٦٤ قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ الخطاب يعم اهل الكتابين تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ قال البغوي العرب تسمى كل قصة لها شرح كلمة و منه سميت القصيدة كلمة سَواءٍ مصدر بمعنى مستوية و لم يؤنث لان المصدر لا تثنى و لا تجمع و لا تؤنث بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ ظرف متعلق بسواء يعنى لا يختلف فيه القران و التورية و الإنجيل أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللّه يعنى لا نشرك به أحدا غيره فى العبادة لا إنسانا و لا صنما و لا ملكا و لا شيطانا محل ان رفع على إضمار هو او جريد لا من الكلمة و قيل نصب بنزع الخافض اى بان لا نعبد وَ لا نُشْرِكَ بِهِ فى وجوب الوجود شَيْئاً كما فعلت اليهود و النصارى حيث قالوا عزير ابن اللّه و المسيح ابن اللّه فعبدوهما و قالت النصارى ثالث ثلاثة وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا اى بعض الناس بَعْضاً اى بعضهم أَرْباباً يعنى لا يطيع بعض الناس بعضا مِنْ دُونِ اللّه اى بغير اذن من اللّه تعالى- عن عدى بن حاتم انه لما نزلت اتّخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون اللّه قال عدى بن حاتم ما كنا نعبدهم يا رسول اللّه قال ا ليس كانوا يحلون لكم و يحرمون فتأخذون بقولهم قال نعم قال هو ذاك رواه الترمذي و حسنه فما كان من إطاعة الرسول فهو إطاعة اللّه لا غير قال اللّه تعالى و من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه و كذا ما كان من إطاعة العلماء و الأولياء و السلاطين و الحكام على مقتضى الشرع قال اللّه تعالى أَطِيعُوا اللّه وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و ما كان منها على خلاف مقتضى الشرع فهو الاتخاذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه عن على رضى اللّه عنه لا طاعة لاحد فى معصية اللّه انما الطاعة فى المعروف رواه الشيخان فى الصحيحين و ابو داود و النسائي و عن عمران بن حصين و الحكيم بن عمرو الغفاري لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق- و من هاهنا يظهر انه إذا صح عند أحد حديث مرفوع من النبي صلى اللّه عليه و سلم سالما عن المعارضة و لم يظهر له ناسخ و كان فتوى ابى حنيفة رحمة اللّه مثلا خلافه و قد ذهب على وفق الحديث أحد من الائمة الاربعة يحب عليه اتباع الحديث الثابت و لا يمنعه الجمود على مذهبه من ذلك كيلا يلزم اتخاذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه روى البيهقي فى المدخل بإسناد صحيح الى عبد اللّه بن المبارك قال سمعت أبا حنيفة يقول إذا جاء عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فعلى الرأس و العين و إذا جاء عن اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم نختار من قولهم و إذا جاء من التابعين زاحمناهم- و ذكر عن روضة العلماء قال اتركوا قولى بخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قول الصحابة- و نقل انه قال إذا صح الحديث فهو مذهبى- و انما قلت فى العمل بالحديث ان يكون ذلك الحديث قد ذهب اليه أحد من الائمة الاربعة كيلا يلزم العمل على خلاف الإجماع فان اهل السنة قد افترق بعد القرون الثلاثة او الاربعة على اربعة مذاهب و لم يبق مذهب فى فروع المسائل سوى هذه الاربعة فقد انعقد الإجماع المركب على بطلان قول يخالف كلهم و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يجتمع أمتي على الضلالة و قال اللّه تعالى وَ (مَنْ) ... يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً و ايضا لا يحتمل كون الحديث مختفيا عن للائمة الاربعة و عن أكابر العلماء من تلامذتهم فتركهم قاطبة العمل بحديث دليل على كونه منسوخا او مأوّلا- (فائدة) لا يجوز لاحد ان يقول فى امر افتى علماء الشرع على حرمته او كراهته ان مشائخ الصوفية سنوا كذلك و نحن نتبع سنتهم و الصحيح ان الصوفية الكرام ما فعلوا قط على خلاف مقتضى الشرع و انما الفساد من جهال اتباعهم (فائدة) لا يجوز ما يفعله الجهال بقبور الأولياء و الشهداء من السجود و الطواف حولها و اتخاذ السرج و المساجد عليها و من الاجتماع بعد الحول كالاعياد و يسمونه عرسا عن عائشة و ابن عباس قالا لما نزل برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مرض طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتم كشفها عن وجهه و يقول و هو كذلك لعنة اللّه على اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد- قالت فحذّر عن مثل ما صنعوا متفق عليه و كذا روى احمد و الطيالسي عن اسامة بن زيد- و روى الحاكم و صححه عن ابن عباس لعن اللّه زائرات القبور و المتخذين عليها المساجد و السرج- و روى مسلم من حديث جندب بن عبد الملك قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم قبل ان يموت بخمس و هو يقول الا لا تتخذوا القبور مساجد انى أنهاكم عن ذلك فَإِنْ تَوَلَّوْا يعنى اهل الكتاب عن تلك الكلمة العادلة المستقيمة المستوية المتفق عليها الكتب و الرسل فَقُولُوا ايها النبي و المؤمنون اشْهَدُوا يا اهل الكتاب بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤) بالكتب السماوية كلها دونكم عن ابن عباس ان أبا سفيان بن حرب أخبره ان هرقل أرسل اليه فى ركب من قريش و كانوا ا تجارا بالشام فى المدة التي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مادّ فيها أبا سفيان و كفار قريش فاتوه و هم بايليا فدعاهم فى مجلسه و حوله عظماء الروم ثم دعا بكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذي بعث به دحية الى عظيم بصرى فدفعه الى هرقل فاذا فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد عبد اللّه و رسوله الى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى اما بعد فانى أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم يؤتك اللّه أجرك مرتين فان توليت فان عليك اثم الأريسيين و يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللّه وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّه فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ متفق عليه (فائدة) قراءة النبي صلى اللّه عليه و سلم هذه الاية على وفد نجران و كتابته الى هرقل و تسليمهم و عدم ردهم إياها بالإنكار و بالقول بان هذه الكلمة ليست فى كتبنا حجة قاطعة على نبوته صلى اللّه عليه و سلم و كون تلك الكلمة مجمعا عليها الكتب و الرسل فظهر ان قولهم بان عزيرا ابن اللّه و عيسى ابن اللّه انما كان بناء على آرائهم الفاسدة و التقليد دون الاستناد الى الكتب و من ثم احتجوا على النبي صلى اللّه عليه و سلم بقولهم هل رايت إنسانا من غيراب- قال البيضاوي انظر الى ما روعى فى هذه القصة من المبالغة فى الإرشاد و حسن التدرّج فى الحجاج بيّن اولا احوال عيسى و ما تعاور عليه من الأطوار المنافية للالوهية ثم ذكر ما يحل عقدتهم و يزيح شبهتهم بقوله مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم فلما راى عنادهم و لجاجهم دعاهم الى المباهلة بنوع من الاعجاز ثم لما راى انهم اعرضوا عنها و انقادوا بعض الانقياد عاد عليهم بالإرشاد و سلك طريقا أسهل و الزم بان دعاهم الى ما وافق عليه عيسى و الإنجيل و سائر الأنبياء و الكتب ثم لما لم يجد ذلك ايضا عليهم و علم ان الآيات و النذر لا يغنى عنهم اعرض عن ذلك و قال اشهدوا بانّا مسلمون و اللّه اعلم- روى ابن إسحاق بسنده المتكرر عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال أجمعت نصارى نجران و أحبار اليهود عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت الأحبار ما كان ابراهيم الا يهوديا و قالت النصارى ما كان الا نصرانيا فانزل اللّه تعالى. |
﴿ ٦٤ ﴾