٢٧٥ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا كتبت بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة و زيدت الالف بعدها تشبيها بواو الجمع لا يَقُومُونَ من قبورهم كذا اخرج عبد الرزاق في تفسيره عن عبد اللّه بن سلام إِلَّا كَما يَقُومُ اى قياما كقيام الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ يعنى الجن و الخبط الضرب الشديد و الإفساد- فى القاموس خبط الشيطان فلانا مسّه بأذى كتخبطه او يتخبطه يفسده مِنَ الْمَسِّ اى الجنون او اللمس متعلق بيقوم او بيتخبط اى لا يقومون الا كما يقوم من الجنون الذي مسّه الشيطان بأذى و أفسد عقله او الا كقيام الذي يفسده الشيطان من اللمس يعنى عرضه الجنون و فساد العقل بمس الشيطان و خبطه و المرض و الصرع و الجنون قد يحصل بمس الشيطان فلا يحتاج ذلك الى ما قيل انه وارد على ما يزعمون ان الشيطان يخبط الإنسان فان حدوث المرض بمس الشيطان ثابت بالكتاب و السنة قال اللّه تعالى في قصة أيوب عليه السلام ربّ انّى مسّنى الشّيطن بنصب و عذاب و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في المستحاضة ركضة من ركضات الشيطان و قيام أكلة الربوا هكذا لاجل ان اللّه تعالى يربى ما في بطونهم ما أكلوه من الربوا فيكون بطونهم كالبيوت فيها حيات فاثقلهم- عن ابى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في قصة الاسراء قال فانطلق بي جبرئيل الى رجال كثيرة كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم متصدين على ساهلة ال فرعون يعرضون على النار غدوا و عشيا قال فيقبلون مثل الإبل المنهومة يخبطون الحجارة و الشجر لا يسمعون و لا يعقلون فاذا أحس بهم اصحاب تلك البطون قاموا فتميل بهم بطونهم فيصرعون ثم يقوم أحدهم فتميل به بطنه فيصرع فلا يستطيعون ان يبرحوا حتى يغشاهم الى فرعون فيترددونهم مقبلين و مدبرين فذالك عذابهم في البرزخ بين الدنيا و الاخرة قال و ال فرعون يقولون اللّهم لا تقم الساعة ابدا قال و يوم القيامة يقول ادخلوا ال فرعون أشدّ العذاب- قلت يا جبرئيل من هؤلاء قال هؤلاء الّذين يأكلون الرّبوا لا يقومون الّا كما يقوم الّذى يتخبّطه الشّيطن من المسّ- رواه البغوي و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتيت ليلة اسرى بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل قال هؤلاء أكلة الربوا- رواه احمد و ابن ماجة- و اخرج ابو يعلى عن ابن عباس في هذه الاية قال يعرفون يوم القيامة بذلك لا يستطيعون القيام الا كما يقوم المتخبط المخفق- و اخرج ابن ابى حاتم بسند صحيح عنه قال أكل الربوا يبعث يوم القيامة مجنونا يخفق- و الطبراني عن عوف بن مالك عنه صلى اللّه عليه و سلم نحوه- بلفظ مجنونا يتخبط- و يحتمل ان يقال في تأويل الاية انهم لا يقومون من مجلس يأكلون فيه مال الربوا الا كما يقوم المجنون بمعنى ان أكل الربوا يسود به قلبه بمجرد الاكل فلا يميز بعد ذلك بين الحق و الباطل و الحلال و الحرام كما لا يميز المجنون بين الخير و الشر فان لقمة الحرام يصير جزء من بدنه فيتغير به حقيقته بخلاف غير ذلك من المعاصي فانها كالاعراض الزائدة على الحقيقة و من ثم لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أكل الربوا و جعله أشد من الزنى عن جابر و ابن مسعود عند مسلم- و عن ابى جحيفة عند البخاري قال- لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أكل الربوا و مؤكله- و زاد ابو داود و الترمذي عن ابن مسعود و مسلم عن جابر- و كاتبه و شاهديه و قال هم سواء- و عن عليّ نحوه رواه النسائي و فيه مانع الصدقة مكان شاهديه- و عن عبد اللّه بن حنظلة غسيل الملائكة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم درهم ربوا يأكله الرجل و هو يعلم أشد من ستة و ثلاثين زنية- رواه احمد و الدارقطني و عن انس نحوه رواه ابن ابى الدنيا- و عن ابن عباس نحوه و زاد من نبت لحمه بالسحت فالنار اولى به- رواه البيهقي و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الربوا سبعون حوبا أيسرها ان ينكح الرجل امه- رواه ابن ماجة و البيهقي و الحوب الإثم ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا اى ذلك العقاب بسبب كفرهم و استحلالهم الحرام و هذا يدل على ان هذا العقاب مخصوص بالكفار دون من ارتكبه من المؤمنين معترفا بتقصيره- او يكون ذلك اشارة الى تأبيد هذا العذاب المستفاد من قوله تعالى لا يَقُومُونَ إِلَّا كذلك فانه نفى داخل على مصدر منكر في زمان منكر من الازمنة المستقبلة و النكرة في حيز النفي تفيد العموم- فمعناه ان تأبيد هذا العذاب مخصوص بالكفار و اما من ارتكبه من المؤمنين فقد يلحقه ذلك العذاب الى ان يتداركه شفاعة من نبيه او رحمة من ربه و كلمة لا اللّه الا اللّه محمد رسول اللّه- صلى اللّه عليه و سلم- و كان الأصل- انما الربوا مثل البيع لكن عكس للمبالغة في نفى تحريم الربوا كانهم جعلوا أصلا في الحل وَ أَحَلَّ اللّه الْبَيْعَ قال فخر الإسلام البيع لغة مبادلة المال بالمال و كذا في الشرع لكن زيد فيه قيد التراضي- و الصحيح ان التراضي مأخوذ في المعنى اللغوي ايضا فانه ما لا يكون بالتراضي يطلق عليه في اللغة اسم الغصب دون البيع- و المبادلة بالاختيار و التراضي لا بد فيه من التميز و من ثم انعقد الإجماع على انه لا يصح بيع المجنون و الصبى الذي لا يعقل- و اختلفوا في بيع الصبى العاقل فقال مالك و الشافعي لا يصح لقصور عقله- و قال ابو حنيفة و احمد يصح لكن يشترط انضمام راى الولي لدفع ضرر عنه متوقع من قصور عقله و هذا الاشتراط ثابت بالشرع قال اللّه تعالى فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ و قال اللّه تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ- و ذلك المبادلة إنشاء امر يحصل بالإيجاب و القبول بلفظي ماض نحو بعت و اشتريت فان الشرع وضع تلك الألفاظ لذلك الإنشاء- و يقوم المعاطاة مقام الإيجاب و القبول عند ابى حنيفة و مالك رحمهما اللّه تعالى و هو رواية عن الشافعي و احمد- و قال الكرخي انما ينعقد بالتعاطى في الخسيس دون النفيس و به قال احمد و الراجح من مذهب الشافعي انه لا ينعقد بالتعاطى- قلنا التعاطي يدل على التراضي كالقول و هو المقصود قال اللّه تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ- و يشترط في المباشر من ولاية شرعية كائنة من ملك او وكالة او وصية او قرابة او غير ذلك (مسئلة) و اختلفوا في بيع الفضولي فقال ابو حنيفة و مالك الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة فيصح بيعه و يتوقف على اجازة المالك- و كذلك شراء الفضولي عندهما يتوقف على اجازة المشترى له إذا أضاف الفضولي العقد الى المشترى له بان قال بع عبدك لزيد فقال بعت فقال الفضولي اشتريت لزيد- و اما إذا لم يضف ينفذ على العاقد و به قال الشافعي فى القديم و الراجح من مذهب الشافعي انه لا يصح- و عن احمد كالروايتين- احتج الشافعي بقوله صلى اللّه عليه و سلم لحكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك و ما رواه ابن الجوزي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل بيع ما ليس عندك و لا ربح ما لم يضمن- قلنا المراد به البيع الذي تجرى فيه المطالبة من الجانبين و هو النافذ فالمنهى عنه بيع شي ء معدوم عنده وقت البيع ثم يشتريه فيسلمه المشترى- يفيد هذا المراد سياق قصة حديث حكيم حيث قال حكيم يا رسول اللّه ان الرجل يأتينى فيطلب منى سعة ليست عندى فابيعها منه ثم ادخل السوق فاشتريها فاسلمها قال - لا تبع ما ليس عندك- رواه احمد و اصحاب السنن و ابن حبان فى صحيحه من حديث يوسف بن ماهك عن حكيم و وقع التصريح عن يوسف انه حدثه حكيم و ادخل فى بعض الطرق عبد اللّه بن عصمة بين يوسف و حكيم و زعم عبد الحق ان عبد اللّه ضعيف جدا و نقل عن ابن حزم انه مجهول- قال ابن حجر هذا جرح مردود و قد روى عنه الثلاثة و احتج به النسائي- و قال الترمذي حسن صحيح و لنا حديث عروة البارقي ان النبي صلى اللّه عليه و سلم دفع دينار اليه ليشترى به شاة فاشترى شاتين و باع أحدهما بدينار و جاء بشاة و دينار فقال بارك اللّه لك في صفقة يمينك فكان لو اشترى ترابا ربح فيه- رواه ابو داود و الترمذي و ابن ماجة و الدارقطني و في اسناده سعيد بن زيد ضعفه القطان و الدارقطني و وثقه ابن معين- و اخرج عنه مسلم في صحيحه و فيه ابو لبيد لمازة بن زياد قيل انه مجهول لكن وثقه ابن سعد و اثنى عليه احمد و قال المنذرى و النووي اسناده حسن صحيح و رواه الشافعي و الكرخي بسند اخر عن ابن عيينة عن شبيب بن عرفدة سمعه من قومه عن عروة البارقي- و قال الشافعي ان صح قلت به قال البيهقي انما ضعفه الشافعي لان قومه غير معروف فهو مرسل كذا قال الخطابي- و روى الكرخي بسند اخر عن شبيب بن عرفدة أخبرنا الحسن عن عروة البارقي فذهب الإرسال و اتصل و ايضا المرسل عندنا حجة و قد اعتضد بمسند ذكرنا قبله عن ابى لبيد عن عروة- و روى الترمذي من طريق حبيب بن ابى ثابت عن حكيم ابن حزام ان النبي صلى اللّه عليه و سلم دفع اليه دينارا ليشتري أضحية فاشترى شاة ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار فجاء بالشاة و الدينار الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فاخبره بذلك فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم بارك اللّه في صفقتك فاما الشاة فضحى بها و اما الدينار فتصدق- قال الترمذي لا يعرف هذا الحديث الا من هذا الوجه و حبيب لم يسمع عندى من حكيم و روى ابو داود من طريق شيخ من اهل المدينة عن حكيم قال البيهقي ضعيف من أجل هذا الشيخ و اللّه اعلم و إذا ظهر لك ان البيع هو مبادلة مال بمال و المال ينقسم الى قسمين ما هو مقصود بذاته فيقصد به صورته و ماليته و هو العين- و ما هو غير مقصود بذاته بل هو وسيلة لتحصيل غيره خلقه و هو النقدين- فالبيع ينقسم الى اربعة اقسام بيع العين بالنقد و هو البيع المطلق حيث ينصرف الذهن عند الإطلاق اليه فالعين هو المبيع و النقد هو الثمن و يشترط فيه وجود المبيع و تعيينه عند العقد اجماعا لانه هو المقصود بذاته و يقصد صورته و ماليته و يدل على اشتراط كونه موجودا «١» حديث حكيم بن حزام و عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المذكورين و حديث ابن عمر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم تهى عن بيع الكالى بالكالئ- رواه الدارقطني- و لا يشترط فيه وجود الثمن و لا تعيينه بل يثبت في الذمة لانه غير مقصود بذاته و لا يقصد صورته- و كان القياس ان يشترط وجوده لان المعدوم ليس بمال لكن الشرع أبطل هذا الشرط دفعا للحرج و اعتبر وجوده في الذمة لكن يشترط ان يكون الثمن معروفة الجنس و القدر و الصفة و الاجل ان كان مؤجلا كيلا يفضى الى المنازعة و هى يمنع الجواز- عن عائشة رضى اللّه عنها قالت اشترى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من يهودى طعاما الى أجل و رهنه درعا له من حديد- متفق عليه و عنها قالت توفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و درعه مرهونة عند يهودى بثلاثين صاعا من شعير- رواه البخاري و كذا روى احمد و الترمذي عن ابن عباس و قال الترمذي هذا حديث صحيح و انعقد الإجماع على اشتراط تعيين المبيع دون الثمن و كون الثمن معروفا- و القسم الثاني بيع العين بالعين و يسمى مقائضة فكل واحد من البدلين هاهنا مبيع يشترط فيه ما يشترط في المبيع اجماعا ان كان البدلان «٢» من ذوات القيم (١) فى الأصل موجود. (٢) فى الأصل البدلين. و ان كان أحدهما من ذوات الأمثال و الاخر من ذوات القيم تعين هذا المبيع و ذلك للثمن لان الثمن لا يشترط وجوده فيكون في الذمة و لا يتصور الوجود في الذمة الا ما يحيط الذهن بقدره و وصفه- و ان كانا من ذوات الأمثال فعلى قول علماء الحنفية يجب وجود أحدهما و تعيينه فيكون ذلك مبيعا و ما كان فى الذمة يكون ثمنا- و على ما ارى يجب وجودهما و تعيينهما معا لعدم ترجيح أحدهما على الاخر فى كونه مبيعا و لقوله عليه السلام إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد- و في رواية عينا بعين- و عليه يحمل رواية يدا بيد- و القسم الثالث بيع النقد بالنقد و يسمى صرفا- و لما انتفى فيه المبيع و لا وجه لجعل أحدهما مبيعا و الاخر ثمنا اعطى هاهنا ايضا كلا البدلين حكم المبيع و يجب وجودهما و تعيينهما في المجلس بل يجب قبضهما ايضا في المجلس لان النقدين لا يتعينان بالتعيين بل بالقبض- و القسم الرابع السلم و هو ضد البيع المطلق و هو ان يكون المبيع معدوما و الثمن موجودا- و كان القياس ان لا يجوز هذا العقد لما ذكرنا لكن الشرع اباحه لدفع حاجة المساكين و اعطى للثمن حكم المبيع و اشترط في جانب المبيع شرائط و سنذكر هذه المسألة في تفسير اية المداينة ان شاء اللّه تعالى- و إذا تقرر ان البيع لا يكون الا مبادلة مال بمال ظهر ان بيع الميتة و الدم و الخمر و الخنزير و كذا أكل ما ليس بمال او أبطل الشرع ماليته باطل لفقد ان معنى البيع- و كذا بيع ثوب و نحوه بتلك الأشياء خلافا لابى حنيفة فى بيع الثوب بالخمر و الخنزير فانه قال فاسد حيث يملك المشترى عنده الثوب بالقبض و يجب عليه القيمة و لكل واحد منهما حق الفسخ دفعا للاثم وَ حَرَّمَ الرِّبا الربوا في اللغة الزيادة قال اللّه تعالى و يربى الصّدقت و المعنى ان اللّه تعالى حرم الزيادة في القرض على القدر المدفوع و الزيادة في البيع لاحد البدلين على الاخر- قال جمهور العلماء هذا مجمل طلب الزيادة بطريق التجارة غير محرم في الجملة قال اللّه تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فالمحرم انما هو زيادة على صفة مخصوصة لا تدرك الا من قبل الشارع فهو مجمل و ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بحرمة الربوا في الأشياء الستة التحقه بيانا عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذهب بالذهب و الفضة بالفضة و البر بالبر و الشعير بالشعير و التمر بالتمر و الملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فاذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد- رواه مسلم و في رواية لا تبيعوا الذهب بالذهب و لا الورق بالورق الى اخر الستة الأسواء بسواء عينا بعين يدا بيد لكن تبيعوا الذهب بالورق و الورق بالذهب و البر بالشعير و الشعير بالبر و التمر بالملح و الملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم نقص أحدهما الملح او التمر او زاد أحدهما من زاد او ازداد فقد اربى- رواه الشافعي- و روى مسلم عن ابى سعيد الخدري كما روى عن عبادة و زاد في آخره فمن زاد او استزاد فقد اربى الاخذ و المعطى فيه سواء- و في رواية عنه- لا تبيعوا الذهب بالذهب الا مثلا بمثل و لا تشفّوا بعضها على بعض و لا تبيعوا الورق بالورق الا مثلا بمثل و لا تشفّوا بعضها على بعض و لا تبيعوا غائبا منها بناجز- متفق عليه- و في رواية- لا تبيعوا الذهب بالذهب و لا الورق بالورق الا وزنا بوزن- و في الباب عن عمر في الستة و عن على في المستدرك و عن ابى هريرة في مسلم- و عن انس في الدارقطني و عن ابى بكر في الصحيحين و عن بلال في البزار و عن ابن عمر في البيهقي فقال اصحاب الظواهر و ابن عقيل من الحنابلة ان حرمة الربوا مقتصرة في هذه الأشياء الستة و هو المروي عن قتادة و طاءوس و عند الجمهور حكم الحرمة معلول وصف في هذه الأشياء يتعدى منها الى غيرها فذهب قوم الى ان العلة في الجميع امر واحد و هو المالية فاثبتوا الربوا في جميع الأموال- و ذهب الأكثرون الى ان الربوا نثبت في النقدين بوصف و في الاربعة بوصف اخر- اما النقدين فقال الشافعي و مالك العلة فيهما الثمنية فلا يتعدى الحكم عنهما الى غيرهما- و قال ابو حنيفة و احمد العلة فيهما الوزن فيتعدى منهما الى الحديد و الرصاص و الزعفران و كل موزون و اما الاربعة فقال ابو حنيفة العلة فيها الكيل مع الجنس فيثبت الربوا في كل مكيل يباع بجنسه مطعوم و غير مطعوم- و به قال احمد و في رواية عنه الطعم مع الجنس و قال مالك- الاقتيات مع الجنس- و قال الشافعي في القديم الطعم مع الكيل او الوزن فكل مطعوم مكيل او موزون يثبت فيه لا فيما ليس بمكيل و لا موزون كالبيض و في الجديد علة الربوا عنده الطعم مع الجنس فيثبت الربوا في جميع المطعومات من الثمار و الفواكه و البقول و الادوية- وجه قول مالك و الشافعي في كون العلة هو الثمنية و الطعم او الاقتيات ان اشتراط التقابض و التماثل في هذه الأموال يشعر بالعزة و الخطر كاشتراط الشهادة فى النكاح لاظهار خطر البضع فوجب تعليلها بعلة يوجب العزو في الطعم بل في الاقتيات ذلك لتعلق بقاء النفوس به و في الثمنية التي بها يتوصل الى جميع المقاصد اولى ان يعتبر العز و الخطر و لا اثر للجنسية و الكيل و الوزن في ذلك فجعلناه شرطا و الحكم قد يدور مع الشرط كالرجم مع الإحصان و ايضا يدل على كون الطعم علة حديث معمر بن عبد اللّه مرفوعا الطعام بالطعام مثلا بمثل- رواه مسلم فان ترتب الحكم على المشتق يدل على علية ماخذ الاشتقاق- و الجواب انه لا بد في التعليل من كون العلة مناسبا- و الترتيب على المشتق ايضا انما يدل على علية المأخذ بشرط المناسبة- و المناسبة هاهنا مفقودة لان ما به بقاء النفوس يشتد به الحاجة و ما يشتد به «١» الحاجة يجرى فيه من اللّه تعالى التوسعة كالماء و الكلاء و لا يناسب به التضيق- و ايضا كون الطعام اسما مشتقا ممنوع بل هو اسم لبعض الأعيان كالبر و الشعير لا يعرف به المخاطبون غيره من المطعومات كالقمر مع انه غالب مأكولاتهم و وجه قول ابى حنيفة في كون العلة الكيل او الوزن ان الحكمة في تحريم الربوا صيانة اموال الناس عن التوى و لاجل ذلك الصيانة وضع الكيل و الوزن و امر اللّه تعالى بالعدل فيهما و قال وزنوا بالقسطاس المستقيم و قال وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذا كالُوهُمْ او وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ و قد حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الزيادة و أوجب المماثلة و الزيادة و المماثلة لا يعرف الا بالكيل او الوزن فالمناسب ان يجعل ذلك علة و قد اعتبره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حيث قال ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا و ماكيل فمثل ذلك و إذا اختلف النوعان فلا بأس به- رواه الدارقطني من حديث عبادة و انس و في حديث ابى سعيد و ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث سواد بن عرية و امّره على خيبر فقدم عليه بتمر جنيب يعنى طيب فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أكل تمر خيبر هكذا قال لا و اللّه يا رسول اللّه انا نشترى الصاع بالصاعين و الصاعين بثلاثة اصع من الجمع فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- لا تفعل و لكن بع هذا بثمنه و اشتر بثمنه من هذا و كذلك الميزان- يعنى ما يدخل في الميزان- (١) و في الأصل و ما به يشتد الحاجة-. رواه الدارقطني- قال العبد الضعيف عفا اللّه تعالى عنه و الذي سخ لى ان اية الربوا ليست بمجلة فان المجمل ما لا يدرك معناه بالطلب و التأمل بل من جهة الشرع فقط و هاهنا ليس كذلك لكن فيه نوع إشكال يظهر بالتأمل و بيانه ان الربوا في اللغة الزيادة و الزيادة عبارة عن فضل يعلو على المماثلة و المساوات و هى ضد الجنس و التنقيص فهذه الاية نظير قوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ فاللّه سبحانه كما أوجب ضمان العدوان بالمثل و المساوى كذلك أوجب في المبايعة و المقارضة المماثلة و المساوات و الواجب في ضمان العدوان في ذوات الأمثال اعنى المكيلات و الموزونات المثل صورتا و معنى برعاية اتحاد الجنس و القدر و في ذوات القيم حيث لا يتصور المماثلة صورة و معنى يكتفى بالمماثلة معنى و يقال الواجب هناك القيمة عملا بقدر الإمكان و القيمة عبارة عما يعتبره اهل البصارة مثلا له في المالية و ذلك يختلف باختلاف الازمنة بكثرة الراغبين و قلتهم هذا في ضمان العدوان و اما في المبادلات فالمعتبر في المماثلة المماثلة بالاجزاء كيلا او وزنا ان اتحد جنس البدلين و كانا من ذوات الأمثال كما في ضمان العدوان و ان اختلف جنسهما سواء كانا من ذوات الأمثال او لم يكن أحدهما او كلاهما من ذوات الأمثال فحينئذ لا يتصور المماثلة صورة و معنى لاختلافهما في الصورة فيكتفى حينئذ على المماثلة المعنوية في القيمة لما ذكرنا في ضمان العدوان- غير انه فى ضمان العدوان لم يسبق من المالك جعل شي ء مثلا لماله فاعتبر هناك تحكيم اهل البصارة و في المبادلات لما رضى مالكا البدلين بالمبادلة فقد حكم كل واحد منهما بالمماثلة بين البدلين فحكهما على أنفسهما اولى من حكم غيرهما عليهما- فصار مجموع كل من البدلين مثلا لمجموع البدل الاخر باصطلاحهما و لم يظهر الفضل و لذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذ اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم- و إذا تقرر هذا ثبت ان المكيلات و الموزونات إذا بيع شي ء منها بجنسه يحرم التفاضل بالاجزاء قطعا لقوله تعالى وَ حَرَّمَ الرِّبا و يحرم النساء ايضا لان للنقد مزية على النسية فبعد تحقق المساوات في الكيل او الوزن يبقى ذلك المزية زيادة ربوا و لا جائز ان يجعل بعض الاجزاء مقابلا للاجل كما إذا بيع عشرة دراهم حالا بأحد عشر نسية لان الدرهم ذات و الاجل وصف لا يعقل بينهما المساوات عقلا و لم يثبت شرعا بل الشرع أبطله و نهى عنه- فبقى بيع عشرة بأحد عشر و هو ربوا و كما لا يجوز ان يجعل بعض الاجزاء مقابلا لاجل كذلك لا يجوز ان يجعل بعض الاجزاء مقابلا لوصف الجودة لان الجودة ايضا وصف لا يعقل المساوات بينه و بين الذات عقلا و لا شرعا بل ثبت عن الشرع نفيه و النهى عنه كما ذكرنا حديث ابى سعيد و ابى هريرة في قصة سواد بن عرية و اللّه اعلم- و هل يحرم التفاضل بوصف الجودة مع المساوات في الكيل او الوزن فالجمهور على انه لا يحرم ذلك بل الوصف ملغاة شرعا قال صاحب الهداية لقوله صلى اللّه عليه و سلم جيدها و رديئها سواء فان صح هذا الحديث فهو حجة و الا فنقول الأوصاف لا يمكن ضبطها و اعتبارها قال ابن همام فينسد باب البيعات قلت باب البيعات لا ينسد إذ يمكن ان يبيع الردى بالثمن ثم يشترى به الجيد كما امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لكن ينسد باب القرض و قد قال اللّه تعالى وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ يعنى لستم بآخذى الردى في مقابلة الجيد ان كان لاحدكم على اخر حق من قرض او غير ذلك الا ان تغمضوا فيه فالاستثناء يدل على ان مراعاة الوصف في القرض ليس بلازم لكن يدل على ان صاحب الحق لو لم يأخذ الردى مكان الجيد كان له ذلك و اللّه اعلم (مسئلة) و إذا بيع الرطب بالتمر او الذبيب بالعنب فالظاهر انه لا يجوز ذلك أصلا لا متساويا فى الكيل و لا متفاضلا و به قال الجمهور و كذا الحال في الحنطة الرطبة و اليابسة و المقلية- و قال ابو حنيفة يجوز بيع الرطب بالتمر و في الذبيب و العنب عنه روايتان- لنا حديث سعد بن ابى وقاص قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يسئل عن الرطب بالتمر فقال أ ينقص إذا يبس قالوا نعم قال فلا اذن و في رواية- فنهى عن ذلك- رواه مالك و الشافعي و احمد و اصحاب السنن و ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم و الدارقطني و البزار و البيهقي كلهم من حديث زيد ابى عياش قال في الهداية ضعفه اصحاب النقل قلت لم يثبت تضعيفه عن أحد- و قال ابن الجوزي قال ابو حنيفة زيد ابو عياش مجهول فان كان لا يعرفه ابو حنيفة فقد عرفه اهل النقل انتهى و قال ابن حجر و ذكر روايته الترمذي و صححها و ذكره مسلم في كتاب الكنى و قال سمع من سعد و روى عن عبد اللّه بن يزيد و ذكره ابن خزيمة في رواية العدول عن العدول و قال الدارقطني هو ثقة قلت فصح الحديث و هذا الحديث يدل على ان الرطوبة ليست من اجزاء الاصلية الرطب و المعتبر المساوات في الاجزاء و ذا لا يدرك فلا يجوز بيعه متفاضلا و لا متساويا- و قال الحنفية الرطب ان كان من جنس التمر جاز البيع لقوله صلى اللّه عليه و سلم بيعوا مثلا بمثل- و ان كان من غير جنسه جاز لقوله صلى اللّه عليه و سلم فبيعوا كيف شئتم- قلنا انه من جنسه لكن لاجل رطوبته و تخلخل اجزائه لا يدرك المماثلة بالكيل فصار كالمجاز؟؟ فة- و العددى المتقارب كالجوز و البيض ايضا من المثليات فالظاهر ان لا يجوز بيع الجوز بالجوز و كذا البيض بالبيض إذا كانا من حيوان واحد لاحتمال التفاضل في الاجزاء الا بالوزن فان الوزن معتبر للتسوية شرعا و يحصل في هذا النوع به التسوية و ان لم يعهد و ان كان البيض من حيوانين فحكمهما حكم مختلف الجنسين (مسئلة) و إذا بيع البر مثلا بالشعير فجميع ما قوبل من كل من البدلين صار مثلا لجميع الاخر باصطلاحهما فجاز الفضل بينهما و لم يجز النسية لان نقدية أحد البدلين زائد على المثل المصطلح فكان ربوا و لا يجوز جعلها مقابلا لبعض الاجزاء لما ذكرنا في المثلين الحقيقيين- (مسئلة) و إذا بيع البر بالحديد مثلا فقياس قولنا هذا يقتضى ان لا يجوز هناك النسية ايضا و يجوز التفاضل و به يحكم لعموم قوله صلى اللّه عليه و سلم إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد (مسئلة) و إذا بيع الحيوان بالبر او نحوه او بالحديد او نحوه فحينئذ كان الحيوان مبيعا و المكيل او الموزون ثمنا و لا يشترط وجود الثمن بل يصح البيع بالثمن المؤجل اجماعا و كان القياس عدم جواز هذا البيع لكن ترك القياس بالنصوص و الإجماع (مسئلة) و إذا بيع الحيوان بالحيوان من جنس واحد او من جنسين جاز التفاضل اجماعا و هل يجوز فيه النسية فقال ابو حنيفة لا يجوز مطلقا و قال الشافعي و احمد يجوز مطلقا و قال مالك ان كان من جنس واحد لا يجوز النسية مع التفاضل و يجوز من غير التفاضل و ان كانا من جنسين يجوز مطلقا- احتج القائلون بالجواز مطلقا بحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جهر جيشا فقال عبد اللّه بن عمرو ليس عندى ظهر قال فامره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يبتاع ظهرا الى خروج المصدق فابتاع عبد اللّه بن عمرو البعير بالبعيرين الى أجل و سنذكر هذا الحديث في مسئلة السلم في اية المداينة ان شاء اللّه تعالى- وجه قول ابى حنيفة ان الحيوان لا يكون ثمنا في الذمة لكونه غير معلوم قدرا و وصفا و لا ينضبط بذكر الجنس و النوع و الوصف و لذلك لا يجوز السلم فيه لعدم انضباطه و من المنقول ما رواه احمد و الترمذي و النسائي و الدارمي و ابن ماجة و ابو داود عن سمرة ابن جندب ان النبي صلى اللّه عليه و سلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسية و روى الدارقطني عن ابن عباس نحوه- و روى الترمذي و احمد عن الحجاج بن ارطاة عن ابى الزبير عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحيوان اثنين بواحد لا يصح نساء و لا بأس به يدا بيد قال الترمذي حديث حسن و اخرج الطبراني عن ابن عمر نحوه و روى ابن الجوزي حديث سمرة و ابن عباس و جابر و لم يذكر الطعن- و إذا تعارض هذه الأحاديث بحديث عبد اللّه بن عمرو في بيع البعير بالبعيرين الى أجل يترجح هذه الأحاديث بوجهين- أحدهما ان الاخذ بالمحرم اولى من المبيح احتياطا و لئلا يلزم تكرار النسخ- ثانيهما ان هذه الأحاديث موافق للقياس دون ذلك- (مسئلة) و الشروط التي لا يقتضيها العقد في البيع و فيه منفعة لاحد العاقدين فهو من باب الربوا يفسد به البيع عند ابى حنيفة و الشافعي و قال ابن ابى ليلى و النخعي و الحسن البيع جائز و الشرط فاسد- و قال ابن شبرمة و احمد البيع و الشرط جائزان و قال مالك الشرط بمنفعة يسيرة للبائع من المبيع يصح و الباقي لا يصح- لنا ان قوله تعالى وَ حَرَّمَ الرِّبا يشتمله لانه زيادة فى أحد البدلين بعد التماثل بالاجزاء في متحد الجنس من المثليات و بالقيمة المصطلحة من العاقدين في غير ذلك و لا يمكن جعل الشرط مقابلا لبعض الاجزاء كالاجل و الجودة- و كذا قول ابى حنيفة في كل شرط لا يقتضيه العقد و فيه نفع للمبيع و هو من اهل النفع كما إذا باع عبدا او امة على ان يعتقه او يكاتبه او يستولدها- روى ابن حزم في المحلى و الطبراني في الأوسط و الحاكم في علوم الحديث و الخطابي من طريق محمد بن سليمان الذهلي عن عبد الوارث ابن سعيد قال قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة و ابن ابى ليلى و ابن شبرمة فسالت أبا حنيفة عن رجل باع بيعا و شرط شرطا قال البيع باطل و الشرط باطل- ثم أتيت ابن ابى ليلى فسالته فقال- البيع جائز و الشرط باطل- ثم أتيته ابن شبرمة فسالته فقال- البيع جائز و الشرط جائز- فقلت سبحان اللّه ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا في مسئلة واحدة فاتيت أبا حنيفة فاخبرته فقال ما أدرى ما قالا حدثنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه نهى عن بيع و شرط البيع باطل و الشرط باطل- ثم أتيت ابن ابى ليلى فاخبرته فقال ما أدرى ما قالا حدثنى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أمرني النبي صلى اللّه عليه و سلم ان اشترى بريرة فاعتقها البيع جائز و الشرط باطل- ثم أتيت ابن شبرمة فاخبرته فقال ما أدرى ما قالا حدثنى مسعر عن محارب بن دثار عن جابر قال بعت من النبي صلى اللّه عليه و سلم ناقة و شرط لى حملانها الى المدينة البيع جائز و الشرط جائز انتهى فان قيل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرسل عند كثير من اهل العلم- أجيب بان هذا إذا لم يصرح بمرجع الضمير من جده و قد ورد هاهنا التصريح فيما أخرجه ابو داود و الترمذي و النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يحل سلف و لا بيع و لا شرطان في بيع و لا ربح ما لم يضمن و لا بيع ما ليس عندك- قال الترمذي حديث حسن صحيح- و يؤيده حديث حكيم بن حزام في مؤطا مالك بلاغا- و أخرجه الطبراني من حديث محمد بن سيرين عن حكيم قال نهانى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن اربع خصال فى البيع عن سلف و بيع و شرطين في بيع و بيع ما ليس عندك و ربح ما لم يضمن- و معنى السلف فى البيع البيع بشرط ان يقرضه دراهم و هو فرد من البيع الذي شرط فيه منفعة لاحد المتعاقدين هذا تحقيق ما احتج به ابو حنيفة من حديث عمرو بن شعيب- و اما ما احتج به ابن ابى ليلى من حديث عائشة فقد رواه الشيخان في الصحيحين من حديثها انها قالت جاءت بريرة فقالت انى كاتبت على تسع أواق في كل عام وقية فاعينينى فقالت عائشة ان أحب أهلك ان أعدها لهم عدة واحدة و اعتقك فعلت و يكون ولائك لى فذهبت الى أهلها فابوا الا ان الولاء لهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خذيها فاعتقيها ثم قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الناس فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال اما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب اللّه ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل و ان كان مائة شرط فقضاء اللّه أحق و شرط اللّه أوثق انما الولاء لمن أعتق- و في رواية ان عائشة أخبرت النبي صلى اللّه عليه و سلم ان مواليها لا يبيعونها الا بشرط ان يكون لهم الولاء فقال لها اشترى و اشترطى لهم الولاء انما الولاء لمن أعتق- متفق عليه ايضا بهذا اللفظ قال الرافعي قالوا ان هشاما تفرد بقوله اشترطى لهم الولاء و لم يتابعه سائر الروات- قال ابن حجر و قد قيل ان عبد الرحمن بن ايمن تابع هشاما على هذا فرواه عن الزهري عن عروة نحوه- و اما حديث جابر فقد رواه الشيخان عنه قال غزوت و مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و انا على ناضح قد أعيى فلا يكاد يسير فتلا حق بي النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ما لبعيرك قلت قد أعيى فتخلف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فزجره فدعاله فما زال بين يدى الإبل قدامها تسير فقال لى كيف ترى بعيرك قلت بخير قد أصابته بركتك قال افتبيعنيه بوقية- فبعته على ان لى فقار ظهره الى المدينة فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة غدوت عليه بالبعير فاعطانى ثمنه و ردده علىّ- و في رواية قال بعنيه بوقية- قال فبعته و استثنيت حملانه الى أهلي- متفق عليه و في رواية للبخارى قال للبلال اقضه دينه و زده و زاد قيراطا- و احتج ابن الجوزي على جواز البيع و الشرط بحديث جابر هذا- و بما روى بسنده عن عائشة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق- و عن انس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المسلمون على شروطهم ما وافق الحق من ذلك- فلا بد هاهنا من البحث و التأمل حتى يندفع تعارض الأحاديث و يظهر المراد فنقول قوله عليه الصلاة و السلام ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل و ان كان مائة شرط- لا يعارض قوله صلى اللّه عليه و سلم المسلمون على شروطهم ما وافق الحق من ذلك فان كلا الحديثين يدلان على ان من الشروط ما هو باطل و منها ما هو صحيح و عليه انعقد الإجماع حيث يجوز في البيع شرط الخيار اجماعا و يبطل شرط ان يكون الولاء للبائع اجماعا فظهر ان حديث سمرة نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن بيع و شرط ليس على عمومه بل المراد منه بعض انواع الشرط فحينئذ لا بد ان يبحث عن الشروط ايها يبطل في نفسها و لا يفسد به البيع و يكون ذلك محملا لقصة بريرة- و ايها يبطل بحيث يفسد به البيع فيكون موردا للنهى في حديث سمرة- و ايها لا يبطل فيكون محملا لحديث انس و عائشة فنقول اما الذي يبطل في نفسه و لا يفسد به البيع فمنها شرط لا يمكن للمشروط عليه إتيانه مثل شرط ان لا يقع العتق بإعتاق المشترى او ان يكون الولاء للبايع فمثل هذا الشرط باطل لغو و ان كان مائة شرط و يعتبر كانه لم يكن فلا يفسد البيع و قصة بريرة من هذا الباب قال الشيخ ابن حجر ليس فيه التصريح بانهم اشترطوا العتق بل انما اشترطوا الولاء لهم- و منها شرط ليس على مقتضى العقد حتى يصح و ليس فيه منفعة لاحد حتى يكون في معنى الربوا كبيع ثوب على ان يلبسه المشترى في الأعياد او دابة على ان يكثر لها العلف فهو لغو لا يفسد البيع به- و اما الذي لا يبطل من الشروط و يجب الإتيان بها و يكون محملا لحديث انس و عائشة فمنها ما كان على مقتضى العقد كشرط ان يحبس البائع المبيع الى ان يقبض الثمن فيجوز لانه مؤكد لموجب العقد- و منها ما ثبت تصحيحه شرعا بما لا مرد له كشرط الاجل في الثمن في البيع المطلق- و في المثمن في السلم فيجوز ايضا للنص و ان كان على خلاف القياس و الحق ابو حنيفة بهذا ما كان متعارفا في الصدر الاول كشراء نعل على ان يحذوها البائع او يشركها- و منها ما يتضمن التوثق بالثمن كالبيع بشرط الكفيل او الرهن فيجوز ايضا لانه مقرر لمقتضى العقد و هو تسليم الثمن- فان كان الكفيل حاضرا وقت البيع و قبل الكفالة و كان المرهون معلوما و قبضه البائع بإذن المشترى تم البيع و الكفالة و الرهن- و الا فان اتى المشترى بما شرط عليه فبها و الا يؤمر بدفع الثمن فان لم يدفع الثمن خير البائع في الفسخ- و اما الذي يبطل العقد فشرط ليس مما ذكرنا و فيه منفعة لاحد العاقدين او للاجنبى او للمبيع و هو من اهل الاستحقاق كبيع الحنطة بشرط ان يطحنها البائع او يتركها في داره شهرا او يوما- او ثوب على ان يخيطه البائع او جمل على ان يركبه البائع الى مراحل او على ان يبيعه المشترى من فلان- فهذه الشروط يفسد العقد لانه زيادة عارية عن العوض فهو ربوا- و من هذا الكلام اندفع التعارض و ثبت العمل باية الربوا و بالأحاديث كلها غير حديث جابر انه شرط الركوب الى المدينة- فقيل الشرط في حديث جابر و هو استثناء حملانه لم يقع في صلب العقد قال ابن همام كذا قال الشافعي- قلت و لفظ الصحيحين يأبى عن ذلك و قال مالك لا بأس بشرط يكون فيه منفعة يسيرة لاحد المتعاقدين عملا بهذا الحديث قلت العمل بهذا الحديث ليس اولى من العمل باية الربوا فالاولى ان يقال حديث جابر منسوخ لان اية الربوا من اخر آيات القران نزولا قال الشعبي عن ابن عباس اخر اية نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اية الربوا و ايضا تقرر في الأصول ان المحرم و المبيح إذا تعارضا قدم المحرم على المبيح احتياطا وكيلا يلزم تكرار النسخ و امر الربوا أشد و اغلظ فيحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره قد ذكر اللّه تعالى الوعيد على الربوا بخمسة أوجه اولا بالتخبط حيث قال لا يقومون الّا كما يقوم الّذى يتخبّطه الشّيطن و ثانيا بالخلود في النار حيث قال و من عاد فاولئك اصحاب النّار هم فيها خلدون و ثالثا بالحق حيث قال يمحق اللّه الرّبوا و رابعا بالكفر حيث قال و ذروا ما بقي من الرّبوا ان كنتم مؤمنين و خامسا بالحرب حيث قال فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من اللّه و رسوله- و عن عمر بن الخطاب ان اخر ما نزلت اية الربوا و ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبض و لم يفسره لنا فدعوا الربوا و الريبة- فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعنى بلغه بتبليغ الرسول صلى اللّه عليه و سلم حرمة الربوا و نهيه عنه فَانْتَهى اى اتبع النهى فَلَهُ ما سَلَفَ اى ما تقدم اخذه قبل التحريم لا يسترد منه و ما مضى من أخذ الربوا غفر له- و ما في موضع الرفع بالظرف ان جعل من موصولة و بالابتداء ان جعلت شرطية على راى سيبويه إذا الظرف غير معتمد على ما قبله وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّه فيما يستقبل من المعاصي ان شاء عذبه عليها و ان شاء غفر له- و قيل معناه ان اللّه يجازيه ان كان قد انتهى بصدق النية- و قيل معناه و امره بعد النهى الى اللّه ان شاء عصمه حتى يثبت على الانتهاء و ان شاء خذله حتى يعود فيه وَ مَنْ عادَ الى أكل الربوا او الى القول بانما البيع مثل الربوا فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) على التأويل الثاني ظاهر فان استحلال الحرام كفر موجب للخلود في النار و اما على التأويل الاول فالخلود مجاز عن المكث البعيد كما في قوله تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها-. |
﴿ ٢٧٥ ﴾