١٠٣ وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه يعنى بدين الإسلام قال اللّه تعالى فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللّه فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها او بكتابه لقوله صلى اللّه عليه و سلم كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الأرض و قد مرّ استعار له الحبل من حيث ان التمسك به سبب للنجاة عن التردي فى النار كما ان التمسك بالحبل سبب للنجاة عن التردي من فوق و للوثوق به و الاعتماد عليه بالاعتصام ترشيحا للمجاز جَمِيعاً حال من فاعل اعتصموا او من مفعوله اعنى بحبل اللّه او منهما جميعا فعلى تقدير كونه حالا من الفاعل معناه حال كونكم مجتمعين فى الاعتصام يعنى خذوا فى تفسير كتاب اللّه و تأويله ما اجتمع عليه الامة و لا تذهبوا الى خبط آرائكم على خلاف الإجماع عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه يرضى لكم ثلاثا و يسخط لكم ثلاثا يرضى لكم ان تعبدوه و لا تشركوا به شيئا و ان تعتصموا بحبل اللّه جميعا و ان تناصحوا من ولى اللّه أمركم- و يسخط لكم قيلا «١» و قالا و اضاعة المال و كثرة السؤال- رواه مسلم و احمد- و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه لا يجمع أمتي على ضلالة و يد اللّه على الجماعة و من شذ شذ فى النار رواه الترمذي- و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اتبعوا السواد الأعظم فانه من شذ شذ فى النار رواه ابن ماجة و عن معاذ بن جبل قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاذة و القاصية و الناحية و إياكم و الشعاب و عليكم بالجماعة و العامة رواه احمد- و عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه رواه احمد و ابو داود و على تقدير ان يكون حالا من المفعول فالمعنى اعتصموا بجميع كتاب اللّه و لا تقولوا نومن ببعض الكتاب و نكفر (١) فى الأصل قيل و قال. ببعض فان بعض طاقات الحبل لا يقوى على الحفظ وَ لا تَفَرَّقُوا عطف على ما سبق و هذه الجملة تأكيد على أحد التأويلين و تأسيس على الاخر «٢» يعنى لا تفرقوا عن الحق باختلاف كاهل الكتاب- عن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلى اللّه (٢) فى الأصل الاخرى. [.....]. عليه و سلم ليأتين على أمتي كما اتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى ان كان منهم من اتى امه علانية لكان فى أمتي من يصنع ذلك و ان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين و سبعين ملة و تفترق أمتي على ثلاث و سبعين ملة كلهم فى النار الا ملة واحدة قالوا من هى يا رسول اللّه قال ما انا عليه و أصحابي- رواه الترمذي و فى رواية احمد و ابى داود عن معاوية ثنتان و سبعون فى النار و واحدة فى الجنة و هى الجماعة و انه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى «١» بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه لا يبقى منه عرق و لا مفصل إلا دخله- قلت فلم يتفرق الصحابة رضوان اللّه عليهم أجمعين فى زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم و لا فى خلافة ابى بكر و عمرو عثمان و أول بغى كان على الامام الحق خروج اهل المصر على عثمان رضى اللّه عنه- و أول اختلاف وقع فى امر الخلافة كان من معاوية غفره اللّه تعالى و قال كُلًّا وَعَدَ اللّه الْحُسْنى - و أول اختلاف وقع فى الدين اختلاف الحرورية الذين خرجوا على على - ثم أوقع الخلاف و رفض الحق عبد اللّه بن سبا منشأ الروافض- ثم ظهر مذهب الاعتزال فى زمن التابعين فتشبثوا بأذيال الفلاسفة و اشتغلوا بقيل و قال و أحبوا كثرة الجدال و تركوا ظواهر كتاب اللّه المتعال و سنة نبيه و مذهب السلف اهل الكمال بتقليد آرائهم الكاسدة المنشئات الضلال- وَ اذْكُرُوا يا معشر الأنصار نِعْمَتَ اللّه عَلَيْكُمْ التي من جملتها الهداية للاسلام المودي الى التالف إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً قبل الإسلام فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بالإسلام فَأَصْبَحْتُمْ اى صرتم بِنِعْمَتِهِ برحمته و هدايته إِخْواناً فى الدين و الولاية و المحبة- قال محمد بن إسحاق و غيره من اهل الاخبار كانت الأوس و الخزرج أخوين لاب و أم فوقعت بينهما عداوة بسبب قتيل فتطاولت العداوة و الحرب بينهم مائة و عشرين سنة الى ان أطفاه اللّه بالإسلام و الف بينهم برسول اللّه صلى (١) اى يتواقعون فى الأهواء الفاسدة و يتداعون فيها تشبيها بجرى الفرس- و الكلب بالتحريك داء معروف يعرض للكلب فمن عرضه قتله- نهايه- منه رحمه اللّه. اللّه عليه و سلم و كان بدو إسلامهم و ألفتهم ان سويد بن الصامت أخا بنى عمرو بن عوف يسميه قومه الكامل القوة و الصبر- نهايه منه رح لجلده و نسبه قدم مكة حاجّا او معتمرا و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد بعث و امر بالدعوة فتضدى له حين سمع به و دعاه الى ربه عز و جل و الى الإسلام فقال له سويد فلعل الذي معك مثل الذي معى فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما الذي معك قال مجلة لقمان يعنى حكمته فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اعرضها علىّ فعرضها فقال ان هذا حسن و معى أفضل من هذا قران انزل اللّه عز و جل نورا و هدى فتلا عليه القران و دعاه الى الإسلام فلم يبعد منه و قال ان هذا القول حسن ثم انصرف الى المدينة فلم يلبث ان قتله الخزرج قبل يوم بعاث و ان قومه ليقولون قد قتل و هو مسلم ثم قدم ابو الحيسر انس بن رافع و معه فئة من بنى الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قوم من الخزرج فلما سمع بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتاهم فجلس إليهم فقال هل لكم الى خير مما جئتم له قالوا و ما ذاك قال انا رسول اللّه بعثني الى العباد ادعوهم ان لا تشركوا باللّه شيئا و انزل علىّ الكتاب ثم ذكر لهم الإسلام و تلا عليهم القران- فقال إياس بن معاذ و كان غلاما حدثا اى قوم هذا و اللّه خير مما جئتم له فاخذ ابو الحيسر حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس و قال دعنا منك فلعمرى لقد جئنا لغير هذا فصمت إياس و قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و انصرفوا الى المدينة و كانت وقعة بعاث بين الأوس و الخزرج ثم لم يلبث إياس بن معاذ ان هلك- فلما أراد اللّه عز و جل اظهار دينه و إعزاز نبيه خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى الموسم الذي لقى فيه النفر من الأنصار يعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع فى كل موسم فلقى عند العقبة رهطا من الخزرج أراد اللّه بهم خيرا و هم ستة نفرا سعد بن زرارة- و عوف بن الحارث و هو ابن عفراء- و نافع بن مالك العجلاني- و عطية بن عامر- و عقبة بن عامر- و جابر بن عبد اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال أمن موالى يهود قالوا نعم قال أ فلا تجلسون حتى أكلمكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم الى اللّه عز و جل و عرض عليهم الإسلام و تلا عليهم القران- قال و كان مما صنع اللّه لهم فى الإسلام و ان اليهود «١» كانوا معهم ببلادهم و كانوا اهل كتاب و علم و هم كانوا اهل أوثان و شرك و كانوا إذا كان بينهم شى ء قالوا ان نبيا الان مبعوث قد أظل زمانه نتبعه و نقتلكم معه قتل عاد ارم فلما كلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أولئك النفر و دعاهم الى اللّه عز و جل قال بعضهم لبعض يا قوم تعلمون و اللّه انه النبي الذي توعدكم به اليهود فلا تسبقنكم اليه (١) فى الأصل ان يهود كان. فاجابوه و صدقوه و اسلموا و قالوا انا قد تركنا قوما و لا قوم بينهم من العداوة و الشر ما بينهم و عسى اللّه ان يجمعهم بك و سنقدم عليهم فندعوهم الى أمرك فان يجمعهم اللّه عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم راجعين الى بلادهم قد أمنوا فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و دعوهم الى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار الا و فيها ذكر من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى إذا كان العام المقبل اتى الموسم من الأنصار اثنا «١» عشر رجلا اسعد بن زرارة- و عوف و معاذ ابنا عفراء- و رافع بن مالك العجلاني- و ذكوان بن عبد القيس- و عبادة بن الصامت- و زيد بن ثعلبة- و عباس بن عبادة- و عقبة بن عامر- و عطية بن عامر فهولاء خزرجيون- و ابو الهيثم بن التيهان و عويمر بن الساعدة من الأوس فلقوه بالعقبة و هى العقبة الاولى فبايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على بيعة النساء على ان لا تشركوا باللّه شيئا و لا تزنوا الى آخره فان وفيتم فلكم الجنة و ان غشيتم بشى ء من ذلك فاخذتم بحده فى الدنيا فهو كفارة له و ان ستر عليكم فامركم الى اللّه ان شاء عذبكم و ان شاء غفر لكم قال و ذلك قبل ان يعرض عليهم الحرب فلما انصرف القوم بعث معهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف و امره ان يقرائهم القران و يعلمهم الإسلام و يفقههم و كان مصعب يسمى بالمدينة المقرئ و كان منزله على اسعد بن زرارة- ثم ان اسعد بن زرارة خرج بمصعب فدخل به حائطا من حوائط بنى ظفر فجلسا فى الحائط و اجتمع إليهما رجال ممن اسلم فقال سعد بن معاذ لا سيد بن حضير انطلق الى هذين الرجلين الذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما فان اسعد ابن خالى و لو لا ذلك لكفيتك و كان سعد بن معاذ و أسيد بن حضير سيدى قومهما من بنى عبد الأشهل و هما مشركان فاخذ أسيد بن حضير حربته ثم اقبل الى مصعب و (١) فى الأصل اثنى عشر. اسعد و هما جالسان فى الحائط فلما راه اسعد بن زرارة قال لمصعب هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق اللّه تعالى فيه قال مصعب ان يجلس أكلمه قال فوقف عليهما متشتما فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلا ان كان لكما فى أنفسكما حاجة فقال له مصعب او تجلس فتسمع فان رضيت امرا قبلته و ان كرهته كف عنك ما تكره قال أنصفت ثم ركز حربته و جلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام و قرا عليه القران فقال و اللّه لعرفنا فى وجهه الإسلام قبل ان يتكلم فى اشراقه و تسهله ثم قال ما احسن هذا و أجمله كيف تصنعون إذا أردتم ان تدخلوا فى هذا الدين قالا له تغتسل و تطهر ثوبك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى ركعتين فقام و اغتسل و طهر ثوبيه و شهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال ان ورائي رجلا ان اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه و سارسله اليكما الان و هو سعد بن معاذ ثم أخذ حربته فلما وقف على النادي قال له سعد ما خلفت قال كلمت الرجلين فو اللّه ما رايت بهما بأسا و قد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت- و قد حدثت ان بنى حارثة خرجوا الى اسعد بن زرارة ليقتلوه و ذلك انهم عرفوا انه ابن خالك ليخفروك«١» فقام سعد مغضبا مبادرا للذى ذكره من بنى حارثة فاخذ الحربة و قال و اللّه ما أراك أغنيت شيئا فلما راهما مطمئنين عرف ان أسيدا انما أراد ان يسمع منهما فوقف عليهما متشتما ثم قال لا سعد بن زرارة لو لا ما بينى و بينك من القرابة ما رمت اى ما قصدت- منه رح هذا منى تغشانا فى دارنا بما نكره و قد قال اسعد لمصعب جاءك و اللّه سيد قومه ان يتبعك لم يخالفك منهم أحد- فقال له مصعب او تقعد فتسمع فان رضيت امرا و رغبت فيه قبلته و ان كرهته عزلناك ما تكره قال سعد أنصفت ثم ركز الحربة فجلس فعرض عليه الإسلام و قرا عليه القران فقالا فعرفنا و اللّه فى وجهه الإسلام قبل ان يتكلم فى اشراقه و تسهله ثم قال كيف تصنعون إذ أنتم أسلمتم و دخلتم فى هذا الدين قال تغتسل و تطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى ركعتين فقام و اغتسل و طهر ثوبيه و شهد شهادة الحق و ركع ركعتين- ثم أخذ حربته فاقبل عامدا الى نادى قومه و معه أسيد بن حضير فلما راه قومه مقبلا قالوا نحلف باللّه لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم- قال يا بنى عبد الأشهل كيف تعلمون امرى فيكم قالوا سيدنا و أفضلنا رأيا و أيمننا نقيبة «٢»- قال فان كلام رجالكم و نسائكم علىّ حرام حتى تؤمنوا باللّه و رسوله قال فما امسى فى دار بنى عبد الأشهل رجل و لا امراة الا مسلم او مسلمة (١) حفرت الرجل اى أجرته و حفظته و خفّرته إذ أكدت خفيرا و حاميا و تخفرت به إذا استجرت به و الخفارة الزمام و أخفرت الرجل إذ انقضت عهده و ذمامه و الهمزة فيه للازالة اى زالت خفارته- نهايه منه رحمه اللّه (٢) النقيبة منحج الفعال مظفر المقال و النقيبة النفس و قيل الطبيعة و الخليقة- نهايه- منه رحمه اللّه-. و رجع اسعد بن زرارة و مصعب الى منزل اسعد بن زرارة فاقام عنده يدعوا الناس الى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار الا و فيها رجال و نساء مسلمون الا ما كان من دار بنى امية بن زيد و حطمة و وائل و واقف و ذلك انه كان منهم ابو قيس ابن الاسلت الشاعر و كانوا يسمعون منه و يطيعونه فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى المدينة و مضى بدر و أحد و الخندق- قالوا ثم ان مصعب بن عمير رجع الى مكة و خرج معه من الأنصار من المسلمين سبعون رجلا مع حجاج قومهم من اهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العقبة من اوسط ايام التشريق و هى بيعة العقبة الثانية قال كعب بن مالك و كان قد شهد ذلك فلما فرغنا من الحج و كانت الليلة التي واعدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معنا عبد اللّه بن عمرو بن حرام ابو جابر أخبرناه و كنا نكتم من معنا من المشركين من قومنا أمرنا فكلمناه و قلنا له يا أبا جابر انك سيد من ساداتنا و شريف من اشرافنا و انا نرغب بك عما أنت فيه ان تكون حطبا للنار غدا و دعوناه للاسلام فاسلم و أخبرناه بميعاد رسول اللّه صلى اللّه عليه فشهد معنا العقبة و كان نقيبا فبتنا تلك الليلة مع قومنا فى رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا لميعاد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نتسلك مستخفين تسلك القطا حتى اجتمعنا فى الشعب عند العقبة و نحن سبعون رجلا و معنا امرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب أم عمارة احدى نساء بنى النجار و اسماء بنت عمرو بن عدى أم منيع احدى نساء بنى سلمة فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى جاءنا و معه العباس بن عبد المطلب فقال يا معشر الخزرج (انما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها و اوسها) ان محمدا صلى اللّه عليه و سلم منا حيث قد علمتم و قد منعناه من قومنا ممن على مثل رأينا و هو فى عز فى قومه و منعة فى بلده و انه قد ابى الا الانقطاع إليكم و اللحوق بكم فان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه و مانعوه ممن خالفه فانتم و ما تحملتم من ذلك و ان كنتم ترون انكم مسلموه و خاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الان فدعوه فانه فى عز و منعة قال فقلنا قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول اللّه و خذ لنفسك و لربك ما شئت قال فتكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فتلا القران و دعا الى اللّه تعالى و رغّب فى الإسلام ثم قال ابايعكم على ان تمنعونى مما تمنعون منه نساءكم و ابناءكم فاخذ البراء بن معرور بيده ثم قال و الذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع أزرنا «١» فبايعنا يا رسول اللّه فنحن اهل الحرب و اهل الحلفة ورثناها كابرا عن كابر قال فاعترض القول (و البراء يكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم) ابو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول اللّه ان بيننا و بين الناس حبالا يعنى العهود و انا قاطعوها فهل عسيت ان فعلنا ذلك ثم أظهرك اللّه ان ترجع الى قومك و تدعنا فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم قال لا الدم الدم و الهدم الهدم أنتم منى و انا منكم أحارب من حاربتم و أسالم من سالمتم و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اخرجوا الى منكم اثنى عشر نقيبا «٢» كفلاء على قومهم ككفالة حواريين لعيسى بن مريم فاخرجوا اثنى عشر نقيبا تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس قال عاصم بن عمرو بن قتادة ان القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل انكم تبايعون على حرب الأحمر و الأسود فان كنتم ترون انكم إذا نهكت اى اتلفت- منه رح أموالكم مصيبة و اشرافكم قتلى اسلمتموه فمن الان فهو و اللّه ان فعلتم خزى فى الدنيا و الاخرة و ان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه على نهكة الأموال و قتل الاشراف فخذوه فهو و اللّه خير الدنيا و الاخرة قالوا فانا ناخذه على مصيبة الأموال و قتل الاشراف فما لنا بذلك يا رسول اللّه ان نحن وافينا قال الجنة قالوا ابسط يدك فبسطيده فبايعوه و أول من ضرب على يده البراء بن معرور ثم تتابع القوم فلما بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بانفذ صوت سمعته قط يا اهل الحباحب هل لكم فى مذمم و الصباة معه قد اجتمعوا على حربكم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذا عدو اللّه هذا اسم شيطان- و هو الحية- منه ر ح ازبّ العقبة اسمع اى عدو اللّه انا و اللّه لا فرغن لك ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ارفضوا الى رحالكم فقال العباس بن عبادة بن نضلة و الذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غدا على اهل منى «٣» (١) نمنع أزرنا اى نساءنا و أهلنا كنى عنهن بالأزر و قيل أراد أنفسنا و قد يكنى عن النفس بالإزار- نهايه منه رح. (٢) النقيب كالعريف على القوم المقدم عليهم الذي يتعرف اخبارهم و ينقب عن أحوالهم اى يفتش و قد جعل النبي صلى اللّه عليه و سلم كل واحد منهم نقيبا على قومه و جماعته ليأخذوا عليهم الإسلام و يعرفوهم شرائطه- نهايه منه رحمه اللّه. (٣) فى الأصل على اهل منا-. بأسيافنا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم نؤمر بذلك و لكن ارجعوا الى رحالكم قال فرجعنا الى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا فلما أصبحنا غدت علينا جلة من قريش حتى جاءونا فى منزلنا فقالوا يا معشر الخزرج بلغنا انكم جئتم صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا و تبايعونه على حربنا و انه و اللّه ما حى من العرب ابغض إلينا ان تنشب الحرب بيننا و بينهم منكم قال فانبعث من هناك من مشركى قومنا يحلفون لهم باللّه ما كان من هذا شى ء و ما علمناه و صدقوا لم يعلموا و بعضنا ينظر الى بعض و قام القوم و فيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي و عليه نعلان جديدان فقلت له كلمة كانّى أريد ان أشرك القوم بها فيما قالوا يا جابرا ما تستطيع ان تتخذ و أنت سيد من ساداتنا مثل نعلى هذا الفتى من قريش- قال فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما الىّ قال و اللّه لتنتعلنهما- قال يقول ابو جابر مه و اللّه احفظت الفتى فاردد اليه نعليه- قال لا أردهما فال صالح و اللّه ان صدق الفال لا سلبنه- قال ثم انصرف الأنصار الى المدينة و قد شدّد العقد فلما قدموا المدينة اظهر الإسلام بها و بلغ ذلك قريشا فاذوا اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لاصحابه ان اللّه تعالى قد جعل لكم إخوانا و دارا تأمنون فيها و أمرهم بالهجرة الى المدينة و اللحوق بإخوانهم من الأنصار فاول من هاجر الى المدينة أخو سلمة بن عبد اللّه المخزومي ثم عامر بن ربيعة ثم عبد اللّه بن جحش ثم تتابع اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إرسالا الى المدينة فجمع اللّه اهل المدينة اوسها و خزرجها بالإسلام و أصلح ذات بينهم بنبيه محمد صلى اللّه عليه و سلم وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا طرف حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ اى متقاربين الوقوع فيها لم يكن بينكم و بين الوقوع فيها الا ان تموتوا على كفركم فَأَنْقَذَكُمْ اى اخلصكم اللّه بالإسلام مِنْها الضمير للحفرة او للنار او للشفا و تأنيثه لتأنيث المضاف اليه و لانه بمعنى الشفة فان شفا البير و شفتها طرفها كالجانب و الجانبة و أصله شفو فقلبت الواو الفا فى المذكر و حذفت فى المؤنث كَذلِكَ التبيين يُبَيِّنُ اللّه لَكُمْ آياتِهِ دلائله لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣) لتثبتوا على الهدى و تزدادوا فيه-. |
﴿ ١٠٣ ﴾