٦١

فَمَنْ شرطية و جاز ان يكون استفهامية لانكار وجود من يحاجه من بعد ان النصارى عجزوا من المخاصمة حَاجَّكَ اى جادلك من النصارى فِيهِ اى فى عيسى او فى الحق مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ بان عيسى عبد اللّه و رسوله- و فى ذكر هذا القيد للمباهلة تنبيه على ان المسلم لا ينبغى ان يباهل الا بعد كمال اليقين فَقُلْ يا محمد تَعالَوْا امر من التفاعل من العلو قال الفراء معناه كانه قال ارتفعوا قلت كانه يطلب منه ان يظهر على مكان عال ليبصر ما خفى عن بصره ثم استعير و غلب استعماله فى طلب التأمل و التوجه من المخاطب بالرأى فيما خفى عنه- فحاصل المعنى هلموا بالرأى و العزم- و قد يستعمل للدعاء الى مكان قريب من الداعي نَدْعُ مجزوم فى جواب الأمر أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ يعنى ندع كل منا و منكم نفسه و اعزة اهله من الأبناء و النساء فنضمهم الى أنفسنا حتى يعم ما نزل بالكاذب من العذاب اجمعهم و قدمهم على النفس لان الرجل يخاطر بنفسه لهم و يحارب دونهم و لان الأصل فى الدعاء المغائرة بين الداعي و المدعو و المغائرة بين الرجل و بين ابنائه و نسائه حقيقى و بينه و بين نفسه اعتباري فقدم الحقيقي على الاعتباري- روى مسلم و الترمذي عن سعد بن ابى وقاص قال لما نزلت هذه الاية دعا رسول اللّه عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال اللّهم هؤلاء اهل بيتي ثُمَّ نَبْتَهِلْ افتعال و معناه التفاعل و اختير الافتعال هاهنا على التفاعل لان المقصود منه جلب اللعنة الى نفسه ان كان كاذبا و دفعها الى خصمه ان كان صادقا و جلب الشر الى نفسه اسرع وقوعا من دفعه الى غيره فكان الغرض منه اكتساب اللعنة- و البهلة بالضمة و الفتحة و أصله الترك يقال بهلت الناقة إذا تركتها بلا اصرار و فى اللعينة الترك من الرحمة و البعد من رحمة اللّه تعالى فى الدنيا و الاخرة و ذلك يقتضى وقوع العذاب لان العصمة من العذاب لا يتصور الا برحمته- و فى كلمة ثم اشارة الى ان اللائق من العاقل التأخير و التراخي فى المباهلة فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّه عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١) عطف تفسيرى على نبتهل و بالفاء اشارة الى ان وقوع العنة لا يتراخى عن الابتهال بل يعقبه بلا مهلة

قال البغوي فلما قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذه الاية على وفد نجران دعاهم الى المباهلة قالوا حتى نرجع و ننظر فى أمرنا نأتيك غدا فخلا بعضهم ببعض فقالوا للعاقب و كان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى قال و اللّه لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبى مرسل و و اللّه مالا عن قوم نبيا قط فعاش كبيرهم و نبت صغيرهم و لئن فعلتم ذلك لتهلكن فان أبيتم الا الاقامة على ما أنتم عليه من القول فى صاحبكم فوادعوا لرجل و انصرفوا الى بلادكم- فاتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد غذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم محتضنا الحسين أخذا بيد الحسن و فاطمة يمشى خلفه و علىّ خلفها و هو يقول إذا دعوت فامّنوا- فقال اسقف نجران يا معشر النصارى انى لارى وجوها لو سالوا اللّه ان يزيل جبلا عن مكانه لازاله فلا تبتهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصرانى الى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم قد راينا ان لا نلاعنك و ان نتركك على دينك و نثبت على ديننا- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فان أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم فابوا قال فانى أنابذكم فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة و لكنا نصالحك على ان لا تغزونا و لا تخيفنا و لا تردنا عن ديننا على ان نؤدى إليك كل عام الفى حلة الفا فى صفر و الفا فى رجب فصالحهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ذلك و قال و الذي نفسى بيده ان العذاب قد تدلى على اهل نجران و لو تلاعنوا لمسخو قردة و خنازير و لاضطرم عليهم الوادي نارا و لا ستأصل اللّه نجران و اهله حتى الطير على الشجر و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا و كذا اخرج ابو نعيم فى الدلائل من طرق عن ابن عباس-

و استدل الروافض قبحهم اللّه بهذه الاية على نفى خلافة الخلفاء الثلاثة رضى اللّه عنهم و كون علىّ عليه السلام هو الخليفة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالوا المراد بالأبناء فى هذه الاية الحسن و الحسين و بالنساء فاطمة و بانفسنا علىّ «١» فجعل اللّه سبحانه عليّا نفس محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم و أراد اللّه تعالى به كون على رضى اللّه عنه مساويا له صلى اللّه عليه و سلم فى الفضائل و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اولى بالتصرف فى الناس من أنفسهم قال اللّه تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فكان علىّ كذلك فهو الامام- و الجواب عنه بوجوه أحدها ان الأنفس بصيغة الجمع يدل على نفس النبي و نفس من تبعه و لا يدل ذلك على كون نفسهما واحدا مع كونه ظاهر البطلان- ثانيها انه جاز ان يكون علىّ، ايضا مرادا بالأبناء كالحسن و الحسين بعموم المجاز فان الختن يطلق عليه الابن عرفا- و ثالثها انه جاز ان يكون المراد بانفسنا من يتصل به نسبا و دينا كما فى قوله تعالى و لا تخرجون «٢» أنفسكم من دياركم و قوله تعالى تقتلون أنفسكم و قوله تعالى ظنّ المؤمنون و المؤمنات بانفسهم خيرا و قوله تعالى و لا تلمزوا أنفسكم فحينئذ لا يلزم المساوات بينهما أصلا- و رابعها ان مساوات علىّ النبي صلى اللّه عليه و سلم فى جميع الصفات باطل باتفاق الفريقين و المساوات فى بعضها لا يفيد المساوات فيما نحن فيه- خامسها انه لو كانت الاية دالة على كون على اولى بالتصرف لزم كونه كذلك فى حياته صلى اللّه عليه و سلم و أنتم لا تقولون به لكن هذه القصة تدل على كون هؤلاء الكرام أحب الناس الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.

(١) فى الأصل لا تخرجوا-.

(٢) فى الأصل عليا.

﴿ ٦١