٢١٩ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ اخرج احمد عن ابى هريرة قال قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة و هم يشربون الخمر و يأكلون الميسر فسالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منهما فانزل اللّه يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ فقال الناس ما حرم علينا انما قال اثم كبير و كانوا يشربون الخمر حتى كان يوم صلى رجل من المهاجرين امّ أصحابه في المغرب خلط فى قرأته فانزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى الاية ثم نزلت اغلظ من ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الاية في المائدة الى قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قالوا انتهينا ربنا الحديث- قال البغوي جملة القول ان اللّه تعالى انزل في الخمر اربع آيات نزلت بمكة وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً فكان المسلمون يشربونها و هى لهم حلال يومئذ ثم لما نزلت في عمر بن الخطاب و معاذ بن جبل و نفر من الأنصار لما أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا يا رسول اللّه أفتنا في الخمر و الميسر فانهما مذهبتان «٢» للعقل مسلبتان «٣» للمال فانزل اللّه هذه الاية فتركها قوم لقوله تعالى إِثْمٌ كَبِيرٌ و شربها قوم لقوله منافع للنّاس الى ان صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (٢) فى الأصل مذهبة (٣) فى الأصل مسلبة و أتاهم بخمر فشربوا و سكروا فحضرت صلوة المغرب فقدّموا بعضهم ليصلى بهم فقرا (قل يا ايّها الكافرون اعبد ما تعبدون) هكذا الى اخر السورة بحذف لا فانزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سكارى الاية فحرم السكر في اوقات الصلاة فتركها قوم و قالوا لا خير في شى ء يحول بيننا و بين الصلاة و شربها قوم في غير اوقات الصلاة كان الرجل يشرب بعد صلوة العشاء فيصبح و قد زال عنه السكر او بعد صلوة الصبح فيصحوا الى وقت الظهر و اتخذ عتبان بن مالك صيفا و دعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن ابى وقاص و كان قد شوى لهم رأس بعير فاكلوا منه و شربوا الخمر حتى سكروا منها ثم انهم افتخروا عند ذلك و انتسبوا و تناشدوا الاشعار و انشد سعد قصيدة فيها هجاء الأنصار و فخر لقومه فاخذ رجل من الأنصار لحيى بعير فضرب به رأس سعد فشجّه موضحة فانطلق سعد الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و شكا اليه الأنصاري فقال اللّهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا- فنزلت ما في المائدة و اللّه اعلم. اختلف العلماء في ان الخمر ما هو فقال ابو حنيفة رحمه اللّه هو التي من ماء العنب إذا صار مسكر او قذف بالزبد و لم يشترط صاحباه القذف بالزبد- و قال مالك و الشافعي و احمد كل شراب أسكر كثيره فهو خمر- قالت الحنفية الخمر اسم خاص لما ذكرنا و هو المعروف عند اهل اللغة و لهذا اشتهر استعماله فيه و اشتهر في غيرها مما ذكرنا من المسكرات اسم اخر كالمثلث- و الطلا- و المنصف- و الباذق- و نحو ذلك و اللغة لا يجرى فيها القياس- و قال الجمهور اسم الخمر لغة لكل ما خامر العقل- و التحقيق عندى ان الخمر لفظ مشترك بين الخاص و العام اما حقيقة و اما بعموم المجاز و المراد في الاية هو المعنى الأعم- قال صاحب القاموس الخمر ما أسكر من عصير العنب او عام و العموم أصح- و قال ابن عمر حرمت الخمر و ما بالمدينة منها شى ء رواه البخاري و حديث انس كنت ساقى القوم يوم حرمت الخمر و ما شرابهم الا الفضيح البسر و التمر- متفق عليه و في رواية- انى لقائم أسقي أبا طلحة فلانا فلانا و سمى في بعض الروايات أبا عبيدة بن الجراح و ابى بن كعب و سهيلا «١» إذ جاء رجل فقال قد حرمت الخمر فقالوا أهرق هذا القلال يا انس قال فما سالوا عنها و لا راجعوها بعد خبر الرجل- (١) فى الأصل سهيل و عنه قال لقد حرمت الخمر حين حرمت و ما نجد خمر الأعناب الا قليلا و عامة خمرنا اليسر و التمر- فهذه الآثار تدل على ما ذكرت ان الخمر قد يستعمل فى المعنى الأخص لكن المراد بالاية هو المعنى الأعم و لو بالمجاز و ان كان المراد بالخمر في الاية المعنى الأخص لما طابق الجواب السؤال فان السؤال انما كان عن الشراب الذي كانوا يشربونه حين سالوا قال عمر و معاذ- أفتنا يا رسول اللّه عن الخمر فانها مذهبة للعقل- و قال اللّه تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّه وَ عَنِ الصَّلاةِ و هذا غير مختص بماء العنب بل لم يكن ماء العنب مستعملا لهم و اللّه اعلم و في الباب حديث عمر بن الخطاب انه قال فى خطبته- نزل تحريم الخمر و هى من خمسة أشياء العنب و التمر و الحنطة و الشعير و العسل و الخمر ما خامر العقل- متفق عليه و رواه احمد في مسنده عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم من الحنطة خمر و من الشعير خمر و من التمر خمر و من الزبيب خمر و من العسل خمر- و في الباب عن النعمان بن بشير مرفوعا نحوه رواه الترمذي و ابو داود و ابن ماجة و روى احمد و في آخره و انما انهى عن كل مسكر و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كل مسكر حرام و كل مسكر خمر- رواه مسلم و عن انس قال الخمر من العنب و التمر و العسل و الذرة فما خمرت من ذلك فهو الخمر- رواه احمد و إذا ثبت ان اسم الخمر تعم الاشربة المسكرة فثبت بنص القران ان ما أسكر كثيره فقليله حرام و نجس فيحد شاربه من اى شى ء كان و لا يجوز بيعها و لا يضمن متلفها غير انه لا يكفر مستحل ما سوى التي من ماء العنب لمكان الاختلاف و قال ابو حنيفة رحمه اللّه يحرم من الاشربة سوى الخمر ثلثة أحدها الطلا و هو عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب اقل من ثلثه فان ذهب نصفه فهو المنصف او اقل منه و هو الباذق إذا غلا و اشتد و قدف بالزبد ثانيها السكر و هو التي من ماء التمر إذا غلا و اشتد و قذف بالزبلة ثالثها نقيع الزبيب و هو التي من الزبيب إذا اشتد و غلا و قذف بالزبد و لم يشترط ابو يوسف القذف بالزبد فهذه الاشربة نجسة نجاسة خفيفة فى رواية و غليظة في اخرى فيحرم القليل منه كما يحرم البول لما مر من قوله صلى اللّه عليه و سلم الخمر من هاتين الشجرتين لكن لا يحد شاربه حتى يسكر لان حرمتها اجتهادية ظنية و الحدود تندرئ بالشبهات و يجوز بيعها و يضمن متلفها عند ابى حنيفة خلافا لصاحبيه- و المثلث العنبي و نبيذ التمر و الزبيب إذا طبخ ادنى طبخة و ان اشتد إذا شرب منه ما يغلب على ظنه انه لا يسكر فكل ذلك عند ابى حنيفة و ابى يوسف رحمهما اللّه حلال خلافا لمحمد رحمه اللّه هذا إذا قصد به التقوى و اما إذا قصد به التلهي فلا يحل بالاتفاق- و القدر المسكر من هذه الثلاثة حرام بالاتفاق يحد شاربه- قال ابو حنيفة و ابو يوسف انما يحرم من هذه الثلاثة إذا اسكرت القدح الأخير لانه هو المسكر حقيقة- و ما سوى ذلك من الاشربة و هو ما يتخذ من الحنطة و الشعير و الذرة و العسل و الفانبذ و البنج و لبن الرماك و غير ذلك فهو حلال عند ابى حنيفة و ابى يوسف رحمهما اللّه و ان أسكر و لا يحد شاربه و لا يقع طلاق السكران منه- و في رواية عنهما انه ان أسكر فهو حرام و يحد شاربه قال في الهداية قالوا الأصح انه يحد و به قال محمد رحمه اللّه انه حرام و يحد شاربه و يقع طلاقه إذا أسكر منه كما في سائر الاشربة لكن هذه الاشربة ليست بنجسة عند الثلاثة حيث لا يقولون بحرمة قليلها- و في فتاوى النسفي ان البنج حرام و طلاق البنجى واقع و من يعتقد حليته يقتل و يحد شاربه كما يحد شارب الخمر- و يدل على ان كل مسكر حرام و على ان ما أسكر كثيره فقليله حرام من الأحاديث حديث جابر ان رجلا قدم من اليمن سال النبي صلى اللّه عليه و سلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له الموز فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم او مسكر هو قال نعم قال كل مسكر حرام- رواه مسلم- و عن سعد بن ابى وقاص انه صلى اللّه عليه و سلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره- رواه النسائي و ابن حبان و البزار و رجاله رجال الصحيح و عن جابر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ما أسكر كثيره فقليله حرام- رواه الترمذي و حسنه و ابو داود و ابن ماجة و حديث عائشة عنه صلى اللّه عليه و سلم قال ما أسكر منه الفرق فملا الكف منه حرام- رواه احمد و الترمذي و حسنه و ابو داود و ابن حبان في صحيحه و عن أم سلمة قالت نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن كل مسكر و مفتر رواه ابو داود و عن ديلم الحميرى قال قلت لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا بأرض باردة و نعالج فيها عملا شديدا و انا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على عملنا و على برد بلادنا قال هل يسكر قلت نعم قال فاجتنبوه قلت ان الناس غير تاركيه قال ان لم يتركوه قاتلوهم رواه ابو داود و عن ابى مالك الأشعري انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها- رواه ابو داود- و في الباب عن على عند الدارقطني- و عن خوات بن جبير في المستدرك و احتجوا على اباحة النبيذ بأحاديث منها حديث ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان ينبذله أول الليلة فيشربه إذا أصبح يومه ذلك و الليلة التي تجى ء و الغد و الليلة الاخرى و الغد الى العصر فان بقي شى ء سقاه الخادم او امر به فصب- رواه مسلم قالوا لو كان حراما لما سقاه الخادم- و الجواب انه ان لم يكن مسكرا و لكن ذهب حلاوته و خاف ان سيكون مسكرا اعطى الخادم و ان غلب على ظنه كونه مسكرا امر به فصب فلا حجة فيه- و احتجوا على ان الحرام مما سوى الخمر القدح الأخير دون قليله بما أسند الى ابن مسعود كل مسكر حرام قال هى الشربة التي اسكرتك- أخرجه الدارقطني- قال ابن همام انه ضعيف فيه الحجاج بن ارطاة و عمار بن مطر و انما هو قول النخعي و أسند ابن المبارك انه ذكر له حديث ابن مسعود هذا فقال حديث باطل- و احتجوا بما روى عن ابن عباس حرمة الخمر بعينها و السكر من كل شراب- قال ابن همام انه لم يسلم و ذكر ابن الجوزي انه روى ابو سعيد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم نحوه فقال هذا موقوف و لا يتصل الى ابى سعيد- قال ابن همام نعم هو متصل من طريق جيد عن ابن عباس بلفظ حرمت الخمر بعينها قليلها و كثيرها و المسكر من كل شراب- و في لفظ و ما أسكر من كل شراب- قال ابن همام و لفظ أسكر تصحيف- قلت و معنى اثر ابن عباس ان المسكر من كل شراب حرام قليلها و كثيرها و احتجوا ايضا بحديث ابى مسعود الأنصاري ان النبي صلى اللّه عليه و سلم عطش و هو يطوف بالبيت فأتى بنبيذ من السقاية فعطب فقال رجل أ حرام يا رسول اللّه قال لا علىّ بدلو من ماء زمزم فصبه عليه ثم شرب و هو يطوف بالبيت- و عن المطلب بن ابى وداعة السهمي نحوه و في آخره إذا اشتد عليكم شرابكم فاصنعوا هكذا- و عن ابن عمر انه سئل عن النبيذ الشديد فقال جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في مجلس فوجد ريح نبيذ فارسل فاتى به فوضع رأسه فيه فوجده شديدا فصب عليه الماء ثم شرب ثم قال إذا اغتلت أسقيتكم فاكسروها بالماء- و عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم نحوه روى هذه الأحاديث كلها الدارقطني- و عن ابى مسعود سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن النبيذ إحلال أم حرام قال حلال- رواه ابن الجوزي- و عن سعيد بن ذى لقوة قال شرب أعرابي نبيذا من اداوة عمر فسكر فامر به فجلد فقال انما شربت نبيذا من إداوتك فقال عمر انما نجلدك على السكر- رواه ابن الجوزي- و الجواب ان حديث ابى مسعود قال الدارقطني هو معروف بيحيى بن يمان قال احمد بن حنبل كان يحيى بن يمان مغلط و ضعفه قيل له أ رواه غيره قال لا الا من هو أضعف منه قال النسائي لا يحتج به و قال ابو حاتم مضطرب الحديث- و حديث المطلب بن وداعة في رواته محمد بن السائب الكلبي و هو كذاب ساقط كذا قال ليث و سليمان و السعدي و قال النسائي و الدارقطني متروك و قال ابن حبان وضوح الكذب اظهر فيه- و اما حديث ابن عمر فيه عبد الملك بن نافع و هو مجهول ضعيف و الصحيح عن ابن عمر مرفوعا ما أسكر كثيره فقليله حرام- و اما حديث ابن عباس فتفرد به القاسم بن بهرام قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به بحال- و اما حديث ابى مسعود فيه عبد العزيز بن ابان قال احمد تركته و قال ابن نمير هو كذاب يضع الحديث- و اما حديث سعيد بن لقوة فقال ابو حاتم هو شيخ دجال و روى ابن ابى شيبة عن عمرو نحوه و فيه انقطاع- ثم انه لا خلاف في النبيذ فانه ان غلا و اشتد فهو حرام قليله و كثيره بالاتفاق و ان كم يسكر فهو حلال بالاتفاق فلا مساس لهذه الأحاديث بالخلافية أصلا و اللّه اعلم وَ الْمَيْسِرِ مصدر كالموعد سمى به القمار لانه أخذ مال الغير بيسر او سلب يسار الغير- قال عطاء و طاوس و مجاهد كل شى ء فيه قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز و الكعاب- قال البغوي روى عن على رضى اللّه عنه في النرد و الشطرنج انهما من الميسر- روى البيهقي في شعب الايمان عن على انه كان يقول الشطرنج هو ميسر الأعاجم- و قد ورد في النهى عن عن النرد و الشطرنج و نحوهما عن بريدة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال- من لعب بالنردشير فكانما صبغ يده بلحم خنزير- و روى عبدان و ابو موسى و ابن حزم عن حبة بن مسلم مرسلا- ملعون من لعب بالشطرنج و الناظر إليها كالاكل لحم الخنزير- و عن ابى موسى الأشعري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من لعب بالنرد فقد عصى اللّه و رسوله- رواه احمد و ابو داود- و عنه انه قال لا يلعب بالشطرنج الا خاطئ و عنه انه سئل عن لعب الشطرنج فقال هى من الباطل و لا يحب اللّه الباطل رواه البيهقي في شعب الايمان و عن ابن عمر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم- نهى عن الخمر و الميسر و الكوبة- رواه ابو داود و عن ابن عباس مرفوعا نحوه قيل الكوبة الطبل رواه البيهقي في شعب الايمان و عن ابى هريرة- ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم راى رجلا يتبع حمامة قال شيطان يتبع شيطانة رواه احمد و ابو داود و ابن ماجة و البيهقي في الشعب- و التحقيق ان اللعب بكل شى ء حرام اجماعا و ما روى عن الشافعي انه أباح اللعب بالشطرنج فقد صح انه رجع عن هذا القول- و ان اضاعة المال و التبذير باى وجه كان كالرشوة و القمار و الربوا و غير ذلك ايضا حرام اجماعا قال اللّه تعالى إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ و في الميسر اجتمع الأمران اللعب و اضاعة المال فامره أشد و هو كبيرة من الكبائر اجماعا سواء كان المقامرة بما كان به عادة العرب او بغير ذلك من الشطرنج و الغرد و نحوهما قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ فانهما يستلزمان الأوزار العظيمة من المخاصمة ما لمشاتمة و يوقعان العداوة و البغضاء و يصدان عن ذكر اللّه و عن الصلاة قرا حمزة و الكسائي أتم كثير بالثاء من حيث تعدد اقسام الأوزار- و قال الباقون كبير بالباء بناء على عظم المعصية و كونهما من الكبائر عن معاذ قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تشربنّ خمرا فانه رأس كل فاحشة- رواه احمد و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يزنى الزاني حين يزنى و هو مؤمن و لا يسرق السارق حين لسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن الحديث رواه البخاري و عن ابن عمر و قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- الخمر أم الفواحش و اكبر الكبائر و من شرب الخمر ترك الصلاة و وقع على امه و خالته و عمته- رواه الطبراني بسند صحيح- و عن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب من شرب الخمر لم يقبل اللّه لصلوة أربعين صباحا فان تاب تاب اللّه عليه فان عاد لم تهبل اللّه له صلوة أربعين صباحا فان تاب تاب اللّه عليه فان عاد لم يقبل اللّه له صلوة أربعين صباحا فان تاب تاب اللّه عليه فان عاد في الرابعة لم يقبل اللّه له صلوة أربعين صباحا فان تاب لم يتب اللّه عليه و سقاه من نهر الخيال رواه النسائي و ابن ماجة و الدارمي و عن عبد اللّه بن عمر و قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- الخمر أم الخبائث فمن شربها لم يقبل صلاته أربعين يوما فان مات و هى في بطنه مات ميتة جاهلية- رواه الطبراني بسند حسن و عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم- قال لا يدخل الجنة عاق و لا قمار و لا منان و لا مدمن خمر رواه الدارمي و عن ابن عمر مرفوعا ثلاثة قد حرم اللّه عليهم الجنة مد من الخمر و العاق و الديوث- رواه احمد و النسائي و عن ابى امامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه بعثني رحمة للعالمين و هدى للعالمين و أمرني ربى عز و جل بمحق المعازف و المزامير و الأوثان و الصليب و امر الجاهلية و حلف ربى عز و جل بعزتي لا يشرب عبد من عبيدى جرعة من خمر الا سقيته من الصديد مثلها و لا يتركها مخافتى إلا سقيته من حياض القدس- رواه احمد و عن ابى موسى الأشعري ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ثلاثة لا يدخل الجنة مدمن الخمر و قاطع الرحم و مصدق السحر- رواه احمد و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مدمن الخمر ان مات لقى اللّه كعابد وثن- رواه احمد- و روى ابن ماجة عن ابى هريرة و البيهقي- و عن ابى موسى انه كان يقول ما أبالي شربت الخمر او عبدت هذه السارية دون اللّه- رواه النسائي وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ فان في الخمر لذة عند شربها و الفرح و استمراء الطعام و تشجيع الجبان و توقير المروة و تقوية الطبيعة- و دفع بعض الأمراض و في الميسر إصابة المال من غير كد و لا تعب (مسئلة) اجمعوا على انه لا يجوز الانتفاع بالخمر في حالة الاختيار و اما في حالة الإكراه و الاضطرار فيجوز لقوله تعالى إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ- و قوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ- فمن غص بلقمة و لم يجد غير الخمر جاز له ان يسقيها عند ابى حنيفة و الشافعي و احمد و قال مالك في المشهور عنه لا يجوز- و اختلفوا في انه هل يجوز التداوى بالخمر فقال ابو حنيفة و مالك و احمد لا يجوز و به قال الشافعي في أصح قوليه و في قول له انه يجوز القليل للتداوى قال في الهداية كره شرب و دردى الخمر و الامتشاط به لان فيه اجزاء الخمر و الانتفاع بالمحرم حرام- و لهذا لا يجوز ان يداوى به جرحا او دبرة دابة و لا ان يسقى ذميا و لا ان يسقى صبيا للتداوى و الوبال على من سقاه- و كذا لا يسقيها الدّواب عن وائل بن حجر ان رجلا سال النبي صلى اللّه عليه و سلم عن الخمر فنهاه عنها قال انما صنعتها للدواء فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم انها داء و ليست بدواء- رواه مسلم و عن طارق بن سويد قال قلت يا رسول اللّه ان بأرضنا أعنابا نعصرها و نشربها قال لا فعاودته فقال لا فقلت انا نستسقى بها المريض قال ان ذاك ليس بشفاء لكنه داء- رواه احمد- و عن أم سلمة قالت نبذت نبيذا في كور فدخل النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو يغلى فقال ما هذا قلت اشتكت ابنة لى فصنعت لها هذا فقال ان اللّه لم يجعل شفاء كم فيما حرم عليكم- رواه البيهقي و ابن حبان و لفظ ابن حبان ان اللّه لم يجعل شفاءكم فى حرام و ذكره البخاري عن ابن مسعود تعليقا- قلت ليس معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم لم يجعل شفاءكم في حرام انه لم يخلق فيه شفاء فانه خلاف منطوق الاية و بالتحريم لا ينتفى المنافع الخلقية لا تبديل لخلق اللّه- بل المعنى انه لم يرخص لكم في تحصيل الشفاء بالحرام و قد يحتج على جواز التداوى بالحرام بحديث انس ان رهطا من عكل او قال عرينة قدموا المدينة فامولهم النبي صلى اللّه عليه و سلم بلقاح و أمرهم ان يخرجوا فيشربوا من أبوالها و ألبانها فشربوا حتى إذا برءوا قتلوا الراعي الحديث متفق عليه و الجواب انه منسوخ فان قصة العرنيين كان قبل نزول سورة المائدة على ان الشافعي يستدل بهذا الحديث على طهارة بول ما يؤكل لحمه فلا يجوز له الاحتجاج بهذا الحديث على جواز التداوى بالمحرم- و اختلفوا في انه هل يجوز تخليل الخمر فقال ابو حنيفة يجوز و يطهر بالتخليل و قال مالك يكره لكن يطهر بالتخليل و قال الشافعي و احمد لا يجوز و لا يطهر- لابى حنيفة حديث أم سلمة انها كانت لها شاة يحلبها ففقدها النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ما فعلت الشاة قالوا ماتت قال أ فلا انتفعتم باهابها فقلنا انها ميتة فقال دباغتها تحل كما تحل خل الخمر- رواه الدارقطني قال الدارقطني تفرد به الفرج بن فضالة و هو ضعيف و قال ابن حبان بقلب الأسانيد يلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة لا يحل الاحتجاج به- و قد ذكروا أحاديث لا اصل لها منها خير خلكم خل خمركم و يطهر الدباغ الجلد كما يحل الخمر- و هذا لا يعرف و الحجة للشافعى و احمد حديث انس ان أبا طلحة سال النبي صلى اللّه عليه و سلم عن أيتام و رثوا خمرا قال اهرقها قال اولا نجعلها خلا- قال لا أخرجه مسلم و لهذا الحديث طرق اخر أخرجها الدارقطني و في بعضها الى اشتريت لايتام في حجرى خمرا فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم أهرق الخمر و اكسر الدنان فاعاد ذلك عليه ثلاث مرات- و حديث ابى سعيد قال قلنا الرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما حرمت الخمر ان عندنا خمر ليتيم لنا فامرنا فاهرقناها وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما قال البغوي قال الضحاك إثمهما بعد التحريم اكبر من نفعهما قبل التحريم- و قيل إثمهما اكبر من نفعهما قبل التحريم- و الظاهر عندى ان إثمهما بعد التحريم اكبر من نفعهما كذلك لان مضار الإثم راجعة الى الاخرة و منافعها راجعة الى الدنيا و متاع الدنيا قليل و الساعة أدهى و امر و اللّه اعلم اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد و عكرمة عن ابن عباس ان نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل اللّه أتوا النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا انا لا ندرى ما هذه النفقة التي امرتنا بها في أموالنا فما ننفق منها- و اخرج ايضا عن يحيى انه بلغه ان معاذ بن جبل و ثعلبة أتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالا يا رسول اللّه ان لنا ارقاء و أهلين فما ننفق من أموالنا فانزل اللّه تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْو قرا ابو عمر و بالرفع يعنى الذي ينفقون هو العفو قال عطاء و قتادة و السدى هو ما فضل عن الحاجة و كان الصحابة يكتسبون المال فيمسكون قدر النفقة و يتصدقون بالفضل بحكم هذه الاية- عن ابى امامة ان رجلا من اهل الصفة نوفى و ترك دينارا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كيّة قال ثم توفى اخر و ترك دينارين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كيتان- رواه احمد و البيهقي في شعب الايمان و عن ابى هاشم بن عقبة قال عهد إلينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عهدا سمعته يقول انما يكفيك من جمع المال خادم و مركب- رواه احمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة ثم نسخ هذا الحكم باية الزكوة قلت و هذا ليس بسديد فان إنزال الحكم بالزكاة في صدر سورة البقرة و نزولها في السنة الاولى او الثانية من الهجرة فآية الزكوة مقدمة نزولا على هذه الاية- فاما ان يقال المراد بهذه الاية اشتراط ان يكون نصاب المال في الزكوة فاضلا عن الحاجة الاصلية من الدين و غير ذلك او يقال السؤال انما كانت عن الصدقة النافلة و مقتضى الاية ان الأفضل التصدق عن ظهر غنى قال مجاهد معناه التصدق عن ظهر غنى حتى لا يبقى كلا على الناس- و قال عمرو بن دينار العفو الوسط من غير إسراف و لا إقتار قال اللّه تعالى وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا- و قال طاؤس العفو ما يسر و منه قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ اى الميسور من اخلاق الناس فينفق ما تيسر له بذله و لا يبلغ منه الجهد عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى و ابدأ بمن تعول- رواه البخاري و ابو داود و النسائي- و عن حكيم بن حزام نحوه متفق عليه و روى البغوي عن ابى هريرة نحوه و زاد و اليد العليا خير من اليد السفلى- و عن ابن عباس مثله بلفظ خير الصدقة ما أبقت غنى- رواه الطبراني و عن ابى هريرة قال جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه عندى دينار فقال أنفقه على نفسك- قال عندى اخر قال أنفقه على ولدك قال عندى اخر قال أنفقه على أهلك قال عندى اخر قال أنفقه على خادمك قال عندى أنت اعلم- رواه ابو داود و النسائي- و عن جابر ان رجلا اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم ببيضة من ذهب أصابها فى بعض المغانم فقال خذها منى صدقة فاعرض عنه ثم كرر مرارا فقال هاتها مغضبا فاخذها فخذفها حذفا لو أصابه لشجه ثم قال يأتى أحدكم بماله كله يتصدق به و يجلس يتكفف الناس انما الصدقات عن ظهر غنى- رواه البزار و ابو داود ابن حبان و الحاكم عند البزار في بعض المغانم و الباقيين في بعض المغازي فان قيل لهذا الحديث و الاية يدلان على كراهة انفاق جميع المال و كراهة جهد المقل- فان العفو ضد الجهد و حديث ابى امامة يدل على وجوب انفاق جميع المال- و قد صح عنه صلى اللّه عليه و سلم- انه سئل اى صدقة أفضل قال جهد المقل و ابدأ بمن تقول- رواه ابو داود من حديث ابى هريرة- و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو كان لى مثل أحد ذهبا لسرنى ان لا يمر على ثلاث ليال و عندى منه شى ء الا شى ء ارصده لدين رواه البخاري و عن اسماء قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انفقى و لا تحصى فيحصلى اللّه عليك و لا توعى فيوعى اللّه عليك ارضحى ما استطعت- متفق عليه قلت الحكم يختلف باختلاف الاشخاص و الأحوال فمن كان بعد ما يتصدق كل ماله يتكفف الناس و لا يستطيع الصبر على الفقر لا يجوز له ذلك و من يقدر على الصبر و ليس عليه حق من حقوق الناس فالافضل فى حقه البذل في سبيل اللّه- و حقوق الناس من الديون و نفقة العيال و الخادم مقدم على التصدق على الأجنبي لا محالة فان ذلك فريضة و هذه نافلة- و من التزم على نفسه التزهد و المعاش على حسب عيش النبي صلى اللّه عليه و سلم كاهل الصفة من الصحابة و اهل الخانقاه من الصوفية فيكره له إمساك ما فضل عن الحاجة و عليه يحمل حديث ابى امامة و لعل النبي صلى اللّه عليه و سلم عبر التحسر على فوات الأفضل من الأعمال بالكلية- فان قيل لو أنفق ما فضل عن الحاجة قبل بلوغ النصاب و الحول فقط ادى نافلة و لو اتفق بعد ما بلغ المال نصابا و حال عليه الحول فقد ادى فريضة و أداء الفريضة يكون أفضل من النافلة فكيف يقال بالعكس- قلنا سبب وجوب الانفاق هو نفس تملك المال و به يحصل القدرة الممكنة فان الشكر عبارة عن صرف النعمة في رضاء المنعم و اشتراط النصاب و النماء و الحول رخصة من اللّه تيسيرا و تفضلا و به يحصل القدرة الميسرة فمن ترك الانفاق لفوات القدرة الميسرة فلا اثم عليه بناء على الرخصة- و لكن من أنفق مع فوات القدرة الميسرة بعد الممكنة فقد اتى بالعزيمة- و الواجب في المال بعد النصاب و ان كان ربع العشر مثلا لكن من أنفق كل المال في سبيل اللّه يقع كل ذلك عن الفريضة كما ان الواجب من القراءة في الصلاة يتادى بالفاتحة و ثلاث آيات قصار لكن من قرا القران كله في ركعة يقع عن الواجب لان فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ- و أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ شامل لهما- و كون المال فاضلا عن الحاجة يكفى لصدق من التبعيضية في قمار رزقنكم كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّه لَكُمُ الْآياتِ الكاف في موضع النصب صفة مصدر محذوف يعنى يُبَيِّنُ اللّه لَكُمُ الْآياتِ تبيينا مثل ذلك التبيين فى امر النفقة و غيرها من الاحكام و انما و حدّ العلامة و المخاطب به جمع على تأويل القبيل و الجمع او هو خطاب للنبى صلى اللّه عليه و سلم و خطابه يشتمل على خطاب الامة كقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩) فى الدلائل و الاحكام فتعلمون ان تلك الآيات لا يتصور الا من اللّه العليم بمصالح الأمور و عواقبها الحكيم المتقن فتبادروا بامتثال أوامره و الانتهاء عن مناهيه فتفوزوا بمنافع الدارين. |
﴿ ٢١٩ ﴾