٣٣

إِنَّ اللّه اصْطَفى افتعال من الصفوة و هى الخالص من كل شى ء يعنى اختار لنفسه و لمحبته و رسالته آدَمَ أبا البشر عليه السلام حتى اسجد له ملائكته و اسكنه فى جنته

و اخرج من ذريته الأنبياء كلهم و هو أول النبيين المصطفين وَ نُوحاً حين اختلف الناس و صاروا كفارا بعد ما كانوا على شريعة الحق و دين آدم عليه السلام فاختاره اللّه تعالى على من سواه و أهلك الكفار كلهم بدعائه و جعل ذريته هم الباقين وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ قيل أراد بال ابراهيم و ال عمران أنفسهما كما فى قوله تعالى و بقيّة ممّا ترك ال موسى و ال هرون يعنى موسى و هارون- و قال آخرون أراد بال ابراهيم إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و سائر أنبياء بنى إسرائيل و محمدا صلى اللّه عليه و سلم- و اما عمران فقال مقاتل هو عمران بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب والد موسى و هارون و قيل عمران بن ماثان من أولاد سليمان بن داود عليهما السلام والد مريم أم عيسى و قال الحسن و وهب كذلك لكنهما قالا ابو مريم عمران بن أشهم بن امون من أولاد سليمان بن داود و بين عمرانين الف و ثمانون سنة و قيل الف و ثمان مائة سنة و الظاهر ان المراد بال عمران هاهنا عمران ابو مريم لدلالة سياق الكلام عليه فان قوله تعالى إذ قالت امراة عمرن واقع فى مقام البيان لما سبق من الاصطفاء- و انما خص هؤلاء بالذكر لان الأنبياء و الرسل كانوا كلهم او أكثرهم من نسلهم عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ان كان ما ذكر شاملا لنبينا صلى اللّه عليه و سلم و ابراهيم عليه السلام كما هو شامل لموسى و عيسى فاصطفاؤهم على العالمين أجمعين ظاهر و به يستدل على افضلية خواص البشر على خواص الملائكة و الا فالمراد بالعالمين عالمى زمانهم-

قال البغوي قال ابن عباس رضى اللّه عنهما قالت اليهود نحن أبناء ابراهيم و إسحاق و يعقوب و نحن على دينهم فانزل اللّه تعالى هذه الاية يعنى ان اللّه اصطفى هؤلاء بالإسلام و أنتم على غير دين الإسلام و

قال البيضاوي لما أوجب طاعة الرسل و بين انها الجالبة لمحبة اللّه عقب ذلك بيان مناقبهم تحريضا عليها و قال بعض الأفاضل لما أمرهم بمتابعة النبي صلى اللّه عليه و سلم و جعل متابعته سببا لمحبة اللّه و عدم اطاعته سببا لسخطه و سلب محبته أكد ذلك بتعقيبه بما هو عادة اللّه تعالى من اصطفاء أنبيائه على مخالفيهم و رفعهم و تذليل أعدائهم و اعدامهم تخويفا للمتمردين عن متابعته- فذكر اصطفاء آدم على من عداه حتى جعله مسجودا للملائكة و لعن عدوه إبليس و اصطفاء نوح على أعدائه كفار اهل الأرض أجمعين حتى اهلكهم بالطوفان و جعل ذرّيّته هم الباقين و اصطفاء ال ابراهيم على العالمين مع ان العالم كانوا كلهم كافرين فى زمن ابراهيم حتى جعل دينهم شائعا و ذلل مخالفيهم و اصطفاء موسى و هارون حتى القى السحرة ساجدين و أغرق فرعون و جنوده فلم يبق منهم أحد مع كثرتهم قلت و جعل متابعى عيسى عليه السلام بعد رفعه الى السماء مع كونهم مغلوبين بالكلية غالبين الى يوم القيامة حيث قال وَ جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ و لذا خص آدم و نوحا و الآلين و لم يذكر ابراهيم و نبينا سيد المرسلين إذ ابراهيم لم يغلب على العالم بالكلية و هذا الكلام لبيان ان نبينا صلى اللّه عليه و سلم سيغلب و اللّه اعلم.

﴿ ٣٣