٢٥٩ او كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ يعنى بيت المقدس او دير هرقل كما سنذكر القصة و الكاف زائدة و الموصول معطوف على الذي حاج- و الذي مر هو آدميا و هو الخضر عليه السلام على ما رواه محمد بن إسحاق- و اخرج الحاكم عن علىّ و إسحاق بن بشير عن عبد اللّه بن سلام و ابن عباس انه عزيز- و قال مجاهد هو كافر شك في البعث نظرا الى نظمه مع نمرود و هذا ليس بشى ء فان الكافر لا يستحق تلك الكرامة و لو قيل انه أمن حين راى الاحياء بعد الاماتة قلنا هذا ليس إيمانا بالغيب فلا يعتد به و نظم القصتين معا انما هو لاشتراكهما في التعجيب بلا دعاء الربوبية فمن يرى عجزه في كل حين و زمان اعجب من الحيوة بعد الممات بإذن اللّه تعالى فان ذلك شائع كما ترى تصير النطفة رجلا و البذر شجرا و نحو ذلك وَ هِيَ خاوِيَةٌ خالية ساقطة حيطانها عَلى عُرُوشِها يعنى سقطت سقوفها ثم وقعت حيطانها عليها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ القرية اللّه بَعْدَ مَوْتِها قال ذلك على الطلب و التمني في إحيائها مع استبعادها عادة و هضما لنفسه عن مرتبة الاستجابة- و كان القصة على ما روى محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه ان اللّه تعالى بعث ارميا الى ناشية بن اموص ملك بنى إسرائيل ليسدد امره و كان ملكا صالحا يأتيه ارميا باحكام اللّه تعالى فعظمت المعاصي في بنى إسرائيل فاوحى اللّه تعالى الى ارميا لا قبضن عليهم فتنة و لا سلطنّ عليهم جبارا و لاهلكن أكثرهم فصاح ارميا و بكى فاوحى اللّه تعالى اليه ان لا اهلكنهم ما لم تأذن فاستبشر فلبثوا ثلاث سنين و ما زادوا لا معصية و طغيانا فلما بلغ الاجل و قلّ الوحى دعاهم الملك الى التوبة فلم يفعلوا فسار بخت نصر من بابل الى بيت المقدس في جنود لا قبل لها ففزع ملك بنى إسرائيل فقال ارميا انى واثق بما وعدني اللّه فبعث اللّه تعالى الى ارميا ملكا في صورة رجل من بنى إسرائيل فقال يا نبى اللّه استفتيك في أهلي لم ات إليهم الا حسنا و لا يزيدون بي الا اسخاطا قال احسن و صلهم و البشر بخير ثم بعد ايام جاء اليه الملك في صورة ذلك الرجل فقال مثل مقاله و أجيب مثل ما أجيب اولا ثم بعد زمان لما حاصر بخت نصر بيت المقدس و ارميا قاعد على جداره و ملك بنى إسرائيل يقول اين ما وعدك اللّه و ارميا واثق مستبشر بالوعد إذ جاءه الملك في صورة ذلك الرجل و شكى اهله اليه فقال ارميا الم يأن ان ينزجروا من الذي هم فيه فقال له الملك يا نبى اللّه كل شى ء كان يصيبنى قبل ذلك اليوم صبرت عليه و هم اليوم على عمل عظيم من سخط اللّه فغضبت للّه و أسئلك باللّه الذي بعثك بالحق ان تدعو اللّه عليهم ليهلكنهم فقال ارميا يا ملك السموات و الأرض ان كانوا على عمل لا ترضاه فاهلكهم فارسل اللّه صاعقة فالتهب مكان القربان و خسف سبعة أبواب فقال ارميا يا رب اين ميعادك فنودى انه ما أصابهم الا بدعائك فعلم ان ذلك السائل كان رسول ربه فلحق ارميا بالوحوش و خرب بخت نصر بيت المقدس و وطى الشام و قتل بنى إسرائيل و سباهم- فكانت هذه الوقعة الاولى التي أنزلها اللّه ببني اسراءيل بظلمهم فلما ولى بخت نصر عنهم راجعا الى بابل اقبل ارميا على حمار له معه عصير عنب في ركود و سلة تين حتى جاء ايليا فلما وقف عليها و راى خرابها قال انّى يحى هذه اللّه بعد موتها و انى في موضع النصب على الظرف بمعنى متى- او على الحال بمعنى كيف- ثم ربط ارميا حماره بحبل و القى اللّه عليه النوم فَأَماتَهُ اللّه ضحى أخرجه سعيد بن منصور عن الحسن و ابن ابى حاتم عن قتادة فلبث ميتا مِائَةَ عامٍ و حماره و مصيره و تينه عنده و أعمى اللّه عنه العيون فلم يره أحد فلما مضى من موته سبعين سنة أرسل اللّه ملكا الى ملك من ملوك فارس يقال له نوشك فقال ان اللّه يأمرك ان تعمر بيت المقدس و ايليا حتى يعودا عمر ما كان فجعل يعمرها- و أهلك اللّه بخت نصر ببعوضة دخل دماغه و نجى اللّه من بقي من بنى إسرائيل و لم يمت ببابل و ردهم جميعا الى بيت المقدس و نواحيه و عمروها ثلاثين سنة حتى عادوا على احسن ما كانوا عليه فاحيا اللّه ارميا ثُمَّ بَعَثَهُ و كان بعثه قبل غيبوبة الشمس فبعث اللّه اليه ملكا قالَ الملك لا رميا كَمْ لَبِثْتَ فلما زعم ارميا ان الشمس غربت من ذلك اليوم الذي نام فيه قالَ لَبِثْتُ يَوْماً ثم التفت فراى بقية من الشمس فقال او بَعْضَ يَوْمٍ قالَ له الملك بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ يعنى التين وَ شَرابِكَ يعنى العصير لَمْ يَتَسَنَّهْ اى لم يتغير فكان التين كانّه قطف من ساعته و العصير كانّه عصر من ساعته قال الكسائي كانّه لم يأت عليه السنون قرا حمزة و الكسائي و يعقوب لم يتسنّ بحذف الهاء في الوصل و إثباته في الوقف و كذلك فبهديهم اقتد و قر الآخرون بالهاء و صلا و وقفا فمن أسقط الهاء في الوصل جعلها صلة زائدة و من أثبتها جعلها اصلية «١» قالوا اشتقاقه من السنة و الهاء اصلية ان قدر لام السنة هاء أصله سنهة بدليل سنيهة و الفعل منه مسانهة- و هاء سكت ان قدر لامه واوا فابدلت الفا لتحركها و انفتاح ما قبلها فحذف الالف للجزم و زيدت الهاء في الوقف- و قيل أصله لم يتسنّن من الحماء المسنون فابدلت النون الثالثة حرف علة كما فى قوله تعالى دسّها- و أفرد الضمير لان الطعام و الشراب كالجنس الواحد وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ فنظر قيل فراه قائما واقفا كهيئته يوم ربطه حيا لم يطعم و لم يشرب مائة عام و نظر الى حبله في عنقه جديدة لم يتغير- و قيل راى حماره قد هلك و بليت عظامه فبعث اللّه ريحا فجاءت بعظام الحمار من كل سهل و جبل ذهبت بها الطيور و السباع فاجتمعت- قلت و الظاهر هو القول الثاني يدل عليه تكرار كلمة انظر و لو كان الحمار باقيا على حاله كالطعام و الشراب لكان المناسب ان يقال فانظر الى طعامك و شرابك و حمارك وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ على البعث بعد الموت قيل الواو مقحمة و قال الفراء دخلت الواو فيه دلالة على انها متعلق بفعل مقدر اى و فعلنا ذلك لنجعلك اية وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ اى عظام الحمار على تقدير كونه هالكا و به قال اكثر المفسرين- و قال قوم أراد به عظام نفسه أحيا اللّه عينه و رأسه و سائر جسده ميت صار عظاما بيضاء متفرقا و يردّ (١) اما عند القراء فهى زائدة اجماعا زيدت لاظهار فتحة النون- ابو محمد عفا اللّه عنه. هذا القول قوله صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه حرم على الأرض أجساد الأنبياء كَيْفَ نُنْشِزُها قرا اهل الحجاز و البصرة ننشرها بالراء المهملة معناه نحييها قال اللّه تعالى ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ- و اليه النّشور- و قرا الآخرون بالزاء المعجمة اى نرفعها من الأرض و نركب بعضها على بعض- و كيف منصوب بنشز و الجملة حال من العظام ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فلما كسى العظام لحما و دما فصار الرجل حيا او صار الحمار حمارا لا روح فيه فنفخ فيه الملك فقام الحمار و نهق بإذن اللّه تعالى- و في الاية تقديم و تأخير و تقديره قال بل لبثت مائة عام امتناك ثم أحيينا فانظر الى طعامك و شرابك لم يتسنّه و انظر الى حمارك و انظر الى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحما و فعلنا ذلك لنجعلك اية للنّاس فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ما فعل به قالَ الرجل أَعْلَمُ أَنَّ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩) قرا الجمهور على صيغة المضارع للمتكلم و قرا حمزة و الكسائي على صيغة الأمر و حينئذ يكون القائل الملك او اللّه سبحانه او الرجل خاطب به نفسه و قيل ان بخت نصر لمّا خرّب بيت المقدس و قدم بابل بسبى بنى إسرائيل كان فيهم عزيز و دانيال و جماعة من ال داود فلما نجا عزيز من بابل ارتحل على حمار له حتى نزل دير هرقل على شط دجلة فطاف في القرية فلم ير أحدا و عامة شجرها حامل فاكل من الفاكهة و اعتصر من العنب فشرب منه و جعل فضل الفاكهة في سلّة و فضل العصير في زق فلما راى خراب القرية و هلاك أهلها قال انّى يحى هذه اللّه بعد موتها الى اخر الحديث قال قتادة عن كعب و الضحاك عن ابن عباس و السدّى عن مجاهد عن ابن عباس و ابن عساكر عنه لما أحيا اللّه عزيرا بعد ما أماته مائة عام ركب حماره و اتى محلته فانكر الناس و منازلهم و أنكره الناس فاتى منزله على وهم فاذا بعجوز عمياء مقعدة أتت عليها مائة و عشرون سنة كانت امة لعزيز خرج عزير عنهم و هى بنت عشرين سنة فقال لها عزيز هذا منزل عزيز قالت نعم و قالت ما رايت أحدا منذ كذا يذكر عزيرا قال فانى عزيز أماتني اللّه مائة عام ثم بعثني قالت فان عزيزا كان رجلا مستجابا فان كنت عزيزا فادع اللّه ان يردّ عليّ بصرى فدعا ربه و مسح يده على عينيها فصحتا و أخذ بيدها فقال قومى بإذن اللّه فقامت صحيحة فنظرته فعرفته فقالت اشهد انك عزيز فانطلقت الى بنى إسرائيل و هم في مجالسهم و ابن لعزيز شيخ ابن مائة سنة و أولاد بنيه شيوخ و عجائز و هو اسود الرأس و اللحية فنادت هذا عزير فكذبوها فقالت انا فلانة مولاتكم دعالى ربه فردّ على بصرى و اطلق رجلى و زعم ان اللّه أماته مائة عام ثم بعثه فنهض الناس فقال ابنه كان لابى شأمة سوداء مثل الهلال بين كتفيه فكشف عن كتفيه فاذا هو عزيز و قال السدى و الكلبي لما رجع عزيز الى قومه و قد احرق بخت نصر التورية بكى عزيز على التورية فاتاه ملك باناء فيه ماء فسقاه فمثلت التورية في صدره فرجع الى بنى إسرائيل و قد علمه اللّه التورية و بعثه نبيا فقال انا عزيز فلم يصدقوه فاملا عليهم التورية من ظهر قلبه قالوا ما جعل اللّه التورية فى قلب رجل بعد ما ذهبت الا انه ابنه فقالوا عزيز ابن اللّه و سيأتى القصة في سورة التوبة ان شاء اللّه تعالى. |
﴿ ٢٥٩ ﴾