٢٨٢ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ اى تعاملتم معاملة يجب فيه دين في ذمة أحد المتعاقدين- و انما قيدنا بقولنا في ذمة أحد المتعاقدين- لانه لا يجوز بيع الكالى بالكالئ بالإجماع مستندا بحديث ابن عمر- نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عنه- رواه الدارقطني و هذه الاية يشتمل البيع و السلم و الاجارة و القرض بل النكاح و الخلع و الصلح ايضا بِدَيْنٍ انما ذكره لئلا يتوهم من التداين المجازات و ليكون مرجعا لضمير فاكتبوه- و هو نكرة وقع في حيز الشرط فيعم كل دين ثمنا كان او مثمنا مكيلا او موزونا او غيرهما مؤجلا كان او حالا- و بقوله إِلى أَجَلٍ خرج منه ما كان حالا فانه لا حاجة الى كتابته غالبا مُسَمًّى اى سمى مدته بالأيام او الأشهر او السنين حتى يكون معلوما- و انما قيد به لان البيع بثمن مؤجل و السلم لا يجوز ما لم يكن الاجل معلوما فان جهالته يفضى الى المنازعة و الاجل يلزم في الثمن في البيع و في المبيع فى السلم و في النكاح و غير ذلك الا في القرض فلا يكون لصاحب الحق الطلب قبل محله و لا لمن عليه الحق المطل بعد محله- و اما في القرض فلا يلزم الاجل بالتأجيل لان الشرع اعتبره عارية كانّ المؤدّى عين المدفوع كيلا يلزم ربوا النساء- فهذه الاية بعبارته يشتمل البيع بثمن مؤجل و السلم و هو المعنى من قول ابن عباس اشهد ان السلف المضمون الى أجل مسمّى قد أحله اللّه في الكتاب و اذن فيه قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ الاية- أخرجه الحاكم في المستدرك و صححه على شرطهما عن قتادة عن ابى حسان الأعرج عنه و رواه الشافعي في مسنده و الطبراني و ابن ابى شيبة و علقه البخاري و القياس يقتضى عدم جواز السلم لانه بيع المعدوم إذا المقصود من البيع هو المبيع و الثمن انما يكون وسيلة اليه فيكفى فى الثمن وجوده الاعتباري وصفا ثابتا في الذمة و اما المبيع فهو محل لورود البيع فانعدامه يوجب انعدام البيع و لهذا نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن بيع ما ليس عندك- لكن ترك هذا القياس لورود النصوص بإباحته و انعقاد الإجماع عليه- عن ابن عباس قال قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هم يسلفون في التمر السنة و السنتين و ربما قال و الثلاث فقال من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم و وزن معلوم الى أجل معلوم- متفق عليه- و عن عبد اللّه بن ابى اوفى قال كنا نستسلف على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ابى بكر و عمر في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب- رواه البخاري- و روى ابن الجوزي من طريق احمد سالت ابن ابى اوفى هل كنتم تسلفون في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في البر و الشعير و الزيت قال نعم كنا نصيب غنائم في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنسلفها في البر و الشعير و التمر و الزيت فقلت عند من كان له زرع او عند من لم يكن له ذرع قال ما كنا نسئلهم عن ذلك- ثم انطلق الراوي الى ابن ابى أبزى فقال مثل ما قال ابن ابى اوفى- و لما كان جواز السلم على خلاف القياس اقتصر على مورد النص و هو المؤجل فلا يجوز السلم حالا عند ابى حنيفة و مالك و احمد و قال الشافعي يجوز حالا بالطريق الاولى او المساواة قلنا انما أبيح على خلاف القياس لرفع حاجة الفقير العاجز حالا عن نفقة عياله القادر على المسلم فيه مالا و حاجة المشترى الى الاسترباح لعياله و هو بالسلم أسهل إذ يكون المبيع في السلم نازلا عن قيمته فى البيع غالبا و ذا لا يكون الا بالتأجيل فليس الحال في معنى المؤجل- (مسئلة) اجمعوا على انه لا يجوز السلم الا فيما ينضبط في الذهن بذكر جنسه و نوعه و صفته و قدره- و على انه لا يجوز الا بذكر هذه الاربعة و ذكر قدر الاجل حتى يتعين المبيع بقدر الإمكان و لا يقضى الى المنازعة و ايضا يشترط عند الجمهور معرفة قدر رأس المال خلافا لابى يوسف و محمد فيما إذا عين رأس المال بالاشارة- قلنا ربما يوجد بعضها زيوفا و لا يستبدل فى المجلس فلو لم يعلم قدره لا يدرى في كم بقي السلم و ربما لا يقدر على المسلم فيه فيحتاج الى رد رأس المال و الموهوم في هذا العقد كالمتحقق لشرعه مع المنافى- و زاد ابو حنيفة شرطا سابعا و هو تسمية مكان التسليم إذا كان لحمله مؤنة- و قال باقى الائمة مكان التسليم متعين و هو مكان العقد- و ايضا زاد ابو حنيفة شرطا ثامنا و هو ان يكون المبيع موجودا من وقت العقد الى محله- و قال الجمهور لا يشترط ذلك بل يكفى وجوده عند محله- وجه قول الجمهور انه لم يرد هذا الشرط من الشرع و الأصل العدم و العمومات كافية للاباحة- و وجه قول ابى حنيفة ما رواه ابو داود و ابن ماجة و اللفظ له عن ابن إسحاق عن رجل نجرانى قلت لعبد اللّه بن عمر اسلم في نخل قبل ان تطلع قال لا قلت لم قال لان رجلا اسلم في حديقة نخل فى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبل ان يطلع النخل فلم يطلع النخل شيئا ذلك العام فقال المشترى أؤخرك حتى تطلع و قال البائع انما النخل هذه السنة فاختصما الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال للبائع أخذ من نخلك شيئا قال لا قال بم تستحل ماله اردد اليه ما أخذت منه و لا تسلموا في نخل حتى تبدأ صلاحها و اخرج البخاري عن ابى البختري- سالت ابن عمر عن السلم في النخل قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن بيع النخل حتى يصلح و عن بيع الورق نسأ بناجز- و سالت ابن عباس عن السلم في النخل قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن بيع النخل حتى يؤكل- قلت و ذلك الحديث فيه رجل نجرانى مجهول و ابن إسحاق مختلف فيه و الآثار لا يصلح حجة لكن قول ابى حنيفة أحوط في عقد شرع مع المنافى (مسئلة) اتفقوا على جواز السلم في المكيلات و الموزونات و المزروعات التي تنضبط فيجوز السّلم في هذه الديار في ثوب غليظ يكون في عرضه ثلاثمائة او اربعمائة او خمسمائة خيطا فانه قلما يتفاوت تلك الثوب و لا يجوز في غير مثل ذلك من الأثواب- و في المعدودات التي لا يتفاوت احادها كالجوز و البيض الا في رواية عن احمد- و اختلفوا في المعدودات المتفاوتة كالرمان و البطيخ فقال ابو حنيفة لا يجوز فيه السلم لا وزنا و لا عددا و هذا في ديار يباع فيها البطيخ عددا و اما في ديارنا فيباع وزنا فيجوز و قال مالك يجوز مطلقا- و قال الشافعي- يجوز وزنا- و هو رواية عن احمد- (مسئلة) لا يجوز السلم في الحيوان عند ابى حنيفة و يجوز عند الثلاثة احتجوا بحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امره ان يجهّز جيشا فنفدت الإبل فامره ان يأخذ على قلائص الصدقة و كان يأخذ البعير بالبعيرين الى ابل الصدقة- رواه ابو داود عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن ابى حبيب عن مسلم بن جبير عن ابى سفيان عن عمرو بن حريش عنه- و رواه الحاكم و قال صحيح على شرط مسلم و قال ابن القطان هذا حديث ضعيف مضطرب الاسناد فرواه حماد بن سلمة هكذا و رواه جرير بن حازم عن ابن إسحاق فاسقط يزيد ابن ابى حبيب و قدم أبا سفيان على مسلم بن جبير- قلت كذا ذكر ابن الجوزي في التحقيق و رواه عفان عن حماد بن سلمة فقال فيه عن ابن إسحاق عن يزيد بن ابى حبيب عن ابى حبيب عن مسلم عن ابى سفيان عن عمرو بن حريش- و رواه ابو بكر بن ابى شيبة عن عبد الأعلى فاسقط يزيد بن ابى حبيب و قدم أبا سفيان كما فعل جرير بن حازم و قال مكان مسلم بن جبير مسلم بن كثير و مع هذا الاضطراب فعمرو بن حريش مجهول الحال و مسلم بن جبير لم أجد له ذكرا و ابو سفيان فيه نظر- و قال الشيخ ابن حجر ابن إسحاق قد اختلف فيه لكن أورده البيهقي في السنن و في الخلافيات من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده و صححه قلت و رواه ابن الجوزي- قلت هذا الحديث معارض بما ذكرنا من قبل من حديث سمرة و ابن عباس و جابر انه صلى اللّه عليه و سلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسية فيقدم المحرم على المبيح كما ذكرنا ثمه- و احتج ابو حنيفة على عدم جواز السلم في الحيوان بما أخرجه الحاكم و الدارقطني عن إسحاق بن ابراهيم بن حوتا حدثنا عبد الملك الذمارى حدثنا سفيان الثوري عن معمر عن يحيى بن ابى كثير عن عكرمة عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم نهى عن السلف في الحيوان و قال الحاكم صحيح الاسناد و لم يخرجاه- قال ابن الجوزي قال ابو ذرعة عبد الملك الذمارى منكر الحديث- و قال الرازي ليس بالقوى و وثقه العلاس و اما إسحاق بن ابراهيم فمجهول- قلت لعل الحاكم عرف إسحاق حتى حكم بصحة الحديث و الظاهر ان الحديث حسن قال ابن همام تضعيف ابن معين ابن حوتا فيه نظر بعد تعدد ما ذكر من الطرق الصحيحة و الحسان مما هو بمعناه يرفعه الى الحجية بمعناه- و في الباب اثر ابن مسعود رواه ابو حنيفة عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم قال دفع عبد اللّه بن مسعود الى زيد بن خويلة البكري مالا مضاربة فاسلم زيد الى عريس بن عرقوب الشيباني فى قلائص فلما حلت أخذ بعضها و بقي بعض فاعسر عريس و بلغه ان المال لعبد اللّه فاتاه يسترفقه فقال عبد اللّه افعل زيد فقال نعم فارسل اليه يسئله فقال عبد اللّه اردد ما أخذت و خذ رأس مالك و لا تسلمن ما لنا في شي ء من الحيوان- قال صاحب التنقيح فيه انقطاع يعنى بين ابراهيم و عبد اللّه فانه انما يروى بواسطة علقمة او الأسود- قال ابن همام هذا غير قادح عندنا خصوصا فى إرسال ابراهيم النخعي- قلت لو صح هذا الحديث انه صلى اللّه عليه و سلم نهى عن السلف في الحيوان لكان سندا لابى حنيفة في خلافية اخرى و هو انه لا يجوز قرض الحيوان عنده خلافا لمالك و الشافعي و احمد احتجوا على جواز فرض الحيوان بحديث ابى رافع ان النبي صلى اللّه عليه و سلم استسلف من رجل بكرا فاتاه ابل من ابل الصدقة فقال أعطوه فقالوا لا نجد الا رباعيا خيارا قال أعطوه فان خير الناس أحسنهم قضاء رواه مسلم و حديث ابى هريرة- كان لرجل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حقّا فاغلظ له فهم له أصحابه فقال دعوه فان لصاحب الحق مقالا فقال لهم اشتروا سنّا فاعطوه إياه فقالوا انا لا نجد سنّا الا خيرا من سنه قال اشتروه و أعطوه فان خيركم أحسنكم قضاء- متفق عليه وجه قول ابى حنيفة في عدم جواز القرض فى الحيوان انه لا ينضبط فلا يجوز قرضه كما لا يجوز جعله ثمنا في البيع نسية و السلم فيه- و هذا التعليل في مقابلة الحديثين الصحيحين غير مقبول ما لم يصح حديث النهى عن السلف في الحيوان فان السلف يعم السلم و القرض فان صح حديث ابن عباس يجب تقديم المحرم على المبيح و الا فما ثبت عن رسول اللّه من استقراض البكر يقتصر على مورده و لا يقاس عليه غيره من الحيوانات لانه معدول عن سنن القياس فان قيل ان كان الحيوان غير منضبط و لا يجوز ثبوته في الذمة فلم جوزتم النكاح و الخلع على عبد او امة او فرس و أوجبتم فيه الوسط- قلنا هاهنا قياسين قياس على البيع حيث نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن البيع نسية و قياس على الدية حيث أوجب فيها الإبل فقلنا ما كان فيه مبادلة مال بمال لا بد فيه كمال الانضباط و ذلك كالبيع و الاجارة و الصلح عن الإقرار بمال- و ما كان فيه مبادلة مال بغير مال كالنكاح و الخلع و الصلح عن دم عمد و الصلح عن انكار لا يشترط فيه كمال الانضباط فيجوز فيه ذلك قياسا على الدية- و من ثم اجمع المسلمون على ان غرة جنين الحرة عبد او امة و ليس ذلك في غرة جنين الامة بل فيه دراهم او دنانير عشر قيمة الجنين او نصفه عند ابى حنيفة- و نصف عشر قيمة أم الجنين عند غيره و في غرة البهائم ما نقص أم الجنين- و وجه الفرق ان في مبادلة المال بالمال يجرى المشاجرة و المماكسة عادة غالبا دون في مبادلة ما ليس بمال بمال فان المال فيه بمنزلة الصلة- و لعل الإبل في تلك البلاد بعد رعاية السن و غيره من الأوصاف تكون قليل التفاوت و التفاوت القليل مفتقر ضرورة و اللّه اعلم- و اعلم ان القياس يقتضى عدم جواز القرض مطلقا لانه ان كان في الدراهم او الدنانير يلزم النسية في الصرف و ان كان في غيرهما يلزم بيع المعدوم و يلزم ربوا النسية ايضا في بعض المواد و لما ثبت بالنصوص و الإجماع جواز الاقراض لاجل الضرورة قال العلماء في توجيه تصحيحه ان الشرع اعتبر القرض عارية كانّ المستقرض استعار مال الغير للانتفاع به و لمّا كان من الأموال ما لا يمكن الانتفاع به الا بالاستهلاك كالدراهم و الدنانير و الطعام و كان دفعه بعد الانتفاع به غير ممكن اعطى الشرع لمثله حكم عينه فمن ادى القرض بمثله كان كمن دفع المأخوذ بعينه و لاجل ذلك لا يلزم الاجل في القرض كما لا يلزم في العادية فان للمعير استرداد ماله من المستعير متى شاء فكلما يمكن فيه ذلك التوجيه قلنا بجواز الاقراض فيه و مالا فلا- و إذا تمهد هذا فنقول لا يتصور الاقراض الا في الدراهم و الدنانير و ما كان مثليا ينتفع به بالاستهلاك كالطعام و اما ما كان باقيا بعد الانتفاع به كالثوب و الدابة و العبد و الامة و الدار و نحو ذلك فلا يتصور ذلك التوجيه فيه إذ مع بقاء عين المدفوع الى المستقرض عنده لا يمكن اعتبار مثله عينه بل حينئذ ان اعطى المالك ماله لغيره للانتفاع به يجب على المعطى له رد عين المأخوذ الى المعطى فيكون ذلك عارية حقيقة و من ثم قال ابو حنيفة لا يجوز قرض الحيوان و الثياب و الإماء و العبيد و غير ذلك و اختلف في بعضها- و اجمعوا على عدم جواز اقراض الامة للوطى- (مسئلة) ان اهدى المستقرض الى المقرض شيئا او حمله على دابته او اسكنه في داره و لم يكن ذلك عادة بينهما او اعطى اكثر مما أخذ منه او أجود هل يحل ذلك للمقرض أم لا- فقال ابو حنيفة و مالك و احمد لا يحل له ذلك بل يكره و ان لم يشترط- و قال الشافعي ان كان بغير شرط جاز و ان كان بشرط لم يجز- احتج الجمهور بحديث انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا اقرض أحدكم قرضا فاهدى اليه طبقا فلا يقبله او حمله على دابة فلا يركبها الا ان يكون بينه و بينه قبل ذلك- رواه ابن ماجة و البيهقي و رواه البخاري في التاريخ بلفظ فلا يأخذ هدية و عن سالم بن ابى الجعد قال جاء رجل الى ابن عباس فقال انى اقترضت رجلا يبيع السمك عشرين درهما فاهدى الىّ سمكة قومتها ثلاثة عشر درهما فقال خذ منه سبعة دراهم رواه ابن الجوزي- و عن عبد اللّه بن سلام إذا كان لك على رجل حق فاهدى إليك حمل تين او حمل شعيرا و حمل قت فلا تأخذه فانه ربوا- رواه البخاري و عن على رضى اللّه عنه ان النبي صلى اللّه عليه و سلم نهى عن قرض جر منفعة رواه الحارث بن اسامة في مسنده و في اسناده سوار بن مصعب متروك و رواه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربوا- و رواه البيهقي فى السنن الكبير عن ابن مسعود و ابى بن كعب و عبد اللّه بن سلام و ابن عباس موقوفا عليهم و احتج الشافعي بما مر من حديث ابى رافع و ابى هريرة- قالوا انا لا نجد الا سنا هو خير من سنة قال أعطوه فان خيركم أحسنكم قضاء- و يؤيد قول الشافعي حديث عائشة انها قالت- سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الخمير و الخبز يقرضه الجيران فيردون اكثر او اقل فقال- ليس بذلك بأس انما هو امر يترافق بين الجيران و ليس يراد به الفضل- و عن معاذ بن جبل انه سئل عن استقراض الخمير و الخبز فقال سبحان اللّه هذا مكارم الأخلاق فخذ الصغير و أعط الكبير و خذ الكبير و اعط الصغير خيركم أحسنكم قضاء سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ذلك- رواهما ابن الجوزي لكن يمكن ان يقال المساهلة و المهاداة جارية بين الجيران و الخلاف فيما لم يجر بينه و بينه ذلك- و هذين الحديثين حجة للجمهور في جواز اقراض الخبز و الخمير فقيل يجوز اقراضها عددا و قيل وزنا و قال ابو حنيفة- لا يجوز و اللّه اعلم فَاكْتُبُوهُ اى اكتبوا الذي تداينتم به لانه أوثق و ادفع للنزاع- و الجمهور على انه امر استحباب فان تركت فلا بأس به كقوله تعالى فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا- و قال بعضهم هى واجبة- و قال الشعبي- كانت كتابة الدين و الاشهاد او الرهن فرضا ثم نسخ الكل بقوله تعالى فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ- قلت الناسخ ما يكون متراخيا في النزول و هذا ليس كذلك بل الآيتين نزلتا معا فهو قرينة دالة على كون الأمر بالكتابة و نحوها للاستحباب وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ يكتب برعاية حقوق الطرفين لا يزيد و لا ينقص امر للكاتب بالعدل و ذلك امر وجوب و يتضمن ذلك امرا للمتداينين باختيار كاتب فقيه متدين وَ لا يَأْبَ اى لا يمتنع كاتِبٌ من يعلم الكتابة أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللّه مثل ما علّمه من كتبة الوثائق- او لا يأب ان ينفع غيره بكتابته كما نفعه اللّه بتعليمها كقوله تعالى أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّه إِلَيْكَ- فَلْيَكْتُبْ تلك الكتابة المعلمة- امر بها بعد النهى عن الإباء بها تأكيدا- و يجوز ان يكون كما علّمه متعلقا به فيكون الأمر بالكتابة مطلقا في ضمن النهى عن الإباء عنها ثم الأمر بها مقيدة- و اختلفوا في وجوب الكتابة على الكاتب و تحمل الشهادة على الشاهد- فقال مجاهد بوجوبها إذا طولب- و قال الحسن بوجوبها إذا تعين نهما يعنى واجب على الكفاية و قال الضحاك- كانت واجبة على الكاتب و الشاهد فنسخها قوله تعالى وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ و فيه ما ذكرنا فيما قبل وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ- و الإملال و الاملاء لغتان فصيحتان بمعنى واحد- يعنى ليكن الممل «١» على الكاتب المديون لان إقراره حجة عليه بخلاف الدائن فان قوله لا يعتد به ما لم يقربه المديون او يحكم به الحاكم بعد ثبوت شرعى وَ لْيَتَّقِ المملل او الكاتب اللّه رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ اى لا ينقص من الحق الذي عليه او مما املى عليه المديون شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ناقص العقل مبذرا و يدخل فيه المجنون و المعتوه او ضَعِيفاً اى صغيرا او شيخا كبيرا اختل عقله و قيل هو ضعيف العقل «٢» لصغر او عته او جنون او لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ لخرس اوعى او جهل باللغة او حبس او مرض (١) فى الأصل المملى. (٢) فى الأصل ضعيف عقل-. او غيبة لا يمكنه حضور الكاتب او كانت امراة مخدرة لا تستطيع حضور الكاتب فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ اى الذي يليى امره من ولى الصبى او الذي اختل عقله او الوكيل او المترجم- قال البغوي قال ابن عباس و مقاتل أراد بالولى صاحب الحق يعنى ان عجز من عليه الحق من الإملال فليملل ولى الحق و صاحب الدين بِالْعَدْلِ لا يزيد على حقه لانه اعلم بالحق و اولى من غيرهما للاملال فان قيل ايّ فائدة في املال الدائن مع ان قوله ليس ملزما على غيره قلنا فائدة الكتابة ان لا ينسى العاقد ان قدر الثمن او قدر رأس المال او المسلم فيه او الاجل او نحو ذلك لا ان يكون حجة فان الحجة انما هو الشهود- وَ اسْتَشْهِدُوا اى اطلبوا ان يشهد المداينة شَهِيدَيْنِ اثنين مِنْ رِجالِكُمْ اى من المسلمين الأحرار فانهم هم المخاطبون بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ و المداينة غالبا لا يكون إلا بين الأحرار فلا يجوز عندنا شهادة الصبى لانه ليس برجل و به قال مالك و الشافعي و احمد و عامة العلماء- و في رواية عن مالك يقبل في الجراح إذا كانوا مجتمعين لامر مباح قبل ان يتفرقوا- و يروى ذلك عن ابن الزبير و الوجه لعدم قبول شهادتهم نقصان العقل و التميز فلا يجوز شهادة المجنون و المعتوه ايضا و عليه انعقد الإجماع لانه في معنى الصبى بل اولى لعدم القبول- و لا يجوز شهادة العبد عندنا و به قال مالك و الشافعي- و قال احمد تقبل شهادة العبد على الأحرار و العبيد- و هو قول انس بن مالك و به قال إسحاق و داود- قال البخاري في صحيحه قال انس شهادة العبد جائزة إذا كان عدلا و اجازه شريح و زرارة بن ابى اوفى- و قال ابن سيرين شهادته جائزة الا العبد لسيده- و اجازه الحسن و ابراهيم و قال شريح كلكم بنوا عبيد و إماء- الى هاهنا لفظ البخاري و لا يجوز شهادة كافر على مسلم اجماعا- و كذا لا يجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض عند مالك و الشافعي و احمد لانه فاسق قال اللّه تعالى وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ- و عند ابى حنيفة يجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض و ان اختلف ملتهم لان الذمي من اهل الولاية بخلاف العبد بدليل ولاية الذمي على أولاده الصغار و قال اللّه تعالى بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ و بدليل مالكيته و كفره فسق في نفس الأمر و اما في زعمه فديانة و الكذب حرام في الأديان كلها- و قال ابن ابى ليلى و ابو عبيدة مع اختلاف الملة لا تقبل شهادتهم كشهادة اليهودي على النصراني- قال البيضاوي قوله تعالى مِنْ رِجالِكُمْ دليل على اشتراط الإسلام قلت الخطاب مع المؤمنين فالاية لا تدل على اشتراط سلام الشهود الا إذا كان المشهود عليه مؤمنا- و احتج ابن الجوزي بحديث ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لا يرث ملة ملة و لا يجوز شهادة اهل ملة على ملة الا أمتي فانه يجوز شهادتهم على من سواهم رواه الدارقطني و ابن عدى- و هذا الحديث لو صح لكان حجة لابن ابى ليلى و لا يكون حجة لاحمد- و قال ابو حنيفة الكفر ملة واحد قال اللّه تعالى فَمِنْهُمْ «١» مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ و حينئذ يكون حجة لابى حنيفة ايضا- لكن الحديث ضعيف في سنده عمر بن راشد قال الدارقطني ضعيف و احتج ابو حنيفة بحديث جابر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم أجاز شهادة اهل الكتاب بعضهم على بعض رواه ابن ماجة- و عنه قال- جاءت اليهود برجل و امراة منهم زنيا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال لليهود ما يمنعكم ان تقيموا عليهما الحد فقالوا كنا نفعل إذا كان الملك لنا فلما ان ذهب ملكنا فلا نجترئ على الفعل فقال لهم ايتوني بأعلم رجلين منكم- فاتوه بابني صوريا فقال لهما أنتما اعلم من ورائكما قالا يقولون قال انشد كما باللّه الذي انزل التورية على موسى كيف تجدون حدهما في التورية فقالا إذا شهد اربعة انهم راوا يدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة رجم- فقال ايتوني بالشهود فشهد اربعة فرجمهما النبي صلى اللّه عليه و سلم- رواه ابو داود و إسحاق بن راهويه و ابو يعلى الموصلي و البزار و الدارقطني- و رواه الطحاوي بلفظ قال عليه الصلاة و السلام تأتونى باربعة منكم يشهدون و هذان «٢» الحديثان لجابر كلاهما ضعيفان تفرد به مجالد بن سعيد قال احمد- هو ليس بشي ء- و قال يحيى- لا يحتج بحديثه- فَإِنْ لَمْ يَكُونا اى الشهود رَجُلَيْنِ اى لم؟؟ تشهادهما فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ اى (١) فى الأصل منهم- [.....]. (٢) فى الأصل و هذين الحديثين. فليستشهد رجل و امرأتان- و اشتراط عدم تيسر رجلين للاستشهاد بالمرأتين مع الرجل يشعر كونهما بدلا من الرجل و ان الأصل عدم الاستشهاد بهن فلشبهة البدلية لا يجوز شهادة النساء فيما يندرى ء بالشبهات من الحدود و القصاص اجماعا- و يؤيده ما روى ابن ابى شيبة حدثنا حفص عن حجاج عن الزهري قال مضت السنة من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الخليفتين بعده انه لا يجوز شهادة النساء في الحدود و الدماء انتهى- و هذا مرسل و المرسل عندنا حجة و تخصيص الخليفتين يعنى أبا بكر و عمر لانهما اللذان كان معظم تقرير الشرع و انعقاد الإجماعات في زمانهما و بعدهما ما كان من غيرهما الا الاتباع و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر و عمر رواه الترمذي عن حذيفة- قال الشيخ ابن حجر روى عن مالك عن عقيل عن الزهري كما رواه ابن ابى شيبة و زاد و لا في النكاح و لا في الطلاق- و لا يصح هذا عن مالك و قال الشافعي و مالك لا يجوز شهادة النساء الا في الأموال خاصة و توابعها كالاذن و شرط الخيار و الشفعة و الاجارة و قتل الخطاء و كل جرح لا يوجب الا المال لا في النكاح و الطلاق و الوكالة و الوصية و العتق و الرجعة و النسب و نحو ذلك- و قال ابو حنيفة يجوز شهادة رجل و امرأتين في الحقوق كلها سوى الحدود و القصاص- وجه قولهم ان قبول شهادة رجلين او رجل و امرأتين امر تعبدى على خلاف القياس لانه من باب خبر الآحاد لا يفيد اليقين بصدق المدعى و كذب الاخر فكيف يرجب الزام المدعى عليه دعوى المدعى مع احتمال صدقه و كذب الشهود فيقتصر على مورد النص و هو الأموال كيف و قد قال اللّه تعالى في الرجعة و اشهدوا ذوى عدل منكم- و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا نكاح الا بولي «١» و شاهدى عدل رواه الدارقطني عن عائشة و ابن مسعود و ابن عمر و ابن عباس نحوه- بخلاف رواية الحديث فانه ليس هناك الزام بل المسلمون ملتزمون احكام اللّه تعالى طالبون العلم به يلتمسون طرقه- فاذا وصل إليهم حكم بطريق قطعى اعتقدوه و عملوا به و ان وصل إليهم بطريق ظنى بحيث لم يترتب عليه العلم اليقيني عملوا به رجاء للثواب او خوفا عن العذاب ما لم يعارضه حكم اخر بطريق أقوى منه و هذا امر يقتضيه العقل و ايضا ثبت وجوب العمل بأحاديث الآحاد بالنصوص القطعية و الإجماع و لهذا لا يشترط في الرواية (١) (فائدة) اجمع العلماء على اشتراط الإعلان في النكاح لكن قال أكثرهم يحصل الإعلان بشهادة رجلين- و قال مالك لا يحصل- فلما ثبت اشتراط الإعلان بالإجماع جاز به الزيادة على الكتاب و هو قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم- و قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ- منه قدس سره فائدة- قال احمد- لم يثبت في الشهادة في النكاح شي ء و كذا قال ابن المنذر فان قيل إذا لم يثبت في اشتراط الشهادة في النكاح شي ء فما وجه القول بكون الشهادة شرطا في النكاح قلت قد صح قوله صلى اللّه عليه و سلم أعلنوا النكاح- رواه احمد و ابن حبان و الحاكم في المستدرك و الطبراني و ابو نعيم في الحلية من حديث ابن الزبير و الترمذي من حديث عائشة و حسنه فقال ابو حنيفة و من معه في اشتراط الشهود في النكاح ان الا علان لما كان شرطا في النكاح يعتبر فيه ما هو طريق الظهور شرعا و ذلك بشهادة شاهدين فان مع شهادتهما لا يبقى سرا و ذلك ادنى مراتب الإعلان إذ لاحد لاقصاه قال الكرخي نكاح السر ما لم يحضره شهود فاذا حضروا فقد علن- و قال مالك الا علان قد يحصل بالدف و بالأخبار بعد النكاح و يفوت الإعلان إذا اشهد رجلين على النكاح ثم قيل لهما لا تخبرا بهذا النكاح أحدا- قلت بعد النكاح انما هى حالة البقاء و لا يشترط الإعلان في حالة البقاء اجماعا و لا ينفسخ النكاح بعد الانعقاد بالكتمان و الإنكار- و الضرب بالدف انما يوجب الإعلان بعد الانعقاد- و لذا شرطنا حضور الشاهدين و سما عهما سعا الإيجاب و القبول عن العاقدين حتى يثبت الإعلان في حال الانعقاد- منه رحمه اللّه. ما يشترط في الشهادة من الحرية و الذكورة و العدد- و وجه قول ابى حنيفة- ان قبول الشهادة و ان كان امرا تعبديا على خلاف القياس لكنه جار في جميع الحقوق اجماعا ماليا كان او لا- و هذه الاية لما اثبت جواز قبول شهادة النساء في الأموال بالعبارة أثبتت في غير ذلك من الحقوق بالدلالة بالطريق الاولى او المساوى- لان قبول الشهادة مطلقا انما شرع صيانة لحقوق الناس من الأموال و الاعراض و الإيضاع و صيانة الابضاع و الاعراض اولى من صيانة الأموال او مثله قال عليه الصلاة و السلام في خطبته يوم عرفة و يوم النحر في حجة الوداع ان دماءكم و أموالكم و اعراضكم حرام- الحديث في الصحيحين و غيرهما و قال حرمة مالكم كحرمة دمكم- و قال عليه الصلاة و السلام من قتل دون ماله فهو شهيد و من قتل دون دمه فهو شهيد و من قتل دون دينه فهو شهيد و من قتل دون اهله فهو شهيد- رواه احمد و ابن حبان عن سعيد بن زيد و انما قلنا بعدم جواز شهادة النساء في الحدود و نحوها لوجوب اندرائها بالشبهات و لا كذلك النكاح و غير ذلك- و قوله وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ- لا يدل على عدم قبول شهادة النساء و الزيادة على النص بدلالة نص اخر جائز اجماعا- و اما حديث لا نكاح الا بولي و شاهدى عدل- فليس بصحيح اما حديث عائشة ففيه محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه قال احمد و على ضعيف و قال يحيى ليس بثقة و قال النسائي متروك الحديث و قال الدارقطني هو و أبوه ضعيفان و في طريقة الاخر نافع بن ميسر ابو خطيب مجهول- و اما حديث ابن عباس فقيه النهاش قال يحيى ضعيف و قال ابن عدى لا يساوى شيئا- و اما حديث ابن مسعود ففيه بكر بن بكار قال يحيى ليس بشي ء و ايضا فيه عبد اللّه بن محرز قال الدارقطني متروك و اما حديث ابن عمر فيه ثابت بن زهير منكر الحديث أحاديثه يخالف الثقات خرج عن جملة من يحتج به كذا قال ابو حاتم و ابن عدى و ابن حبان- (مسئلة) بهذه الاية يحتج ابو حنيفة على انه لا يجوز الحكم بشاهد واحد مع يمين المدعى في الأموال كما لا يجوز فى غيرها بالإجماع- و الجمهور يجوزون في الأموال دون غيرها محتجين بما روى عن رسول صلى اللّه عليه و سلم انه قضى باليمين مع الشاهد- رواه ابن الجوزي من حديث جابر و عليّ و قال و قد روى هذا الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عمر بن الخطاب و ابن عباس و ابو هريرة و ابن عمر و زيد بن ثابت و ابو سعيد الخدري و سعد بن عبادة و عامر ابن ربيعة و سهل بن سعد و عمارة و عمرو ابني حزم و المغيرة بن شعبة و بلال بن الحارث و سلمة بن قيس و انس بن مالك و تميم الداري و زينب بنت ثعلبة و بيرق- قلت الحديث جابر فرواه احمد و الترمذي و ابن ماجة و البيهقي و الطحاوي من حديث عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عنه قال الترمذي و رواه الثوري و غيره يعنى مالكا «١» عن جعفر عن أبيه مرسلا و هو أصح و رواه الدارقطني عن أبيه عن على عليهم السلام بلفظ ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قضى بشاهد واحد و يمين صاحب الحق- و هو منقطع قال الدارقطني في العلل كان جعفر ربما أرسله و ربما وصله و قال الشافعي و البيهقي عبد الوهاب وصله و هو ثقة قلت قال الذهبي اختلط في اخر عمره- و اما حديث ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قضى باليمين مع الشاهد- أخرجه ابو داود و الطحاوي و حسنه الترمذي و قال الطحاوي حديث منكر لانه من رواية قيس بن سعد عن عمرو بن دينار و لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشى ء- و اما حديث ابى هريرة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قضى بالشاهد و اليمين- رواه الشافعي و اصحاب السنن و ابن حبان و قال ابن ابى حاتم عن أبيه هو صحيح و هذا الحديث رواه سهيل بن ابى صالح عن أبيه و سمعه منه ربيعة ابن ابى عبد الرحمن ثم اختلط حفظه بشيخه فكان يقول أخبرني ربيعة انى أخبرته عن ابى عن ابى هريرة- ذكر هذه القصة الشافعي و الطحاوي عن الدراوردي- و روى هذا الحديث البيهقي من حديث مغيرة بن عبد الرحمن بن الزياد عن الأعرج (١) فى الأصل مالك-. عن ابى هريرة و نقل عن احمد أن حديث الأعرج ليس في الباب أصح منه و روى الطحاوي عن سهيل بن ابى صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت نحوه- و قال الطحاوي- منكر لان أبا صالح لا يعرف و له رواية عن زيد و فيه عثمان بن الحكم شيخ عبد اللّه بن وهب ليس بالذي يثبت مثل هذا بروايته- قلت قال الذهبي عثمان بن الحكم الجرامى شيخ لابن وهب قال ابو حاتم ليس بالمتين- قال ابو حنيفة- هذا الحديث لو صح فهو حديث احاد لا يجوز به الزيادة على الكتاب مع انه معارض بما هو أقوى منه روى الشيخان في الصحيحين عن ابن عباس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لو ان الناس اعطوا بدعواهم لادعى ناس من الناس دماء ناس و أموالهم و لكن اليمين على المدعى عليه- و رواه البيهقي بلفظ و لكن البيّنة على المدعى و اليمين على من أنكر- و حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم البينة على المدعى و اليمين على المدعى عليه- رواه الدارقطني و الترمذي- و حديث وائل بن حجر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال للمدعى بينتك فقال ليس لى بينة قال يمينه قال إذا يذهب بها يعنى بالأرض قال ليس الا ذلك- رواه الطحاوي بطرق- وجه التعارض ان النبي صلى اللّه عليه و سلم جعل جنس اليمين على المدعى عليه و ليس سوى الجنس شى ء يرد على المدعى- و ايضا القسمة بين المدعى و المدعى عليه بالبينة و اليمين ينافى الشركة قال الطحاوي و ما رويتم انه صلى اللّه عليه و سلم قضى بالشاهد و اليمين يحتمل ان يكون مراده كما ذكرتم من يمين المدعى مع شاهد واحد ليحكم له و يجوز ان أريد به يمين المدعى عليه يعنى لما يقم المدعى على دعواه الا شاهدا واحدا فلم يعتد به النبي صلى اللّه عليه و سلم و استحلف المدعى عليه ليحكم له فروى ذلك ليعلم الناس ان المدعى يجب له اليمين بمجرد الدعوى لا كما قيل لانه لا يجب له اليمين ما لم يقم بينة انه كانت بينه و بين المدعى عليه خلط و لبس- و يحتمل ان يكون الشاهد الذي شهد وحده خزيمة الذي جعله النبي صلى اللّه عليه و سلم ذا الشهادتين- قلت و هذا التأويل الثاني بعيد جدا- قلت و عندى تأويل اخر و هوان اللام في الشاهد و اليمين للعهد اى بالشاهد المعهود في الشرع و هو رجلين او رجل و امرأتين من المدعى و باليمين المعهود على المنكر- او للجنس كما في حديث البينة للمدعى و اليمين على من أنكر يعنى قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالشاهد و اليمين لا بشى ء اخر من الوحى و غير ذلك- و تأويل آخر أن اللام للجنس و المراد باليمين يمين الشاهد يعنى قضى بالشاهد مع يمينه و المراد باليمين قوله اشهد فان لفظة اشهد من صيغ اليمين و يشترط لقبول الشهادة لفظة اشهد و هذه التأويلات و ان كانت بعيدة لكن يرتكب مثلها لدفع تعارض النصوص و اللّه اعلم و التحقيق ان المسألة مبنية على خلافية اصولية انه يجوز الزيادة على الكتاب بخبر الآحاد عندهم لا عنده و اللّه اعلم- ( (مسئلة)) اجمعوا على انه يجوز شهادة النساء وحدهن فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة و البكارة و عيوب النساء ثم اختلفوا فقال ابو حنيفة يكفى هناك شهادة امراة واحدة حرة مسلمة عادلة و الثنتان أحوط- و قال مالك لا بد من ثنتين- و قال الشافعي لا بد من اربع لانه أقيمت شهادة امرأتين مقام رجل واحد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ ليس شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل- و وجه قول مالك ان المعتبر في الشهادة العدد و الذكورة لكن الذكورة سقطت للضرورة فبقى العدد لنا ما رواه محمد بن الحسن عن ابى يوسف عن غالب بن عبد اللّه عن مجاهد عن سعيد بن المسيب و عطاء بن رياح «١» و طاؤس قالوا قال رسول اللّه صلى اللّه (١) ابى رباح-. عليه و سلم شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر اليه- و هذا مرسل يجب العمل به وجه الاحتجاج ان اللام للجنس لعدم العهد فيصح بواحدة و الأكثر احسن- و روى عبد الرزاق عن ابن جريح عن الزهري قال مضت السنة انه يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال من ولادات النساء و عيوبهن- و رواه ابن ابى شيبة- و روى عبد الرزاق عن ابن عمر قال لا يجوز شهادة النساء وحدهن الا ما لا يطلع عليه الا هن من عورات النساء- و له مخارج اخرى- و عن حذيفة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أجاز شهادة قابلة- رواه الدارقطني من حديث محمد بن عبد الملك عن الأعمش قال الدارقطني هو لم يسمع من الأعمش بينهما رجل مجهول- مِمَّنْ تَرْضَوْنَ- يعنى من كان غير متهم في شهادته بالفسق او قلة المروة او العداوة الدنيوية بينه و بين المشهود عليه او القرابة بينه و بين المشهود له- فلا يقبل شهادة الفاسق اجماعا لان العدالة شرط في الرواية حيث قال اللّه تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا- ففى الشهادة بالطريق الاولى و العدالة هو إتيان الواجبات و الاجتناب عن الكبائر و ترك الإصرار على الصغائر- و في تفسير الكبائر كلام و قد روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الكبائر الشرك باللّه- و السحر- و قتل النفس- و أكل الربوا- و أكل مال اليتيم- و التولي يوم الزحف- و قذف المؤمنات المحصنات في المتفق عليه عن ابى هريرة و عقوق الوالدين- و اليمين الغموس عند البخاري عن عبد اللّه بن عمر و شهادة الزور في المتفق عليه عن انس و ابى بكرة قالا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا أنبئكم بأكبر الكبائر قال الشرك و عقوق الوالدين و كان متكئا فجلس و قال الا و قول الزور الا و شهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت و قال عليه السلام لا يزنى الزاني حين يزنى و هو مؤمن الحديث فذكر نحوه- السرقة- و شرب الخمر و النهبة- و الغلول رواه البخاري عن ابى هريرة و قال عليه الصلاة و السلام اربع من كن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان و إذا حدث كذب و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجر متفق عليه عن عبد اللّه بن عمرو و في المتفق عليه عن ابى هريرة ثلاث فذكر إذا وعدا خلف بدل الأخيرين و قيل الكبيرة ما فيه حد و قيل ما ثبت حرمته بنص القران- و قيل ما كان حراما بعينه كاللواطة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يجوز شهادة خائن و لا خائنة و لا ذى غمر على أخيه و لا يجوز شهادة القانع لاهل البيت و يجوز شهادته لغيرهم- و القانع الذي ينفق عليه اهل البيت رواه احمد و ابو داود و ابن ماجة و ابن دقيق العبد و البيهقي و زاد ابو داود بعد قوله و لا خائنة و لا زان و لا زانية- قال ابن الجوزي فيه محمد بن راشد ضعيف- و قال في التنقيح- وثقه احمد بن حنبل- و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يجوز شهادة خائن و لا خائنة و لا مجلود حدا و لا ذى غمر لاخيه يعنى ذى عداوة و لا قانع لاهل البيت لهم و لا ظنين في ولاد و لا قرابة رواه الترمذي و الدارقطني و البيهقي من حديث يزيد بن زياد الدمشقي و هو ضعيف و عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم انه قال لا يجوز شهادة الوالد لولده و لا الوالدة و لا المرأة لزوجها و لا الزوج لامراته و لا العبد لسيده و لا السيد لعبده و لا الشريك لشريكه في الشي ء بينهما و لكن في غيره و لا الأجير لمن استأجر- رواه الخصاف بسنده- (مسئلة) قال ابو حنيفة يقتصر الحاكم في العدالة على ظاهر صلاحه و لا يسئل عن حاله الا إذا طعن فيه الخصم- و قال ابو يوسف و محمد لا بدان يسئل عنهم سرا و علانية طعن الخصم او لا- و به قال الشافعي و احمد و قال مالك من كان مشهورا بالعدالة لا يسئل عنه و من عرف جرحه ردت شهادته و يسئل إذا شك- احتج ابو حنيفة بقوله صلى اللّه عليه و سلم- المسلمون عدول بعضهم على بعض الا محدودا في قذف- رواه ابن ابى شيبة- و عن عمر بن الخطاب انه كتب لابى موسى الأشعري و فيه المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجلودا في قذف او مجربا في شهادة زورا و ظنينك في ولاء او قرابة- رواه الدارقطني من طريق فيه عبد اللّه ابو حميد و هو ضعيف و من طريق اخر حسنه و اخرج البيهقي من طريق غير الطريقين قال العلماء الحنفية و الفتوى على قول ابى يوسف و محمد قالوا و الخلاف انما هو خلاف زمان لا خلاف حجة و برهان لان الغالب في زمان ابى حنيفة كان الصلاح ثم فسد الزمان في وقت صاحبيه و الحق كذلك قلت و الفتوى في زماننا هذا على قول ابى حنيفة لان في زماننا لا يوجد رجل عدل على ما شرط في الكتب فلو ضيقنا الأمر يتوى حقوق الناس و ينسد باب القضاء بل في زماننا هذا الفاسق إذا كان وجيها ذا مروة يغلب على الظن انه لا يكذب في الشهادة او دلت القرائن على صدقه يقبل شهادته- و اختار المتأخرون تحليف الشهود مقام التزكية- فان قيل هذا تعليل فى مقابلة النص فلا يقبل- قلنا بل هو مقتضى النص فان قوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ...- مِمَّنْ تَرْضَوْنَ يقتضى كون الشهداء من رجال كل قرن مرضيين منهم و كيف يمكن في قرتنا هذا ان تستشهد مثل ابى حنيفة إذ لا يوجد عادل في هذا القرن و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لاصحابه انكم في زمان من ترك منكم عشر ما امر به هلك ثم يأتى زمان من عمل منهم عشر ما امر به نجا- رواه الترمذي عن ابى هريرة- و تأويل هذا الحديث ان اللّه سبحانه يغفر ذنوب رجال يريدون اللّه و الدار الاخرة في الازمنة الفاسدة اكثر مما يغفر ذنوب رجال صالحين من القرون الصالحة و ان كان ذنوبهم اكثر من ذنوب أولئك لان المعاصي صارت مباحة في هذه القرون و مثل الفريقين كمثل العسكرين عسكر يجاهدون كلهم كمال المجاهدة و عسكر في أكثرهم و صبر بعضهم نوع صبر و لم يفروا فالسلطان يعطى هؤلاء الصابرين اكثر مما يعطى أولئك المجاهدين و الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و يغفر لمن يشاء الكبائر و يعذب من يشاء على الصغائر مِنَ الشُّهَداءِ كلمة من للتبعيض فهو يدل على ان الفاسق ايضا اهل للشهادة فان قبل القاضي شهادته جار لكنه يأثم إذا لم يبالغ في طلب الحق غاية وسعه أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما قرأ حمزة ان بكسر الهمزة فحينئذ تضل مجزوم بناء على الشرط لم يظهر جزمه بالتشديد و معناه ينسى فَتُذَكِّرَ بالرفع على انه خبر مبتدأ و الجملة الاسمية جزاءاى فهى تذكرها إِحْداهُمَا الْأُخْرى و قرا العامة ان بالفتح و نصب تضل بان فتذكّر منصوبا معطوفا على ما سبق قرا ابن كثير و ابو عمرو فتذكر مخففا من الافعال و الباقون مشددا من التفعيل و معناهما واحد من الذكر ضد النسيان- و فيه اشعار على نقصان عقلهن و قلة ضبطهن. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما رايت من ناقصات عقل و دين اذهب للب الرجل الحازم من إحداكن قلن يا رسول اللّه ما نقصان عقلنا قال أ ليس شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل قلن بلى قال فذلك من نقصان عقلها قلن فما نقصان ديننا يا رسول اللّه قال أ ليس إذا حاضت لم تصل و لم تصم قال فذلك من نقصان دينها وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا قيل أراد به إذا دعو التحمل لشهادة و اسم الشهداء حينئذ مجاز فيمن سيتصف بالشهادة و هو امر إيجاب عند بعضهم و قال قوم يجب الاجابة إذا لم يكن غيرهم فان وجد غيرهم فهم مخيرون و هو قول الحسن- و قال قوم هو امر ندب- و قيل معناه إذا دعوا لاداء شهادة تحملوها من قبل و هو قول مجاهد و عكرمة و سعيد بن جبير و ذلك واجب البتة بدليل قوله تعالى وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ و عن ابى موسى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من كتم شهادة إذا دعى إليها كان كمن شهد بالزور رواه الطبراني في الكبير و الأوسط و في سنده عبد اللّه بن صالح كاتب ليث احتج به البخاري ( (مسئلة)) إذا دعى الشاهد الى مجلس الحاكم كى يؤدى شهادته قيل يلزم ذلك إذا كان مجلس القاضي قريبا فان كان بعيدا فلا لقوله تعالى وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ- و عن نصر ان كان بحال يمكنه الرجوع الى اهله فى يومه يجب لانه لا ضرر عليه ( (مسئلة)) لو كان الشاهد شيخا فاركبه الطالب على دابته فلا بأس به- و عن سليمان فيمن اخرج الشهود الى ضيعه فاستأجر لهم حميرا فركبوها لا يقبل شهادتهم- و فصّل في النوازل بين كون الشاهد شيخا لا يقدر على المشي و لا يجد ما يستاجر به دابة فيقبل و ما ليس كذلك فلا يقبل- قال ابن همام و فيه نظر لان إكرام الشهود مأموربه ( (مسئلة)) و لو وضع للشهود طعاما فاكلوا ان كان مهيا من قبل ذلك يقبل شهادتهم و ان صنعه لاجلهم لا يقبل هذا قول ابى حنيفة و عن محمد لا يقبل فيهما و عن ابى يوسف يقبل فيهما- قال ابن همام و هو الاوجه للعادة الجارية بالطعام من حل محله ممن يعز عليه شاهدا كان اولا هذا فيما لا يشترط و اما إذا اشترط فهو اجرة و رشوة حرام على الشاهد اخذه و على المشهود له إعطاؤه و ان أخذ الشاهد لا يقبل شهادته سواء تعين هو للشهادة بان لا يكون غيره شاهدا او لم يتعين لانه إذا اشترط صارا جيرا عاملا لنفسه بالاجرة- و قال الشافعي ان تعين عليه لا يجوز له أخذ الاجرة و ان لم يتعين عليه جاز لانه ليس بفريضة عليه- قلنا ان تعين فهو فرض عين و الا ففرض كفاية و لو سلمنا فهو مندوب و لا يجوز أخذ الاجرة على العبادة عندنا و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الراشي و المرتشي في النار رواه الطبراني في الصغير عن ابن عمر بإسناد حسن- وَ لا تَسْئَمُوا اى لا تملوا من كثرة مدايناتكم أَنْ تَكْتُبُوهُ اى الدين او الحق او الكتاب صَغِيراً كان الحق او كَبِيراً مضافا إِلى أَجَلِهِ اى وقت حلوله ذلِكُمْ اشارة الى ان تكتبوه أَقْسَطُ عِنْدَ اللّه اى اكثر عدلا وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ اى اثبت لاداء الشهادة وَ أَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا اى اقرب ان لا تشكوا عند الشهادة في جنس الدين او قدره او اجله او نحو ذلك و هما مبيّنان لاقسط- او يكون المعنى ذلك اى الكتابة اقسط عند اللّه في حق من له و من عليه الحق فلا ينسى ما له و ما عليه فلا يدعى المدعى الزيادة و يقربه المدعى عليه و أقوم في حق الشاهد للشهادة فلا يزيد و لا ينقص فى الشهادة وقت الأداء و أدنى ان لا ترتابوا ايها الخصماء و الشهداء- قيل فائدة الكتابة في الشاهد ليس الا ان يتذكر الوقعة التي شهدها و لا يجوز للشاهدان راى خطه ان يشهد الا ان يتذكر شهادته كذا ذكر في القدورى و غيره و قال صاحب الهداية هذا قول ابى حنيفة و عندهما يحل له الشهادة إذا راى خطه و ان لم يتذكر و قيل هذا يعنى عدم جواز الشهادة بالاتفاق- و انما الخلاف فيما إذا وجد القاضي شهادته في ديوانه و هو تحت ختمه يؤمن عليه من الزيادة و النقصان هل يجوز للقاضى العمل عليه- و لا كذلك الشهادة فى الصك إذا كان في يد المدعى لانه لا يؤمن من التغير و الخط يشبه الخط و هذا يدل على انه ان كان المكتوب عند الشاهد بحيث لا يحتمل التغير يجوز للشاهد ان يشهد عليه و ان لم يتذكر عند ابى يوسف و محمد و قال ابو حنيفة لا يجوز وجه قول الصاحبين ان المكتوب إذا كان مامونا من التغير فهو كالمتذكر الا ترى ان الصحابة و التابعين كانوا يعملون على كتب النبي صلى اللّه عليه و سلم و خلفائه كما كانوا يعملون على خطاباته- و قد مرقصة عبد اللّه بن جحش و كتابه في تفسير قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ- و وجه قول ابى حنيفة ان الشهادة مبنىّ على المشاهدة و من ثم يشترط لفظ الشهادة و قد قال عليه الصلاة و السلام- إذا رايت مثل الشمس فاشهد إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً قراهما عاصم بالنصب على خبر كان و الاسم مضمر اى الا ان تكون التجارة تجارة حاضرة و رفعها «١» الآخرون على انه اسم كان تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ ليس فيها أجل- و هذه الجملة صفة لتجارة على قراءة عاصم و كذا على قراءة الجمهور ان كان تامة و الا فهو خبرها- و الاستثناء منصرف الى الأمر بالكتابة- و التجارة الحاضرة يعم المبايعة بدين حال او عين فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها اى التجارة- وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ قال الضحاك و داود الأمر للوجوب فالاشهاد واجب سواء كان بالنقد او النسية- و قال ابو سعيد الخدري كان واجبا فنسخ بقوله تعالى- فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً- و عند الجمهور الأمر للندب- و كثيرا ما لم يشهد النبي صلى اللّه عليه و سلم عند المبايعة روى احمد من حديث عمارة بن خزيمة عن عمه و هو من اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم ان النبي صلى اللّه عليه و سلم ابتاع فرسا من أعرابي فاسرع النبي صلى اللّه عليه و سلم في المشي ليؤتى ثمن فرسه و ابطا الاعرابى فطفق «٢» رجال يعرضون للاعرابى فيساومون بالفرس لا يشعرون ان النبي صلى اللّه عليه و سلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الاعرابى في السوم على ثمن الفرس فنادى الاعرابى النبي صلى اللّه عليه و سلم ان كنت مبتاعا لهذا الفرس فابتعه و إلا بعته فقام النبي صلى اللّه عليه و سلم حين سمع نداء الاعرابى فقال او ليس قد ابتعته منك- فقال لا و اللّه ما بعتك فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم بلى قد ابتعته فطفق (١) فى الأصل رفعها. (٢) فى الأصل فطق. الاعرابى يقول هلم شهيدا يشهدانى قد بايعتك- فطفق الناس يقولون للاعرابى ويلك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يكن ليقول الا حقا حتى جاء خزيمة فاستمع مراجعة النبي صلى اللّه عليه و سلم و مراجعة الاعرابى و طفق الاعرابى يقول هلم شهيدا يشهد انى بعتك فقال خزيمة انا اشهد انك قد بايعته- فاقبل النبي صلى اللّه عليه و سلم على خزيمة فقال بم تشهد قال بتصديقك يا رسول اللّه فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين- قلت و عندى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم انما حكم كذلك لعلمه بانه قد بايع و ان الاعرابى كاذب في إنكاره لا بشهادة خزيمة وحده و انما جعل شهادة خزيمة بشهادة رجلين لما راى قوة إيمانه و لمال عقله و درايته- و يستنبط من هذا الحديث ان القاضي لو كان عالما بالحق يسعه الحكم على وفق علمه لان علمه فوق ما يحصل من الظن بشهادة رجلين- كما ان أبا بكر حكم على فاطمة بمنع الإرث بحديث سمعه من النبي صلى اللّه عليه و سلم نحن معاشر الأنبياء لا نورث- و ان السلطان او القاضي او غيرهما لو ابتاع من غيره شيئا او كان له حقّ «٣» على الغير و هو يعلم ذلك يقينا وسعه ان يأخذ من ذلك الغير حقه جبرا و ان كان ذلك الغير (٣) فى الأصل حقا. منكرا لحقه و لا تبيعة عليه في ذلك عند اللّه تعالى- لكن لو رفع هذا الأمر الى قاضى غيره لا يجوز لذلك الغير الحكم بعلم السلطان و القاضي المدعى ما لم يقم عليه بينة و اللّه اعلم وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ يحتمل ان يكون لا يضار مبنيا للفاعل يعنى لا يضر كاتب و لا شهيد أحدا من المتبايعين من ترك الاجابة إذا كان متعينا للشهادة و الكتابة و التحريف و التغيير في الكتابة او الشهادة و هذا قول طاؤس و الحسن و قتادة- و يحتمل ان يكون مبنيا للمفعول اى لا يضر المتبايعان الكاتب فلا يعطيان جعله و لا الشاهد ان يدعوه الى الشهادة و هو على شغل او مريض او ضعيف و هو غير معين للشهادة بل كان على تلك الوقعة شهود «١» غيره ايضا وَ إِنْ تَفْعَلُوا سانهيتكم من الضرار فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ اى خروج عن طاعة اللّه تعالى و معصيته لاحق بكم فيها وَ اتَّقُوا اللّه فى مخالفة امره وَ يُعَلِّمُكُمُ اللّه مصالح دينكم و دنياكم وَ اللّه بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢) كرر لفظ اللّه في الجمل الثلاث لاستقلالها فان الاولى حث على التقوى و الثانية وعد بانعامه و الثالثة تعظيم لشأنه-. (١) فى الأصل شهودا. |
﴿ ٢٨٢ ﴾