٢

اللّه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الى بضع «١» و ثمانين اية من ال عمران و قال ابن إسحاق حدثنى محمد بن سهل بن ابى امامة قال لما قدم وفد نجران على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يسئلونه عن عيسى بن مريم نزلت فيهم فاتحة ال عمران الى رأس الثمانين منها كذا اخرج البيهقي فى الدلائل و كذا

قال البغوي عن الكلبي و الربيع بن انس و غيرهما نزلت هذه الآيات فى وفد نجران و كانوا ستين راكبا قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و فيهم اربعة عشر رجلا من اشرافهم و فى الاربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤل أمرهم العاقب أميرهم و صاحب مشورتهم الذي لا يصدرون الا عن رأيه و اسمه عبد المسيح و السيد ثمالهم و صاحب رحلهم و اسمه الا بهم و ابو حارثة بن علقمة أسقفهم و حبرهم- دخلوا مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين صلى العصر عليهم ثياب حبرات جبب و أردية فى جمال رجال لحارث بن كعب يقول من راهم ما راينا وفدا مثلهم و قد حانت صلاتهم فقاموا للصلوة فى مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم

(١) قلت الظاهر انها اربعة و ثمانون اية الى قوله تعالى لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ و بعد ذلك قوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ و ما بعده نزلت فى رجال ارتدوا كما سيذكر- منه برد اللّه مضجعه الخطبة ١٢ الناشر.

دعوهم فصلوا الى المشرق- فكلم السيد و العاقب فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أسلما فقالا قد اسلمنا قبلك قال كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاءكما للّه ولدا و عبادتكم الصليب و أكلكما الخنزير قالا ان لم يكن عيسى ولد اللّه فمن أبوه و خاصموه جميعا فى عيسى عليه السلام فقال لهما النبي صلى اللّه عليه و سلم ا لستم تعلمون ان ربنا حى لا يموت و ان عيسى يأتى عليه الفناء قالوا بلى قال أ لستم تعلمون ان ربنا قيم على كل شى ء يحفظه و يرزقه قالوا بلى قال فهل يملك عيسى من ذلك شيئا قالوا لا قال أ لستم تعلمون ان اللّه تعالى لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْ ءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ قالوا بلى قال فهل يعلم عيسى عليه السلام من ذلك الا ما علم قالوا لا قال فان ربنا صور عيسى عليه السلام فى الرحم كيف شاء و ربنا لا يأكل و لا يشرب قالوا بلى قال أ لستم تعلمون ان عيسى حملته امه كما تحمل المرأة و وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذى كما يغذى الصبى ثم كان يطعم و يشرب و يحدث قالوا بلى قال فكيف يكون هذا كما زعمتم فسكتوا فانزل اللّه صدر سورة ال عمران الى بضع و ثمانين اية منها فقال عز من قائل

الم (١) اللّه قرا ابو يوسف يعقوب بن خليفة الأعشى عن ابى بكر الم مقطوعا بسكون الميم على الوقف كما هو فى سائر المقطعات ثم قطع الهمزة للابتداء

و قرا الجمهور بالوصل «١» مفتوح الميم فعند سيبويه فتح الميم لالتقاء الساكنين الميم و لام اللّه لا يقال ان التقاء الساكنين غير محذور فى باب الوقف لانا نقول ان الوقف ليس مرويا عند الجمهور و انما هو على قراءة ابى يوسف يعقوب كما ذكر و فى صورة الوقف كما قرا يعقوب يتحمل التقاء الياء و الميم الساكنين فى كلمه ميم دون التقاء ثلاث ساكنات و حركت الميم بالفتح لكونها أخف الحركات و لم تكسر لاجل الياء و كسر الميم قبلها تحاميا عن توالى الكسرات و قال الزمخشري انما هى فتحة همزة الوصل من اللّه نقلت الى الميم و انما جاز ذلك مع ان الأصل فى همزة الوصل إسقاطها مع حركتها لان الميم كان حقها الوقف و مقتضى الوقف ابقاء همزة الوصل كما قراء به يعقوب لكنها أسقطت للتخفيف فابقيت حركتها لتدل على انها فى حكم الثابت و نظرا على ان الميم فى حكم الموقوف و ليس بموقوف اجمع القراء على جواز المد الطويل فى مد الميم بقدرست حركات و المد القصير بقدر حركتين و اللّه اعلم- و اللّه مبتدا و خبره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبر لا محذوف تقديره لا اله فى الوجود الا هو و المستثنى فى موضع الرفع بدل

(١) و الحق ان الوقف بمد الطويل و الوصل بالقصر و المد جائز ان للكل.

من موضع لا و اسمه

الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) بدل من هو او خبر مبتدا محذوف اى هو الحي القيوم و قد ذكرنا شرح الاسمين فى اية الكرسي- اخرج ابن ابى شيبة و الطبراني و ابن مردوية من حديث ابى امامة مرفوعا اسم اللّه تعالى الأعظم فى ثلاث سور البقرة و ال عمران و طه قال القاسم صاحب ابى امامة فالتمستها فوجدت انه الحي القيوم لاجل اية الكرسي فى البقرة و هذه الاية فى ال عمران و و عنت الوجوه للحىّ القيّوم فى طه و قال الجزري صاحب الحصين و عندى انه لا اله الّا هو الحىّ القيّوم قلت عندى هو لا اله الا هو جمعا بين حديث ابى امامة هذا و حديث اسماء بنت يزيد قالت «١» سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول فى هاتين الآيتين اسم اللّه الأعظم وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ و اللّه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ رواه الترمذي و ابو داود و ابن ماجة و الدارمي و حديث سعد بن ابى وقاص قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دعوة ذى النون إذا دعا ربه و هو فى بطن الحوت لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لم يدع بها رجل مسلم فى شى ء الا استجاب له رواه احمد و الترمذي- و فى المستدرك للحاكم اسم اللّه الأعظم الذي إذا دعى به أجاب و إذا سئل به اعطى لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ و حديث يزيد ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سمع رجلا يقول اللّهم انى أسئلك بانى اشهد ان لا اله الّا أنت الأحد الصّمد الّذى لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد- فقال دعا اللّه باسمه الأعظم الذي إذا سئل به اعطى و إذا دعى به أجاب رواه احمد و اصحاب السنن الاربعة و ابن حبان و الحاكم و قال الترمذي حسن غريب و قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين- و روى هؤلاء الجماعة كلهم عن انس قال كنت جالسا فى المسجد و رجل يصلى فقال اللّهم انى أسئلك بان لك الحمد لا

(١) فى الأصل قال- ابو محمد عفا اللّه عنه.

اله الا أنت الحنان المنان بديع السموات و الأرض يا ذا الجلال و الإكرام يا حى يا قيوم فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم دعا اللّه باسمه الأعظم الذي إذا دعى به أجاب و إذا سئل به اعطى و لم يذكر ابن ابى شيبة يا حى يا قيوم قلت فهذه الأحاديث كلها يقتضى ان الاسم الأعظم انما هو القدر المشترك بينها و ذلك هو التهليل النفي و الإثبات- و لا اله الا هو موجود فى السور الثلاث البقرة و ال عمران و كذا فى طه اللّه لا اله الّا هو له الأسماء الحسنى و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا اله الا اللّه هو أفضل الذكر رواه الترمذي و غيره من حديث جابر مرفوعا و هو مفتاح الجنة رواه احمد عن معاذ مرفوعا و قد تواتر معناه-

( (فائدة)) وردت صيغة التهليل فى أحاديث اسم اللّه الأعظم بلفظ لا اله الّا هو او لا اله الّا أنت و هذا اللفظ ارفع درجة من لفظ لا اله الا اللّه لان الضمائر وضعت للذات البحت ففى كلمة لا اله الا هو ينتقل الذهن اولا الى الذات بلا ملاحظة اسم من الأسماء و صفة من الصفات و شأن من الشئونات و كلمة اللّه و ان كان اسما للذات لكن الذهن هناك ينتقل اولا الى الاسم و ثانيا الى المسمى و قد ينتقل الذهن من حيث الاشتقاق الى معنى الالوهية فيكون من اسماء الصفات غير ان صفة الالوهية يستدعى الاتصاف بجميع صفات الكمال و التنزه عن جميع شوائب النقص و الزوال فيكون أتم و أشمل من سائر اسماء الصفات- و الصوفية العلية انما اختاروا كلمة لا اله الا اللّه لاجل المبتدى فان المبتدى لا سبيل له الى الذات البحت الا بتوسط اسم من الأسماء او صفة من الصفات-

قلت و لعل وجه كون النفي و الإثبات أعظم الأسماء ان اثبات الالوهية له تعالى يقتضى اثبات جميع صفات الكمال له تعالى باقتضاء ذاته و سلب جميع النقائص عنه كذلك فانه من ليس كذلك لا يستحق العبادة- و نفى الالوهية عما عداه يقتضى حصر تلك الصفات الايجابية و السلبية فيه تعالى فهو أعظم الأسماء و أشملها و اللّه اعلم.

﴿ ٢