١٠٢ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه حَقَّ تُقاتِهِ اصل تقاة وقية قلبت واوها المضمومة تاء كما فى تودة و تخمة و الياء الفا لانفتاحها بعد حرف صحيح ساكن و موافقة الفعل- اخرج عبد الرزاق و الفرياني و ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن مردوية فى تفاسيرهم و الطبراني فى المعجم و الحاكم فى المستدرك و صححه و ابو نعيم فى الحلية عن ابن مسعود موقوفا و قال ابو نعيم روى عنه مرفوعا ايضا هو ان يطاع فلا يعصى و يشكر فلا يكفر و يذكر فلا ينسى- و قال البغوي قال ابن مسعود و ابن عباس هو ان يطاع فلا يعصى و هذا إجمال ما ذكر- قلت اما قوله يذكر فلا ينسى فمناطه فناء القلب و اما قوله يطاع فلا يعصى و يشكر فلا يكفر فمناطه فناء النفس و اطمينانه و الايمان الحقيقي- فمقتضى هذه الاية وجوب اكتساب كما لات الولاية و كذا يقتضيه سبب نزوله فان تفاخر الأوس و الخزرج انما كان من بقايا رذائل النفس فامروا بتهذيبها و تطهيرها عن الرذائل و تحلية القلب و النفس بمكارم الأخلاق و خشية اللّه و دوام الذكر- و قال مجاهدان تجاهدوا فى سبيل اللّه حق جهاده و لا يأخذكم فى اللّه لومة لائم و تقوموا للّه بالقسط و لو على أنفسكم و ابائكم و أبنائكم- و عن انس قال لا يتقى اللّه عبد حق تقاته حتى يحزن لسانه- قلت و قول مجاهد و انس بيان للطريق الموصل الى كمالات الولاية فان الرياضات و المجاهدات بقلة الطعام و المنام مع الذكر على الدوام و حفظ اللسان عن فضول الكلام المستلزم للعزلة و قلة المخالطة مع العوام و ترك مبالاة الناس فى رعاية حقوق الملك العلام هى الطريقة الموصلة الى تلك الكمالات- قال البغوي قال اهل التفسير فلما نزلت هذه الاية شق ذلك عليهم فقالوا يا رسول اللّه و من يقوى على هذا فانزل اللّه تعالى فَاتَّقُوا اللّه مَا اسْتَطَعْتُمْ فنسخت هذه الاية- قال مقاتل ليس فى ال عمران من المنسوخ الا هذه الاية- قلت ليس المراد منه ان ان حق التقوى صار منسوخا وجوبه كيف و رذائل النفس من الكبر و الغضب فى غير محله و الحسد و الحقد و النفاق و سوء الأخلاق وجب الدنيا و قلة الالتفات الى اللّه و اشتغال القلب بغيره ما زال حراما و لا يتصور نسخ حرمتها حتى تصير مباحة- بل المراد منه ان ازالة رذائل النفس دفعة ليست فى مقدور البشر بل يتوقف ذلك جريا على عادة اللّه تعالى على مصاحبة ارباب القلوب و النفوس الزاكية و المجاهدات المذكورة فاللّه سبحانه رخص لعباده فى ذلك و أوجب عليهم بذل الجهد فى تزكية النفس و تصفية القلب ما استطاع فمن اعرض عن ذلك بالكلية و التفت الى الشهوات فعليه اثم الرذائل كلها إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّه فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ و من اشتغل فى طلب الطريقة و بذل جهده فى دفع الرذائل و مات قبل تحصيل الكمالات فقد اتى بما وجب عليه و أرجو ان يغفر له ما ليس فى وسعه و اللّه اعلم وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) بالإسلام الحقيقي المنقادون للّه تعالى فى أوامره و نواهيه مخلصون له مفوضون أموركم اليه راضون بقضائه يعنى لا تكونن على حال سوا حال الإسلام حتى يدرككم الموت فالنهى عن الفعل المقيد بحال او وصف او غيرهما قد يتوجه بالذات الى الفعل نحو لا تزن فى ارض اللّه و قد يتوجه الى القيد كما فى هذه الاية و قد يتوجه الى المجموع دون كل واحد منهما نحو لا تأكل السمك و تشرب اللبن و قد يتوجه الى كل واحد منهما نحو لا تزن حليلة جارك- عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا ايّها النّاس اتَّقُوا اللّه حَقَّ تُقاتِهِ الاية فلو ان قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لامرّت على اهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن هو طعامه و ليس له طعام غيره رواه الترمذي و قال هذا حديث حسن صحيح-. |
﴿ ١٠٢ ﴾