٢٢٢

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ- المحيض مصدر كالمجئ و المبيت- و المعنى يسئلونك عما يفعل بالنساء في المحيض- ذكر اللّه سبحانه يسئلونك بغير و او ثلثا ثم بالواو ثلثا لعله كانت السؤالات السابقة في اوقات متفرقة و الثلاثة الاخيرة كانت في وقت واحد فلذلك ذكرها بلفظ الجمع.

قُلْ يا محمد هُوَ يعنى المحيض أَذىً قذر مستقذر

فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ و المراد باعتزال النساء ترك الوطي اجماعا- دون ترك المخالطة في الاكل و الشرب و المضاجعة و غير ذلك- روى البخاري و مسلم في حديث انس المذكور انه حين نزل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اصنعوا كل شى ء الا النكاح و عن عائشة قالت كنت اغتسل انا و النبي صلى اللّه عليه و سلم من اناء واحد و كلانا جنب و كان يأمرنى فاتزر فيباشرنى و انا حائض و كان يخرج رأسه الىّ و هو معتكف فاغسله و انا حائض متفق عليه و عنها قالت كنت اشرب و انا حائض ثم انا و له النبي صلى اللّه عليه و سلم فيضع فاه موضع فيّ فيشرب و اتعرق العرق و انا حائض ثم انا و له النبي صلى اللّه عليه و سلم فيضع فاه موضع فيّ رواه مسلم و عنها قالت كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يتكى في حجرى و انا حائض ثم يقرأ القران متفق عليه و عنها قالت قال لى النبي صلى اللّه عليه و سلم ناولنى الخمرة من المسجد فقلت انى حائض فقال ان حيضتك ليست في يدك- رواه مسلم عن ميمونة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يصلى في مرط بعيضه علىّ و بعضه عليه و انا حائض- متفق عليه و عن أم سلمة قالت حضت فاخذت ثياب حيضتى فلبستها فقال لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ نفست قلت نعم فادخلنى معه في الخميلة- رواه البخاري

وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ تأكيد للحكم السابق و بيان للغاية قرا عاصم برواية ابى بكر و حمزة و الكسائي بتشديد الطاء و الهاء

و قرا الآخرون بسكون الطاء و ضم الهاء مخففا و معنى القراءتين عند مالك و الشافعي و احمد و أحد يعنى حتى يغتسلن فلا يجوز عندهم قربان الحائض بعد انقطاع دمها قبل الاغتسال أصلا-

و قال ابو حنيفة معنى قراءة التخفيف حتى يطهرن من الحيض و تنقطع دمهن فيجوز على هذه القراءة القربان بغد الانقطاع قبل الغسل و معنى قراءة التشديد الاغتسال فعلى هذه القراءة لا يجوز ذلك فيحمل ابو حنيفة قراءة التخفيف على ما إذا انقطع دمها بعد عشرة ايام و قراءة التشديد على ما دون العشرة- و يرد عليه ان قراءة التشديد ناطق بالمنع عن القربان قبل الاغتسال و قراءة التخفيف لا يدل على اباحة القربان قبل الاغتسال الا بالمفهوم و المفهوم لا يعارض المنطوق- و بعد ما اجمعوا على حرمة الوطي في الحيض اختلفوا في انه من ارتكب ذلك هل يجب عليه كفارة أم لا- فقال ابو حنيفة و مالك لا يجب عليه الكفارة بل الاستغفار فحسب- و هو الجديد من قول الشافعي- و قال احمد يتصدق بدينار فان لم يجد فنصف دينار-

و قال الشافعي في القديم ان اتى حائضا فى اقبال الدم فعليه دينار و في ادبار الدم فنصف دينار- لحديث ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى الذي يأتى امرأته و هى حائض قال يتصدق بدينار او نصف دينار- رواه احمد عن يحيى عن شعبة عن الحكم عن عبد الحميد عن مقيم عنه و رواه اهل السنن و الدارقطني و رواة هذا الحديث مخرج في الصحيحين الا مقيما انفرد بإخراجه البخاري و صححه ابن القطان و الحاكم و ابن دقيق العبد فلا يضر رواية من رواه موقوفا فان الرفع زيادة مقبولة من الثقة و احتجوا للقول القديم الشافعي بما روى عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم-

إذا كان دما اصفر فنصف دينار و احمر فدينار- و مدار هذا الحديث على عبد الكريم ابى امية و هو مجمع على تركه كان ابو أيوب السجستاني يرميه بالكذب و قال احمد و يحيى ليس بشى ء و اختلفوا في الاستمتاع بما تحت الإزار دون الجماع فقال احمد يجوز و قال الجمهور لا يجوز لاحمد ما مر من حديث انس اصنعوا كل شى ء الا النكاح-

و عن عكرمة عن بعض ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان إذا أراد من الحائض شيئا القى على فرجها شيئا رواه ابن الجوزي- و احتج الجمهور بحديث معاذ بن جبل قال قلت يا رسول اللّه ما يحل لى من امراتى و هى حائض قال ما فوق الإزار و التعفف عن ذلك أفضل- رواه رزين- قال محيى السنة اسناده ليس بالقوى- و عن عبد اللّه بن «١» نحوه رواه ابو داود-

(١) هكذا في الأصل

و عن زيد بن اسلم قال- ان رجلا سال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ما يحل لى من امراتى و هى حائض فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها- رواه مالك و الدارمي مرسلا- و التحقيق انه ان ملك اربته فلا بأس بالمساس تحت الإزار دون الفرج لان المراد بالاية هو النهى عن الجماع و الجمع بين الحقيقة و و المجاز لا يجوز- و الا فالترك واجب فانه من حال حول الحمى يوشك ان يقع فيه- و اجمعوا على ان الحيض يمنع جواز الصلاة و وجوبها و يمنع جواز الصوم لا وجوبه- فلذا لا تقضى الصلاة و تقضى الصوم قالت عائشة- كنا نحيض عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيأمرنا بقضاء الصيام و لا يأمرنا بقضاء الصلاة- رواه مسلم و الترمذي- و هذا حديث مشهور روى معناه عن كثير من الصحابة صريحا و دلالة- و في الصحيحين قوله عليه السلام أ ليس إذا حاضت لم تصل و لم تصم- و ايضا قوله صلى اللّه عليه و سلم إذا أقبلت الحيضة فاتركى الصلاة- و يمنع الحيض دخول المسجد و الطواف و مس المصحف و قراءته اجماعا- قال اللّه تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ- و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- و جهوا هذه البيوت عن المسجد فانى لا أحل المسجد لحائض و لا جنب رواه ابو داود و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تقرا الحائض و لا الجنب شيئا من القران- رواه الترمذي و ابن ماجة و الدارقطني- و له شاهد من حديث جابر- رواه الدارقطني مرفوعا و في اسناد هذين الحديثين مقال و اللّه اعلم

فَإِذا تَطَهَّرْنَ اتفق القراء هاهنا على التشديد فظهر ان الاغتسال شرط لاباحة الوطي

فَأْتُوهُنَّ فجامعوهن يعنى أبا حكم اللّه الجماع بعد التطهر

مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه يعنى الفرج دون الدبر-

و انما ذكرنا الإباحة لان الأمر بالجماع للاباحة دون الوجوب- قال مجاهد و قتادة و عكرمة اى من حيث أمركم ان تعتزلوهن منه و هو الفرج- و كذا قال ابن عباس قيل من هاهنا بمعنى في يعنى فى حيث أمركم اللّه و هو الفرج كقوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ اى في يوم الجمعة- و قال ابن الحنفية من قبل الحلال دون الفجور

إِنَّ اللّه يُحِبُّ التَّوَّابِينَ من الكفر و المعاصي وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢) من الاقذار كمجامعة الحائض و الإتيان في الدبر و من الأحداث و الاخباث فحرمة إتيان النساء في أدبارهن ثبت بهذه الاية بالاشارة او بالقياس على حرمة و طى الحائض فانه مستقذر كالوطى في الحيض- بل الوطي مطلقا مستقذر سواء كان في القبل او في دبر الرجل او الامرأة و من ثم يجب الغسل به لكن أبيح الوطي في القبل لضرورة ابقاء النسل و جعل للاباحة شرائط من النكاح و عدم المحرمية و براءة الرحم و الطهارة من الحيض و غير ذلك- و لا ضرورة في الوطي في الدبر سواء كان المفعول به رجلا او امراة فبقى على حرمته لعلة الاستقدار- و قد ثبت حرمة إتيان الرجل الرجل في دبره بالنصوص القطعية و الإجماع و هلك في ذلك قوم لوط عليه السلام فكذا إتيان المرأة في دبرها- و من ثم قيد اللّه سبحانه قوله فَأْتُوهُنَّ بقوله مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه- و لدفع توهم حرمة الجماع بعلة الأذى و بيان وجه ضرورة الإباحة عقب اللّه تعالى تلك الاية بقوله-.

﴿ ٢٢٢