٢١٠ هَلْ يَنْظُرُونَ النظر بمعنى الانتظار يعنى ما ينتظرون إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّه فِي ظُلَلٍ جمع ظلة و هى كلما اظلك مِنَ الْغَمامِ قال البغوي هو السحاب الأبيض الرقيق سمى غماما لانه يغم اى يستر- و قال مجاهد هو غير السحاب و لم يكن الا لبنى إسرائيل في تيههم و قال مقاتل كهيئة الضباب ابيض- و قال الحسن في سترة من الغمام فلا ينظر اليه اهل الأرض وَ الْمَلائِكَةُ قرا ابو جعفر بالجر عطفا على الغمام او يكون الجر للجوار و الباقون بالرفع اى و يأتيهم الملائكة وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وجب العذاب للكفار و الثواب للمؤمنين- و فزع من الحساب و ذلك يوم القيامة و اللّه اعلم- اجمع علماء اهل السنة من السلف و الخلف ان اللّه سبحانه منزه عن صفات الأجسام و سمات الحدوث فلهم في هذه الاية سبيلان أحدهما الايمان به و تفويض علمه الى اللّه تعالى و التحاشى عن البحث فيه و هو مسلك السلف قال الكلبي هذا من المكتوم الذي لا يفسر و كان مكحول و الزهري و الأوزاعي و مالك و ابن المبارك و سفيان الثوري و الليث و احمد و إسحاق رحمهم اللّه تعالى يقولون فيه و في أمثاله امرّوها كما جاءت بلا كيف قال سفيان بن عيينة كل ما وصف اللّه تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته و السكوت عنه ليس لاحدان يفسره الا اللّه و رسوله و به قال ابو حنيفة رحمه اللّه حيث قال في المتشابهات ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّه بالوقف عليه ثانيهما تأويله بما يليق به بناء على ما قيل ما يَعْلَمُ «٢» تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّه وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ بالعطف قال البيضاوي و غيره الا ان يأتيهم اللّه اى امره او بأسه بحذف المضاف فهو كقوله تعالى وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ - جاءَهُمْ بَأْسُنا- او المعنى- ان يأتيهم اللّه (٢) و في القران و ما يعلم إلخ يبأسه فحذف المأتى به للدلالة عليه بقوله أَنَّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ قال و انما يأتى العذاب في الغمام لان الغمام مظنة الرحمة فاذا جاء منه العذاب جاء من حيث لا يحتسبه فكان أفظع- قلت و ما ذكر البيضاوي من التأويل يأبى عنه ما جاء في تفسير هذه الاية و أمثاله من الأحاديث اخرج الحاكم و ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا عن ابن عباس انه قرا يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ قال يجمع اللّه الخلق يوم القيامة في صعيد واحد الجن و الانس و البهائم و السباع و الطير و جميع الخلق فيشقق السماء الدنيا فينزل أهلها و هم اكثر ممن فى الأرض من الجن و الانس و جميع الخلق فيحيطون بالجن و الانس و جميع الخلق فيقول اهل الأرض أ فيكم ربنا فيقولون لاثم ينزل اهل السماء الثانية و هم اكثر من اهل السماء الدنيا و من اهل الأرض فيقولون أ فيكم ربنا فيقولون لا فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم و بالجن و الانس و جميع الخلائق ثم ينزل اهل السماء الثالثة هكذا ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة و هم اكثر من اهل السموات و اهل الأرض فيقولون أ فيكم ربنا فيقولون لا ثم ينزل ربنا فى ظلل من الغمام و حوله الكروبيون و هم اكثر من اهل السموات السبع و الأرضين- و حملة العرش لهم قرون ككعوب القناما بين أقدام أحدهم كذا و كذا- و من اخمص قدمه الى كعبه مسيرة خمسمائة عام و من كعبه الى ركبته خمسمائة عام و من ركبته الى أرينه خمسمائة عام و من ارينه الى ترقوته خمسمائة عام و من ترقوته الى موضع القرط خمسمائة عام قلت و ايضا لو كان معنى الاية كما قال البيضاوي بحذف المضاف و نحوه فهو نظير قوله تعالى «١» وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها يعنى و اسئلوا اهل القرية- (١) و في القران و اسئل القرية الّتى إلخ و لم يقل انه من المتشابهات أحد فحينئذ لم يكن اية في القران من المتشابهات و قد قال اللّه تعالى مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ- و لاصحاب القلوب في تلك الآيات سبيل اخر و هو ان للّه سبحانه تجليات في بعض مخلوقاته و ظهورات لا كيف لها كما ذكرنا في القلب المؤمن و الكعبة الحسناء و العرش العظيم و عامتها تكون على الإنسان فانه خليفة اللّه و تلك التجليات قد تكون برقيا كالبرق الخاطف و قد تكون دائميا و تلك لا تستدعى حدوث امر في ذاته تعالى و كونه محلا للحوادث و متنزلا عن مرتبة التنزيه بل هى مبنية على حدوث امر في الممكن كما ان المرأة المحاذية للشمس كلما صوقلت الجلت الشمس فيها و يظهر في المراءة اثارها من الاضاءة و الإحراق- و هذه التجليات هى المصداق لقوله تعالى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ و قوله تعالى يَأْتِيَهُمُ اللّه فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ يعنى يتجلّى لهم يوم القيامة في الغمام- فاما من اكتسب قلبه في الدنيا بصيرة ينفذ بصره من وراء الغمام الى اللّه سبحانه كما ينفذ البصر من الاجرام الزجاجية الى الاجرام الفلكية و لا استحالة في الرؤية من وراء الغمام بعد ما اثبتوا لرؤية في الجنة من غير حجاب كما ترون القمر ليلة البدر- و اما من لم يكتسب قلبه بصيرة و هو فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا فيكون له الغمام ساترا و حجابا- قال السيوطي في البدور السافرة رايت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي ما نصه قال سلمة ابن القاسم في كتاب غرائب الأصول حديث تنزل اللّه يوم القيامة و مجيئه في ظلل محمول على ان اللّه تعالى يغير أبصار خلقه حتى يرونه كذلك و هو على عرشه غير متغير و لا منتقل- قلت يعنى يرونه كذلك من وراء الحجاب السجنجلى قال السيوطي و كذلك جاء معناه عن عبد العزيز الماجشون انه تعالى يغير أبصار خلقه فيرونه نازلا متجليا مناجى خلقه و مخاطبهم و هو غير متغير عن عظمته و لا منتقل و قد وجدنا ان جبرئيل كان يأتى النبي صلى اللّه عليه و سلم تارة في صورته و تارة في صورة دحية و جبرئيل أجل من صورة دحية انتهى قلت و ما ذكرنا من التأويل لا مساس له بأقوال الخلف لكنه هو المراد مما ذكرنا من اقوال السلف امّروها كما جاءت بلا كيف يعنى هذه الأمور كلها من الاستواء و النزول و غير ذلك ثابتة كما جاءت في النصوص لكن بلا كيف بحيث لا يزاحم مرتبة التنزيه- و هذا امر من لم يذقه لم يدر و من ورى لا يمكنه التعبير عنه كما هو بل يختبط إفهام السامعين فيفهون غير مراده فعليكم بالسكوت عنه و الايمان به و ليس لاحدان يفسره الا اللّه و رسوله و عطف الرسول على اللّه يقتضى انه صلى اللّه عليه و سلم كان عالما بتفسير المتشابهات قلت و كذا كمل اتباعه و اللّه اعلم وَ إِلَى اللّه تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) قرا ابن عامر حمزة و الكسائي و يعقوب ترجع الأمور حيث وقع بفتح التاء و كسر الجيم من الرجوع اللازم و الباقون بضم التاء و فتح الجيم من الإرجاع المتعدى. |
﴿ ٢١٠ ﴾