٢٥٣

تِلْكَ الرُّسُلُ اشارة الى جماعة المرسلين التي علمت بقوله و انّك لمن المرسلين و اللام للاستغراق و الموصوف مع الصفة مبتدأ خبره

فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ الفضل هو زيادة أحد الشيئين على اخر في وصف مشترك بينهما و في العرف و الاصطلاح يختص ذلك بوصف الكمال و هو ما يقتضى مدحا في الدنيا و ثوابا في الاخرة- فان كان أحدهما مختصا بوصف كمال و الاخر بوصف كمال اخر فلكل واحد منهما فضل جزئى على الاخر في مطلق الكمال اعنى في استحقاق المدح و الثواب و الفضل الكلى لمن له زيادة الثواب و مزية القرب عند اللّه تعالى فالرسل و الأنبياء عليهم الصلاة و السلام شركاء في درجة الرسالة او النبوة و موجبات الاجر و الثواب و فيما بينهم تفاضل عند اللّه تعالى بناء على كثرة الثواب و مزيد القرب لا يعلمه كما هو الا اللّه تعالى و قد يدرك بعض ذلك بتعليمه تعالى كقوله

مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّه قال اهل التفسير هو موسى عليه السلام لقوله تعالى وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ، و هذه الاية لا يقتضى تخصيصه بذلك الفضيلة فقيل انه موسى و محمد عليهما الصلاة و السلام كلم اللّه موسى على الطور و محمدا ليلة المعراج حين كان قاب قوسين او ادنى فاوحى الى عبده ما اوحى و شتان ما بينهما

وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ على بعضهم او على كلهم- اما رفع درجات بعضهم على بعضهم ففى كثير من الأنبياء و الرسل حيث فضل الرسل على الأنبياء و اولى العزم من الرسل على غيرهم و نحو ذلك و اما رفع درجات بعضهم على كلهم فذلك مختص بنبينا محمد صلى اللّه عليه و سلم ثابت ذلك بوحي غير متلو و انعقد عليه الإجماع عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا سيد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر و بيدي لواء الحمد و لا فخر و ما من بنى آدم فمن سواه الا تحت لواثى و انا أول من تنشق الأرض و لا فخر و انا أول شافع و أول مشفع و لا فخر رواه احمد و الترمذي و ابن ماجة و عن ابن عباس قال جلس ناس من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون قال بعضهم ان اللّه اتخذ ابراهيم خليلا و قال اخر موسى كلمه اللّه تكليما و قال اخر عيسى كلمة اللّه و روحه و قال اخر آدم اصطفاه اللّه فخرج عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال قد سمعت كلامكم و عجبكم ان ابراهيم خليل اللّه و هو كذلك و موسى نجى اللّه و هو كذلك و عيسى روحه و كلمته و هو كذلك و آدم اصطفاه اللّه و هو كذلك الا و انا حبيب اللّه و لا فخر و انا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه و لا فخر و انا أول شافع و أول مشفع يوم القيامة و لا فخر و انا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح اللّه لى فيدخلنى و معى فقراء المؤمنين و لا فخروانا أكرم الأولين و الآخرين على اللّه و لا فخر رواه الترمذي و الدارمي و عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا قائد المرسلين و لا فخر و انا خاتم النبيّين و لا فخر و انا أول شافع و مشفع و لا فخر رواه الدارمي- و عن أبيّ بن كعب قال النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا كان يوم القيامة كنت امام النبيّين و خطيبهم و صاحب شفاعتهم غير فخر رواه الترمذي- و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انا أول من ينشق عنه الأرض فاكسى حلة من حلل الجنة ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيرى رواه الترمذي- و عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال سلوا اللّه الوسيلة قالوا يا رسول اللّه ما الوسيلة قال أعلى درجة الجنة لا ينالها الا رجل واحد أرجو أن أكون انا هو رواه الترمذي و هذه الأحاديث و ان كانت من الآحاد لكنها متواترة من حيث المعنى و تلقته الامة بالقبول- قال الامام محى السنة البغوي رضى اللّه عنه ما اوتى نبى اية الا اوتى نبينا صلى اللّه عليه و سلم مثل تلك الاية و فضل على غيره بايات مثل انشقاق القمر بإشارته- و حنين الجذع على مفارقته- و تسليم الحجر و الشجر عليه- و كلام البهائم و الشهادة برسالته- و نبع الماء من بين أصابعه و غير ذلك من المعجزات و الآيات التي لا تحصى و أظهرها القران الذي عجز اهل السماء و الأرض عن الإتيان بمثله ثم روى بسنده عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ما من نبى الا و قد اعطى من الآيات ما أمن على مثله البشر و انما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه اللّه الى فارجوان أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة متفق عليه و بسنده عن جابران النبي صلى اللّه عليه و سلم قال أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر و جعلت لى الأرض مسجدا و طهورا فايما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل- و أحلت لى الغنائم و لم يحل لاحد قبلى- و أعطيت الشفاعة- و كان النبي يبعث الى قومه خاصة و بعثت الى الناس عامة متفق عليه و بسنده عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال فضلت على الأنبياء بست أوتيت بجوامع الكلم- و نصرت بالرعب- و أحلت لى الغنائم- و جعلت لى الأرض مسجدا و طهورا- و أرسلت الى الخلق كافة- و ختم بي النبيون- رواه مسلم- و هذا الباب طويل جدا لا يسعه المقام و قد صنف فيه مجلدات

وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ تكلم الناس في المهد و كان يبرئ الأكمه و الأبرص و يحى الموتى و انزل عليه مائدة من السماء

وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ و قد مر تفسيره فيما قبل خص اللّه سبحانه عيسى بالتعيين لافراط اليهود و النصارى في تحقيره و تعظيمه

وَ لَوْ شاءَ اللّه هداية الناس جميعا مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ اى من بعد الرسل

مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ المعجزات الواضحات

وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا بارادة اللّه سبحانه اظهار صفاته الجلالية و الجمالية و أسمائه من الهادي و المضل و الغفار و القهار و المنتقم و العفو و غيرها

فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ تفضلا بهدايته و توفيقه التزام دين الأنبياء و هم الذين كان دينهم صفة الهداية

وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بخذلانه عدلا و هم الذين كان دينهم صفة الإضلال- عن ابى موسى قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقول ان اللّه خلق خلقه في ظلمة فالقى عليهم نوره فمن أصاب ذلك النور اهتدى و من أخطأ ضل فلذلك أقول جف القلم على علم اللّه رواه احمد و الترمذي

وَ لَوْ شاءَ اللّه مَا اقْتَتَلُوا كرره للتأكيد

وَ لكِنَّ اللّه يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣) لا يجوز عليه الاعتراض و لا يبلغ الى كنه حكمته غيره

قال البغوي سال رجل على بن ابى طالب فقال يا امير المؤمنين أخبرني عن القدر قال طريق مظلم فلا تسلكه فاعاد السؤال فقال بحر عميق فلا تلجه فاعاد فقال سر خفى فلا تفشه- يعنى هو امر لا يمكن دركه بالعقل و تفتيشه يوجب الهلاك كما يوجب الهلاك الولوج في البحر العميق و السلوك في الطريق المظلم- عن عائشة قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول من تكلم في شى ء من القدر سئل عنه يوم القيامة و من لم يتكلم فيه لم يسئل عنه رواه ابن ماجة و قال ابى بن كعب لو ان اللّه عذب اهل سمواته و ارضه عذبهم و هو غير ظالم لهم و لو رحمهم كان رحمته خير الهم من أعمالهم و لو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل اللّه ما قبله اللّه منك حتى تؤمن بالقدر و تعلم ان ما أصابك لم يكن ليخطيك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك و لو مت على غير هذا لدخلت النار و قال ابن مسعود و حذيفة بن اليمان مثل ذلك- و حدث زيد بن ثابت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم مثل ذلك رواه احمد و ابو داود و ابن ماجة-

فان قيل هذه الاية تدل على كون بعض الرسل أفضل من بعض فما معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم لا تفضلوا بين أنبياء اللّه و في رواية لا تخيروا بين الأنبياء متفق عليه من حديث ابى سعيد و ابى هريرة و قوله صلى اللّه عليه و سلم لا تخيرونى على موسى و قوله صلى اللّه عليه و سلم لا أقول ان أحدا أفضل من يونس بن متى متفق عليه من حديث ابى هريرة-

قلنا معناه انه لا يجوز الحكم بتفضيل بعضهم على بعض بالراى من غير دليل و توقيف من اللّه سبحانه لان الفضل عبارة عن كثرة الثواب و زيادة القرب الى اللّه تعالى و ذا لا يدرك بالراى فاما إذا ثبت بالكتاب او السنة فان كان الدليل ظنى المتن او السند فلا بأس بالقول به مع تجويز نقيضه و ان كان قطعيا يجب الاعتقاد به و كذا الحال في تفضيل غير الأنبياء بعضهم على بعض- و اما قوله عليه السلام لا تخيرونى على موسى و لا أقول ان أحدا أفضل من يونس بن متى فمحمول على انه كان قبل علمه بافضليته صلى اللّه عليه و سلم على جميع الأنبياء و اللّه اعلم (

(مسئلة)) و هذه الاية حجة لاهل السنة على المعتزلة في ان الحوادث كلها بيد اللّه تعالى تابعة لمشيته خيرا كان او شرا إيمانا كان او كفرا- و ليس الأصلح و لا شى ء من الأشياء واجبا عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا عن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك رواه مسلم و روى عنه احمد و الترمذي نحوه و الترمذي و ابن ماجة عن انس و احمد عن ابى موسى نحوه.

﴿ ٢٥٣