٢١٣ كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً اخرج البزار في مسنده و ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن المنذر في تفاسيرهم و الحاكم فى المستدرك و صححه عن ابن عباس قال كان بين آدم و نوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا و كذا اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة انهم كانوا عشرة قرون كلهم علماء يهتدون من الحق ثم اختلفوا فبعث اللّه نوحا و كان نوح أول رسول أرسله اللّه الى الأرض- و قال الحسن و عطاء كان الناس من وقت وفات آدم الى مبعث نوح عليه السلام امة واحدة على الكفر أمثال البهائم فبعث اللّه نوحا و غيره من النبيين- و الجمع بين القولين انهم كانوا اولا كلهم مسلمين ثم اختلفوا حتى صاروا كلهم كفارا في زمن نوح غير أبوي نوح فانهما كانا مؤمنين بدليل قول نوح رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ الاية- و قيل المراد بالناس العرب قال الحافظ عماد الدين بن كثير كان العرب على دين ابراهيم الى ان ولى عمرو بن عامر الخزاعي مكة اخرج احمد في مسنده عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال أول من سيّب السوائب و عبد الأصنام ابو حزاعة عمرو بن عامر و انى رايت قصبه في النار- و في الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رايت عمرو بن عامر بن لحى ابن قمعة بن خندق يجر قصبه في النار انه أول من سيّب السوائب- و اخرج ابن جرير في تفسيره عنه نحوه و فيه انه أول من غير دين ابراهيم- لكن يأبى تأويل الناس بالعرب صيغة النبيين بالجمع إذ لم يبعث في العرب غير محمد صلى اللّه عليه و سلم- لينذر قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ و روى عن ابى العالية عن ابى بن كعب قال كان الناس حين عرضوا على آدم عليه السلام اخرجوا من ظهره و أقروا بالعبودية امة واحدة مسلمين كلهم و لم يكونوا امة واحدة قط غير ذلك اليوم- قلت و يمكن ان يقال كان الناس امة واحدة مستعدين لقبول الحق مولودين على القطرة فاخبطهم شياطين الانس و الجن فاختلفوا عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء متفق عليه فَبَعَثَ اللّه معطوف على كان النّاس امّة واحدة ان كان المراد اجتماعهم على الكفر و معطوف على مقدر يعنى فاختلفوا فبعث اللّه ان كان المراد اجتماعهم على الحق- فان البعث ليس الا لدفع الكفر و الفساد و يدل على هذا التقدير قوله تعالى فيما بعد فيما اختلفوا فيه النَّبِيِّينَ قال ابو ذر قلت يا رسول اللّه كم وفاء عدة الأنبياء قال- مائة الف و اربعة و عشرون الفا المرسل من ذلك ثلاثمائة و خمسة عشر جما غفيرا- رواه احمد- و في رواية عنه ثلاثمائة و بضعة عشر- قال البغوي و المرسل منهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر و المذكور في القران باسمه العلم ثمانية و عشرون نبيا- قلت بل المذكور في القران انما هم ستة و عشرون منهم ثمانية عشر في قوله تعالى وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ... وَ كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ و ثمانية غيرهم آدم و إدريس و هود و صالح و شعيب و ذو الكفل و عزير و محمد سيد الأنبياء صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين و قيل يوسف الذي ذكر في سورة المؤمن غير يوسف بن يعقوب عليه السلام بل هو يوسف بن ابراهيم بن يوسف بن يعقوب فصاروا سبعة و عشرين- و قيل بنبوة مريم أم عيسى فكمل ثمانية و عشرون لكن قوله تعالى وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا ... مِنْ أَهْلِ الْقُرى «١» يأبى نبوة مريم- و يحتمل ان يكون الثامن و العشرون لقمان و اللّه اعلم (١) و في القران الّا رجالا نوحى إليهم مُبَشِّرِينَ بالثواب لمن أطاع وَ مُنْذِرِينَ بالعقاب لمن عصى وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ يريد به الجنس بِالْحَقِّ حال من الكتاب اى متلبسا بالحق شاهدا به لِيَحْكُمَ اللّه او الكتاب او النبي المبعوث معه و قرا ابو جعفر ليحكم بضم الياء و فتح الكاف هاهنا و فى ال عمران و في النور في الموضعين فحينئذ نائب الفاعل الظرف و المعنى ليحكم به يعنى بالكتاب بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ اى في الحق الذي اختلفوا فيه او فيما التبس عليهم وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ اى في الكتاب إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ الموصول للعهد و المراد به اليهود و النصارى مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ اى الآيات المحكمات في التورية الآمرة بالمعروف و الناهية عن المنكر و المبشرة بمجى ء محمد صلى اللّه عليه و سلم الناعتة بصفاته الكريمة- قال السيوطي في التفسير قوله من بعد متعلق باختلف و هى و ما بعده مقدم على الاستثناء في المعنى يعنى في الكلام تقديم و تأخير- قلت و الاولى ان يقال انه متعلق بمحذوف اى اختلفوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ لان ما قبل الا لا تعمل فيما بعدها الا في المستثنى و لا يستثنى متعدد بحرف واحد فهو جواب سوال مقدر كانّه قيل متى اختلفوا فاجيب- و معنى اختلافهم قولهم نؤمن ببعض الكتاب و نكفر ببعض و تحريفهم الكلم عن مواضعه و انكارهم صفات محمد صلى اللّه عليه و سلم و القران بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّه الَّذِينَ آمَنُوا يعنى امة محمد صلى اللّه عليه و سلم لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ للحق الذي اختلفوا فيه مِنَ الْحَقِّ بيان لما بِإِذْنِهِ بامره او بإرادته او بلطفه- قال ابن زيد اختلفوا فى القبلة فمنهم من يصلى الى المشرق و منهم من يصلى الى المغرب و منهم من يصلى الى البيت المقدس فهدانا اللّه للكعبة و اختلفوا في الصيام فهدانا اللّه لشهر رمضان- و اختلفوا في الأيام فاخذت النصارى الأحد و اليهود السبت فهدانا اللّه للجمعة و اختلفوا في ابراهيم قالت اليهود كان يهوديا و النصارى نصرانيا فهدانا اللّه للحق من ذلك و اختلفوا في عيسى فجعله اليهود الفرية و جعله النصارى الها فهدانا اللّه للحق فيه وَ اللّه يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣) لا يضل سالكه. |
﴿ ٢١٣ ﴾