٣١ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه الاية- و روى ابن إسحاق و ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير انها نزلت فى وفد نجران لمّا قالوا انما نعبد المسيح حبّا للّه و قال البغوي نزلت فى اليهود و النصارى حيث قالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللّه وَ أَحِبَّاؤُهُ و قال الضحاك عن ابن عباس رضى اللّه عنهما وقف النبي صلى اللّه عليه و سلم على قريش و هم فى المسجد الحرام و قد نصبوا أصنامهم و علقوا عليها بيض النعام و جعلوا فى آذانها الشنوف و هم يسجدون لها فقال و اللّه يا معشر قريش و اللّه لقد خالفتم ملة أبيكم ابراهيم و إسماعيل فقال قريش انما نعبدها حبّا للّه لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّه زُلْفى فقال اللّه تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه الحب بضم الحاء و كسره و كذا الحباب بهما و المحبة مصادر من أحبه يحبه فهو محبوب على غير قياس و محبّ قليل و حببته أحبه حبا من ضرب يضرب شاذ- و هو عبارة عن اشتغال قلب المحب بالمحبوب و أنسه به بحيث يمنعه عن الالتفات الى غيره و لا يكون له بد من دوام التوجه اليه و الاشتغال به و هذا هو المعنى من قولهم العشق نار فى القلوب تحرق ما سوى المحبوب- يعنى يقطع عن قلبه التوجه الى غير المحبوب فيجعله نسيا منسيا كان لم يكن فى الوجود غير محبوبه حتى يسقط عن نظر بصيرته نفسه فلا يرى نفسه كما لا يرى غيره و مقتضى تلك الصفة ابتغاء مرضات المحبوب و كراهة ما يكرهه طبعا و بالذات بلا ملاحظة طمع فى ثوابه او خوف من عقابه و ان اجتمع مع ذلك طمع و خوف ايضا- هذا تعريف المحبة من العبد و اما محبة اللّه تعالى لعبده فاللّه سبحانه منزه عن القلب و اشتغاله و لا يمنعه شأن عن شأن فهى فى حقه تعالى عبارة عن الانس الساذج المقتضى لجذب العبد الى جنابه و عدم إهماله و تركه الى غيره- و جذب اللّه العبد الى جنابه سبب للمحبة من العبد للّه تعالى فمحبة العبد للّه تعالى فرع لمحبة اللّه تعالى إياه و ظل لها قال اللّه تعالى و ألقيت عليك محبّة منّى و قال يحبّهم و يحبّونه قدم يحبهم على يحبونه هذا ما ذكرت هو المحبة الذاتية و ما ذكر البيضاوي ان المحبة ميل النفس الى الشي ء لكمال أدرك فيه بحيث يحمله على ما يقربه اليه فهو بيان للمحبة الصفاتية و هى بمراحل عن المحبة الذاتية الا ترى ان الام يحب ولدها بلا ملاحظة كمال فيه فذلك قريب من المحبة الذاتية و ليست منها لان محبة الام تتفرع على علم انتساب الولد إليها و اما محبة اللّه تعالى فهى اعزوا على من ذلك فقد ورد فى الصحيحين و غيرهما عن ابى هريرة و ابن عباس و غيرهما مرفوعا بألفاظ مختلفة ان للّه تبارك و تعالى مائة رحمة منها رحمة واحدة قسّمها بين الخلائق يتراحمون بها و ادخر لاوليائه تسعة و تسعين- و اما ما ذكر البغوي ان حب المؤمنين للّه تعالى اتباعهم امره و إيثار طاعته و ابتغاء مرضاته و حب اللّه المؤمنين ثناؤه عليهم و ثوابه لهم و عفوه عنهم فليس هذا تعريفا للمحبة بل بيان لمقتضاه و ما يدل عليه فَاتَّبِعُونِي الفاء للسببية و ذلك لان المحبة سبب لابتغاء مرضات اللّه تعالى- و المرضى من غير المرضى لا يدرك بالرأى بل بتعليم اللّه تعالى بتوسط الرسل فثبت ان المحبة سبب لاتباع الرسل و الاتباع دليل على وجودها و عدمه دليل على عدمها فمن ادعى المحبة مع مخالفة سنة الرسول صلى اللّه عليه و سلم فهو كذاب يكذبه كتاب اللّه تعالى يُحْبِبْكُمُ اللّه جواب للامر تقديره ان تتبعونى يحببكم اللّه- فان قيل مقتضى هذه الاية ان محبة اللّه تعالى العبد يتفرع على اتباع الرسول المتفرع على محبة من العبد للّه تعالى المسبوق بمحبة من اللّه للعبد فيلزم الدور- قلنا هذه محبة اخرى من اللّه تعالى سوى المحبة السابقة فمحبة العبد للّه تعالى محفوف بمحبتين من اللّه سبحانه سابق و لاحق فالمحبة السابقة ما ذكرناه سابقا و المحبة اللاحقة هى التي تقتضى الرحمة و التفضل الكامل الذي ورد فى الحديث ان جزءا واحدا منها اى من الرحمة قسمها اللّه بين الخلائق و ادخر لاوليائه تسعة و تسعين- و لاقتضاء تلك المحبة اللاحقة من اللّه تعالى المغفرة و الرحمة عطف عليه قوله وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قال البغوي لما نزلت هذه الاية قال عبد اللّه بن ابى لاصحابه ان محمدا يجعل طاعته كطاعة اللّه و يأمرنا ان نحبه كما أحبت النصارى عيسى بن مريم فنزل. |
﴿ ٣١ ﴾