٧٧

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّه وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الاية- فدخل الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم ابو عبد الرحمن فقالوا كذا و كذا فقال فىّ نزلت كانت لى بير فى ارض ابن عم لى فاتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال بينتك او يمينه قلت إذا يحلف عليها يا رسول اللّه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من حلف على يمين صبر و هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقى اللّه يوم القيامة و هو عليه غضبان كذا روى البغوي بسنده من طريق البخاري و فى رواية ابى داود و ابن ماجة و غيرهما عن الأشعث بن قيس قال كان بينى و بين رجل من اليهود ارض فجحدنى فقدّمته الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال أ لك بينة قلت لا قال لليهودى احلف قلت يا رسول اللّه إذا يحلف و يذهب بما لى فانزل اللّه تعالى هذه الاية و روى البخاري عن عبد اللّه بن ابى اوفى ان رجلا اقام سلعة و هو فى السوق فحلف باللّه لقد اعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت هذه الاية قال الحافظ ابن حجر فى شرح البخاري لا منافاة بين الحديثين بل يحمل ان النزول كان بالسببين جميعا و المعنى ان الذين يشترون بعهد اللّه فى أداء الامانة و ايمانهم الكاذبة ثمنا قليلا يعنى شيئا من متاع الدنيا قليلا كان او كثيرا فانها بالنسبة الى نعماء الجنة قليل جدا-

و اخرج ابن جرير عن عكرمة ان الاية نزلت فى حيى بن اخطب و كعب بن الأشرف و غيرهما من اليهود الذين يكتمون ما انزل اللّه فى التورية فى شأن محمد صلى اللّه عليه و سلم و بدلوه و كتبوه بايديهم غيره و حلفوا انه من عند اللّه لئلا يفوتهم المأكل و الرشى التي كانت لهم من اتباعهم- قال ابن حجر و الاية محتملة لكن العمدة فى ذلك ما ثبت فى الصحيح-

قلت سياق الكلام يقتضى صحة ما روى ابن جرير عن عكرمة و الحديثين المذكورين فى الصحيحين لا ينافيان رواية ابن جرير كما لا يتنافيان لجواز كون اسباب النزول كلها جميعا و اللّه اعلم و عن علقمة بن وائل عن أبيه قال جاء رجل من حضرموت و رجل من كندة الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال الحضرمي يا رسول اللّه ان هذا غلبنى على ارض لى فقال الكندي هى ارضى و فى يدى ليس له فيها حق فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم للحضرمى أ لك بينة قال لا قال فلك يمينه قال يا رسول اللّه ان الرجل فاجر لا يبالى على ما حلف عليه فليس يتورع من شى ء قال ليس لك منه الا ذلك فانطلق ليحلف فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما أدبر لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين اللّه و هو عنه معرض- رواه مسلم و فى رواية هو امرؤ القيس بن عابس الكندي و خصمه ربيعة بن عبدان- و فى رواية لابى داود انه صلى اللّه عليه و سلم قال لا يقطع أحد مالا بيمين الا لقى اللّه و هو اجزم فقال الكندي هى ارضه و

قال البغوي روى انه لما هم الكندي ان يحلف نزلت هذه الاية فامتنع امرا القيس ان يحلف و أقر لخصمه و دفعها اليه أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ اى لا نصيب لهم فِي نعيم الْآخِرَةِ عن ابى امامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب اللّه له النار و حرم عليه الجنة فقال له رجل و ان كان شيئا يسيرا يا رسول اللّه قال و ان كان قضيبا من أراك رواه مسلم- و فى رواية قالها ثلاثا وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّه وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ قيل معناه لا يكلمهم اللّه كلاما يسرهم و لا ينظر إليهم نظر رحمة و الصحيح ان هذا كناية عن الغضب و الاعراض فكانّ قوله صلى اللّه عليه و سلم فى حديث عبد اللّه و الأشعث لقى اللّه و هو عليه غضبان و فى حديث وائل ليلقين اللّه و هو عنه معرض تفسير لهذين الجملتين وَ لا يُزَكِّيهِمْ اى لا يثنى عليهم و الظاهر ان معناه لا يغفر اللّه ذنبه لانه من حقوق العباد و فيه القصاص لا محالة- عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدواوين ثلاثة فديوان لا يعبا اللّه به شيئا و ديوان لا يترك اللّه منه شيئا و ديوان لا يغفر اللّه اما الديوان الذي لا يغفر اللّه فهو الشرك و اما الديوان الذي لا يعبا اللّه به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه و بين ربه من صوم تركه او صلوة تركها و اما الديوان الذي لا يترك منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة رواه الحاكم و احمد و روى الطبراني مثله من حديث سلمان و ابى هريرة و البزار مثله من حديث انس- و ان كان الاية فى اليهود فى كتمان نعت النبي صلى اللّه عليه و سلم فعدم المغفرة لاجل كفرهم وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

(٧٧) على ما فعلوه عن ابى ذر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ثلاثة لا يكلّمهم اللّه و لا ينظر إليهم يوم القيمة و لا يزكّيهم و لهم عذاب اليم قال فقراها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاثا فقال أبو ذر خابوا و خسروا منهم يا رسول اللّه قال المسبل إزاره و المنان الذي لا يعطى شيئا الا منة و المنفق سلعته بالحلف الكاذب رواه مسلم و احمد و ابو داود و الترمذي و النسائي- و عن ابى هريرة عنه صلى اللّه عليه و سلم قال ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب اليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل و رجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له باللّه لاخذه بكذا و كذا فصدّقه و هو على غير ذلك و رجل بايع اماما لا يبايعه الا للدنيا فان أعطاه منها و فى و ان لم يعط منها لم يف- متفق عليه و رواه احمد و الاربعة و فى رواية متفق عليها عنه مرفوعا ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة و لا ينظر إليهم رجل حلف على سلعة لقد اعطى بها اكثر مما اعطى و هو كاذب و رجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم و رجل منع فضل مائة فيقول اللّه اليوم أمنعك فضلى كما منعت فضل ما لم يعمل يداك و عن سلمان نحوه بلفظ شيخ زان و عائل مستكبر و رجل جعل اللّه بضاعته لا يشترى الا بيمينه و لا يبيع الا بيمينه رواه الطبراني و البيهقي و روى الطبراني عن عصمة بن مالك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نحوه.

﴿ ٧٧