيه فما يمنعك يا رسول اللّه ان تحل معنا قال انى لبدت رأسى و قلدت هديى فلا أحل حتى انحر- و حديث ابن عمر و هذه الأحاديث الستة في الصحيحين- و حديث ابى سعيد الخدري عند مسلم- خرجنا نصرخ بالحج حتى إذا طفت بالبيت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اجعلوها عمرة الا من كان معه هدى- و حديث انس مرفوعا عند البخاري لو لا ان معنى الهدى لا حللت- و حديث البراء و رواه اصحاب السنن و حديث الربيع بن سبرة عن أبيه و غير ذلك سردناها في منار الاحكام-

فان قيل أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ قطعى و تخصيص القطعي و نسخه بأحاديث الآحاد لا يجوز-

قلت هذه الأحاديث بلغت حد الشهرة بحيث لا ينكر ثبوت هذه «١» الوقعة على ان قوله تعالى و أتموا الحج عام خص منه البعض بقوله تعالى

(١) فى الأصل هذا الوقعة

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ- ثم اخرج النّبى صلى اللّه عليه و سلم من ذلك الحكم من فات حجه و أجاز له الخروج بافعال العمرة و عليه انعقد الإجماع فظهر ان الاية ظنى الدلالة جاز تخصيصه بخبر الآحاد قالوا فى جواب احتجاج احمد- ان ما احتججتم به كان مخصوصا بالصحابة دون غيرهم لحديث بلال بن حارث قال قلت يا رسول اللّه فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة قال بل لنا خاصة- رواه ابو داؤد و النسائي قال ابن الجوزي لا يروى ذلك غير عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال ابو حاتم لا يحتج به و قال احمد لا يصح حديث في ان الفسخ كان لهم خاصة-

قلت و لو لا ما روى عن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قوله- متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و انا احرمهما- يعنى اظهر حرمتهما التي ثبت عندى من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و انا احرمهما- يعنى اظهر حرمتهما التي ثبت عندى من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يندفع أحاديث فسخ الحج بحديث بلال المذكور فانه ضعيف في الظاهر لكن قول عمر يدل على صحة ذلك الحديث معنى و قد مر قول عمر في حديث ابى موسى الأشعري المتفق عليه انه قال في خلافته- ان نأخذ بكتاب اللّه الحديث و كذا اثر عثمان انه سئل عن متعة الحج قال كان لنا ليست لكم- رواه ابو داود بإسناد صحيح و لو لم يثبت عند عمر و عثمان اختصاص الفسخ بالصحابة لما خالفا امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لما احتج عمر بالاية الظنى الدلالة في مقابلة ما سمعا من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امره بالفسخ المفيد للقطع في حقهما و اللّه اعلم- و المراد بالمتعة في قول عمر و عثمان انما هو فسخ الحج بالعمرة دون التمتع بالعمرة الى الحج الذي نطق به كتاب اللّه تعالى بحيث لا مرد له و انعقد عليه الإجماع كيف و قد قال عمر للضبىّ بن معبد حين قال أهللت بهما هديت سنة نبيك «١» أخرجه ابو داود و يؤيد حديث بلال اثر ابى ذر انه كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة لم يكن ذلك الا للركب الذين كانوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رواه ابو داود و في رواية عنه انما كانت المتعة لنا خاصة- قال ابن الجوزي اثر ابى ذر يرويه رجل من اهل الكوفة لم يلق أبا ذر قلت فهو مرسل و المرسل عندنا حجة و اللّه اعلم-

(١) روى عن عمر انه قال- افصلوا بين حجكم و عمرتكم اجعلوا الحج في أشهر الحج و اجعلوا العمرة في غير أشهر الحج أتم لحجك و عمرتك-

قلت لعل هذا ما هو الأفضل عند عمر رضى اللّه عنه منه رحمه اللّه

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ يعنى عن الحج او العمرة التي أمرتم بإتمامها كما يقتضيه السياق و الاية نزلت في قصة الحديبية باتفاق اهل النقل- و قد صح انه صلى اللّه عليه و سلم كان عام الحديبية محرما بالعمرة فاحصر فتحلل فهو حجة على مالك حيث يقول في رواية ان الإحصار خاص بالحج لا يجوز التحلل بالاحصار في العمرة- و معنى أحصرتم اى منعتم من الوصول الى البيت الحرام و المضي على الإحرام بعد و مسلم او كافرا و مرض يمنعه من المضي او هلاك نفقة- او موت محرم للمرءة و نحو ذلك كذا فسر ابو حنيفة رحمه اللّه لان الإحصار و الحصر في اللغة المنع باى سبب كان بل غالب استعمال الإحصار في الإحصار بالمرض و نحوه نقل عن الفراء و الكسائي و الأخفش و ابى عبيدة و ابن السكيت و غيرهم من اهل اللغة ان الإحصار بالمرض و الحصر بالعدوّ و قال ابو جعفر النحاس على ذلك جميع اهل اللغة قلت المراد بقولهم الإحصار بالمرض و الحصر بالعدو ان غالب الاستعمال هكذا- لا ان الإحصار خاص بالمرض حتى يرد عليهم ان الاية نزلت في قصة الحديبية ثبت ذلك في المتفق عليه من رواية جماعة من الصحابة- و قال الشافعي لا خلاف فى ذلك- و

قال البغوي الحصر و الإحصار بمعنى واحد يقول العرب حصرت الرجل عن حاجته فهو محصور و احصره العدوّ إذا منعه من السير فهو محصر- فالاية بعموم لفظه حجة لابى حنيفة على مالك و الشافعي و احمد حيث قالوا لا حصر إلا حصر العدوّ- روى الشافعي هذا اللفظ بإسناد صحيح عن ابن عباس- و قالوا ان الاية نزلت فيه-

قلنا العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص سبب النزول

فان قيل سياق الاية يقتضى التخصيص حيث يقول اللّه تعالى فَإِذا أَمِنْتُمْ فان الامن يكون من الخوف

قلنا هذا لا يدل على ان الإحصار لا يكون الا بالعدوّ بل يدل على ان الإحصار بالعدوّ ايضا إحصار كما في قوله تعالى وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ- وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ- فانه لا يدل على ان المراد بالمطلقات الرجعيات فقط بل يدل على ان الرجعيات ايضا داخلة في المطلقات- احتجوا على تخصيص الإحصار بالعدوّ بحديث عائشة قالت دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها لعلك أردت الحج قالت و اللّه ما أجدني الا وجعة فقال لها حجى و اشترطى و قولى ان محلى حيث حبستنى متفق عليه- و لمسلم من حديث ابن عباس قصة ضباعة- و لابى داود و النسائي انها أتت النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالت يا رسول اللّه انى أريد الحج فاشترط قال نعم قالت كيف أقول قال قولى لبيك اللّهم لبيك محلى من الأرض حيث تحبسنى فان لك على ربك ما استثنيت- و صححه الترمذي و أعله بالإرسال قال العقيلي روى ابن عباس قصة ضباعة بأسانيد ثابتة جياد- و أخرجه ابن خزيمة من حديث ضباعة نفسها و البيهقي عن انس و جابر و لهذا قال احمد و الشافعي لو اشترط جاز له التحلل بغير العدو- و صح القول بالاشتراط عن عمر و عثمان و على و عمار و ابن مسعود و عائشة و أم سلمة و غيرهم من الصحابة- قال ابن الجوزي لو كان المرض يبيحها التحلل ما كان لاشتراطها معنى-

قلنا حديث ضباعة من الآحاد لا يزاحم عموم الاية-

و قيل الاشتراط منسوخ روى ذلك عن ابن عباس لكن فيه الحسن بن عمارة متروك- و وجه الجمع عندى ان حديث ضباعة محمول على الندب فمن خاف المرض او غير ذلك يستحب له ان يشترط عند الإحرام حتى لا يلزمه خلف الوعد و ان كان ذلك جائزا بعذر- و يؤيد قول ابى حنيفة حديث عكرمة عن حجاج بن عمرو الأنصاري انه صلى اللّه عليه و سلم قال من كسر او عرج فقد حل و عليه الحج من قابل رواه الترمذي و ابو داود و النسائي و ابن ماجة و الدارمي و زاد ابو داود في رواية اخرى عن عكرمة عن عبد اللّه بن رافع عن حجاج عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من عرج او كسر او مرض فذكر معناه قال الترمذي حديث حسن و ذكر البغوي تضعيفه-

قلت لا وجه للتضعيف الا انه قد اختلف فيه على يحيى بن كثير فأخرجه اصحاب السنن و ابن خزيمة و الدارقطني و الحاكم من طرق- قال الحافظ الصواب عن يحيى عن عكرمة عن الحجاج و قال في آخره عن عكرمة فسالت أبا هريرة و ابن عباس فقالا صدق-

و وقع في رواية يحيى القطان و غيره في سياقه سمعت الحجاج و أخرجه ابو داود و الترمذي من طريق معمر عن يحيى عن عكرمة عن عبد اللّه بن رافع عن الحجاج قال الترمذي و تابع معمرا على زيادة عبد اللّه بن رافع معاوية بن سلام و سمعت محمدا يعنى البخاري يقول رواية معمر و معاوية أصح قلت و هذا لا ينافي صحة الحديث لانه ان كان عكرمة سمعه من الحجاج بن عمرو فذاك و الا فالواسطة بينهما عبد اللّه بن رافع ثقة و ان كان البخاري لم يخرج له كذا قال الحافظ-

قلت و يمكن ان عكرمة سمعه من الحجاج بلا واسطة و ايضا سمعه من عبد اللّه بن رافع عن حجاج و اللّه اعلم و مذهبنا مروى عن ابن مسعود

فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ اى فعليكم ما استيسر او الواجب ما استيسر او اهدوا ما استيسر من الهدى من بدنة او بقرة او شاة و الشاة أدناه- و هذه الاية حجة على مالك حيث قال لا يجب عليه الهدى ثم القائلون بوجوب الهدى اختلفوا فقال الشافعي في رواية إذا لم بجد الهدى يطعم بقيمة الشاة طعاما و ان لم يجد ما ينفق يصوم عن كل مد من الطعام يوما قياسا على دم الجناية و قال ابو حنيفة و هو القول الثاني للشافعى انه لا يجوز الا الهدى لان نصب الابدال بالراى لا يجوز و دم الإحصار ليس من باب دم الجناية-

وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ- و اختلفوا في تفسير محله فقال ابو حنيفة رحمه اللّه محله الحرم- قال اللّه تعالى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ- و لان الاراقة لم يعرف قربة الا في زمان او مكان فلا يقع قربة دونه فلا يقع به التحلل فالواجب عنده انّ المحصر يبعث الهدى الى الحرم لا يجوز له الا ذلك و يعين يوما يذبح فيه و يحل المحصر في ذلك اليوم و لا يختص عنده للذبح يوم النحر و قال ابو يوسف و محمد في الحج يختص الذبح بيوم النحر فلا حاجة الى تعينه عندهما- و قال مالك و الشافعي و احمد محله هو ذبحه بالموضع الذي أحصر فيه سواء كان في الحل او في الحرم لحديث المسور بن مخرمة في قصة الحديبية قال فلما فرغ من قصة الكتاب قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لاصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فو اللّه ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقى من الناس فقالت أم سلمة يا نبى اللّه أ تحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك و تدعو حالقك فيحلقك-

فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه و دعا حالقه فحلقه فلما راوا ذلك قاموا فنحروا و جعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما- رواه البخاري و روى يعقوب بن سفيان من طريق مجمع بن يعقوب عن أبيه قال لما حبس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه نحروا بالحديبية و حلقوا و بعث اللّه ريحا فحملت شعورهم فالقاها في الحرم- و ذكر مالك فى المؤطا بلغه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حل هو و أصحابه بالحديبية فنحروا الهدى و حلقوا رءوسهم و حلوا من كل شى ء- قال مالك و الشافعي و الحديبية خارج الحرم- و أجاب عنه الحنفية بوجهين- أحدهما ان النبي صلى اللّه عليه و سلم بعث هديه الى الحرم مع ناجية بن جندب الأسلمي رواه الطحاوي بسنده عن ناجية- و كذا اخرج النسائي ثانيهما ان الحديبية بعضها في الحل و بعضها في الحرم روى الطحاوي بسنده عن المسور ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان بالحديبية خباؤه في الحل و مصلاه في الحرم و إذا كان كذلك فالظاهر انهم نحروا في الحرم-

قلت و حديث ناجية شاذ مخالف للمشهور و لو ثبت فلعل النبي صلى اللّه عليه و سلم بعث بعض هداياه الى الحرم بعد ما نحر بعضها في الحل جمعا بين الروايتين- و ايضا قوله تعالى هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ دليل واضح على ان الهدى لم يبلغ محله و هو الحرم و على ان محله هو الحرم لا غيره فالاحسن ما ذكر- البخاري تعليقا عن ابن عباس انه ينحر المحصر حيث أحصر ان كان لا يستطيع ان يبعث به الى الحرم و ان استطاع يجب عليه ان يبعث فحينئذ معنى قوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ- ان استطعتم ذلك فهو عام خص منه البعض بفعل النبي صلى اللّه عليه و سلم الثابت بالأحاديث المشهورة و بقوله تعالى وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً و اللّه اعلم

فان قيل روى ابو داود عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن ميمون قال سمعت أبا حاصر الحميرى يحدث أبا ميمون بن مهران قال خرجت معتمرا عاما «١» حاصر اهل الشام ابن الزبير بمكة و بعث معى رجال من قومى بهدى فلما انتهينا الى اهل الشام منعونا ان ندخل الحرم فنحرت الهدى مكانى ثم أحللت ثم رجعت فلما كان من العام القابل خرجت لاقضى عمرتى فاتيت ابن عباس فسالته فقال أبدل الهدى فان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امر أصحابه ان يبدلوا الهدى الذي نحروا عام الحديبية- فان هذا الحديث يقتضى ان

(١) فى الأصل عام حاصر

النحر خارج الحرم لا يجوز و يقتضى الاعادة-

قلت محمد بن إسحاق مختلف فيه و قد مرّ ذكره- و الحديث ترك الامة كلهم العمل به و لم يقل به أحد- و هاهنا خلافيات منها ان الواجب على القارن عند ابى حنيفة رحمه اللّه دمان لاجل إحرامي الحج و العمرة و عند الجمهور دم واحد قالوا الإحرام واحد فيكفيه دم واحد و عموم قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ يؤيد قول الجمهور و منها ان التحلل يحصل بنفس الإحصار او بالذبح بعد الإحصار بنية التحلل او بالحلق بعد الذبح مع نية التحلل الثالث قول الشافعي و الجمهور لهم ان بالاحصار سقط مناسك الحج دون احكام الإحرام و الحلق عرف محللا فلا يسقط و كونه موقتا بالحرم من حيث انه محلل ممنوع و الحجة على وجوب الحلق او القصر و اولوية الحلق قوله صلى اللّه عليه و سلم يوم الحديبية يرحم اللّه المحلقين قالوا يا رسول اللّه و المقصرين قال يرحم اللّه المحلقين قالوا و المقصرين فقال في المرة الثالثة و المقصرين رواه الطحاوي من حديث ابن عباس و ابى سعيد- و قال ابو حنيفة و محمد ان أحصر في الحرم يجب عليه الحلق و ان أحصر في الحل فلا حلق لان الحلق لم يعرف عبادة الا في زمان او مكان كذا في الكافي- و في الهداية ان الحلق عندهما ليس بواجب و التحلل انما يحصل بالذبح و عند ابى يوسف يجب الحلق لان النبي صلى اللّه عليه و سلم امر بذلك عام الحديبية و ان لم يفعل لا شى ء عليه و التحلل يحصل بالذبح فقط و قال مالك التحلل يحصل بالاحصار و الذبح ليس بواجب عليه و الحجة عليه هذه الاية- احتج مالك بحديث جابر نحرنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم الحديبية سبعين بدنة كل بدنة عن سبعة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليشترك النفر في الهدى- رواه الدارقطني فان هذا الحديث مع ما رواه الشيخان عن جابر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم احرم بالعمرة سنة ست و معه الف و اربعمائة يدل على ان الهدى لا يجب على كل محصر و التحلل يحصل بمجرد النية دون الذبح لان سبعين بدنة لا يكفى الا لما دون خمسائة فبقى باقى الناس من لا هدى لهم قلت لعل باقى الناس ذبحوا غنما على ان هذا استدلال بحديث الآحاد في مقابلة القطعي من الكتاب فلا يقبل- و الخلافية الثالثة ان المحرم بالعمرة او بالحج النافلة إذا أحصر و حل بالذبح هل يجب عليه القضاء فقال مالك و الشافعي و احمد لا يجب عليه القضاء و قال ابو حنيفة يجب عليه ان حلّ من حج حج و عمرة- و من عمرة عمرة و من قران حج و عمرتان قضاء لما فات-

قال البيضاوي- اقتصاره سبحانه تعالى في الاية على الهدى دليل على عدم القضاء- و قال ابن الجوزي ان النبي صلى اللّه عليه و سلم احرم بالعمرة سنة ست و معه الف و اربعمائة كذا في الصحيحين ثم عاد في السنة الاخرى و معه جمع يسير فلو وجب عليهم القضاء لنبههم على ذلك- و قد سبق الى ذلك القول الشافعىّ حيث قال قد علمنا في متواطى أحاديثهم إذا اعتمر عمرة القضاء تخلف بعضهم من غير ضرورة و لو لزمهم القضاء لامرهم-

فان قيل لو لم يكن القضاء واجبا فلم سميت عمرة القضاء أجيب بانه انما سميت عمرة القضاء و القضية للمقاضات التي وقعت بين النبي صلى اللّه عليه و سلم و بين قريش- روى الواقدي عن ابن عمر قال لم يكن هذه العمرة قضاء و لكن كان على شرط قريش ان يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدوا فيه- لنا ان الأداء واجب بعد الشروع بالإجماع لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ للّه و لا حاجة في وجوب القضاء الى نص جديد و قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ لا يدل الا على رخصة التحلل بعذر الإحصار لا على سقوط القضاء فلا يسقط و ما احتجوا به فجوابه من وجهين أحدهما انه لا نسلم انه عاد معه في السنة الاخرى جمع يسير- و لا نسلم انه لم يأمرهم بالقضاء- و قد روى الواقدي في المغازي عن جماعة من مشائخه قالوا لما دخل «١» ذو القعدة سنة سبع امر النبي صلى اللّه عليه و سلم ان يعتمروا قضاء لعمرتهم التي صدوا عنها و لا يتخلف ممن شهد الحديبية فلم يتخلف الا من قتل بخيبر او مات و خرج معه ناس ممن لم يشهد الحديبية و كان عدد من معه من المسلمين الفين-

(١) فى الأصل ذى القعدة

و خبر الواقدي في المغازي مقبول إذا لم يخالف الاخبار الصحيحة- ثانيهما ان جزم الشافعي بان جماعة تخلفوا بغير عذر انما هو مبنى على زعم الراوي و شهادته على نفى العذر غير مقبول فمن تخلف عن الخروج لعله كان له عذر و انهم قضوا عمرتهم بعد ذلك و لنا ايضا حديث حجاج بن عمر الأنصاري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من عرج او كسر فقد حل و عليه الحج من قابل و اللّه اعلم

فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ ايها المحرمون مَرِيضاً بحيث يحوجه المرض الى الحلق

او بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ كجراحة او قمل فحلق

فَفِدْيَةٌ اى فالواجب عليه فدية و كذلك الحكم على من تطيب او لبس المخيط بعذر قياسا على الحلق

مِنْ صِيامٍ ثلثة ايام لانه ادنى الجمع و لا يشترط فيها التتابع لاطلاق النص

او صَدَقَةٍ و هذا مجمل لحقه البيان من السنة روى البخاري عن كعب بن عجرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم راه و قمله تسقط على وجهه فقال أ يؤذيك هوامّك قال نعم فامره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يحلق و هو بالحديبية لم يتبين لهم انهم يحلون بها و هم على طمع ان يدخلوا مكة فانزل اللّه الفدية فامره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يطعم فرقا بين ستة مساكين او يهدى شاة او يصوم ثلثة ايام قلت و الفرق ثلثة أصوع

او نُسُكٍ جمع نسيكة اى ذبيحة أعلاها بدنة أوسطها بقرة أدناها شاة- و قوله من صيام بيان للفدية و كل هدى يلزم المحرم يذبح بمكة بالإجماع الا ما مر الخلاف في دم الإحصار

فَإِذا أَمِنْتُمْ من الإحصار بان زال خوفكم من العدو او كنتم مرضى فبرئتم منه و أنتم ما أحللتم من إحرامكم او كنتم في سعة و أمن من الأصل

فَمَنْ تَمَتَّعَ اى انتفع بالتقرب الى اللّه تعالى بِالْعُمْرَةِ فى أشهر الحج منضما

إِلَى الْحَجِّ من تلك السنة فحينئذ يشتمل نظم القران التمتع و القران و قيل معناه من استمتع بعد التحلل من عمرته باستباحة محظورات الإحرام الى ان يحرم بالحج و حينئذ لا يشتمل القران و على هذا التأويل لا معنى للباء في قوله تعالى بالعمرة فان الاستمتاع حصل بالارتفاق بمحظورات الإحرام لا بالعمرة فالتأويل الاول اولى لفظا من أجل الباء و معنى حيث يجب الهدى على القارن ايضا بالإجماع

فَمَا اسْتَيْسَرَ يعنى فالواجب عليه شكر النعمة التمتع ما استيسر

مِنَ الْهَدْيِ أدناه شاة هذا مذهب ابى حنيفة و احمد رحمهما اللّه فيجوز له أكله لانه دم شكر و قال الشافعي هو دم جبر لا يجوز للناسك الاكل منه- و لنا على جواز الاكل أحاديث منها حديث جابر الطويل قال فيه ثم امر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فاكلا يعنى النبي صلى اللّه عليه و سلم و علىّ من لحمها و شربا من مرقها وجه الاحتجاج انه صلى اللّه عليه و سلم كان قارنا و لما امر

ان يجعل من كل بدنة ببضعة فاكل منها ثبت الاكل من هدى القران و التطوع بل ثبت استحباب الاكل و الا لما امر ببضعة كل منها و استدل ابن الجوزي في الباب بما روى عبد الرحمن بن ابى حاتم في سننة من حديث على قال أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يهدى التمتع ان أتصدق بلحومها سوى ما نأكل و هذا اصرح في الدلالة احتج الشافعي على حرمة الاكل من مطلق الهدايا الواجبة بحديث ناجية الخزاعي و كان صاحب بدن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال قلت يا رسول اللّه كيف اصنع بها عطب من البدن قال انحره و اغمس نعله في دمه و اضرب صفحه و خل بين الناس و بينه فليأكلوه- رواه مالك و احمد و الترمذي و ابن ماجة و قال الترمذي حديث صحيح و في رواية الواقدي و لا نأكل أنت و لا أحد من رفقتك منه شيئا دخل بينه و بين الناس- و كذا حديث ابن عباس قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ستة عشر بدنة مع رجل و امره «١» الحديث-

(١) فى الأصل امراة

و فيه و لا تأكل منها أنت و لا أحد من رفقتك- رواه مسلم و كذا حديث ذويب مثله رواه مسلم قلت لا مساس لهذه الأحاديث بالقران و التمتع لانه ليس شى ء منها في حجة الوداع بل هى اما قصة الحديبية او غير ذلك و النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يحج بعدا هجرة سوى حجة الوداع فكيف يكون ذلك هدى تمتع بل هى هدى تطوع البتة و نحن نقول انه لا يجوز الاكل من هدى التطوع إذا عطب و ذبحت فى الطريق و اللّه اعلم و لا يجوز تقديم ذبح هدى التمتع قبل يوم النحر عنه ابى حنيفة و الشافعي و احمد بل يجب ان بذبح بعد الرمي- و قال بعض اهل العلم يجوز قبل يوم النحر- لنا حديث حفصة قالت ما يمنعك يا رسول اللّه ان تحل معنا قال انى أهديت و لبدت و لا أحل حتى أنحر هديى- و قوله صلى اللّه عليه و سلم لو لا انى سقت الهدى لا حللت- و قد مر الحديثان «٢»- و لو كان ذبح هدى القران جائزا قبل يوم النحر لما صح اعتذاره عن عدم التحلل لسوق الهدى- و اللّه اعلم

(٢) فى الأصل الحديثين-

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الهدى فَصِيامُ يعنى فالواجب عليه صيام

ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ يعنى في إحرام الحج أخرها يوم عرفة و لو صام قبل ذلك في الإحرام جاز اجماعا و لا يجوز بعد ذلك لعدم الإحرام بعد ذلك على ان الصوم يوم النحر و ايام التشريق حرام فلا يتادى به الواجب في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال هذان يومان نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم و اليوم الاخر تأكلون فيه من نسككم- متفق عليه و كذا في المتفق عليه من حديث ابى سعيد و حديث ابى هريرة و غيرهم- و عن عمرو بن العاص انه قال لابنه في ايام التشريق انها الأيام التي نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن صومهن و امر بفطرهن رواه ابو داود و ابن المنذر و صححه ابن خزيمة و الحاكم- و روى مسلم عن كعب بن مالك مرفوعا ايام منى ايام أكل و شرب- و كذا عند مسلم عن بنشة الهذلي و حديث بشر بن سحيم مثله رواه النسائي بسند صحيح و حديث عقبة بن عامر رواه اصحاب السنن و الحاكم و ابن حبان بسند صحيح- و عند البزار عن عبد اللّه بن عمر مرفوعا ايام التشريق ايام أكل و شرب و صلوة فلا يصومها أحد- و في الباب أحاديث كثيرة غيرها و قال مالك و الشافعي و احمد المتمتع ان لم يجد الهدى و لم يصم قبل يوم النحر جاز له ان يصوم في ايام التشريق و اما في يوم النحر فلا يجوز اجماعا لحديث ابن عمر و عائشة قالا لم يرخص في ايام التشريق ان يصمن الا لمن لم يجد الهدى رواه البخاري-

و روى البخاري عن ابن عمر رض قال الصيام لمن تمتع بالعمرة الى الحج الى يوم عرفة فان لم يجد هديا و لم يصم صام ايام منى- قالوا هذا في حكم المرفوع-

قلنا لا نسلم انه في حكم المرفوع و لعل ابن عمر و عائشة افتيا يجوز الصوم في ايام التشريق استنباطا من قوله تعالى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ زعما منهما ان تلك الأيام ايضا من ايام الحج حيث يوجد بعض المناسك اعنى الرمي فيها-

فان قيل و رد حديث ابن عمر عند الدارقطني بلفظ رخص رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للمتمتع إذا لم يجد الهدى ان يصوم ايام التشريق- و روى الطحاوي عن عائشة- و ابن عمر نحوه

قلنا في حديث ابن عمر يحيى بن سلام ليس بالقوى ضعفه الدارقطني و الطحاوي- و ايضا فيه ابن ابى ليلى طعن الطحاوي فيه بفساد الحفظ و حديث عائشة ايضا ضعيف فكيف يصادم أحاديث النهى قال الطحاوي قد توارت الآثار عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه صلى اللّه عليه و سلم نهى عن الصيام و هو مقيم بمنى و الحاج مقيمون بها و فيهم المتمتعون-

قلت بل كانوا كلهم متمتعين او قارنين فانه امر صلى اللّه عليه و سلم بفسخ الحج الى العمرة في تلك السنة ثم بالإحرام يوم التروية فائدة و تأويل الاية على قول مالك و الشافعي و احمد صيام ثلثة ايام في اركان الحج او ايام الحج قلت و هذا التأويل لا يصح فان اركان الحج لا يتصور ظرفا للصيام و ايام الحج قد انتهت بعرفة كما سيجيئ ان المراد به بقوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ شهران و تسعة ايام او عشرة ليال الى طلوع الصبح يوم النحر و ايضا قوله تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ يستلزم ان لا يكون ايام التشريق فى الحج فانها ايام كل و شرب و رفث يعنى جماع و يجوز فيه الصيد و غير ذلك و اللّه اعلم و من قدر على الهدى في خلال الصوم او بعده قبل الحلق يجب عليه الذبح خلافا لمالك و الشافعي و احمد لنا انه قدر على الأصل قبل تادى الحكم بالخلف فصار كمن وجد الماء و هو يصلى بالتيمم و ان وجد المهدى بعد الحلق و قد صام ثلثة ايام لا يجب الهدى عليه اتفاقا كمن وجد الماء بعد الصلاة بالتيمم- و ان فاتت صوم الثلاثة في الحج تعين الدم-

و قال مالك و الشافعي يقضى تلك الثلاثة بعد الحج بناء على انه قضاء بمثل معقول- و

قلنا ان الصوم بدل من الهدى و الابدال لا ينصب الا شرعا و لا يتصور الصوم ان يكون بدلا عن الهدى الا بخصوصيات منصوصة و اللّه اعلم

وَ صيام سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ اى فرغتم من اعمال الحج عند ابى حنيفة رحمه اللّه و احمد رحمه اللّه- و قال مالك و هو قول للشافعى اى خرجتم من مكة قاصدين أوطانكم و المشهور من مذهب الشافعي و هو رواية عن احمد إذا رجعتم الى أهلكم اى وصلتم الى أوطانكم- قال الشافعي الرجوع هو الرجوع الى اهله فلا يجوز قبل ذلك و قال مالك إذا خرج من مكة الى اهله صدق انه رجع فجاز له الصيام قبل الوصول الى الأهل و قال ابو حنيفة الرجوع هو الفراغ من الحج الم تر انه من توطن بمكة بعد الحج او لم يكن له وطن جاز له الصيام بمكة اجماعا فكذا من كان له وطن غير مكة لئلا يلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز و اللّه اعلم

تِلْكَ عَشَرَةٌ ذكره على سبيل التأكيد لئلا يتوهم ان الواو بمعنى او و ان يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا فان اكثر العرب لم يكونوا يحسنون الحساب

كامِلَةٌ صفة مؤكدة- مفيد المبالغة في محافظة العدد

ذلِكَ اى التمتع جائر لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فلا يجوز التمتع للمكى كذا قال ابو حنيفة رحمة اللّه و عند مالك و الشافعي و احمد يجوز للمكى التمتع ايضا لكن لا يجب عليه الهدى قالوا المشار اليه بذلك الحكم بوجوب الهدى لنا ان اللام في قوله تعالى لِمَنْ لَمْ يَكُنْ و ليل على تأويلنا لان اللام يستعمل فيما يجوز لنا ان نفعله

و لذا

قلنا في تقديره جاز و لو كان المشار اليه وجوب الهدى كان تقديره يجب فكان المناسب حينئذ كلمة على و ما ذكرنا من التأويل مروى عن عمر بن الخطاب و ابنه و ابن عباس رضى اللّه عنهم روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر انه سئل عن متعة الحج فقال ان اللّه أنزله في كتابه و سنة نبيه و اباحه للناس غير اهل مكة قال اللّه تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ- و قال ابن همام صح عن عمر انه قال ليس لاهل مكة تمتع و لا قران- و المراد ب حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ عند ابى حنيفة رحمه اللّه ان يكون دون الميقات و به قال عكرمة و قال الشافعي كل من كان وطنه من مكة على اقل من مسافة السفر- و قال طاؤس و طائفة هم اهل الحرم لان المسجد غير مراد اجماعا فالمراد به الحرم كما في قوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ و قوله تعالى الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ- و قال مالك المراد به اهل مكة بعينها- و به قال نافع و الأعرج و اختاره الطحاوي من الحنفية و اللّه اعلم فان تمتع المكي يجب عليه عند ابى حنيفة دم جبر لارتكابه المحظور و هذا لدم لا يقوم الصوم مقامه و لا يجوز المناسك الاكل منه و قال الشافعي و غيره لا يجب عليه شى ء

وَ اتَّقُوا اللّه فى أوامره و نواهيه

وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦) اعلم ان اللّه سبحانه ذكر في هذه الاية من المناسك الحجّ و العمرة و ذكر أداء كل منهما مفردا و أوجب إتمامهما ثم ذكر أداءهما مجتمعا و هو التمتع-

ثم ثبت بالسنة ان الجمع على وجهين- أحدهما ان يحرم بهما جميعا و يحل منهما جميعا و هو القران- ثانيهما ان يحرم بالعمر و لا ثم يحل بعد أداء العمرة و يسكن بمكة حلالا و ذلك إذا لم يسق الهدى ثم يحرم يوم التروية للحج من مكة مفردا و يحل يوم النحر- و يسمى هذا عند الفقهاء تمتعا و كل ذلك جائز اجماعا لا خلاف فيه- انما الخلاف في انه ايها أفضل- و في ان النبي صلى اللّه عليه و سلم هل كان فارنا في حجة الوداع او متمتعا او مفردا- و في ان القارن هل يكفيه طواف واحد و سعى واحد للحج و العمرة جميعا كما قال به الجمهور او لا بد له من طوافين «١» و سعيين كما قال به ابو حنيفة

(١) فى الأصل طوافين

و هذه أبحاث طويلة ذكرناها في منار الاحكام و التحقيق انه صلى اللّه عليه و سلم كان قارنا و ان القران أفضل من التمتع ان ساق الهدى- و التمتع أفضل ان لم يسق الهدى و كل منهما أفضل من الافراد- و انه صلى اللّه عليه و سلم لما قدم مكة طاف و سعى بين الصفا و المروة ثم لم يقرب الكعبة بطوافه بها حتى رجع من عرفة رواه البخاري قلت و ذلك الطواف و السعى كان لعمرته و كفاه عن طواف القدوم لحجه- و كان ذلك الطواف و السعى ماشيا- كما هو مصرح في حديث حبيبة بنت ابى تجراه و ابن عمر و جابر عند مسلم و غيره ثم انه صلى اللّه عليه و سلم سعى بين الصفا و المروة ثانيا بعد طواف الزيارة كما يدل عليه حديث جابر قال طاف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على راحلته بالبيت و بالصفا و المروة ليراه الناس و ليشرف و ليسئلوه رواه مسلم- و في رواية طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن بمحجنه الحديث- هذا ما حصل لى بعد جمع الروايات المختلفة و اللّه اعلم

﴿ ١٩٦