٢١٦ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ قال عطاء الجهاد تطوع و المأمورون بالآيات اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خاصة دون غيرهم و اليه ذهب الثوري محتجا بقوله تعالى فَضَّلَ اللّه الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلًّا وَعَدَ اللّه الْحُسْنى قالا لو كان القاعد تاركا للفريضة لم يكن وعدا له بالحسنى- و قال سعيد بن المسيب انه فرض عين على كافة المسلمين الى قيام الساعة و الحجة له هذه الاية و حديث ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مات و لم يعز و لم يحدث نفسه بالغزو و مات على شعبة من النفاق- رواه مسلم و الجمهور على ان الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقيين مثل صلوة الجنازة و عليه انعقد الإجماع- و اتفقت الائمة على انه يجب على كل اهل بلد ان يقاتلوا من يليهم من الكفار فان عجزوا او جبنوا وجب على من يليهم الأقرب فالاقرب و على انه يجب الجهاد على الأعيان عند النفير العام و عند هجوم الكفار على بلاد الإسلام و على انه من لم يتعين عليه الجهاد لا يخرج الا بإذن أبويه ان كانا مسلمين و من عليه الدين لا يخرج الا بإذن غريمه- و الحجة للجمهور ما ذكرنا من ادلة الفريقين و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قيل لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه اثَّاقَلْتُمْ و سيجيئ في سورة التوبة ان شاء اللّه تعالى و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ان رجلا استأذن النبي صلى اللّه عليه و سلم في الجهاد فقال أ حى والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد اذهب فبرّهما متفق عليه و لابى داود و النسائي و ابن ماجة نحوه- وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ اى شاق عليكم قال اهل المعاني هذا الكره من حيث نفور الطبع عنه لما فيه من مؤنة المال و النفس لا انهم كرهوا امر اللّه وَ عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ و منه الجهاد فان فيه الظفر و الغنيمة و الاستيلاء في الدنيا و الشهادة و الثواب وَ عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ كالقعود «١» عن الجهاد فان فيه المعصية و الذلة و الحرمان من الاجر و الغنيمة- و انما ذكر كلمة عسى و هو للشك لان النفس إذا ارتاضت يكون هواه تبعا لما شرع فلا يكره الا ما كره اللّه و لا يحب الا ما أحب اللّه تعالى (١) فى الأصل كالعقود [.....] وَ اللّه يَعْلَمُ خيركم و شركم وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦) ذلك فبادروا بما أمركم اللّه تعالى حتى تفوزوا بما هو خير لكم في الدارين (فصل) فى فضائل الجهاد عن ابن مسعود قلت يا رسول اللّه اى الأعمال أفضل قال الصلاة على ميقاتها قلت ثم اى قال بر الوالدين قلت ثم اى قال الجهاد في سبيل اللّه و لو استزدته لزادنى- رواه البخاري و عن ابى هريرة قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اى العمل أفضل قال ايمان باللّه و رسوله قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل اللّه قيل ثم ماذا قال حج مبرور متفق عليه و هذه و ان كان في الصورة معارضة فان الحديث الاول يدل على افضلية الصلاة على الجهاد و الثاني بالعكس لكن الجمع بينهما بحمل كل على ما يليق بحال السائل- او يقال ان الصلاة و الزكوة المفروضتين مرادة بلفظ الايمان في حديث ابى هريرة- فلا تعارض او يقال جعل الجهاد بعد الايمان في حديث ابى هريرة صادق و ان كان الجهاد بعد الصلاة و الزكوة- و عن عمران بن حصين ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال مقام الرجل في الصف في سبيل اللّه أفضل عند اللّه من عبادة ستين سنة- رواه الحاكم و قال صحيح على شرط البخاري- و عن ابى هريرة مرفوعا مقام أحدكم في سبيل اللّه أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما- رواه الترمذي و عن ابى هريرة قيل يا رسول اللّه ما يعدل الجهاد في سبيل اللّه قال لا تستطيعونه فاعادوا عليه مرتين او ثلاثا كل ذلك يقول لا تستطيعونه ثم قال مثل المجاهد في سبيل اللّه كمثل القائم القانت بايات اللّه لا يفتر عن صلاته و لا صيامه حتى يرجع المجاهد في سهيل اللّه- متفق عليه و عن ابى امامة قال خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في سرية قمر رجل بغار فيه شى ء من ماء و يقل فحدث نفسه بان يقيم فيه و يتخلى من الدنيا فاستأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى لم ابعث باليهودية و لا بالنصرانية و لكنى بعثت بالحنفية السمحة و الذي نفس محمد بيده لغدوة او روحة في سبيل اللّه خير من الدنيا و ما فيها و لمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة- رواه احمد قلت و هذه الأحاديث يدل على افضلية الجهاد على الصلاة و الصيام و النوافل و ذلك لان الجهاد فرض على الكفاية و كلما وقع عن أحد يقع فريضته و يستوعب الأوقات و يفضى الى الشهادة التي هى قرينة للنبوة بخلاف الصلاة و الصوم فانهما ما عدا الفرائض لا يقع الا نافلة و النافلة لا تعدل الفريضة- فان قيل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- ما عمل آدمي أنجى من عذاب اللّه من ذكر اللّه- قالوا و لا الجهاد في سبيل اللّه قال و لا الجهاد في سبيل اللّه الا ان يضرب لسيفه حتى ينقطع قاله ثلث مرات رواه احمد و الطبراني و ابن ابى شيبة من حديث معاذ و هذا يعارض مامر من أحاديث و عمران و ابى هريرة و ابى امامة فما وجه التوفيق- قلنا المراد بالذكر في هذا الحديث الحضور الدائمى الذي لا فتور فيه لا الصلاة و الصوم الذين هما حظ الزهاد- و هو المراد من الجهاد الأكبر فيما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد رجع من الغزو رجعتا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر فان قيل الم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا كان في الجهاد الأصغر مشتغلا بالجهاد الأكبر- قلنا نعم كان مشتغلا بذلك لكن الحال تتفاوت بمزيد الاهتمام و اللّه اعلم عن ابى هريرة مرفوعا في الجنة مائة درجة أعدها اللّه للمجاهدين في سبيل اللّه ما بين الدرجتين كما بين السماء و الأرض فاذا سالتم اللّه فسئلوه الفردوس فانه اوسط الجنة و أعلى الجنة و فوقه عرش الرحمن و منه تنفجرا نهار الجنة- رواه البخاري- و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تعس عبد الدينار و عبد الدرهم و عبد القطيفة و عبد الخميصة ان اعطى رضى و ان لم يعط سخط طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل اللّه اشعث رأسه مغيرة قدماه و ان كان في الحراسة في الحراسة و ان كان فى الساقة كان في الساقة ان استأذن لم يؤذن له و ان شفع لم يشفع «١»- رواه البخاري و سيأتى فضائل الرباط اخر سورة ال عمران ان شاء اللّه تعالى- (١) و عن ابى بكر الصديق ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرم اللّه عليه النار- و كذا روى احمد و البخاري و الترمذي و السنائي عن ابى عيص- و عن عثمان قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول خرس ليلة في سبيل اللّه أفضل من الف ليلة قيام ليلها و صيام نهاره و عن ابى بكر الصديق قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما ترك قوم الجهاد الا عمهم اللّه تعالى بالعذاب منه رحمه اللّه و انما فضل الجهاد على سائر الحسنات و كونه ذروة سنام الإسلام لانه سبب الا شاعة الإسلام و هداية الخلق فمن اهتدى ببدل جهده كان حسناته داخلا في حسناته و أفضل من ذلك تعليم العلوم الظاهرة و الباطنة فان فيه اشاعة حقيقة الإسلام و اللّه اعلم. |
﴿ ٢١٦ ﴾