١٥

قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ المذكورات فيه توبيخ للكفار و اشارة الى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كانه متردد فى ان ينبئهم شفقة عليهم و امتثالا لامر اللّه تعالى او لا ينبئهم لملاحظة بعدهم عن قبول الحق و تقرير لما سبق اليه الاشارة من ان ثواب اللّه خير من مستلذات الدنيا لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ مبتدا و الظرف خبر مقدم عليه و الجملة استيناف لبيان ما هو خير و يجوز ان يكون الظرف متعلقا بخير او يكون ظرفا مستقرا صفة لخير و اختصاص المتقين لانهم هم المنتفعون به و جنات خبر مبتدا محذوف اى هو جنات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ صفة لجنات خالِدِينَ فِيها اى مقدرين الخلود فيها إذا دخلوها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ مما يستقذر من النساء كالحيض و النفاس و البول و الغائط وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّه قرا ابو بكر عن عاصم بضم الراء فى جميع القران غير الحرف الثاني فى المائدة و رضوانه سبل السّلم و الباقون بالكسر و هما لغتان كالعدوان و العدوان- قيل ذكر اللّه سبحانه من جنس ما يشتهونه الجنات التي هى من جنس الحرث و الأزواج المطهرة التي هى من جنس النساء و لم يذكر البنين لان المقصود منهم فى الدار الفانية الاعانة و بقاء النوع- و لا الخيل و لا الانعام و لا الذهب و الفضة لانهم مستغنون عن مشاق ركوب الخيل و الانعام لنيل المقاصد و عن البيع و الشراء المحوج الى الأثمان و زاد لهم ما لا زيادة عليه و هو رضوان اللّه و نكر الرضوان اشارة الى انه امر لا يحيط العلم بإدراكه عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه تبارك و تعالى يقول لاهل الجنة يا اهل الجنة فيقولون لبيك ربنا و سعديك و الخير فى يديك فيقول هل رضيتم فيقولون و ما لنا لا نرضى يا رب و قد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول الا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب و اىّ شى ء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده ابدا متفق عليه و عندى ان ذكر الجنان واقع فى مقابلة جميع ما يشتهونه لقوله تعالى وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ فان الأبناء و الأقارب كلهم تجتمعون فى الجنة و يدوم لقاؤهم ابدا قال اللّه تعالى أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ و سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الولد من قرة العين و تمام السرور فهل يولد لاهل الجنة فقال المؤمن إذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله وضعه و سنه فى ساعة كما يشتهى رواه الترمذي و حسنه و البيهقي و هناد فى الزهد عن ابى سعيد و الحاكم فى التاريخ و الاصبهانى فى الترغيب- و اما قناطير الذهب و الفضة فان اللّه تعالى خلق الجنة لبنة من ذهب و لبنة من فضة و ملاطها المسك- رواه البزار و الطبراني و البيهقي عن ابى سعيد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و فى الحديث المرفوع جنتان من فضة آنيتهما و ما فيهما و جنتان من ذهب آنيتهما و ما فيهما متفق عليه من حديث ابى موسى- و اما الخيل و الانعام فقد قال أعرابي يا رسول اللّه انى أحب الخيل أ في الجنة خيل قال ان دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوت له جناحان فحملت عليه ثم طار بك حيث شئت رواه الترمذي عن ابى أيوب و روى الترمذي و البيهقي نحوه عن بردة مرفوعا و الطبراني و البيهقي بسند جيد عن عبد الرحمن بن ساعدة مرفوعا-

و اخرج ابن المبارك عن شفى بن مانع ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من نعيم الجنة انهم يتزاورون على المطايا و البخت و انهم يؤتون فى يوم الجمعة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث و لا تبول فيركبونها حتى ينتهوا حيث شاء اللّه-

و اخرج ابن ابى الدنيا و ابو الشيخ و الاصفهانى عن على مرفوعا قال ان فى الجنة شجرة تخرج من أعلاها حلل و من أسفلها خيل بلق من ذهب سرجها و زمامها الدر و الياقوت و هن ذوات الاجنحة خطوّها مد البصر لا تروث و لا تبول فيركبها اولياء اللّه فيطير بهم حيث شاءوا فيقول «١» الذي أسفل منهم قد اطفؤوا نورنا من هؤلاء فقال انهم كانوا ينفقون و كنتم تبخلون و كانوا يقاتلون و كنتم تجلسون

و اخرج ابن المبارك عن ابن عمران فى الجنة عتاق الخيل و كرام النجائب يركبها أهلها

و اخرج ابن وهب عن الحسن البصري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان ادنى اهل الجنة منزلة الذي يركب

(١) فى الأصل شاء.

فى الف الف من خدم من الولدان المخلدين على خيل من ياقوت احمر لها اجنحة من ذهب و اما الحرث فقد روى البخاري عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان رجلا من اهل الجنة استأذن ربه فى الزرع فقال له ا لست فيما شئت قال بلى و لكنى أحب ان ازرع قال فيزرع فبادر الطرف نباته و استواؤه و استحصاده فكان أمثال الجبال فيقول اللّه تعالى دونك يا ابن آدم فانه لا يشبعك شى ء

و اخرج الطبراني و ابو الشيخ نحوه و فيه حتى تكون سنيلة اثنا عشر ذراعا ثم لا يبرح مكانه حتى يكون منه ركام أمثال الجبال- و لعل وجه تخصيص الأزواج من بين نعيم الجنة بالذكر اما شدة ما كان بالعرب من شهوة النساء و اما ان الأزواج تكون لكل من يدخل الجنة أجمعين و اما البنون و نحو ذلك فلمن كان له بنون فى الدنيا او لمن يشتهيهم فيها و هم لا يشتهون ذلك غالبا لما روى عن ابى سعيد انه إذا اشتهى المؤمن فى الجنة الولد كان فى ساعة و لكن لا يشتهى رواه الترمذي و الدارمي يعنى لا يشتهى غالبا جمعا بين الروايات- و ذكر اللّه سبحانه ما زاد على نعماء الدنيا و لا مزيد عليه و هو رضوان اللّه فانه هو الفارق البائن بين نعماء الدنيا و نعماء الجنة فان الدنيا ملعونة و ملعون ما فيها الا ما ابتغى به وجه اللّه عز و جل و فى رواية الا ذكر اللّه و ما والاه و عالما و متعلما رواه الطبراني فى الأوسط عن ابن مسعود و فى الصغير عن ابى الدرداء و ابن ماجة عن ابى هريرة و اما نعماء الجنة فهى مرضيات للّه تعالى عن ربيعة الحرسي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قيل لى فى المنام سيد بنى دارا و صنع مادبة و أرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار و أكل من المأدبة و رضى عنه السيد و من لم يجب الداعي لم يدخل الدار و لم يأكل من المأدبة و سخط عليه السيد قال و اللّه سيد و محمد الداعي و الدار الإسلام و المأدبة الجنة رواه الدارمي-

قلت و السر فى ان نعيم الدنيا غير مرضية للّه تعالى لا ينبغى ان يلتفت إليها قال اللّه تعالى وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا و نعيم الجنة مرضية للّه تعالى ممدوح من يطمع فيها قال اللّه تعالى وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ان مبادى تعينات النشئة الدنيوية غالبا هى الاعدام التي تقررت فى مرتبة العلم و استضاءت بالتقابل بعكوس نقائضها التي هى صفات الكمال للّه تعالى كالجهل فى مقابلة العلم و العجز فى مقابلة القدرة و نحو ذلك و سميت ظلالا و لاجل ذلك يسرع الفناء الى هذه النشئة و العدم فى نفسه شر محض لا نصيب له من الحسن و الجمال و الخير و الكمال الا بالتموية بخلاف النشئة الاخروية فان مبادى تعيناتها انما هى صفات اللّه تعالى الحسناء فحبها حب اللّه تعالى و الانشغاف بها الانشغاف به تعالى كذا ذكر المجدد رضى اللّه عنه فى سر محبة يعقوب عليه السلام بيوسف عليه السلام مع ان الأنبياء بل الأولياء لا يلتفتون الى غير اللّه سبحانه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو كنت متخذا خليلا لا تخذن أبا بكر خليلا و قد اتخذ اللّه صاحبكم خليلا رواه مسلم قال المجدد رضى اللّه عنه و ذلك ان حسن يوسف عليه السلام كان من جنس حسن اهل الجنة فكان حبة و العشق به حب اللّه تعالى و عشقه وَ اللّه بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) هذا الكلام فى مقام التعليل لما سبق و اللامم اما للاستغراق اى بصير بجميع العباد محسنهم و مسيئهم فيجازيهم على حسب ما عملوا-

و اما للعهد يعنى بصير بالذين اتقوا و لذا أعد لهم الجنات-.

﴿ ١٥